لقاء مع القامة العملاق الانيق الفنان العريق البليغ الفصيح ابراهيم محمد علي قورت - الجزء الثاني

بقلم الصحفى الأستاذ: قاسم أحمد

تطرقنا في الجزء الاول من هذا اللقاء الذي اجريناه مع فنان ارتري نشأ في حضن وطنه الغالي

وترعرع في أذقة مدنه النظيفة ورضع من ثقافتها وبهجتها وشاهد مرها وطعمها وانسها وسرورها، فطبع ذلك كله في نفسه وفي شعره ولحنه واغانيه الراقية، الفنان الغنائي والشاعر والملحن المبدع ابراهيم قورت، تطرقنا الى خلفيته التاريخية وكيف استهل مشواره الغنائي، والتطورات التي شهدتها مسيرته الفنية، بالاضافة الى انطباعه حول الفن الغنائي الارتري الاصيل، ونواصل في هذا الجزء الثاني والاخير مع فنان قدم أصفى الاشعار وأرق الألحان تسر السامع والمتذوق لطرب نابع من ارض ارترية ضاربة في جزور التاريخ، فنان عريق يعزف على قيثارة الحب والغزل، فضلا عن أروع واجمل ألحان مازال يقدمها تعزيزا وافتخارا بوطنه الغالي، فهو قدم الكثير من القصائد بالاسلوب المشرق المعبأ بأحلى حكايات هذا الوطن العريق، وتمجد صلابة الشعب الارتري العظيم وبسالة قوات دفاعه المنتشرة في كافة أنحاء البلاد تدافع باليد الواحدة وتعمر بالاخرى، حيث تحدث باسهاب عن الموهبة ودورها البارز في رفع مستوى الفنان: الموهبة تساعد الفنان في بلوغ الهدف المنشود وتحقيق الجهود الجبارة المبذولة من اجل ذلك، لكن وعكس ما يعتقد البعض ان الموهبة كافية لقيادة الفنان الى الريادة والوصول الى القمة لايمكنها بتا فعل ذلك الا اذا اسعفت بجهود ومساعي جبارة، وينبغي على الفنان تزويد الموهبة بالعلم والمعارف المفيدة، وان العلم اساس متين وقوي لتحقيق كل ما نصبو اليه من اهداف، مثلا انا ليس لي شهادة جامعية في الموسيقى، الا انني تلقيت مبادئها "النوتة"، وهذا ظل دافعا قويا لانجاح اعمالي الفنية، وكم كنت اود واتمنى أن اكون حاملا شهادة عالمية عن الموسيقى، وبما اننا في ارتريا لازلنا ناشئين في هذا المجال العريق، مقارنة بالفنانين العالميين الكبار الذين عاشرناهم او سمعنا عنهم، مثلا اذا آخذنا كمثال الفنان الراحل المقيم ادريس واد امير، الفنان المبدع الذي قدم اروع الاغاني والالحان بلغة التقرايت، تلك الاغاني التي لازلنا نستفيد منها في كافة مجالاتنا الفنية الغنائية، ليست كل الالحان التي قدمها وانما اثنان منها اللتان ورثناهما، وندخل عليهما كلمات شعرية بما تتلائم مع الالحان المتميزة للفنان الموهوب، ورغم عدم توفر اي وسائل في تلك الفترة تساعد للتسجيل والارشيف، الا انه ترك لنا الكثير من الابداعات الفنية الراقية، اما الفنانين العالميين الشهيرين الذين نتابع ونشاهد ابداعاتهم اوصلتهم الى القمة، بعد جهد كبير مدعومين بمعارف علمية ومهنية تقلوها عبر المدارس الفنية والموسيقية المتوفرة لديهم في بلدانهم، فهم خير مثال لنا لحذوهم في بذل الجهود مستفيدين من امكانيتنا الضئيلة التي هي امكانيات الثورة وحتى وان لن نستطيع الى ذلك المستوى، وعلينا ان نتأمل لتصل بلادنا الغالية الى هذا المستوى وتكون منافسة قوية في هذا المجال.

وعن المدارس الفنية ودورها في تطوير المجال الفني يوضح الفنان قورت: بالصراحة المدارس الموجودة في ارتريا هي مدارس كونت بمجهود فردي، ونحن لا نحبذ هذه المدارس لتحقيق الهدف المنشود، لان الجهود التي يبذلها المتلقي للدروس من الاستاذ لا توازي الجهود المبذولة من اجله، وهؤلاء الاساتذة الذين يبذلون جهود مقدرة لتدريس الموسيقى هم من المقالتلين الذين قدموا الكثير من الانجازات الفنية في السابق، ولازالوا يقدومن على حسب امكانياتهم اعمالا ناجحا حتى الان، وهذا المجهود الفردي من الطبيعي ان يبقى جهد فردي وحسب ولا يحقق الهدف المنشود، ان العمل الوحيد الذي يحقق هذا الهدف هو ان تكون منهجية موسيقية تدرس كمادة ضمن المواد الدراسية في المدارس الوطنية المتشرة في كافة ارجاء البلاد، مثلا هناك تجربة سودانية في منتصف الثمانينات، حيث فتحت مدارس موسيقة عبر اساتذة كوريين جنوبيين، هذه الفرصة انجزت نجاحات موسيقة عالية في السودان وخرجت موسيقيين اكفاء من ضمنهم الفنان الراحل المقيم مصطفى سيد احمد وغيره من كبار الفنانين السودانيين المبدعين، وظلت تخرج حتى هذه اللحظة فنانين مبدعين في كافة ارجاء البلاد، فالتدريس في البيوت باعداد قليلة ليس مجديا، اننا ندعوا ان تكون معاهد فنية في البلاد تعلم اجيالا مبدعة في هذا المجال.

إن للفن دور بارز وكبير في الحفاظ على التراث والعادات والتقاليد والثقافة الوطنية، لذا تبذل جهود كبيرة في هذا الجانب، وعمل الفنانون الشعراء الارتريون في تعزيز هذا النشاط منذ القدم، حيث كانت لهم منذ القرون السابقة عناية بالادب والطرب وثقة ورواية متسقة وبه غمرو الافهام مع صيانة وورع، وكان لعملهم جلالة وبأدبهم رياسة وشهرة، تصدحوا بأعذب الألحان منها الوطنية والعاطفية، فأسمعوننا اغاني تذهب القلوب والالباب، وتشفي الصدور وتمجد عراقة الانسان الارتري وحضارته وثقافته وقيمه التي يتميز بها عن غيره، فقد كان شعرهم ينبثق من الوجدان، حتى أبدعو كل الابداع، حول هذا يقول الفنان الغنائي الذي ابدع في اشعار واضحة سواءً أكان من أغراضه ووصفه للمشاهد، ام كان في اسلوبه الرقيق الشعري: دائما تُطرح اسئلة عن الفن ودوره في الحفاظ على التراث والعادات والتقاليد، هناك نقطة مهمة لابد من التعرف عليها، وهي ان الفن هو نتاج عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا العريق الضارب في جزور التاريخ، فالفن يبلور تلك العادات والتقاليد والتراث للاخرين، مثلا اذا انت قدمت عرضا فنيا للاجانب، من خلال هذا العرض سيعرف تراثك وثقافتك، واذا لم تحافظ الشعوب والامم على عاداتها وتقالديها وتراثها فتعتبر قد مسحت هويتها ووجودها من العالم بأسره.

مع من تعيش اذا انت عاري من التراث؟ ومن تخاطب وكيف؟

فاعتقد الانسان المهمل على تراثه، فهو مهمل على هويته وشخصيته، وتنظم مهرجانات وطنية لتعزيز النشاطات الثقافية والتراثية على مستوى البلد وكذا حفاظا على الهوية من الاندثار والطمس على حسب الامكانيات والمقدرات المتوفرة لدى الدولة، ونتمنى ان تكون اكثر تطورا وازدهارا مستقبلا، وان لا تكون محصورة في اسمرة فقط، نتمنى ان تنتظم في كافة مدن ارتريا بشكل واسع واكثر تنظيما، مما يساعد ذلك على تحقيق الهدف المنشود في هذا المجال الهام، وهذا يتم عبر توفر امكانيات ومقدرات مادية عالية، وهناك مهرجانات دولية تنظم عبر الدول المتقدمة، هذه الدول تدعو للمشاركة في مهرجاناتها فرق فنية كثيرة من مختلف الدول لتعرض تراثها، حيث تشارك على مستوى البلاد فرقة "سبريت" الفنية لتعكس تراثنا العريق هناك، بامكانيات الدولة المنظة ذاتها، فنحن حتى الان نعد دولة وليدة امامنا الكثير من المساعي والجهود للوصول الى هذه المرحلة، ونتمى ان لا نقول دائما دولة وليدة ونصل الى الرقي الذي وصل اليه العالم في هذا المجال.

أما عن الاغاني التراثية والعصرية في ارتريا يقول الفنان الراقي ابراهيم قورت:

الاغنية العصرية هي الاغنية التي يخدمها الفنان حسب امكانياته ومقدراته، ان شاء ابدع وان شاء فشل في ادائها، اما الاغنية التراثية يجب عليها ان تتطور اكثر فاكثر، مثلا في هذا الوقت الاغنية التراثية لم تكن مثل ما كانت عليه في الماضي، لان العالم تطور واستبدلت الالات الموسيقية التراثية باخرى عصرية، فهذا ادى الى تجاهل الاغنية التراثية، وينبغي على الفنانين الالتفات اليها، الا ان الفنان الذي يغني اغاني تراثية عليه ايضا ان ينتبه من تخريب الاغنية، لان الجماهير تعرف التراث جيدا فاذا ابدع فيها تلقى العرفان والامتنان من الجماهير، وعليك ان لاتغنيها اذا لم تبدع فيها.

وحول الفنانين القدامى والجدد يقول الفنان المخضرم ابراهيم قورت:

الفرق بين الفنانين القدامى والجدد، هو الفنانون الجدد تغلبهم السرعة، والسرعة لاتخدم نفسها ناهيك عن خدمة غيرها، لهذا سميت بالسرعة، وعلى عكسها نجد التريث الذي يعد عامل تحقيق نجاح الفرد، حيث تتطلب الاغنية الى اخذت فترة كافية على الاقل سنة او ستة اشهر لتكون اغنية دائمة الاستماع لدى الجماهير، اما ما نشاهده في هذا الوقت امر لا يصدق، مثلا واحد يأتي ويقول لك بالامس خطرت على بالي فكرة وقمت بتأليف قصيدة غنائية راقية ورائعة وقمت بتلحينها وتسجيلها، واتمنى من الفنانين الشباب خاصة فنانو التقرايت ان يتحلو بالتريث طالما موجودين في هذا المجال، وعليهم مجالسة الفنانون القدامى حتى تستفيدوا من خبراتنا، وانا من خلال هذا اللقاء اكد استعدادي لمساعدة كل محتاج، لكن هناك مشكلة حقيقية تعرقل تقدم الفن في بلادنا وهي كل واحد يغني باتجاهه، بعيداً عن العمل الجماعي، لان مثل هذه الاعمال تحتاج الى اعمال تفاكرية وتشاورية، وهذا الشتات ياتي نتيجة لعدم جمعيات التي تلعب دورا كبيرا في رواد الفن بشتى انواعه خاصة الفن الغنائي، مثلا انا لدي البوم جديد منهي في الاستيديو لن يتم اصداره نتيجة الامكانيات المادية، لو كان في بلد آخر تتوافر فيه الجمعيات لكانت تسابقت عليه تلك الجمعيات للتعاقد مع ابراهيم وابراهيم فكر في البوم آخر او عمل غيره، فعدم وجود جمعيات للفن في بلادنا ايضا ادى الى عدم نجاح الاغنية الارترية كما ينبغي، ونحن في ارتريا لدينا اتحاد الفنانين والموسقيين لا يصل الى هذه المرحلة التي تتطلب منه القيام بها حتى الان وشكرا.

Top
X

Right Click

No Right Click