حوار مع القائد المناضل الوطنى عبدالله ادريس محمد سليمان
حاوره الأستاذ: عبدالحي قسم الله المصدر: عونا
• إسياس أفلس وأحرق كل مالديه.
• نظامه آيل للسقـوط.
• النظام الحاكم ينفذ أجندة أجنبية بعيدة عن مصالح الشعب.
• يســـعى التحــالف لإعـــادة الحــق المنتـزع من الشــعب إلى الشــعب.
عبدالله إدريس محمد (58 عاماً) قائد إريتري بارز ومناضل غني عن التعريف يقفز إسمه الي ذهنك مباشرةً بمجرد ذكرك الكفاح الإريتري المسلح أو جبهة التحرير الإريترية وهو الذي ألتحق بها ولم يتجاوز عمره السادسة عشر عاماً، كان ذلك في نهاية أكتوبر عام 1961م حين قام بزيارة من نوع خاص الي غابات إريتريا ووديانها وجبالها يقتفي فيها أثر مفجر الثورة الإريترية الشهيد الكبير حامد إدريس عواتي في ظروف أمنية بالغة التعقيد وقد قابله فعلاً مرتين علي الأقل نقل في إحداهما رسالةً منه الي الشهداء طاهر سالم ومحمد إدريس حاج وعمر إزاز والمناضل/ محمد عمر عبدالله (أبوطيارة) فحواها أن الشهيد/ عواتي بحاجة ملحة الي "سلاح وذخيرة" وفي اللقاء الثاني سلمه ذخائر حية مرسلة من الجنود الإريتريين العاملين في الجيش السوداني،
ومع أن مؤسس الكفاح المسلح لم يخف فرحته وإعجابه بالمهمة الإستثنائية التي قام بها عبدالله إدريس إلا أنه لم يقبله في صفوف الثورة لحداثة سنه قائلاً له "ياإبني ان المشوار طويل وأنت لازلت صغير ولأنك طالب وكرر المشوار طويل.. المشوار طويل ولك فرصة أن تلتحق بالثورة في مراحل قادمة وهذه المرحلة ليست مرحلتك" غير أن المناضل/ عبدالله إدريس عاد الي الميدان بعد أعوام قليلة من ذلك التأريخ وهو أكثر شباباً وحيويةً وإصراراً علي مواصلة المسيرة، وعدّ من وقتها واحداً من آلاف المناضلين والثائرين الإريتريين الذين دفعوا وما زالوا يدفعون "ضريبة العزة وفاتورة الكرامة دماً ومعاناةً وألماً".
أبصر السيد/ عبدالله إدريس النور في منطقة "شلاب" الواقعة علي بعد أربعين (40) كيلو متراً شمال مدينة أغردات في مارس عام 1945م وقد تلقي مبادئ القراءة والكتابة علي يد والده الشيخ/ إدريس محمد سليمان ثم واصل الدراسة النظامية في كل من السودان ومصر وسوريا... بعد أن تحدث عن لقائه الثاني مع الشهيد/ عواتي يقول عن سيرته الذاتية المنشورة بموقع عواتي في مايو عام 2002م عدت وواصلت دراستي الإبتدائية في السودان والمتوسطة والثانوية في مصر وأنا في المرحلة الثانوية وصل إلينا وفد من المجلس الأعلي برئاسة الشيخ/ إدريس محمد آدم وعضوية عثمان سبي وإدريس قلايدوس وطلبوا من جميع طلاب الثانوية التطوع لأن هناك فرص لقبول طلابنا في الكلية الحربية بسوريا وكنت أول المتطوعين مع تسعة عشر آخرين من زملائي الطلاب وذلك عام 1965م. التقي موقع "عونا" بالمناضل/ عبدالله إدريس محمد في زيارته الأخيرة لأستراليا، وكان معه هذا الحوار:-
أهلاً بك في أستراليا، هذه أول زيارة لك لهذه القارة، ماالذي تحمله للإريتريين في هذه البلاد؟
أحمل للإريتريين في هذه الزيارة آخر التطورات في الساحة الإريترية والآمال والتطلعات وطموحات الشعب الإريتري وربطهم بقضيتهم الوطنية وهموم الوطن.
أظهرت إهتماماً مبكراً بالوطن وتعاطيت مع شئونه منذ أن كنت يافعاً، ماسر حبك الكبير لإريتريا؟ وما هي العوامل التي أثرت في تكوين وعيك الوطني؟
في الواقع نحن كطلاب في تلك المرحلة كنا نتابع النشرات واللقاءات التي كانت تقوم بها القيادات في تلك الفترة بعد تأسيس جبهة التحرير الإريترية في شهر 7/60م، ثم كمجموعة طلاب قمنا بجولة للميدان وقابلنا القائد الشهيد عواتي كل هذه العوامل كان لها التأثير المبكر.
تُعد أحد المناضلين القلائل الذين تشرفوا برؤية المناضل الكبير مفجر الثورة الإريترية الشهيد/ حامد إدريس عواتي - كيف تصف لنا لقائك به؟ وماذا كان شعورك لحظة اللقاء؟ هل أحسست برهبة مثلاً؟
كان هذا في 11/61م عندما أتيحت لي الفرصة للقاء مع القائد عواتي في منطقة ساوا، وكان عندي رغبة شديدة للإلتحاق بالمقاتلين والثوار في ذلك الوقت، إلا أن القائد عواتي رفض مطلقا وطلب مني العودة لمواصلة الدراسة، أما في لقائي به وببعض أصدقائه لم تكن هناك رهبة ولكن كان لدي إعجاب بشخص القائد عواتي.
عندما أنشق أسياس أفورقي عن الجبهة كان الجميع متفقون أنه متمرد.. إذاً لماذا لم تقم القيادة بإحتواء ذلك التمرد بكل السبل، خاصةً الجانب العسكري منها؟ وهنا بالطبع نفرق بين التمرد والإنشقاق؟
عندما انشق أفورقي وتمرد كانت هنالك محاولات عديدة لاحتواء هذا التمرد عبر وسائل شتى، منها الإتصال به ومحاورته والتعرف على أهم مطالبه وقبول مايمكن قبوله. أما إذا تعذر ذلك، فإنهاء هذه الظاهرة الإنشقاقية، ولكن إسياس والمجموعة القليلة التي كانت معه، إحتموا بالقاعدة الأمريكية "غانيو استيشن" في ذلك الوقت، كما احتمى بالجيش الإثيوبي أيضاً، فقد كان مدفوعاً بقوى مخابراتية إثيوبية والقاعدة الإمريكية "غانيو استيشن" في أسمرا.
التفكير الكثير، والقراءة الشديدة، والتحدث بحذر... كانت هذه بعض صفات أسياس أفورقي حين التحق بالثورة - حسب إدعاء البعض - أنتم أحد المناضلين الذين تعاملوا مع هذا الرجل، هل تصرفاته كانت توحي إليكم بشئ ما؟ بصورة أكثر تحديداً هل توقعتم أنه يمكن أن يصبح يوماً ما رئيساً لإريتريا؟
الصفة التي كانت واضحة لإسياس أفورقي عند التحاقه بالثورة هي واحدة... "الحذر". كان حذراً وكان يحب أن يتعلم من الثورة، لكنه لم يكن ملفتاً للنظر، ولم يكن يتمتع بأي ذكاء خارق -مالم يتوهم البعض ذلك- ولم أتوقع أنا طبعاً في ذلك الوقت بأنه سيكون رئيساً لإريتريا.. ولا أعتقد بأن هذا المنصب الذي وصله حقق له آمال، أو مكنه من تحقيق آمال الشعب الإريتري.. بل على العكس انحرف بالثورة ومبادئها، وهو ليس جديراً بهذه المهمة في الواقع.
دعونا في هذه النقطة، يقال أنه جمعتكم مواقف عديدة مع أسياس أفورقي وقد عملتم معاً في بعض المواقع القيادية وقيل أنكم أنقذتموه من بعض المواقف المحرجة أو من أحداث كان يمكن أن تعرضه للموت، حدثونا بشئ من التفصيل عن ذلك؟
الحقيقة هو عندما التحق بالثورة، وتحديداً في المنطقة الخامسة -في فترة المناطق - استقبلته أنا بإعتباري كنت قائد المنطقة الخامسة بالإنابة.. عندما سلم قائدها - المدعو/ ولداي كحساي - للعدو الأثيوبي، ومنذ ذلك الوقت اشتركنا في مؤتمر عنسبا، ومؤتمر أدوبحا، وفي القيادة المؤقتة في ذلك الوقت ثم شاركنا معه في القيادة العامة حتى هروبه في عام 1970م. وفي تلك الفترة لم يُظهر أي ميزة خاصة، بل الحذر كان ديدنه، حتى انشق. وفي فترة انشقاقه وهروبه لم أكن متواجداً بالميدان، حيث كنت في تلك الفترة ضمن وفد في جولة خارجية.
جبهة التحرير الإريترية رائدة النضال الأريتري، موحدة الشعب بكل فئاته وفسيفسائه، تأريخ طويل من التضحيات، آلاف الشهداء، مئات الإنتصارات، وعود بتحقيق الإزدهار والتنمية وبناء الإنسان والأرض، أهداف نبيلة وغايات سامية - أرسموا لنا صورة الدولة التي كانت وما زالت تسعي إليها جبهة التحرير الإريترية؟
جبهة التحرير كانت ولاتزال المعبر عن آمال وطموحات هذا الشعب وتطلعاته.. تدعو للتعددية.. تدعو للسلام، ومشاركة كل الفئات الإريترية في هذا العمل. وماطرحته الجبهة من برنامج، الآن بدأ يؤخذ به في التحالف؛ مثل نظام الحكم اللامركزي في اريتريا، مثل التعددية، مثل الديمقراطية كنهج للعمل. هذه الآمال والطموحات التي عبرت عنها الجبهة لازالت قائمة، والسعي موجود لتحقيقها انشاءالله.
ماالذي حدث في مؤتمر أدوبحا؟ البعض يردد أن ذلك المؤتمر كان بداية معاناة الثورة الإريترية؟
كلام غير صحيح.. وإن كان هذه عودة إلى أكثر من 30 سنة أو كم وعشرين سنة. وما أعتقد بأن هذه قضية مرحلية، لكن مؤتمر أدوبحا كان نقلة نوعية مهمة جداً، وأعد للمؤتمر الوطني الأول، ووحد إدارة جيش التحرير في جيش تحرير وطني واحد، وقام بكثير من العمليات البطولية في ذلك الوقت. فلم يكن مؤتمر أدوبحا بداية المعاناة، بل بداية التغيير.. بداية نحو برنامج سياسي واضح.. نحو مؤتمر وطني عام تشارك فيه كل الناس، وكانت نقلة إيجابية لاشك.
احتفلت بلادنا قبل أيام قليلة بذكرى عطرة وحدث مجيد وهو عيد الإستقلال المظفر في ظل وجود شبه إجماع علي أن إريتريا تعيش في أزمة عويصة ومأزق خطير، السيد/ عبدالله إدريس، بعد 12 عاماً من الإستقلال كيف ترون صورة إريتريا؟
الحقيقة الإستقلال إنجاز وطني كبير، جاء نتيجة تضحيات وصمود هذا الشعب واستبساله في تحقيق هذا المطلب، وهذا الهدف الإستراتيجي. وعندما حاولت قيادة الجبهة الشعبية الإنفراد في عملية الإستفتاء واحتكار هذا العمل، وجدنا الجماهير الإريترية محجمة عن الإدلاء بصوتها كرهاً للجبهة الشعبية. وعندما شعرنا من جولات وفود الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية في المدن الإريترية، وإحجام الناس في الداخل والخارج عن الإستفتاء، أكدوا المندوبين أن الإستقلال في خطر، طالما هنالك إحجام عن الإستفتاء. في ذلك الوقت أصدرنا بيان وإعلان تأريخي يحث الجاهير الإريترية بشكل عام وقواعد جبهة تحرير إريتريا بصفة خاصة، بضرورة إدلائها بأصواتها وتأكيد كلمة "نعم" للإستقلال، وكان ذلك بمثابة تغيير فعلي في مسار الإستفتاء، مما أدى الى تحقيق أغلبية ساحقة لتأييد هذا الإستقلال. ولذلك نحن كجبهة التحرير الإريترية وكشعب إريتري بشكل عام خارج الجبهة الشعبية لعبنا دور في إنجاح هذا الإستفتاء، لأننا كنا نعتقد خلافنا مع الجبهة الشعبية شيئ وإنجاز الإستقلال شيئ آخر وهو الأهم، ولذلك دفعنا في هذا الإتجاه، وأكدت الأغلبية الساحقة كلمة "نعم" وقد تم الإستقلال رغم تشويه الجبهة الشعبية لصورة هذا الإستقلال وصورة هذا الإنجاز.
الإعلان عن ترك أفورقي لمنصبه حتي يتسني إجراء إنتخابات نزيهة، إطلاق السجناء والمعتقلين السياسين، إستفتاء علي تعديل الدستور، بدء المفاوضات مع التحالف الوطني الإريتري، هل يكفي ذلك لإجراء صلح في إريتريا؟ ماهو الحد الأدني الذي يرضي التحالف؟
الجبهة الشعبية بالتأكيد فشلت بعد الإستقلال في ادارة أمور البلاد، وفي اتاحة فرصة للشعب. بل على العكس حرمت الناس من ممارسة حقوقها، ومن التعبير عن رأيها، واختلقت الكثير من المشاكل مع دول الجوار. ونحن نعتقد بأن نهج الجبهة الشعبية، نهج خارج عن مصالح الشعب الإريتري وآماله وطموحاته. ولذلك أول خطوة قامت بها هذه الحكومة هي حرمان هذا الشعب من التعبير عن رأيه، والمشاركة في بناء إريتريا التي تحتاج لكل أبنائها في الخارج والداخل بكفاءاتهم العلمية وقدراتهم المالية وإصرارهم على بناء بلدهم وتنميتها، فالجبهة الشعبية في تقديرنا فشلت في إدارة البلاد، وهي الان آيلة للسقوط.
ثمة أنباء تحدثت عن وقوع مناوشات عسكرية بين أثيوبيا وإريتريا، وبغض النظر عن صحة ذلك فإن علاقة التحالف الوطني الإريتري بأثيوبيا أصبحت محل تساؤلات وإستفسارات عديدة بالنظر إلي الإرث العدائي الذي يربط الشعب الإريتري بأثيوبيا، برأيكم ماهو التكييف الصحيح لعلاقة التحالف الوطني الإريتري بأثيوبيا؟ وإذا ماوقعت الحرب - لاسمح الله - بين البلدين فما هي التداعيات المباشرة التي ستلحق بالمعارضة الإريترية؟
الحقيقة كانت العلاقة بين الجبهة الشعبية ووياني تقراي، علاقة تحالف عسكري وسياسي دفتعهم للإعتداء على جبهة تحرير إريتريا في سنة 1980م. وهذا العدوان كان مؤامرة كبرى، فالجبهة الشعبية هي الحليف لإثيوبيا.. واستعانت بإثيوبيا لضرب جبهة تحرير إريتريا. أما علاقة التحالف بإثيوبيا فهي تأتي ضمن الظروف المتغيرة وفي ظل اعتراف اثيوبيا بإريتريا واستقلالها. وتأتي ضمن العلاقات بالمنطقة كلها - اثيوبيا، السودان، اليمن، السعودية، جيبوتي - هذه المنطقة كلها مهتمة بإريتريا، ومتعاطفة بشكل كبير مع القضية الإريترية ومطالب واطروحات التحالف، فالعلاقة بين التحالف واثيوبيا علاقة عادية في اطار التعاون في هذه المنطقة وفي هذا الإقليم، ولم تكن علاقة حروب وتحالف كما كان الحال مع الجبهة الشعبية.
بإنضمام إريتريا إلي جامعة الدول العربية قال البعض أن أفورقي سجل نقطة لصالحه علي حساب المعارضة الإريترية والبعض يشير الى أن أفورقي يمكن أن يمضي قدماً فيقوم بعملية إلتفاف داخلي يلعب فيها ببقية الكروت التي بحوزته؛ كأن يعلن تأسيس الأحزاب مثلاً وأن يحسِّن علاقاته بحلف صنعاء... بحكم معرفتكم بالرجل هل تعتقدون أنه من الصنف الذي يتراجع؟ لكن بالمقابل أن البعض يذهب إلي القول بأن أفورقي قام بإحراق جميع كروته، ماتعليقكم؟
أولاً ليس هناك شيئ اسمه "حلف صنعاء"، فالدول الثلاث التقت ولديها برنامج للتعاون الإقتصادي والسياسي. والحلف عادة يكون ضد عدو معين، وإريتريا لا تشكل عدو بالنسبة لهذه الدول.. إريتريا جارة... أما ان إريتريا انضمت إلى الجامعة العربية، معلومة غير صحيحة.. نظام الجبهة الشعبية طلب عضوية مراقب في الجامعة العربية، ولاتوجد هذه الصفة في الجامعة العربية، عضوية مراقب "مافي"..! منظمة قومية اللي ينتمي اليها يعتبر جزء من هذه الإمور..! ثم إن إسياس ليست في يده كروت كما يقال.. إسياس أفلس وأحرق كل مالديه. إذا إعتبرنا أن لدى إريتريا شيئاً يمكن أن تقدمه، فإن وجود هذا النظام جعل من إريتريا -حتى هذه اللحظة - عاجزة عن أن تقدم شيئ إيجابي. فالنظام عاجز عن أن يقدم حلول لإريتريا، لايستطيع أن يدعو لإنتخابات عامة.. ولايستطيع أن يسن دستور يعبر عن طموحات هذا الشعب.. هذا النظام أفلس، وليس لديه نهج لخدمة إريتريا، نظام ينفذ أجندة أجنبية بعيدة عن مصالح هذا الشعب، ولذلك لا أعتقد أن هذا النظام يقدم مبادرات إيجابية، تساهم في حل مشاكل إريتريا، ولا يؤمن بالديمقراطية والتعددية والسلام والحوار.. هذا غير صحيح ومثل هذه المعلومات تكون للدعاية الإعلامية ليس إلا.
لقد تحدثتم في إجتماعكم بمدينة ملبورن الأسترالية عن بطء في سير المعارضة الإريترية، والبعض يضيف أن المعارضة مازالت متمسكة بأطرها الضيقة القديمة ولم تتمكن إلي الآن من طرح برامجها بشكل واضح ومحدد ولم تتحول بعد إلي أحزاب سياسية واضحة المعالم - أخبرونا عن التحديات التي تواجه المعارضة الإريترية عموماً والتحالف الوطني خاصةً؟
هناك سوء فهم عام عن التحالف.. التحالف بدأ كجهود متواضعة في 1996م عندما كونت ثلاث فصائل "التحالف"، ثم تطور في مارس 1999م إلى "التجمع" الذي ضم 11 فصيل، ثم في أكتوبر 2002م في أديس أبابا أضاف ثلاث فصائل أخرى، هذا التحالف مرَ بعدة مراحل.. في كل مرحلة، وفي كل إجتماع يحقق قفزة إلى الأمام.. فالساحة كانت مبعثرة، وكان التباين كبير، تقلصت هذه التباينات وتحولت من الصراعات إلى حوار، وعبر الحوار إلى اتفاق، وبعد الإتفاق إلى ميثاق وطني يحدد الرؤية الإستراتيجية والمطالب - مطالب هذا الشعب - ويعبر عنها بشكل واضح. هذه الخطوات لم تتم دفعة واحدة، تمت على عدة مراحل. فمن يتابع تطورات التحالف يعتبر كل شيئ الآن طبيعي لأن التطور كان طبيعي وسيتقدم انشاء الله إلى الأمام.. ونظرته المستقبلية تتمثل في ضمان مشروعية التعددية السياسية والأحزاب والتنظيمات في المستقبل، فهذه قضايا مشروعة.. مهمة التحالف الآن إعادة الحق المنتزع من الشعب إلى الشعب، لكي يختار الشعب ممثليه في السلطة، ويسن دستوره المعبر عن طموحاته وآماله، ويكوَن مجلسه التشريعي، وقيادته التنفيذية والقضائية. كل هذه الأمور تتم على مراحل، والشعب الإريتري عندما تعود إليه السلطة التي انتزعت منه بواسطة نظام الجبهة الشعبية، سيضع الأسس لبناء هذه الدولة وبشكل مشترك.. كل الفئات، وكل المجتمع سيشارك. إريتريا استقلت ولابد للناس أن تأخذ حقوقها، وتؤمّن مصالحها، وتشارك في بناء الدولة، هذا ما يسعى إليه التحالف.
ثمة سيناريوهات لسقوط النظام الإريتري يمكن حصرها في خمسة وهي:-
• إنقلاب عسكري،
• ثورة شعبية،
• التدخل الأجنبي،
• نتصار التحالف الوطني عسكرياً،
• نصيحةً يقدمها عقلاء لأسياس أفورقي، فيتنازل بموجبها عن السلطة،
أي من التصورات السابقة يرجح المناضل عبدالله إدريس؟ وأيهم أكثر واقعيةً؟
والله كل الإحتمالات واردة بشكل عام.. كل الإحتمالات واردة، أما أنا أفضل ثورة شعبية تحدث هذا التغيير بدعم من التحالف وقواه السياسية.. وهذا ممكن والنظام فعلاً وصل مرحلة انهيار، فانقسام قيادة الجبهة الشعبية إلى تيارين: تيار يدعو للديمقراطية والتعددية والتغيير، وهذا شيئ إيجابي في إطار الجبهة الشعبية، شيئ جديد نحن نرحب به وندعوهم للمشاركة في عملية التغيير، كما ندعو جيش الجبهة الشعبية للمشاركة في هذه العملية.. الإحتمالات كلها واردة، والنظام لاشك آيل للسقوط.
ألا تعتقدون أن مجموعة الخمسة عشر المعارضة أكثر قوةً منكم، وأنها أكثر قبولاً علي الأقل لدي القوي الغربية؟
هذا شيئ غير صحيح، أن هذه المجموعة لازالت تبحث عن لملمة أطرافها، ونحن عقدنا لقاء معهم وتم الإتفاق لكي يلتحقو بالتحالف، ولكنهم تعللوا بأنهم يلملموا أطرافهم ومشتتين وقد دعوناهم على كل حال للمشاركة في عملية التغيير، طالما ادعوا بأنهم مجموعة ديمقراطية ومجموعة داعية للتغيير، فيبقى إن شعارات التحالف الوطني وبرنامجه الذي وزع في إريتريا وفي العالم كله بدأت تأخذ مجراها الطبيعي، وقد بدا تأثيرها واضحاً على البنية التحتية للجبهة الشعبية، ولعل خير شاهد هذا الإنقسام الكبير للجبهة الشعبية.
مع مايبدو في الأفق من تغير الوضع في السودان ودخول الحكومة السودانية والمعارضة في الإتفاق ألا ترون أن ذلك يؤثر سلباً علي تحرك المعارضة الإريترية مع الأخذ في الإعتبار العلاقة بين جون قرنق وإسياس أفورقي؟
لا أعتقد أن اتفاقية الحكومة السودانية والمعارضة السودانية يؤثر على علاقة التحالف الوطني الإريتري بالسودان. لأن المعارضة الإريترية ليست لها مشاكل مباشرة مع المعارضة السودانية بأي شكل من الأشكال. ثم أن من قال بأن علاقة إسياس وقرنق علاقة حميمة، كثير من الأشياء والمصالح دفعت المعارضة السودانية للتعاون مع إسياس أفورقي كمحطة للإنطلاق منها، لكن بما أن المعارضة السودانية أو حركة قرنق وتوصلها لإتفاق مع الحكومة، هذا لايضر بشيئ للمعارضة الإريترية فيما نعتقد.
بقدر ماتهتم حركات المعارضة الإريترية بالعمل السياسي ضد الحكومة الإريترية نجد أنها لاتمتلك برامج لمساعدة الإنسان الإريتري.. خاصةً في السودان، فهل هناك برامج مدنية من هذا القبيل؟
طبعاً التحالف الوطني الإريتري له برنامج في العمل السياسي والإعلامي والإجتماعي.. والإجتماعي يشمل المجتمع الإريتري بصفة خاصة، ولنا منظمات انسانية تسعى لتأمين ضرورات الحياة للناس من تعليم وصحة واغاثة للمتضررين، هناك برنامج وهناك في خطط يتم تنفيذها بقدر المستطاع، وفي أي مجال من المجالات.
بالرغم من شبه الإجماع الذي عليه الإريتريون بالداخل والخارج في رغبتهم من التخلص من النظام الحاكم في أسمرا، وبالرغم من تبني التحالف لبرنامج يمثل الطموحات الحقيقية للشعب الأريتري إلا أن تفاعل الجماهير مع التحالف ينتابه نوع من "التحسب والحذر" يعزي بعض المثقفين والمراقبين ذلك إلي "أزمة ثقة" تولدت عن تجربة سابقة للتنظيمات المتمثلة في التحالف حالياً، وبصفة خاصة تجربة جبهة التحرير الأرترية قبل مارس عام 1982 والإنتكاسة التي عانت منها الثورة والتي أدت إلي دخولها إلي السودان، ألا تعتقدون بأن تقديم بعض التفسيرات لأسباب هذه الإنتكاسة قد يضيق فجوة "أزمة الثقة" هذه وبالتالي يؤدي إلي الإلتفاف وتفاعل الجماهير مع التحالف عن إقتناع ورضا؟ مما يعجل بسقوط النظام؟
الحقيقة هناك تأييد واسع للتحالف الوطني الإريتري، والإهتمام كبير بالميثاق الذي طرحه التحالف بكل اللغات للمجتمع الإريتري، وإذا كان في تحفظات من البعض، وهم معارضين للنظام، فهي تحفظات محدودة. ثم ان هذه التحفظات ترتبط بالتشويش الذي تقوم به عصابة الجبهة الشعبية في أوساط الشعب الإريتري، وتضليل البعض من البسطاء، وبعض المثقفين الذين يعيشون حالة من التفرج والتنظير دون المشاركة الفعلية في معركة التغيير.. وهناك الكل مهتم بالتغيير، والتغيير هي عملية يجب أن يشارك فيها الجميع. لأن مجرد التفرج لايفيد، ومجرد التنظير فيما يجب عمله بعد تغيير النظام. والبحث عنها والتحفظات جزء كبير منها غير موضوعي.
هنالك لحظات فاصلة في تأريخ الشعوب ويعتقد الكثيرين أن هذه اللحظة بالنسبة للشعب الإريتري هي دخول جبهة التحرير الإريترية إلي السودان الأمر الذي كان له أثراً نفسياً هائلاً لدي الناس مما أحدث أزمة ثقة كبيرة كان من إفرازاتها إحجام شبه كامل لقطاع كبير من الشعب الإريتري عن المشاركة في الحياة السياسية.. والملاحظ أن أسباب دخول الجبهة أصبح مسكوت عنه بصفة عامة بالرغم من مطالبة الكثيرين وبإلحاح مستمر لإجراء تقييم وتحليل تأريخي لما حدث. المناضل عبدالله إدريس محمد، أحد رجالات الجبهة البارزين... لانطلب منكم الحديث عمايقلِّب المواجع وينكأ الجراح ولكن يطمح موقع (عــونا) الإعلامي في وعد منكم للإدلاء بشهادتكم حول ماجري، فهل بإمكانكم الآن الوعد بذلك؟ ومتي نرتقب ذلك؟
الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى تفاصيل كثيرة ولا شك، ولكن أحب أن ألخص بعض الشيئ في هذا السؤال، لأن تجربة جبهة التحرير الإريترية تجربة كبيرة جداً، وتقييمها يحتاج إلى دراسات وكتب تستحقها هذه التجربة. كُتب من بعض هذه التجربة في كُتيبات عديدة، منها: كتاب "إريتريا.. بركان القرن الأفريقي" الذي أعدته جبهة التحرير الإريترية. يمكن مراجعة هذا الكتاب، ولكن هناك تفاصيل يجب إعدادها وتقديمها.. وسيتم ذلك في المستقبل إنشاء الله. والشيئ الذي أُحبُ تأكيده في هذا المجال أن المؤامرة التي حدثت للجبهة مؤامرة كبيرة؛ دولية وإقليمية، وتحالف الجبهة الشعبية واستعانتها بالوياني تقراى وخوضها للمعركة مع الجبهة لمدة سنة كاملة، حدثت فيها كثير من المشاكل، والقوات التي دخلت الأراضي السودانية، وجدت الجيش السوداني على إستعداد لتجريدها ولضربها إذا لم تستسلم. فالبعض جُرد من الأسلحة وبعض الوحدات وبعض الممتلكات.. المهم بعض الممتلكات عادت إلى إريتريا ورفضت هذا الإستسلام، تجربة جبهة التحرير الإريترية فيها الكثير من البطولات والكثير من الإنجازات، وفيها أيضاً مشاكل كثيرة وعقبات ومؤامرات عاقت مسيرتها وحجمت دورها لا شك في ذلك، لكن هذا يجب ألا يحيل الناس إلى أزمة ثقة، لأن الجبهة التي خلقت هذه القوة الكبيرة وحررت معظم المدن الإريترية واستبسلت لا يمكن أن توصف تجربتها بالسلبية.. وأن هذه المؤامرات التي حدثت فيها تؤدي إلى أزمة ثقة فيها، بل بالعكس الجندي الذي صوّت لصالح الجبهة لازال صامداً ومشاركاً، ويتحدى عدوان الجبهة الشعبية، وكل هذه المؤامرات.. إذا الجانب الإيجابي وجانب الإنجاز وجانب الصمود والتحدي، أكبر من الجانب السلبي، فمن يحس بأن هذه التجربة أثرت فيه وعقدته عن المشاركة، هذا رجل إستسلامي، والجبهة لم تستسلم ولم تعرف في تاريخها الإستسلام. تتعرض للمؤامرة وتتصدى لها بقدر ماتستطيع.. وشعبنا شعب حي، وله قيم نضالية وثقافية يدافع عنها، لهذا يبذل صموداً مستمراً وقائماً.. فيما يتعلق بالدراسات والمعلومات والكتب التي تصدر حول هذا الموضوع سوف نعين بها القنوات الإعلامية بما فيها "عونا" إنشاء الله، وبهذه المناسبة أنا أشيد بموقع "عونا" الإعلامي في دوره الوطني الذي يقوم به وتغطيته لهذه الزيارة بشكل ممتاز وجيد، نتمنى له التوفيق والسداد، وسنكون له إنشاء الله عون بمده بالمعلومات والأخبار أول بأول في المستقبل إنشاء الله.