حوار مع الأستاذ هداد خليفة محمود حمد آل ركا - الحلقة الثانية
بقلم الأستاذ: حسين رمضان - كاتب ارتري
”التعليم والمدارس الأجنبية في كرن“
نلتقي مجدداً في الحلقة الثانية في برنامج
”كيف الحال“ في قناة اريسات الفضائية المستقلة بالأستاذ هداد خليفة محمود حمد آل ركا، وموضوع هذه الحلقة عن الجاليات الأجنبية وما أنشأته من المدارس التعليمية في مدينة كرن وضواحيها.
نحن سعداء أن نلتقي بك الأستاذ/ هداد خليفة محمود مرة أخرى لأن الحديث عن كرن ومجتمعاتها حديث شيق وحديثنا اليوم كما أسلفنا سوف ينصب عن سكان كرن خاصة من الجاليات الأجنبية التي عاشت فيها وتركت فيها بصمات واضحة وجلية لا سيما في مجال التعليم والأعمال الإنسانية.
سؤال: نبدأ حديثنا عن التعليم، الأوروبيين لا سيما الايطاليين والانجليز تركوا في هذا المجال بصمات واضحة فماذا تذكر من ذلك؟
جواب: مدينة كرن كان فيها مدارس حكومية ومدارس أجنبية ومن المدارس الأجنبية أذكر مدرسة البروتستانت ”مدرسة الصم“ والتي تأسست في الخمسينات من القرن الماضي تقريباً في مبنى ”بلاسو ريبا“ وهذا المبنى يعتبر وقتها أكبر مبنى في كرن، والطابق الأرضي هو عبارة عن مجمع تجاري والطابق العلوي سكني، ويقع المبنى في وسط السوق مقابل دوار ”جيرا فيوري“ المعروف، وفي هذا المبنى كان اكبر نادي وبار إيطالي في مدينة كرن، والمبنى كان فيه أكثر من ثلاثين باباً و36 عمود في برنداته، ثم انتقلت مدرسة الصم من ”بلاسو ريبا“ إلى حي كامبو البوليس، حيث تم منحهم أرض كبيرة بنوا عليها المدرسة وتم تطويرها إلى الأفضل، ومن أوائل المؤسسين والمدرسين فيها ”مس إليز روز، ومس اني كوبينين“ وكان أيضاً من ضمن طاقم المدرسة موظف هو عمنا ”إزاز ورع سب“، وهذا الرجل له تأريخ في كرن، والتحق من أبناءه بالجبهة ومنهم المناضل ”تخلي إزاز ورع سب“، وهو الآن في هولندا، والمناضل ”وولدآب“ ومن أبنائه أيضا ”فسها“ و”مسقنا“ وهو الآن مستمع وموجود في أمريكا وهؤلاء الأبناء كانوا ساكنين في المدرسة مع والدهم، ثم فيما بعد تم تعيين الأستاذ ”نقوسي قلايدوس“ مديراً للمدرسة، وانتقلت المدرسة إلى ”دعاري“ في بستان تملكه ستي علوية الميرغنية، ولكني غير متأكد هل تبرعت لهم بالأرض أم اشترتها منها الحكومة، والمدرسين كانوا من الجنسية الفنلندية.
سؤال: يقال أن الايطاليين في ارتريا كانوا لا يسمحون للمواطنين من الاختلاط بهم خاصة في نادي الايطاليين وغيره من الأماكن هل هذا الخبر صحيح؟
جواب: سمعنا بالعنصرية كانت موجودة سابقاً وأما في زمننا لم يحدث شيء من هذا الأمر، وبالنسبة للنادي فهو خاص بهم ولا يدخله أحد غيرهم.
سؤال: هل كانت مدرسة الصم مدرسة خاصة أم عامة تخدم كل الإرتريين من سكان كرن وغيرها؟
جواب: كانت تخدم كل الارتريين، ويأتون إليها من عدة مدن وبدون تمييز.
سؤال: هل نستطيع أن نقول هذه المدرسة أول مدرسة ”للصم“ في عموم ارتريا وفي كرن خاصة وهل كانت هنالك مدارس أخرى أجنبية في كرن؟
جواب: مدرسة الصم هي المدرسة الوحيدة في جميع أرتريا وموقعها كرن.
وأذكر من المدارس الأخرى:
أولاً: مدرسة للكاثوليك الإيطاليين يدرس فيها أصحاب الإمكانيات المادية، والدراسة فيها باللغة الإيطالية، وموقعها كان بالقرب من مستشفى كرن وكانت تابعة لـ ”سوريلة“ والفصول فيها حتى الرابع.
ثانياً: مدرسة كاثوليكية تسمى ”فرتيلو” وفصولها حتى الثاني عشر.
ثالثاً: مدرسة أرثوذكسية اسمها ”محبر هواريات“ تابعة للأرثوذيكس وتدرس باللغة التقرنية وهي تعتبر من المدارس الدينية، ومقرها بين ”عد حباب وحشلا“، وعد حباب يعتبر من أكبر الأحياء الشعبية في كرن.
رابعاً: مدرسة ”هود سن“ وهو المالك والمدرس والمدير في نفس الوقت وهو من الجنسية البريطانية والدروس فيها خصوصية، وأيضاً كان هنالك رجل يسمى ”ديفيد تامسون“ كان ساكن بالقرب من مبنى ”بلاسو ريبا“ وكان يدرس دروس خصوصية للمدرسين والطلاب في منازلهم، وهو سابقاً تم طرده من القاهرة ويجيد اللغة العربية والتقري ولغة التدريس كانت الإنجليزية.
سؤال: المدارس التي ذكرتها كلها تقريباً خاصة بالمذهب الكاثوليكي هل كانت هنالك مدارس أخرى خاصة بالمذهب البروتستانتي.
جواب: نعم كانت هنالك مدرسة تابعة للبروتستانت وتدرس باللغة الإنجليزية والتقرنية والتقري، ولم تكن لغة التقري رسمية في هذه المدرسة وحروفها تكتب بالتقرنية، وموقعها في حي ”حشلا“ ومن المدرسين فيها أذكر الأستاذ/ ”محاري قشي“، ”سبحتو دانئل“، ”وتسفو قبطان“، وفصولها حتى الرابع.
سؤال: هل كان في كرن مدارس عربية أو معاهد تدرس اللغة العربية؟
جوابك: لم يكن هنالك مدارس تدرس اللغة العربية ولكن المدارس الحكومية أيام الفيدرالية كانت تدرس اللغة العربية وبعد إنهاء الفيدرالية تم إلغاء اللغة العربية، وأصبح التدريس باللغة الأمهرية فقط. ولكن كان يوجد معهد واحد فقط يسمى ”معهد أصحاب اليمين“ والمؤسس والمسؤول عنه هو الشيخ/ محمد صالح، وبالإضافة لذلك كان يوجد عدد كبير من الخلاوي القرآنية تدرس اللغة العربية وعلوم القرآن الكريم.
سؤال: كيف كان أحوال الطلاب في هذه المدارس مع العلم بأن البعض منهم كانوا يأتون من خارج كرن من الأرياف والقرى، ألا يجدوا صعوبة في التعايش في بيئة كرن.
جواب: التعايش في بيئة كرن لم يكن صعباً للطلاب لأن البيئات الارترية متشابهة فمن الطلاب من كان يأتي من ضواحي كرن وهي قريبة جداً لهم، والبعض الآخر يأتي من المدن الكبيرة مثل اغرادات وتنسي وغيرها من القرى والأرياف فلم يكن هنالك أي صعوبة تواجههم ولا توجد فوارق تذكر، وفضلاً عن ذلك بعض الطلاب لهم معارف وأقرباء في كرن، لذا يحدث اندماج وانصهار سريع.
وحتى الخواجات لم يجدوا صعوبة في الاندماج في المجتمع الإرتري بصفة عامة والكرني بصفة خاصة فمثلاً أبناء ”أورتلا“ كلهم يتكلمون التقرايت وأخوهم الكبير ”لوجي“ كان يلعب مع أبناء البلين لعبة تسمى ”القوليا“ ويتكلم لغة البلين بطلاقة، وهي تعتبر من اللغات الصعبة حتى أبناء البلين قد لا يجيدونها ويجدون صعوبة في تعلمها وأنا كنت أغير من الإيطاليين الذين يتحدثون البلين، لأني بليناوي وللأسف لا أتحدث لغة البلين بطلاقة أو كما ينبغي، وعلى فكرة كنت سابقاً أتحدث اللغة الإيطالية والتقرنية بطلاقة، ولكن مع الوقت وعدم الممارسة نسيت الكثير من مفرداتها.
سؤال: كثير من الناس الكبار الذين تلقوا تعليمهم سابقاً في تلك المدارس التي ذكرتها والتعليم في ذلك الوقت كان قوي لذا أفهام الناس كانت واسعة وراكزة واكتسبوا معرفة وخبرة ممتازة، طيب هل هؤلاء الناس تم توظيفهم في المدراس الكاثوليكية والبروستانتية والأرثوذكيسية، التي أتيح فيها التدريس للمعلمين الأجانب من فنلندا وإيطاليا وبريطانيا والسويد، هل كان هنالك حظ للمواطنين الأرتريين في العمل كمدرسين أو موظفين فيها؟
الجواب: نعم تم توظيف عدد من المدرسين المواطنين في هذه المدارس، وأذكر بعض الأسماء مثلاً في المدارس الإيطالية ”عد بادري“ كان منهم مدرس يدعى ”فرانكو مرافيلية“ وهو من أصل إيطالي ولكنه ارتري ويتحدث التقرنية والتقري، و الأستاذ/ محمد عمر يحيى، الذي تم نقله فيما بعد إلى مدرسة حكومية، وقد التحق فيما بعد بالميدان مناضلاً وهو الآن يعيش في السعودية - أطال الله في عمره - وفي الكنائس التي تم إنشاؤها في القرى والأرياف تم تعيين عدد اثنين إلى ثلاثة من المواطنين.
وأنا كنت أقول للمدرسين الذين أعرفهم ما زحاً عبارة إيطالية ”ميسترو ترنيتا“ وتعني أصحاب راتب ثلاثين دولار وهذه كانت رواتبهم الشهرية في سلك التدريس.
سؤال: ما هي فترات التدريس في هذه المدارس هل هي صباحية أومسائية؟
جواب: بالنسبة للمدارس الحكومية كانت صباحية ومسائية وفصولها حتى الفصل الثامن يعني ابتدائي ومتوسط، أما المدرسة الثانوية فقد تم إنشاؤها متأخراً في كرن، وكما لم يكن في ذلك الوقت مدارس للبنات في كرن، وعلى حسب علمي أو مدرسة للبنات أفتتحت في منطقة المنخفضات كانت في مدينة ”علي قدر“، والدليل على ذلك أختي الكبيرة درست في مدارس إيطالية في كرن، ثم إنتقلت إلى مدينة ”علي قدر“ وإلتحقت بمدرسة أولية خاصة للبناتت فيها.
والمدرسة الوسطى في كرن كان موقعها بعد كبري سكة الحديد في اتجاه ”كرن لعالاي“ وأول ناظر في هذه المدرسة هو الأستاذ ”عبدالقادر مركي“ وبعده تم تعيين الأستاذ/ بشير خليفة محمود وهو شقيقي وفيما بعد تم نقل هذه المدرسة إلى مكان يسمى ”بترية“.
وفي مكان المدرسة الوسطى القديم تم افتتاح أول مدرسة للبنات في كرن، وبالمناسبة الأستاذ بشير/ خليفة محمود هو أول من أفتتح مدارس ”علي قدر وقلوج“ وهي مدن بالقرب من الحدود السودانية.
ومن الطرئف التي أذكرها في إحدى اللقاءات قال الأخ والأستاذ عمر بلاتا جابر - رحمه الله - أول مدرسة للبنات أفتتحت في ”علي قدر“ وجهلاً مني قلت له كيف تقول هذا الحديث وأبناء ”علي قدر“ يدرسون في كرن وذكرت له أسماء بعض الطلاب ومنهم من هو الآن على قيد الحياة متعهم الله بالصحة والعافية، وأيضاً ذكرت له أسماء بعض من انتقل إلى رحمة الله، نسأل الله أن يرحمهم ويغفر لهم ومن الأسماء التي ذكرتها له محمد صالح بلاتا يسين، وهو أخ ”الزين يسن“ وموسى بلاتا يسين، والأستاذ جابر سعد، والأخ محمد شطف وهو من أصل يمني، وهؤلاء كلهم كانوا يدرسوا في كرن، وكما أسلفت ومن سوء فهمي قلت له كيف هؤلاء المذكورين من أبناء ”علي قدر“ ويدرسون في كرن وأول مدرسة تكون افتتحت عندهم، فقال لي الأخ الشهيد عمر جابر يا هداد الله يهديك، أنا أقصد مدرسة البنات وليس الأولاد، وبالرغم مما قال لم اقتنع بكلامه حتى سألت غيره ثم عرفت الحقيقة، والذي أكد لي الموضوع أن أختي التحقت بمدرسة البنات في ”علي قدر“ بعد أن أكملت دراستها في المدرسة الإيطالية في كرن، لعدم وجود مدرسة للبنات في كرن.
سؤال: هل سبق لك أن زرت ”عيلا برعد“.
جواب: لم أزرها بل كنت أمر عليها أحياناً، وأيضا من المناطق التي كنت أمر عليها ”عد بربري“ وعد تكليزان، ”وعيلا برعد“ كما يعلم الجميع كان فيها مشروع زراعي وأبقار وصاحب هذا المشروع يدعى ”كشاني“ ثم اشترى المشروع ”شربتلي“ وهو رجال أعمال سعودي من أصل حضرمي، وهذا المشروع اشتهر باسم ”دنداي“ وهو كان الإداري الأول للمشروع، وقد وجدت هذه الحقيقية في السعودية من ابن رجل الأعمال ”شربتلي“ وكان شريك للشيخ/ طه بخش وهذا كان كفيلي في السعودية وفي نفس الوقت كفيل شركة أمريكية في الرياض. ”فدنداي“ كان يديرالمشروع و”شربتلي” هو المالك الحقيقي.
سؤال: أهل كرن كانوا مهتمين بالتعليم ومن يدرس منهم حتى الصف الرابع يعتبر خريج وبامتياز وله المقدرة أن يدرس الطلاب وأنا درسوني كثير من أبناء كرن في السودان في المرحلة الابتدائية وفي اليونسكو في كسلا ومدرسة كمبوني في بورتسودان ولا استطيع أن أذكر أسماء بعينها حتى لا أنسى، وهنا أترحم على الأموات منهم وأتمنى الصحة والعافية للأحياء فميا رأيك في هذه؟
جواب: كثير ممن تخرج من المدارس الابتدائية والمتوسطة يصبح مؤهلاً للتدريس في المدارس والأمثلة على ذلك كثيرة. لذا كل المدرسين الذين تخرجوا في الخمسينات والاداريين الذين كانوا يديرون الحكومة الفدرالية هم خريجي الفصل الرابع في فترة الإيطاليين.
سؤال: هل كانوا هؤلاء الأجانب الذين تعاملت معهم من الأوروبيين والأمريكان يعطونك شيء من المال مقابل تعاونك ومساعدتك لهم؟
جواب: نعم كنت أخذ منهم مقابل مالي مكافأة الترجمة ومرافقتهم إلى بعض المحلات في السوق، وكنت أخذ عمولة أيضاً من أصاحب المحلات مقابل الزبون الذي احضره إليهم.
سؤال: ماذا عن مدرسة ”لالمبا” ويقال أنها مدرسة أيتام حدثنا عنها؟
جواب: الرجل الذي أسس هذه المدرسة هو ”مستر هيو داوني“ وهو أمريكي الجنسية، وتعرفت عليه عن طريق رئيسه الكابتن ”استانلي“ وقد تكون سمعت ”براديو مرينا“ التابع للقاعدة الأمريكية في أسمرة ”كانيو استيشن“، وموقعها كان مفصول عن القاعدة وتقع في حي يسمى ”الفارمايو“ وبالتقرينية يسمى ”قجربت“ وهذا الرجل عسكري عادي وله شريط واحد وقائد لخمسة أفراد ”GI“ وكانت لهم استراحة في كرن أسمها ”قراندي هوتيل“ والآن يملكها الشيخ/ عمر حاج محمد.
ومن هنا توطدت العلاقة بيني وبين ”مستر هيو داوني“ والذي تعرفت عليه عن طريق ”الكابتن استانلي“ وكان يحلو له أن يناديني بـ ”chif“ وتعني عمدة لأنه لا يستطع نطق اسمي بشكل صحيح، فقال ”لمستر هيو داوني“ إذا ذهبت إلى كرن تواصل مع ”هداد“ وهو سوف يخدمك.
وأخبرني ”الكابتن استانلي“ وقال لي سوف يأتي إلى كرن يوم الأحد ”مستر هيو داوني“ وكما أسلفت كانت لهم استراحة في كرن يعمل فيها شخص يدعى ”يماني مرها طي“ بوظيفة مباشر وهو من أبناء أسمرة وكان لوالده مطعم في اسمرة.
وأخبرني ”يماني“ أن ”مسترهيو داوني“ وصل ويسأل عنك ويريد أن يقابلك، فحضرت إليه في مقره وبعد التعارف بيننا قال يوم السبت سوف نذهب إلى جبل ”للالمبا“ وقال كم يأخذ من الوقت الذهاب إلى الجبل فقلت له تقريباً 15 دقيقة، ثم انطلقنا بسيارته ووصلنا إلى الجبل بعد 10 دقائق. وفي حافة الجبل توجد قرية صغيرة تسمى ”عد حشل“ وتركنا السيارة فيها وصعدنا إلى الجبل سيراً على الأقدام، وأخذ منا الصعود إلى الجبل تقريباً ساعات، ثم نزلنا منه عند الساعة السادسة مساءاً وفي أثناء نزولنا شاهد عن بُعد بالكشاف كنيسة فسألني عن تلك المنطقة فقلت له اسمها ” شنارا” فقال هل يمكننا الذهاب إليها فقلت له لا نستطيع الآن والوقت متأخر، وأتفقنا أن نذهب إليها الأسبوع القادم.
في الأسبوع القادم ذهبنا إلى منطقة ”شنارا“ وإلتقينا بالقسيس المسؤول عن الكنيسة وهو من ”الكاثوليك“ ورحب بنا وأدخلنا في مكتبه وضيفنا بوجبة الغداء والشاي، فأشار ”مستر هيو داوني“ إلى مبنى أمامه مستفسراً ما هذا المبنى فقال القسيس هذه مدرسة وتتكون من فصلين فقال ”مستر هيو داوني“ أستطيع أن أساعدكم في توسعة فصولها.
وفعلاً عمل دراسة لتكلفة المبنى من مواد البناء من محلين أحدهما مغلق ”قبري“ وآخر ”عندي مكئيل“ وعمل مقارنة للأسعار وتم اختيار الأفضل، وأحضر القسيس مهندس البناء بمعرفته.
وجاء ”مستر هيو داوني“ بسيارة جيش كبيرة من قاعدة اسمرا لنقل مواد البناء ومعه عسكريين من رفقاءه وأسماءهما كما يحضرني ”بيل“ و ”ديفيد“ وتم بناء فصلين كبيرين في قت وجيز بمنطقة ”شنارا“.
وفي يوم افتتاح الفصول حضر الحفل شخص يدعى ”ميجور مورشرود“ وهذا الرجل كانت مهمته تدريب الجيش الأثيوبي الذي يسمى ”طير سراويت“ في اسمرة ولديه سيارة هيئة دبلوماسية وأثناء الاحتفال احضروا معهم شعار مكتوب فيه عبارة ”جان اف كندي شنارا اسكول“.
وبعد الانتهاء من حفل الافتتاح ”بشنارا“ طلب ”مستر هيو داوني“ مني ومن زملائي الذين برفقتي وهم ”طهي وسيوم“ وهم من المدرسين أن نذهب إلى منطقة تسمى ”قلاس“ وهي تقع في جهة ”حقات“ والقسيس في هذه المنطقة من قُنع ”عد زمات“ واسمه ”آب قبر قدوس“ وقد أستقبلنا احسن استقبال وضيفنا ثم دار الحوار بينهما عن احتياجات المنطقة ووافق لهم على حفر بئر كبير واعتمد لهم عدد ثلاثة مدرسين، بالإضافة للمدرسين الذين عندهم وأذكر أحدهما ويدعى ”ولد يسوس“، وأسماء المدرسين الثلاثة الذين اعتمدهم ”مستر هيو داوني“ هم ”سيوم عني قرقيس ورع“ وموجود الآن في تكساس و ”أببي بلاتا قبري ازقهير“ وهو موجود في المانيا و ”زهي عقبا لدت“ موجود في تورنتو والقسيس يعتبر عمه.
وبعد ”قلاس“ ذهبنا إلى منطقة ”أشرا“ وسكانها خليط من البلين والتقري وقليل من القبائل الأخرى وبالقرب من هذه البلدة يوجد ”عد زمات“ وهم أهل ”حامد فرج“ رئيس البرلمان الأرتري سابقاً، وفي ”أشرا“ التقينا مع القسيس يسمى ”أبرا قبر قدوس“ وهو من معتنقي المذهب الكاثوليكي، وكان برفقته شخص يدعى ”قربان“ وهو من كرن لعالاي وآخر يدعى ”قبري مدحن زايد“ وهم مدرسين في اشرا، وفيما بعد هذا الأخير التحق بجبهة التحرير الأرترية ثم انتقل إلى قوات التحرير ثم الجبهة الشعبية.
ثم عدنا إلى كرن وبعد أسبوع رجعنا مرة أخرى إلى أشرا ومعنا المسؤول الأمريكي ”ميجر“ وتم تأمين المنطقة بطير سراويت قبل زيارتنا لها وتفاجأنا بهؤلاء الطير سراويت، وفي تلك الأمسية تم عرض فلم وثائقي ومضمونه يتحدث عن اللجوء والأعمال الإنسانية، وتم حشد أعداد كثيرة من سكان ”أشرا“ وما حولها من القرى، ومن بساطتنا لم نكن نعرف ما الهدف الحقيقي ومن راء هذا العمل. وبعد انتهاء عرض الفلم الوثائقي رجع الميجور مع جيشه ونحن رجعنا مع ”مستر هيو داوني“ إلى كرن.
ثم محطتنا التالية بعد ” أشرا“ كانت منطقة ”عد زمات“ وغالبية سكان هذه المنطقة من البني عامر، ويوجد معهم بعض القبائل من البلين وفيها أيضاً قبائل شبق وهم من المرتفعات، وغيرهم ولكن لغة التحدث هي التقرايت. والناس متداخلين ومتصاهرين بالتزواج.
وقال ”مستر هيو داوني“لسكان ”عد زمات“ماذا تريدون أن نقدم لكم من خدمات فقالوا له نريد أن تبني لنا مسجد، فقال بناء المساجد والكنائس ليس من اختصاصي، إنما الذي استطيع أن أخدمكم فيه هو بناء مدرسة أو عيادة طبية أو حفر بئر يعني أمور خدمية إنسانيىة.
وبعد ذلك عدنا إلى كرن إلى حوش عمنا موسى حاج وهو والد المناضل سليمان موسى حاج نسأل الله له الرحمة والمغفرة، وكان في هذا الحوش كثير من الغرف فاستأجر ”مستر هيو داوني“ثلاثة غرفة مع دورات المياه، وجعل إحدى الغرف مكتبة، والغرفتين جعلهما سكن ضيافة للمعلمين أو غيرهم، والأخ عمر موسى حاج كان في ذلك الوقت رئيس بلدية كرن، وعقد معنا ”مستر هيو داوني“اجتماع وقال لنا القصد من أعمالي هذه ليس نشر دين ولكن القصد هو رفع مكانة رئيس أمريكا جون كندي.
ثم غادر ”مستر هيو داوني“إلى أمريكا وبعد فترة جاء إلينا وهو انسان مدني ليس له أي ارتباط أو علاقة بالعسكرية لأنه استقال من العسكرية، وكان حذر في تحركاته ويبدو أنه كان يخاف من الثوار وقد سمع من قبل أن الثوار اختطفوا بعض الأمريكان في عام 1965م وعلى إثر ذلك أثيوبيا أرسلت طائرة إلى كرن وكان يتحدث فيها يشخص يدعى ”لجام“عبر مكبر الصوت وهو من منطقة محلاب وكان يعمل مترجم للحاكم ”لأسرات كاسا“ويقول بلغة التقرايت الأمريكيان والأثيوبي إذا لم يرجعوا سوف نقلب كرن عليها على سافلها يعني عبارات تهديد وتخويف، ومثل هذه الأخبار كانت تمثل هاجس ”لمتسر هيو داوني“في تنقلاته مخافة أن يقع في أيدي الثوار.
وفي آخر أيامه كان يريد ”مستر هيو داوني“أن يلتقي بالجبهة وأخبروه بعض الناس أن ”هداد“يستطيع أن يخدمك في هذا الأمر، وجاء وسألني عن المناضل عمر حاج ادريس - أطال الله في عمر - وهو الآن في مدينة جدة. وهو كان يعمل صراف في بلدية كرن ثم خرج منها والتحق بالثورة وهو من الذين حضروا أول معركة للثوار في منطقة ”عبدورا“”سيدري“وفي أرض المعركة كان يوجد بستان، فقال لي أريد أن اتصل بالثوار فقلت له لا أدري شيء عن مكان الثوار، وهذا الخبر وصل للشرطة أو مركز الأمن وتم استدعائي ومعي الأخ ”زاهي” وشخص آخر نسيت أسمه، والعسكري الذي كان يتحرى معي اسمه ”بيني“واصبح فيما بعد ملازم وكان يعذب السياسيين وهو من كبار المجرمين، والجبهة كانت تتابعه حتى تم تصفيته في منطقة ”أم حجر“.
وفي مركز الشرطة عندما دخلت لفت نظري في الحائط صور عدد كبير من أبناء كرن الذين التحقوا بالثورة، وفوق الصور على جهة اليمين واضعين صورة عمر حاج ادريس وعلى اليسار صورة ”صالح أحمد إياي“، وأنا مستغرباً كنت اتفرج على الصور فقال لي المحقق بلغة التقرنيا تعرف هؤلاء، ورديت عليه من هم هؤلاء طلاب ”متغابياً“، فأشار إلى صالح إياي، كيف لا تعرف هؤلاء وصفعني على خدي بيده. وبعد فترة من التحقيق اطلقوا سراحنا.
و”مستر هيو داوني“عندما رجع عاد إلى كرن واحضر لنا بعض الهدايا وهي عبارة عن ”دولار فضية“ فيها صورة رئيس أمريكا ”جون كندي“ وهذه الهدية التذكارية حتى اليوم موجودة معي.
ثم منحته الحكومة أرض بالقرب من مستشفى كرن وكان الموقع مقر ”عساكر الغابات“ وبنى في هذا الموقع مدرسة سماها ”مدرسة للالمبا للأيتام“ وأنا كنت معه حتى تاريخ استدعاء الشرطة والتحقيق معي بعدها تركته.
وفي إحدى الليالي وكرن كان فيها حذر تجوال ”كبرو فوكو“”ومستر هيو داوني“كان مستأجراً فيلا بالقرب من ”سوق العيش - فرشت“يملكها تاجر حضرمي اسمه ”با حسن“والمدرسة التي بناها كانت قريبة من”فرتا“معسكر الجيش وعند الساعة الثامنة مساء خرج مع زوجته يتمشى، فأطلق عليهما الجيش الأثيوبي النار فأصيبت زوجته بكسور في رجليها ونجا هو من الحادث، وإثر ذلك الحادث غادر ارتريا إلى بلاده لعلاج زوجته.
سؤال: الأستاذ هداد خليفة محمود إن كان لك من كلمة أخيرة في نهاية هذا اللقاء الجميل والمفيد؟
جواب: أحيي جميع أبناء كرن وضواحيها والمعذرة لأي نقص أو نسيان.
والشكر لك الأستاذ هداد خليفة محمود آل ركا، على هذا توثيق للأحداث الهامة التي أرتبطت بكرن وضواحيها وأنا سعيد بهذا اللقاء وآمل أن تتكرر اللقاءات معك لمعرفة المزيد عن مجتمع كرن الحبيبة.
نواصل بإذن الله... في الـحـلـقـة الـقـادمـة