دكتور حسن محمد سلمان في حواره مع زينا
حاوره الإعلامي الأستاذ: باسم القروي المصدر: وكالة زاجل الأرترية للأنباء - زينا
• دعم الإمارات العربية جوًا والنظام الأرتري أرضًا عزز من موقف حكومة أديس أبابا في الميدان.
• أوضاع اللاجئين الأرتريين في إثيوبيا مقلقة وتوجد حالات اعتقالات تزداد المخاوف بشأنها.
• الحل السياسي هو المخرج للأزمة السياسية الإثيوبية ولن يقنع شعب تقراي الاجتياح العسكري لحكومة آبي أحمد.
• لن يطول صمود النظام الأرتري في وجه المتغيرات الكثيرة وهزيمة تقراي تسقط معها حججه لإدامة الصراع مع الوهم الخارجي
الحرب الإثيوبية الحالية بين حكومة إقليم تقراي وحكومة أديس أبابا المركزية لها آثار سالبة على الأرتريين بصفة خاصة فقد تحرك نظامهم إلى جحيمها شريكا أصيلا لآبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي الأمر الذي جعل الشعب الارتري في الداخل وقواته المسلحة يعيشان:-
■ في حالة استنفار في حشد حدودي لمحاصرة تقراي،
■ وفي رعب شديد أمام صواريخ مرسلة من تقراي،
■ وفي مخاوف حقيقية على سلامة اللاجئين الأرتريين الذين يصل عددهم 200 ألف تقريبا يقيم سوادهم في معسكرات ستة وهي (شملبا، وماي عيني، وعدي حريش، وعدي حنساس، وبرحلي، و أيسعيتا)، الأربعة الأولى منها في إقليم تقراي وهي في مسرح العمليات يحيط بها الرعب بسبب نيران الأطراف المتصارعة من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب سهولة تعقب النظام الأرتري لمعارضيه في بلد يعيش أوضاعًا غير آمنة قد لا تحترم فيها القوانين وهي بعيدة عن مراقبة المنظمات الدولية وعن عين الإعلام المحايد إنها تعيش وضعا غامضا مجهولاً.
للحديث عن هذه الأوضاع ألتقت وكالة زاجل الارترية للانباء ”زينا“ بالباحث والمحلل السياسي الدكتور حسن محمد سلمان فهو الأقدر عن الحديث الحصيف الواعي فإلى تفاصيل الحوار.
اين وصل الصراع العسكري بين حكومة تقراي والحكومة المركزية في اديس ابابا؟
اندلعت الحرب في بدايات شهر نوفمبر بعد خلافات سياسية بين الحكومة الفدرالية برئاسة رئيس الوزراء أبي أحمد وبين إقليم التقراي بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير التقراي ويبدو أن الخلاف الرئيس بين الطرفين تمثل في طبيعة النظام السياسي المنشود حيث يتجه حزب الازدهار برئاسة رئيس الوزراء أبي أحمد للنظام المركزي ويحرص التقراي على النظام الفدرالي الذي حكم إثيوبيا خلال العقود الثلاثة الماضية وصاحب هذا الخلاف الجوهري جملة من الخلافات أدت لتفجير الوضع واندلاع الحرب التي بلغت حاليا لنهاياتها من خلال محاصرة عاصمة إقليم التقراي مدينة مقلي التاريخية وقد تراجع التقراي سريعًا وفقدوا مساحات واسعة من الإقليم وكان ذلك مفاجئا للكثير من المراقبين ولكن يبدو أن هناك عوامل عديدة دخلت على خط المواجهة وخاصة في سلاح الطيران الذي أحدث فارقا لصالح الحكومة المركزية وبطبيعة الحال فإن اقتراب نهاية المعركة لا يعني انتهاء الحرب ولا التنبؤ بنتائجها ومآلاتها لأن نهاية الحرب تتطلب حلاً سياسًيا يرتضيه شعب التقراي ويجعله يستمر في ظل الدولة الإثيوبية الموحدة وبغير ذلك فمن الصعب توقف الحرب وقد تأخذ أشكالاً جديدة.
ما الآثار السالبة التي التي خلفتها هذه الحرب في رأيك؟
الحروب دوما تخلف الكثير من الآثار السلبية في كافة المجالات وقد كان أهم ما خلفته هذه الحرب الحالية تعميق الخلافات القومية بين التقراي وبقية المكونات في إثيوبيا وخاصة الأمهرا حيث سبق هذه الحرب تصعيد إعلامي حمل التقراي كافة اخفاقات وفشل العقود السابقة كما أظهرهم بأنهم عقبة أمام التحول الديمقراطي والنهضة والتطور والازدهار مما أدى ذلك إلى مواجهات شعبية تم فيها طرد التقراي من بعض الأقاليم وانتزعت منهم الأراضي الزراعية وغيرها كما تم تجريد التقراي من العديد من مؤسسات الدولة الإثيوبية كما صاحب ذلك النزوح واللجوء بأعداد كبيرة وخاصة إلى السودان إذ وصل عدد اللاجئين الهاربين من المعركة أكثر من 40 ألف نسمة حسب التقديرات الرسمية هذا بجانب ما خلفته الحرب من موت ودمار وتعطيل للتنمية في إثيوبيا وتراجع سمعة إثيوبيا التي كان ينظر إليها بأنها النموذج التنموي الناجح في إفريقيا هذه بعض الآثار السلبية حتى الآن ولو استمرت الحرب لفترة طويلة ستكون التأثيرات السلبية أكبر بطبيعة الحال.
تقراي اقليم حبيس وقليل السكان والامكانيات مقارنة بما تمتلك الحكومة المركزية في اديس ابابا بقيادة آبي أحمد رئيس الوزراء فما الذي شجع حكومة إقليم تقراي وزن الريشة على المواجهة العسكرية مع وزن الفيل؟
صحيح ما ذكرته في السؤال ولكن علينا أن نتذكر بأن التقراي استفادوا من وجودهم على رأس السلطة لعقود ثلاثة وهيمنوا فيها على كافة مفاصل الدولة العسكرية والأمنية والاقتصادية وعملوا على تطوير قدراتهم في الإقليم كل ذلك جعلهم يتصورون بأنهم قادرون على توجيه ضربة عسكرية للحكومة المركزية تجعلها تذهب للحوار معهم والجلوس على طاولة المفاوضات بضغوط إقليمية ودولية ولكن كانت المفاجأة فيما يلي:-
■ عدم تحرك القوميات الإثيوبية الأخرى التي تشارك التقراي في الطرح الفدرالي ولزومها الحياد في هذه الحرب وخاصة الأورومو مما جعل التقراي بلا حليف داخلي يسندها في مواجهة الحكومة المركزية وظهرت بأنها حالة تمرد إقليمي محدود.
■ اعتماد الحكومة المركزية على المليشيات المحلية للأمهرا مع الاستفادة من سلاح الطيران الحديث الذي قدمته حكومة الإمارات العربية المتحدة لصالح الحكومة المركزية ساعد على إضعاف قوة تقراي مقارنة بما تربحه الحكومة المركزية على أرض المعركة.
■ صمت وتجاهل القوى الإقليمية والدولية عن التدخل إلا من خلال مبادرات عادية غير ملزمة من الاتحاد الأفريقي التي رفضت من الحكومة المركزية في اديس أبابا كل هذه العوامل أوضحت بأن رهانات التقراي كانت خاطئة.
ما جوانب القوى التي جعلت تقراي تصمد حتى الان في وجه الحكومة المركزية عسكريا وشعبيا علما انه لا تزال نسبة اللجوء من الاقليم قليلة مقارنة بغيرها من مهاجري الاقاليم الاخرى؟
ذكرت في ما سبق عوامل القوة للتقراي وأضيف إليها بأنها كانت تتفوق عسكريًا على الأرض عدة وعتادًا فهناك ما يقارب (250) ألف مقاتل تم تجهيزهم في الإقليم ويقاتلون بشراسة دفاعا عن وجودهم مع وجود حاضنة شعبية تلتف حول القيادة وتنظر للمعركة بأنها معركة وجودية بالنسبة للقومية ولكن كانت المفاجأة في سلاح الطيران الذي غير من ميزان القوى العسكرية لصالح الحكومة المركزية.
وأما قلة اللاجئين من إقليم التقراي يبدو سببه في عدم خوض معارك طويلة في أغلب المدن الرئيسية الكبيرة والانسحاب السريع نحو مقلي جعل السكان يبقون في مدنهم وقراهم وتجنب أغلب الإقليم النزوح واللجوء للخارج.كما أنه شعورهم بالأمان مع طرف قوات الحكومة المركزية يضاف إلى عوامل استقرارهم النسبي.
ما اوضاع اللاجئين الإرتريبن في اثيوبيا وهل تطاولت عليهم آثار الحرب؟
هناك تعتيم إعلامي كبير يصعب معه معرفة الكثير من التفاصيل ولكن ما يواجه التقراي من مشكلات وتحديات يواجه غيره وأكثر وإن كان هناك من اللاجئين من خرج من إقليم التقراي وذهب للسودان ولكن بشكل محدود ولا شك البقية سيواجهون مخاطر كبيرة في ظل تحالف النظام الإرتري مع الحكومة المركزية وغياب الإعلام والتعتيم على التحركات وبالرغم من هذا التعتيم فهناك تقارير لمنظمات أوربية حقوقية محايدة ذكرت بأن هناك انتهاكات لحقوق الانسان الإرتري في مخيمات اللاجئين في إقليم التقراي تجبرهم عناصر من القوات الأمنية والعسكرية المشاركة مع الحكومة المركزية على المشاركة في الحرب الإثيوبية لصالح حكومة المركز ومن يرفض يتعرض للتعذيب والقتل أو إجبارهم للعودة إلى إرتريا ليلاقوا المصير المحتوم سجنا أبديا أو موتا كذلك وتذكر التقارير بأن هناك مخيمات لم يتم التعرف على واقعها بسبب عدم التمكن من الوصول إليها ومعرفة حقيقتها. ومع ذلك نؤكد أن أربعة من معسكرات اللاجئين تقع في أقليم تقراي ويقيم كثير من الأرتريين في المدن الأثيوبية الشمالية مسرح العمليات العسكرية مما يزيد المخاوف والقلق عليهم.
كما أشير هنا بأنه قد تم اعتقال عدد من قيادات المعارضة الإرترية في اديس أبابا من قبل الحكومة المركزية ولم يعرف مصيرهم حتى الآن والجميع يعرف الطبيعة الأمنية للنظام الإجرامي في ارتريا ومدى ملاحقته لمعارضيه وتصفيتهم حيثما وجد سبيلا لذلك فالموقف خطر جدا ومن خلال منبركم نناشد الأمم المتحدة و المنظمات الحقوقية الدولية بالتدخل لتوفير اجراءات السلامة والأمن لهم وعدم تسليمهم للنظام الإجرامي في إرتريا.
ما حقيقة اشتراك النظام الارتري في المعركة دعما لحكومة اديس ابابا ووفاء بالتحالف بين النظامين؟
النظام الإرتري شريك أصيل لأبي أحمد والحكومة المركزية في هذه الحرب بغض النظر عن المشاركة في العمليات العسكرية المباشرة من قبل القوات الإرترية التي لم يعترف النظام بها رسميًا ولكن لا يخفى بأن القوات الإثيوبية استخدمت الأراضي الإرترية في معركة حمرا حيث دخلت عبر مدينة أم حجر وكذلك الطيران الإماراتي موجود في القواعد العسكرية في الأراضي الإرترية وينطلق منها غالبا وهناك مصادر عديدة تؤكد وجود جرحي من الإرتريبن في المستشفيات الإثيوبية في إقليم الأمهرا مما يدل على وجود مشاركة من نوع ما.
اين المعارضة الارترية مما يجري من حرب في المنطقة. وهل تتعرض لإيذاء ومخاوف من قبل الاطراف الأثيوبية المتحاربة؟
المعارضة الإرترية خرجت من إثيوبيا في غالبها بعد اتفاق السلام بين إثيوبيا وإرتريا في عام 2018م إلا بعض التنظيمات ذات الأجنحة العسكرية ظلت متواجدة في إقليم التقراي ولكن أغلبها أيضا غادر قبل اندلاع الحرب وقد حاولت الحكومة المركزية في اديس أبابا أن تظهر بعض الأسلحة وتروج بأنها كانت للمعارضة الإرترية وكانت تهدد الأمن والسلم للبلدين ولكن الأمر لم يكن بهذا الشكل فهو وجود محدود وغير مؤثر.
وأما الموقف الرسمي من الحرب الإثيوبية الجارية فقد أعلن المجلس الوطني الإرتري المعارض الحياد وعدم التدخل في الشأن الداخلي لإثيوبيا واعتبر الحرب الجارية شأنا داخليا وناشد كافة الأطراف للجلوس على طاولة الحوار لحل المشكلات البينية كما اعتبر أي تدخل من النظام الإرتري في هذه الحرب عملا عدوانيا وزجا للشعب الإرتري في حروب المنطقة بلا معنى مع الإشارة في الموقف بحق الشعب الإرتري في استرداد أرضه التي هي تحت الاحتلال وكذلك الدفاع عن السيادة الوطنية من أي عدوان خارجي.
ما الصورة التي تتوقع ان تنتهي عندها الحرب الاثيوبية الحالية؟
الحديث عن النهايات يحتاج لمعلومات تفصيلية حول الأهداف العامة لكل طرف ومسارات المستقبل وكيفية تعامل الحكومة المركزية مع إقليم التقراي بعد الحسم العسكري وهل سيكون ذلك مقبولا من شعب التقراي أم أن التقراي ليس أمامهم إلا الاستمرار في حرب استنزاف طويلة لفرض خياراتهم على المركز أو إيجاد خيارات بديلة كل ذلك صعب الحديث عنه الآن ولكن ما يمكن قوله هو أن الحسم العسكري للمرحلة الأولى غالبا ما يكون قريبا ولصالح حكومة المركز ولكن إذا طالت الحرب وصمد الإقليم فسيكون التفاوض بين الطرفين من خلال المبادرات الإقليمية والدولية هو الخيار المتاح.
يقال إن أطرافا دولية وإقليمية لها صلة قوية وفاعلة في الصراع القائم بين دول المنطقة وإن ما يجري من صراعات وحروب اهلية أداة للصراع الدولي.. هل هذا افتراض حقيقي او هو وهم العاجزين عن الانتصار على اهوائهم وتنافسهم السلبي الضيق؟
هذا الكلام صحيح في الجملة وذلك أن تحولات المنطقة ليست معزولة عن الصراعات الدولية في إفريقيا عامة وفي القرن الأفريقي خاصة وأشير هنا إلى الصراع الأمريكي الصيني فقد كانت إثيوبيا في عقودها الماضية تميل إلى النموذج التنموي الصيني رغم حرصها على العلاقات الدبلوماسية المتطورة مع الولايات المتحدة الأمريكية وهذا بطبيعة الحال لم يكن مقبولا عند الأمريكان الذين يريدون محاصرة الصين وإخراجها من العديد من البلدان الأفريقية ويبدو ان الحكومة المركزية تميل إلى ذلك خلافا للتقراي بأبعادهم وتوجهاتهم الايدلوجية المعلومة ذات الطابع الاشتراكي وبالتالي فالحرب لها وجه خارجي بطبيعة الحال.
منطقة القرن الافريقي تعيش في رمال متحركة فهل تتوقع انها مقبلة إلى تغيير الخرائط والجغرافية؟
فكرة تقسيم المقسم وتجزئة المجزء طائفيا وقوميا هي مطروحة في عموم المنطقة وهي جزء من صفقة القرن التي تريد أن تجعل من الكيان الصهيوني المركز الأقوى في المنطقة ولكن تواجه ذلك جملة من التحديات والمخاطر والمقاومة محليا وإقليميا ومن المخاطر التي يخشاها الغرب وخاصة الاتحاد الأوروبي مسألة الهجرة في ظل هذه الحروب وبالتالي يحاول مقاومة الحروب التي تؤدي إلى التقسيم المصحوب بالهجرة إلى أوروبا تحديدًا ولهذا نجد الموقف الأوربي والأمريكي في تباين تجاه هذه الأفكار ولكنها حاضرة على الطاولة لدى العديد من المراكز البحثية والنخب السياسية.
يبدو ان النظام الارتري عنصر فاعل في كل الاحداث في المنطقة فهو ذو حضور مميز في السودان واليمن وإثيوبيا ودول حوض البحر الاحمر وفي الوطن الاوضاع مستقرة لصالحه... فهل سلمت أرتريا من احتمالات عواصف التغيير المحيطة بها؟
صحيح أن النظام الإرتري استطاع الاستفادة من كافة التناقضات والفرص المتاحة والانتقال من محور لمحور في سبيل البقاء ولكن لعبة الانتقال هذه لن تدوم طويلا في ظل تنامي الحس العام للشعوب بأهمية الحريات وبناء الأوطان الناهضة بشعوبها والثورات المستمرة رغم محاولات الحصار عليها كل ذلك يجعلنا نقول ليس هناك نظام محصن من التحولات الجارية في المنطقة والشعب الإرتري الآن أمام استحقاقات كبيرة إذا ما تم الانتصار على التقراي التي كان النظام يتعلل بوجود أرض محتلة وتهديد قائم فعند زوال هذا الخطر الذي كان شماعة النظام في تعطيل الدستور وبناء مؤسسات الدولة والممانعة في الإصلاح السياسي فإن الشعب الإرتري ستكون معركته القادمة مع الاستبداد والفساد والهيمنة الطائفية مع العلم أن النظام قد يعمل على صناعة عدو جديد للسير على ذات النهج ولكن الشعب الإرتري الآن أكثر وعيا وإدراكا بأساليب النظام وألاعيبه والمطلوب من قوى المقاومة الإرترية ترتيب أولوياتها وتجديد خطابها السياسي والعمل على الحشد الشعبي الواسع والتجسير بين قوى التغيير في داخل الوطن وخارجه.
وختاما الشكر والتقدير لإدارة زاجل والعاملين فيها لإتاحتهم لي هذه الفرصة للحديث عن تطورات الأوضاع في منطقتنا.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
باسم القروي: كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم.