شهادة المناضلة آمنة محمد علي ملكين
حوار مع المناضلة: آمنة محمد علي ملكين المصدر: عواتي
قيل في النجاح: النجاح هو القدرة على الانتقال من فشل إلى فشل دون أن تفقد حماسك. (1)
أما بالنسبة للفشل قيل: الفاشلون هم أناس لم يعرفوا كم كانوا قريبين من النجاح حين توقفوا!! (2)
و نحن نقول خروجنا كجبهة التحرير وقوات جيشها عن الساحة الإرترية (1981م) وعدم تمكننا من الإستمرارية داخلها لم يكن فشلاً، إنما الفشل الحقيقي كان لعدم مقدرتنا من العودة إلى سيرتنا الأُولى والرجوع إليها (أي الى الساحة الإرترية) مرة أُخرى.
و حين نقول الخروج من الساحة ليس فشلاً، لإننا نعي تماماً بأن الفشل ليس أن تسقط أرضاً ولكن الفشل عندما لا تستطع أن تنهض واقفاً مرة أُخرى - وهذا ما حدث لنا فعليّاً - فكان حينها عين الفشل الذي لم نعترف الى يومنا هذا - وبذلك فقدنا شفافية الذات هروبا من تحمل مسؤولية الفشل و محاسبة النفس بالإعتراف - و لم يكن ذلك الفشل الأول لكنه كان الفشل الأخير القاتل.
و نحن هنا لسنا لتمحيص أسباب الفشل، إذ نترك ذلك للمنهجين و اصحاب الخبرة عند البحث - كما أنه موضوع مفتوح وصالح للتدوين والتوثيق لمن تأهل أن يفيدنا به - و تلك تبقى هي الإضافة التي يستوجب أن يقوم بفعلها أُولئك الذين كانت لهم معاصرة أُمور المرحلة ذاتها - بعيداً عن نمطية الكتابة التي مازال يسلكها العاطفيين من إعلامي تلك الفترة وهم يمارسون الكتابة عند تقاعدهم في يومنا هذا.
فعندما نتخذ منحى الإبتعاد عن جلب أسباب الفشل هنا، يجئ ذلك من باب تقديم أولوية الإعترلف بالفشلِ و ثُبوتِيته في مقدمة زمام ما وقع عليه خيارنا من الكتابة في هذه اللحظة - عسى ولعل أن يثير فينا ذلك فاتحة لملمةِ دواعيه و صولاً الى جذور أسباب ما نعترف به من فشل.
وحين نلتزم الإعتراف بفشل جبهة التحرير الإرترية (التنظيم) نقصد بداية الإنطلاق الى مسار التجديد بدلاً من التشّرنُق الذي إعتكفنا داخله بفعل عوامل تكرار الهزيمة ونحن نحمل الإنتماء الى ماضي مراحل الفشل - و كلنا يدّعي بأنه (جبهة التحرير) ذلك التنظيم الذي فشل في ذات المرحلة (أي مرحلة التحرير) - ثم يصدق بعضنا كذبته بقولهم عن (نهرنا البيجري) - و البعض الآخر نعت نفسه (بالتيار العام) حين رأى نقيضهم يدّعي (الجبهة الأُم) - وهكذا بالرغم من و جود أكثر من عشرة تنظيمات تحمل في ذاكرتها ذات الإنتماء و كان ميلادها من رحم فشل جبهة التحرير - و كلٍ يواري سوءاته بمسمٍّ جديد و دون مشروعٍ جديد.
على أي حال، نعتمد الإقرار بالفشل هنا لأن عدم الإعتراف بحقيقته يكمن فيه إجترار الفشل الذي مازال يصاحبنا الى حد الإدمان - كما أن النطق بحقيقة (فشل جبهة التحرير) الذي دخل عامه الثلاثين من السنين عددا - بات يتعمد الكثرين من (الجبهجيين) منا بعدم الإقرار بها لربط (الجبهة) إما بالإنتماء الديني (الإسلام) في عموميته الظاهري أو بالإنتماء المُلازمي (الإقليم و القبيلة) في خصوصيته المبطنة (المنخفضات) - بإعتبار التعامل الواقعي الذي نتلمسه في يومنا هذا مع (مسمى جبهة التحرير) أصبح يتداول للأسف المبكي بنوع من المِلْكِية الخاصة حينما نرصد هكذا حقيقة من الفشل في تاريخ فرع من فروع الثورة الإرترية وليس (النهر العام) كما يحلو لأصحاب الفشل منا.
وحتى لا يتمادى أُولئك الجبهجيين من أبنا جِْلدَتنِا التنظيمية في سكرتهم و هم يتشبثون بنجاح و إنجازات لم نحققها بل ولم نعرف هدى السبيل إليها و إلى يومنا هذا - وذلك ليس لشئٍ عدا الدفاع ضد حقيقة الإعتراف بالفشل - عليه رأيتنا نشير هنا أن النجاح المرتقب يكمن في إقرارنا أولاً بفشل الجبهة في تللك المرحلة التي من أجلها إنطلقت كوسيلة و ليس كهدف - ثم التعامل مع هذه الحقيقة التي لا تعمي الأبصار بإعتبارها صفحة حدث من تاريخنا الذي مضى وللآجيال القادمة حق الإضافة بعد تصحيح أسباب ذلك الفشل الذي ينبقي إزالة الستار عنه من أجل القراءة النقدية و الإستفادة - ودون ذلك لا يستقيم الظل و العود أعوج.
ومن يريد أن يخفي وجه حقيقة الفشل خلف صبابته فاليفعل و تلك كذبةٌ أخرى لمن يستطيع أن يحجب ضوء الشمس بكفيه - و هذا ما نراه يحدث من محاولة بالنسبة لقدامى القيادات (الجبهجاوية) و أُولئك المعنيين بالمسؤولية عن هذا الفشل - و لولا فشل الجبهة لإختلفت أُمور واقعنا المعاش - بمعني آخر لو أننا أصبنا ما نرنو من النجاح الذي لم يحقق، لكانت الحقيقة الإرترية التي نعاصر في إرتريا الدولة و حراك مكونات شعبها بعد الإستقلال، دون ذلك المشهد من إنعدام السلام والحرية و الإستقرار الذي تتجرعه البلاد وشعبها.
نعم! أن الجبهة (ج. ت. أ) قد فشلت - و ليس لجيل الإستقلال من علاقة بذلك، غير الذي وقع عليه من الآثار السلبية نتيجةً لفشل الجبهة في تلك المرحلة و من ثم فشل (الشعبية) في مرحلة الدولة. (3)
نعم فشلت الجبهة و رأيتنا نتزايد على الآخرين بعواطف الإحتفال كلما جاءت ذكرى سبتمبر و تقوربا دون إضافة إنجاز آخر يذكر بعدهما - لنجتر ذكريات التاريخ فقط - من أجل إختزال المراحل و بغرض إخفاء حقيقة الفشل بعد الهزيمة التي نرفض أن نقرها بهكذا إشارة.
ليس هذا فحسب - بل رأيتنا بعد الفشل و تلك الهزيمة التي في عامها الثلاثين - نبدع في التظلم و المظالم - ونقر بالحق المغتصب و الأرض المنزوعة (بإعتبار إسلامية الجبهة و إقليميتها الجغرافية) - و نبرر كل المشاكل في أهل كبسا و مسيحيتهم و تقرينيتهم - وواقع الأمر أن المنخفضات بعد ذلك الفشل و تلك الهزيمة أو بالأحر أن المسلمين (أصحاب الجبهة كما يحلو) جاءوا بأكثر من ستة تنظيم منه الجهادي بمذاهبه المتعددة - و العلماني المركّب من الولاء للقبيلة و الإقليم رغم أن البَسْمَلة (من بسم الله) تعلو مقدمات خطاباته و برامجه وتجد بأن 98% من قياداته و أعضائه من ذات الجغرافية و الدِّين (و لا نقل من ذات القبيلة و العشيرة و المذهب) بل نكاد نجزم بأن 200% من قياداتهم و أعضائهم من ذات الثقافة الواحدة... وإسلاماه!!
فما دور التقرنية و المسيحين في هذ التفريخ و التبرعم - فهل التقرنية و أهل كبسا من المسيحين كانوا ضمن سفينة الطلاب و مكاتب بغداد و الكويت و الدوحة و دبي - و هل كانوا يسكنون مدينة أبناء الشهداء في دمشق زوراً و بهتانا كما كان يفعل ابناء من لم يكن آبائهم من تعداد الشهداء (4) في الوقت الذي كانت تكتظ به معسكرات اللآجئين في سمسم (أمبروش - زنقرار - ديهيما - زُورزور - أُم سقطة) بمئات من أبنا الشهداء و جرحى حرب التحرير من أمثال الشهيد خليفة أباسبير - و الشهيد عثمان أدم - و عبدو حجي - و حسين شاقي - عمر ناصر شوم - و زراؤوم تخلي - بخيت جمع - إدريس آدم علي - على إدريس قيّح و سليمان آبّانيبرو - و عمر خليفة ووو... وووو.
فهل كان شارع شريف بالقاهرة و الأزهر يكتظ بأهل كبسا من المسحيين التقرنية - حين كانت الأبواب مفتوحة لأبنا علي قدر و حرقيقو و أغردات - ومصوع و نقفة وكرن.
هل كانوا أهل التقرنية من مسيحي كبسا معنا حين كانت لأبناء و أقارب قياداتنا الخيارات المتعددة و المفاضلة بين المنح الطلابية للكويت و سوريا أو ما بين الجزائر وليبيا - قطر و الإمارات - و هكذا بالنسبة لتوزيع حقائب المكاتب الخارجية في كل من العراق و السعودية و دول الخليج أجمع - اليمن و السودان.
أبداً لم يكن معنا كلٍ ما ذكرنا من أهلنا في كبسا - قطعاً لا حينما كنا نزرع بذرة الفشل و الهزيمة و لكن كانوا معنا كلما سقناهم خلف الحدود و في خور حفر و نرميهم بتهمة التجسس و الخيانة ثم يتم زبحهم على آيادي قد تسمي نفسها بالرعيل أو بالمحاربين القدام.