مقابلة مع أحد رواد تجربة الكفاح المسلح الإرتري المناضل عمر حاج إدريس

حاوره الأستاذ: محمود أفندي  المصدر: عونا الإخبارية

المناضل عمر، أنت واحدٌ من أبرز الشخصيات التاريخية التي لعبت دورا لا يستهان به

عمر حاج إدريس 1في سجل الثورة الإرترية ونضالات الشعب الارتري منذ بداياتها، ومشهودٌ لك بالتَّفاني والإخلاص وحب العمل الثوري منذ نعومة أظافرك، ومن خلال الحديث معك نود تسليط الضوء على هذه المرحلة الهامة في تاريخ نضالات الشعب الارتري الذي سيأخذنا بالتأكيد إلى الحقب الأولى لهذا التاريخ المليء بالكثير من التحديات التي واجهت الثورة داخليا وكذلك على المحيط الإقليمي والدولي.

نتمنى أن يتسع لنا صدركم قبل هذا وذاك لنقول من هو المناضل عمر حاج إدريس، ولأنك لا تخفى على أحد، ولكن حبذا لو بدأت لنا بنبذة عن بطاقتك الشخصية قبل الخوض في الأسئلة؟

الاسم: عمر الحاج إدريس، من مواليد 1935م بمدينة كرن، التي نشأت وتربيت فيها في كنف أسرة متدينة، انتقل بعدها الوالد إلى قرية علي قِدِر التي درست فيها الابتدائية والمتوسطة، ثم عدت لدراسة المرحلة الثانوية بمدينة كرن وسط الاقران من ابناء النسيج المجتمعي الواسع الذي ميز هذه المدينة عن غيرها من المدن الارترية، وكانت هذه مرحلة تشكل الوعي بالنسبة لي ولأبناء جيلي. لي من الابناء بنتين وثلاثة أولاد.

المناضل عمر، حدثنا عن بدايات دخولك للعمل الوطني؟

لقد بدأنا العمل الوطني السري في وقت مبكر في أواخر الأربعينات؛ إذ كانت هذه الفترة تشهد حراكا كبيرا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة دول المحور.

وحينها بدأ الحس الوطني يتبلور عند الشباب وكنا في ذاك الوقت من شباب الرابطة الإسلامية التي تأسست على خلفية ما كانت تمور به تلك المرحلة من تشكل للوعي الذي كانت تتنازعه الخيارات في ما عرف بمرحلة تقرير المصير، والتي كان لها القدح المعلى في شحذنا بالوعي اللازم الذي كان سلاحنا في مجابهة مطامع الامبراطورية الاثيوبية الساعية لضم لارتريا، وكان تأسيس حركة تحرير ارتريا في العام 1958م هي البدايات الاولى لتلك النضالات ، التي انتميت اليها مبكراً.

مرحلة العمل السري في مدينة كرن، حدثنا عن هذه المرحلة بإسهاب، وعن تحدياتها وكيف كانت تتم عمليات تأطير الشباب في هذه المرحلة الصعبة والمحفوفة بالمخاطر؟

كما اسلفت، لقد شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حراكا سياسيا حول مصير إرتريا وبقية المستعمرات الإيطالية؛ خاصة بعد التآمر على شعبنا وربط مصيره بإثيوبيا وظهور النوايا الإثيوبية تجاه شعبنا، وخصوصا تجاه أبناء مجتمعنا. ولقد بدأ الحس الوطني يتبلور في أوساط الشباب، وكنا في تلك الفترة نقوم باللقاءات السرية على شكل أفراد لا يتعدى عددنا الثلاثة أفراد؛ حتى لا نلفت الأنظار.

وكانت اللقاءات تتم بدايةً قبل وبعد صلاتي الفجر والعشاء إذ يعتبر هذا الوقت من أفضل الاوقات باعتبار أن الحضور يأتي للصلاة مما لا يدع مجالًا للشك حينها، وكانت اللقاءات لا تتجاوز من 10–15 دقيقة وكنا نتفاكر ونضع خطط التحرك لتأطير الشباب، وكل منا يحدد الهدف الذي يريد مقابلته وهكذا توالت اللقاءات حتى أصبح عددنا وقتها لا بأس به وعندما لاحظنا استعداد الشباب وحماسهم للتضحية؛ قررنا أن نوسع عملنا وأصبحنا نستهدف أماكن وجودهم كالمقاهي وخلافه.

وهنا لا يفوتني أن أذكر قهوة كردي التي كانت مفضلة بالنسبة لنا لوجود دور سفلي فيها (قبو) وقهوة عبد العليم وقد كانت السرية أهم نقطة في عملية الحشد التأطير لصالح الثورة.

العم عمر مدينة كرن الصامدة كانت تشهد العديد من الأنشطة ما سر ذلك؟

أولا مدينة كرن تركيبتها فريدة، حيث كانت تذخر بتعدد سكاني مميز كما اشرت سابقا، حيث كانت تجمع كافة المكونات الإرترية وغير الإرترية، اذ كانت هناك الجالية اليمنية، والسودانية، اللتين أصبحتا جزءًا من مجتمع المدينة. هذا التنوع جعل منها مدينة حضرية يعيش فيها الناس بسلام ووئام وانسجام مما جعل منها مدينة ذات طابع خاص، كل هذا جعل منها مدينة مفعمة بالنشاط والحركة في مختلف المجالات، وانعكس ذلك في نشاطها السياسي المعبر عن رفضه لسياسات الضم لإثيوبيا مبكراً، وانضمامها لمعسكر الثورة ودعمها ورفدها بالشباب عند انطلاق شرارة الكفاح المسلح في 1961 م بقيادة البطل الشهيد حامد ادريس عواتي .

تم اعتقالكم من قبل جيش الاحتلال الإثيوبي، ما سر تداعيات هذا الاعتقال؟

نتيجة لما كانت تشهده البلاد من حراك سياسي في تلك الفترة خاصة في عام 1958م وبعد توسع العمل التعبوي بطبيعة الحال قام العدو بتجنيد بعض ضعاف النفوس لمواجهة هذا المد، إذ أغراهم بالمال وبعضهم تم استغلال جهلهم بالعمل الثوري وأهدافه، حيث تم استدرجهم عيونا للعدو، وعندها بدأت مرحلة الاعتقالات، إذ تم اعتقالي أربع مرات في كل من كرن وأسمرا واغردات مع آخرين من النشطاء.

متى تم التحاقك بجبهة التحرير الإرترية والدورات التي تلقيتها، وكيف تم اختيارك في القيادة الثورية؟

التحقت بالجبهة في عام 1962 م مقاتلاً في جيش التحرير البطل ووجهت إلى فصيلة المناضل محمد عمر أبو طيارة (رحمة الله عليه). وفي عام 1965م ونسبة لتطور الثورة وتدفق الشباب للالتحاق بها كان لا بد أن يصاحب ذلك التطور عمل هيكلي منظم يواكب هذا التطور في الثورة، فعملت القيادة على وضع هيكل قيادي قائم على الهياكل التنظيمية التالية:-

1. المجلس الأعلى، وهو القيادة العليا للثورة.

2. القيادة الثورية، وتتولى تنظيم الثورة في الداخل، وتكون صلة الوصل بين المقاتلين في الداخل وقيادة المجلس الأعلى في الخارج.

3. قيادات المناطق ويتولون قيادة العمل السياسي والمواجهات العسكرية في الداخل.

ولقد كان لي الشرف بأني كنت أحد أعضاء القيادة الثورية التي تكونت في لحظة مهمة من تاريخ الثورة، وكان لها دور كبير وفاعل في تلك المرحلة من وجهة نظري بالرغم من كل محاولات التشويه التي حاول البعض إلباسها إياها.

في العام 1966 التحقت بدورة عسكرية لضباط الصف في سوريا.

المناضل عمر حدثنا عن الفترة بعد القيادة الثورية؟

في هذه الفترة دخل أعضاء القيادة الثورية للميدان التزاما بقرار مؤتمر المقاتلين، وبعد تكوين اللجنة المركزية المنبثقة من مؤتمر الفروع وصولا لمؤتمر أدوبحا العسكري الذي انبثقت عنه القيادة العامة في 1969م، وبعدها وفي المؤتمر الوطني الأول تم انتخابي عضوًا في اللجنة التنفيذية مسئولا للمالية حتى انعقاد المؤتمر الوطني الثاني، وبعدها تم تكليفي للعمل ممثلًا للجبهة في السعودية، ونسبة للصراعات التي عاشتها الجبهة في تلك الفترة، وهيمنة الاتجاه الايدلوجي على التنظيم ، وما ترتب على ذلك من التضييق على قدامى المناضلين، انتقلت لموقع نضالي جديد استطيع الإسهام فيه لخدمة قضية شعبي ونضالاته التي بذل فيها الغالي والنفيس، وقد قدمنا الكثير من أجل ذلك، ولكن لعنة الانشقاقات أصابت الحركة الإسلامية الإرترية ما جعل أمر وجودها غير فاعل، وبالرغم من كل ذلك فإنني واثق من ان نضالات شعبنا ستكلل بالنصر، وسوف يعود لأرضه ويبني نظامه الوطني الذي يتمتع فيه جميع المواطنين بالحقوق المتساوية، وتقوم فيه دولة العدل والقانون.

كلمة أخيرة توجهها لأبناء الشعب الارتري؟

من خلالكم أتوجه لأبناء شعبنا بالوصية التالية: وهي أن لا يدعوا اليأس يتسرب الى نفوسهم، وان يؤمنوا بحقيقة انتصارهم، لان المستقبل هو لجانب الشعوب، وأن دولة الظلم لن تدوم وإن عمر النظام زائل وان طال امده، مسترشدين بتجربة الرواد الاوائل الذين لم يكونوا يملكون سوى الارادة والعزيمة التي الحقت الهزيمة بالإمبراطورية الاثيوبية المدعومة من معظم دول العالم والمسنودة بكل عوامل الانتصار من مال وسلاح.

والله ولي التوفيق.

Top
X

Right Click

No Right Click