حوار مع المزارع النموزجي محمود رمضان
حاوره الأستاذ: محمود عبدالله أبو كفاح - إعلامي وكاتب ارتري، أسمرة إرتريا
• بدأت ممارسة النشاط الزراعي مبكراً وماأنجزته الآن كان حلماً ظل يراودني منذ الصغر.
• أدعو الشباب لزيارة المشروعات التنموية والإطلاع على التجارب الناجحة.
يعتبر المزارع النموذجي محمود رمضان من المزارعين القلائل الذين تغلبوا على قسوة الطبيعة ووظفوها لتحقيق أهدافهم التي طالما سهروا على تنفيذها ليلاًعن طرف نهار، فالرجل إستطاع بمجهوداته الجبارة غرس الآلاف من أشجار الفواكه في بيئة جبلية وعرة دون أن يبالي بدهشة من كانوا يستغربون في إقدامه على تلك الخطوة ظناً منهم بأن مايقوم به هو نوع من المستحيل، ولكن إرادة المزارع النموزجي محمود وعزيمته تغلبت على كل شيئ ومكنته ليس فقط من غرس تلك الشتول وإنما ضخ مياه الري اليها من أسفل الى أعلي لتثمر مع مرور الوقت وتجعل حلمه واقعاً معاشاً. للتعرف على تلك التجربة الفريدة لهذا المزراع النموذجي كنا قد التقينا به في بستانه بمنطقة بعرزا، فإلى مضابط الحوار:
السيد محمود رمضان في البدء أرجو أن تعرفنا بنفسك، وتحكي لنا عن خلفية وسير النشاط البستاني الذي تمارسه في الوقت الحالي؟
ولدت وترعرعت في ضواحي بعرزا بمديرية قندعولقد بدأت ممارسة النشاط الزراعي منذ صغري في هذه المنطقة مع والدي إبان حقبة الإستعمار، وفي تلك الفترة كنت أسمع عن بساتين قندع والمناطق المجاورة لها والتي كان يمتلكها الطليان كالإيطالي دنداي وغيره وبالتالي ظللت أحلم بتبديل تلك الزراعة التقليدية التي كانت تمارسها أسرتي والمتمثلة في زراعة الذرة الشامية وتربية البهائم للإستهلاك الذاتي، بنمط زراعي حديث يشابه بساتين أولئك الطليان،
وفي الثمانينيات من القرن الماضي عندما بلغت مرحلة الشباب بدأت في ممارسة التجارة بالتنقل بين بلدتي بعرزا وبلدة فورو لتوفير مال يساعدني في تحقيق حلمي، وبالفعل بعد فترة من ممارستي للتجارة قمت بشق قناة عبر الصخور الى مزرعتنا وشرعت بدايةً في زراعة بعض محاصيل الخضر كالفلفل والطماطم وغيرها في مساحات محدودة،
وبعد فترة في العام 1982م ذهبت الى قندعوأحضرت من مشتل الفواكه الكائن بالمدينة 14 شتلة من شتول البرتقال غرستها في البستان، وعندما ضربت البلاد في العام 1984م موجة جفاف حادة تبقت لي أربعة شجرة فقط بينما جفت العشرة، ومع مرور الوقت ظللت أضيف الى المزرعة المزيد من شتول البرتقال الى جانب الموز والبابايو،
وبعد مجيئ الحرية تحسن الوضع أكثر وبدأت وزارة الزراعة تتعاون معنا كما ينبغي سواء في تقديم مضخات المياه أو الحصول على الشتول و تقديم الإرشادات الزراعية، حيث بدأت في جلب الشتول عام 1994م من فلفل سلمونا وغرستها أسفل الجبال الموجودة، وفي عامي 1996م و 1997 بدأت في غرس شتول الأشجار المختلفة كالبرتقال والليمون واليوسف افندي وغيرها في الجبال المرتفعة نظراً لضيق المساحات المنبسطة في المنطقة وقد نجحت تلك الشتول بشكل جيد على عكس ماكان يعتقده البعض،
ومع إزديات المساحات المغروسة بالشتول فكرت في تقليل نسبة الفاقد من مياه الري التي كان يروى بها البستان، وبالفعل شرعت في إستبدال القناة الترابية التي كانت تمتد لكيلومترين بقناة مشيدة بالأسمنت، كما أدخلت طريق الى البستان عبر منطقة دماس لأهميته في نقل الإنتاج الزراعي ومدخلات الإنتاج وفي العام 2000 فتحت طريق آخر من دونقولو الى البستان في بعرزا من خلال إستئجار بلدورز من إدارة مديرية قندع،
ولايسعني هنا أن اشكر البنك التجاري الإرتري، وبنك التنمية والإستثمار على دورهم الفاعل في التعاون معي للحصول على القروض المطلوبة من أجل إنجاز اعمالي كما ينبغي، وفي العام 2011 م زار فخامة الرئيس إسياس أفورقي البستان للإطلاع على جهودي، وكانت زيارته بمثابة دافع قوي بالنسبة لي للإجتهاد اكثر، حيث قام بدعمي وتشجيعي قائلاً لي يجب ان تغرس أكثر من 50 الف شجرة، وبكل صراحة تشجيعه لي هو الذي مكنني من توسيع نطاق البستان وغرس الشتول في كل الجبال المحيطة، وفي العام 2020 وبتوجيه من فخامة الرئيس قام مشروع عدي هالو بدعمي بعدد من أنابيب الري التي تستطيع العمل لأكثر من عام لري الأشجار المغروسة في البستان فضلاً عن عدد من الآليات والمولدات والكوادر الشبابية التي ظلت تقوم بتركيب تلك الانابيب ومدها بطرق علمية وحديثة، فله مني كل الشكر والتقدير، كما أشكر شباب عدي هالو الذين يعملون ليلاً عن طرف نهار في آداء المهام الموكلة اليهم بالبستان.
ماهي فرص العمل التي يوفرها هذا البستان للمجتمعات المحلية؟
هذا البستان ظل ولايزال يساهم في توفير فرص العمل بالمنطقة، ففي هذا الوقت يعمل بالبستان قرابة 70 عاملاً، وهذا يعني أن البستان يساهم في توفير الدخل لسبعين أسرة بالمنطقة، كما أن المنتجات التي يتم تصديرها الى قندع وأسمرا تلعب دور كبير في توفير فرص العمل لأصحاب محال الفواكه والباعة المتجولين.وللمعلومية فأنا أمارس هذا النشاط الزراعي وأحصل منه على مايكفيني من زاد، بينما غالبية الإنتاج هو ملك للوطن والمواطن، حيث أن بعضه يتجه الى الأسواق ومنه الى المستهلكين والبعض الأخر يذهب الى المستشفيات لتغذية المرضى، وأملي كبير في أن تزداد الإنتاجية بحيث نصدر الفائض عن حاجة المواطنين الى الخارج حتى نزيد من دخل الوطن من العملات الصعبة.
كيف تقيم مشاركة الإناث في العمل الزراعي بالبستان؟
مشاركة الإناث في العمل الزراعي بالبستان جيدة في بعض الاحيان كفترة جمع الثمار وتوزيع ونثر السماد والعزيق أما مشاركتهن في الاعمال التي تحتاج الى الجهد العضلي فهي ضعيفة، فالشباب الذكور هم من يقومون بتلك الاعمال الشاقة.
ماهو الدور الذي تلعبه منتجات هذا البستان في إستقرار أسعار الفاكهه؟
الفواكه المختلفة التي نقوم بإرسالها الى الأسواق ظلت ولاتزال تساهم بدور كبير في استقرار أسعار الفواكه وانخفاضها عن الأسعار التي كانت سائدة في السابق، وأملنا كبير في أن تزداد الإنتاجية أكثر واكثر حتى نقدم للمواطن الفواكه التي يحتاجها وباأسعار معقولة.
ماهو التأثير الذي أحدثه هذا البستان في حياة أسرتك الكبيرة؟
هذا النشاط البستاني ساهم في تغيير حياة الأسرة من ممارسة حرفة الرعي الى التركيز على الزراعة ولا أبالغ إذا قلت بأننا أصبحنا نتبادل الأدوار في إنجاز العمليات الفلاحية، فهنالك من أفراد أسرتنا من هو متخصص في قيادة التركترات والبعض الأخر في تشغيل المضخات والإشراف على إعمال الحرث والعزيق والتسميد والحصاد والتسويق ...الخ، وحتى الطلاب من الأسرة يسارعون بالتوجه الى البستان في الإجازات المدرسية لممارسة الانشطة الزراعية في البستان مما يساعد ذلك في توريثهم لتلك المهنة الضرورية لتوفير معاش الناس وضمان الأمن الغذائي.
ماهي أهم التحديات التي واجهتك خلال مسيرة تطويرك لهذا البستان وإيصاله الى هذه الدرجة؟
أهم التحديات التي واجهتني في مسيرتي الفلاحية، كان تحدي تشييد الطريق من دونقولو الى البستان، حيث رفض المزارعون في بادئ الأمر عبور الطريق لمزراعهم مما جعلني إضطر في بعض الاحيان لتغيير مسار الطريق حتى أتفادي المزارع، ولكن بعد زيارة فخامة الرئيس الى البستان وإطلاعه على الجهود الكبيرة المبذولة للنهوض بالنشاط البستاني في المنطقة تغير الوضع، حيث قام مدير شركة البحر الاحمر السيد ودي مائيل بإعطائي بلدوزرين لشق الطريق كما ينبغي، مماساهم ذلك في تقليل مسافة الطريق وحل مشكلة المواصلات التي ظللنا نعاني منها لسنوات عديدة.
هذه التجربة التي خضتها لقرابة نصف قرن من الزمان تعتبر فريدة، كيف تقيِّم صداها لدي مزارعي المنطقة؟
بالفعل هذه التجربة أحدثت تأثيرا كبيرا على مزارعي المنطقة، والكل هنا يفكر في الإستفادة من هذه التجربة وخوضها، وأنا من جانبي على أتم الإستعداد لمساعدتهم وتمليكهم كل المعارف والمهارات التي يطلبونها مني.
كيف تقيم التعاون الموجود بينك وبين هيئة المواشي والغلال؟
هيئة المواشي والغلال تتعاون معنا بقوة في مجالات توفير المعدات الزراعية والمبيدات والاسمدة وحتى الوقود، فهم يرسلون الينا كوادرهم الزراعية بين الحين والأخر لكي يتعرفوا على إحتياجات البستان ومن ثم يقدموا الدعم اللازم بلا تواني.
ماهي البرامج المستقبلية التي تنوي تنفيذها على ارض الواقع؟
كما أسلفت فإن ما أقوم به الآن هو ماظللت أحلم به في صغري، والحمد لله إستطعت ان أحقق بعض الشيئ بمساعدة الدولة التي لم تتوانى في الوقوف بجانبي، وبخصوص برامجي المستقبلية فانا أنوي التوسع في زراعة أشجار الفواكه الموجودة حاليا (البرتقال، اليوسف أفندي - الليمون - القريب فروت - المانجو - التمور - الرمان - البابايو ..الخ) لتشمل مساحات كبيرة تصل حتى منطقة دونقولو أي ثلاثة اضعاف المساحة الحالية.
في نهاية هذا اللقاء ماهي الرسالة التي تود أن توجهها للشباب؟
أدعو الشباب لزيارة المشروعات التنموية والإطلاع على التجارب الناجحة، لأن من رأي ليس كمن سمع، فعندما يري الشباب الإنجازات ماثلة أمام أعينهم، فبالتأكيد سترتفع معنوياتهم و سيتطلعون لتحقيق المزيد من تلك الإنجازات لاسيما وأنهم يتميزون بالحيوية والنشاط ويمتلكون العديد من المعارف العلمية التي لايمكن الإستهانة بها.