مقابلة مع المناضل سيد أحمد محمد هاشم في أسمرا
حاوره الأستاذ: محمد نور أحمد
جاء سيد احمد الي اسمرا في زيارة قصيرة الي ارتريا بعد اعلان استقلالها في عام 1993
وكنت قد سبقته اليها بعام . قمت بزيارته في الفندق الذي يقيم فيه وكانت فرصة ذهبية لاستعادة ذكرياتنا عن الفترة بين عامي 1966 و 1967 التي جمعنا فيها العمل المشترك هو كعضو في المجلس الاعلي لجبهة التحرير الارترية وممثلها في الخرطوم وانا ككادر متفرغ في المكتب وتحت ادارته، وتطرق بنا الحديث الي بداية تأسيس جبهة التحرير الارترية ورايت الا امرر الفرصة دون استدراجه الي الظروف التي ادت الي تاسيس الجبهة والعناصر التي لعبت دورا فاعلا في ذلك ودوره في نشر اهداف الجبهة وعمله كموظف لدي وزارة المالية الارترية والاسباب التي دفعته للهروب من ارتريا متسللا عبر الحدود الي السودان وكان اول سؤال وجهته اليه هو:-
كيف كانت البداية؟ متي خطرت وعلي من فكرة جبهة التحرير الارترية؟ وكيف تطورت ثم تجسدت في تنظيم جبهة التحرير الارترية؟
قال سيد احمد: منذ عام 1817 وبعد ان انفرد محمد علي بالسلطة في المنطقة الشرقية من الامبراطورية العثمانية وخاصة منطقة البحر الاحمر شرقا وغربا، ارتبطت ارتريا بمصر واستمرت هذه العلاقة حتي 1885 عندما انسحبت منها وتسليم ادارتها الي الايطاليين بناء علي تعليمات بريطانيا لتلعب دورها في مواجهة الثورة المهدية التي حققت بعض الانتصارات ضد الجيش المصري والبريطاني في السودان وقد قامت ايطاليا بالفعل بالدور الذي انيط بها وبدعم من الشعب الارتري لا سيما ابناء المنخفضات الغربية الذين كانو يميلون الي الطريقة الختمية (الصوفية) التي كانت مستهدفة من اتباع محمد احمد المهدي مبدع الطريقة الوهابية وبالرغم من جلاء القوات المصرية في التاريخ والاسباب التي تقدم ذكرها الا ان الحكومات المتتالية في مصر كانت تعتبر ارتريا جزء من ممتلكاتها حتي ان حكومة النحاس باشا صوتت ضد استقلال ارتريا حينما طرحت القضية الارترية امام الجمعية العامة للامم المتحدة للبت في مصير ارتريا وبحكم هذه العلاقة التاريخية كان الشباب الارتري يؤمون مصر طلبا للعلم في الازهر الشريف او في المدارس التابعة لوزارة التعليم الحكومية لهذا عندما اندلعت ثورة 23 يوليو العسكرية كان في مصر وتحديدا في القاهرة كان هناك عدد من الطلاب الوافدين من ارتريا طلبا للعلم كما تقدم ذكره.
كما هو معروف تميزت فترة الخمسينيات بالمد الثوري للتحرر من الاستعمار ولا سيما في افريقيا وانعكست الشعارات التي رفعتها ثورة 23 يوليو المصرية ضد الاستعمار علي وجدان الطلاب الارتريين الموجودين في مصر والذين كانوا يحسون بالظلم في بلادهم التي انتهت حركتها الوطنية بالوقوع تحت قبضة النظام الامبراطوري الاثيوبي بالقرار الجائر الذي اصدرته الجمعية العامة للامم المتحدة في الثاني من ديسمبر عام 1950 والذي يحمل الرقم 390 أ (5) ويربط ارتريا باثيوبيا في علاقة اتحاد فدرالي تمهيدا لضمها اليها بشكل نهائي وان لم يعلن عن ذلك.
كانت هناك ايضا ثورة كوبا بقيادة فيديل كاسترو والجزائر بقيادة بن بيلا وكانت الاخيرة بحكم قربها الجغرافي وتعاطف العالم العربي معها ولا سيما ثورة 23 يوليو المصرية اكثر الهابا لحماس الطلاب الارتريين في القاهرة. بدأ النشاط الطلابي في بداية الامر باخراج الطلاب الارتريين من اطرهم القبلية وتجميعهم في الاطار الوطني والتنظيم في نادي في شارع جامعة البنات في حي الازهر الشريف.
وكان كل من محمد شريف (من الاشراف) في كسلا وان كان من جذور ارترية، والشيخ الامين عثمان مفتي الديار الارترية الحالي ومحمد ادريس شيخ رواق الجبرتا تغمده الله برحمته. كان لهذا النادي دوره الملموس في صقل الطلاب وطنيا وتوعيتهم سياسيا، فقد كان يعقد ندوات اسبوعية تكرس للقضية الوطنية، ووسع نشاطه للمشاركة في الندوات السياسية والليالي الشعرية التي كانت تعقد في مدينة القاهرة لاكساب الطلاب وعيا سياسيا ومعرفة ثقافية والتعريف بانفسهم كارتريين وظروف بلادهم.
في هذه الاثناء وتحديدا في عام 1954 حدث صراع في السلطة داخل القيادة المصرية ادي الي ابعاد محمد نجيب عن السلطة ويبدو انه كان قد استنفد اغراضه كواجهة لثورة يوليو 1952 حيث كان اكبر الضباط سنا واعلاهم رتبة واحل مكانه جمال عبد الناصر باعتباره رجل الثورة الاول الذي فكر فيها وخطط لها، احدثت عملية التغير هذه تذمراً في اوساط الجماهير المصرية التي تأثرت ببساطة اللواء نجيب وخطابته وليبراليته، فكان علي الثورة ان تجمع التأييد لعبد الناصر فعمدت الي عقد المؤتمر الاسلامي بتجميع كافة الطلاب الوافدين من العالم الاسلامي في مؤتمر في بورت سعيد وكان بن بيلا ضمن الحضور وادار السادات رئيس تحرير جريدة الجمهورية وقتئذا وأحد رجال الثورة المفوضين.
يذكر ان بن بيلا القي خطابا في هذا الموتمر استشهد فيه بجرائم الاستعمار الفرنسي بانه هو العربي لا يستطيع ان يتحدث اللغة العربية مما ادي الي انسحاب عدد من القساوسة الفرنسيين الذين حضرو المؤتمر، كانت الدعوة قد وجهت الي الارتريين ايضا مما اتاح لهم فرصة مقابلة انور السادات وتوجيه الدعوة له لزيارة ناديهم في شارع البنات.
فلبي السادات الدعوة وزار النادي الارتري والتقي بالطلاب الارتريين وتعرف عليهم وتعرف من خلالهم علي قضيتهم وأبدي تعاطفه معها مما اثار انزعاج السفارة الاثيوبية بالقاهرة، بعد اسبوع من هذا اللقاء نظم الطلاب الارتريين مظاهرة لتأيد مجلس الوزراء لثورة 23 يوليو وكان تعبيرا عن تأييد عبد الناصر الذي القي فيهة كلمة قال فيها ’’ اندفعو الي طريق القوة، فان النتائج التي ترونها في مصر ستعم الجميع ’’ . لم تنقطع عن الطلاب الارتريين احداث بلادهم فقد كانت تصلهم اولا باول , وكان تفاعلهم معها قويا في النصف الثاني من عام 1956 وصل المحامي الارتري المعروف ورئيس الرابطة الاسلامية للبحر الاحمر التي كانت تنادي بالإتحاد الفدرالي مع اثيوبيا الي القاهرة بعد ان كان قد قدم استقالته في المجلس الاستشاري الذي كان يتكون من خمسة اعضاء ارتريين وعدد مماثل من الاثيوبيين بعد ان ادرك انه مجلس صوري لا قيمة فعلية له، كان محمد عمر قاضي في طريقه الي الولايات المتحدة الامريكية ليقدم نيابة عن الشعب الارتري شكوي ضد الحكومة الاثيوبية لخرقها المتكرر لقرار الامم المتحدة باقامة اتحاد فدرالي بين ارتريا واثيوبيا تمهيدا لضم ارتريا الي الاخيرة حتي وان لم يقل القرار ذلك صراحة.
كان المغفور له يتميز بسذاجة سياسية الي درجة انه صدق الولايات المتحدة وممثل الامم المتحدة وممثل اثيوبيا في الامم المتحدة، بان الامبراطور علي استعاد لحل الخلاف داخليا وهو ما اكده له ايضا ممثل الولايات المتحدة في الامم المتحدة وانه اي الامبراطور علي استعداد للقاء به للتدوال معه حول هذا الموضوع فعاد قاضي الي ارتريا وكان مآله الاعتقال.
الحقائق عن ارتريا لم تكن مكشوفة من قبل العالم الخارجي كما عزز وصول السيد ولدآب ولد ماريام الي القاهرة هاربا بعد ان نجي من سبع محاولات لاغتياله دبرتها المخابرات الاثيوبية وعملائها في النظام الارتري للتخلص منه كصوت ارتري جهور وقوي، نعم عزز موقف الطلاب الارتريين فقد قدموه الي السلطات المصرية التي رحبت به كلاجي سياسي ارتري واتاحت له الفرصة لاسماع صوته للشعب الارتري عبر اذاعة صوت ارتريا مع صافي امام موسي الذي كان يذيع باللغة التجرينية.
لقد تم فتح الركن الاذاعي كرد فعل لمشاركة اثيوبيا في لجنة المنتفعين بالقناة التي احتجت علي تاميم مصر لقناة السويس وادارتها بنفسها باعتبارها قناة مصرية تخضع لسيادة الدولة المصرية في حين طالبت الدول المنتفعة بالقناة اعادة ادارة القناة الي الشركة العالمية التزاما باتفاقية القسطنطينية لعام 1885 وعندما اثارت اذاعة صوت ارتريا حماس الجماهير الارترية اشتط الامبراطور غضبا وطلب من ممثله في اللجنة الدولية ان يطلب من حكومة مصر ايقاف الركن الاذاعي ففعل وطلبت حكومة مصر بدورها انسحاب اثيوبيا من لجنة المنتفعين بالقناة والاعتراف بسيادة مصر علي القناة باعتبارها ارض مصر ففعل بالعودة للامبراطور وأغلقت مصر الركن الاذاعي (صوت ارتريا) بعد ان لعب دورا مشهودا في اثارة الحماس الوطني لدي الجماهير الارترية.
تفاقمت الاوضاع السياسية في ارتريا وتواصلت عمليات اللجوء للشخصيات السياسية الارترية الي مصر اذ وصل بعد السيد قاضي بفترة كل من السيدين ابراهيم سلطان علي رئيس حزب الرابطة الاسلامية قبل حله وادريس محمد ادم رئيس البرلمان الارتري بعد السيد علي موسي رادآي في عام 1958 وقبلتها الحكومة المصرية لاجئين سياسيين في مصر والتف حولها الطلاب الارتريين وفتحو معهما حوارات سياسية حول مستقبل ارتريا والطرق والوسائل الامثل لتخليص ارتريا من الاستعمار الاثيوبي، استمر ذلك الحوار حتي عام 1960 حينما تبلور راي باقامة تنظيم سياسي يتبني الكفاح المسلح في ارتريا وسيلة لتحريرها من الاحتلال الاثيوبي.
كان للاحداث الدولية في تلك الفترة والمد الثوري الذي اجتاح العالم الثالث بدأ بحرب السويس التي كسرت فيها هيبة بريطانيا وفرنسا اكبر دولتين استعمارييتين عرفهما العالم وثورة الدكتور مصدق في ايران وثورة كاسترو في كوبا وانتصار الفيتنام في معركة ديان بيان فو علي الولايات المتحدة وثورة الماوماو في كينيا والثورة الصينية ضد الكمنتاج وحلفاءهم.
هذه الاحداث مشتركة اوحت للطلاب الارتريين ان يتجهوا الي الكفاح المسلح كاسلوب انجع لتحرير بلادهم من الاحتلال الاثيوبي.
بعد ان يئسو من النضال السلمي الذي ووجه بعملية قمع قاسية من قبل اجهزة القمع الحكومية. طرح الفكرة في البداية في شكل دردشة الطالب سيد احمد محمد هاشم وبرفقته الطالب ادريس عثمان قلايدوس في منزل الزعيم ابراهيم سلطان وهو السياسي التقليدي الذي يقول فقط علي العمل الجماهيري المفتوح وتلك كانت تجربته في مرحلة الكفاح من اجل حق تحقيق المصير في النصف الاخير من الاربعينيات وبداية الخمسينيات لهذا لم يشجع صاحب الفكرة علي اخذها مأخذ الجد فقد كان رده ان الجماهير الارترية لم تبلغ درجة الوعي تمكنه من اعتناق فكرة الكفاح المسلح وانها بسبب تدني مستوي وعيها السياسي يمكن ان تسلم المسلحين الارتريين الي اجهزة الامن الاثيوبية فاتجه صاحب الفكرة وزميله ادريس عثمان قلايدوس الي منزل السيد ادريس محمد ادم وكان علي مرمي حجر من منزل الزعيم ابراهيم سلطان والمعلوم ان المرحوم ادريس عثمان قلايدوس كان من انشط الطلاب الارتريين في القاهرة.
ذهبنا الي منزل السيد ادريس محمد ادم الذي اتفق معنا في الحال علي الفكرة وتابعنا الحوار مع كل من سعيد حسين الذي شارك في القوات الانتحارية للجيش المصري في حرب السويس في عام 1956 وطه محمد نور وادم اكتي ومحمد سعيد انططا والاخيرين كانا قد وصلا لتوهما من ارتريا بعد ان شاركا في المظاهرات الطلابية التي قامت في مختلف المدن الارترية منذ بداية عام 1958 واستمرت حتي عام 1961 حيث تم قمعها بوحشية من قبل ادوات القمع لعملاء الاستعمار الامبراطوري الاثيوبي.
توجت هذه اللقاءات والمناقشات بإجتماع في حديقة الاسماك في الجزيرة بالزمالك في اغسطس عام 1960 حضره كل من:-
• ادريس محمد ادم،
• طه محمد نور،
• سعيد حسين،
• ادريس عثمان قلايدوس،
• سيد أحمد محمد هاشم،
• محمد صالح حمد،
• سليمان محمد احمد،
• ابراهيم احمد الملقب ببليناي،
• محمد علي اكتي،
• محمد سعيد انططا،
عثمان بشير الذي حضر الجلسات الاولي.
تقرر في هذا الاجتماع وهو الاجتماع الاول، تكليف كل من الطالبين ادريس عثمان قلايدوس ومحمد صالح حمد وكانا طالبين في كلية الحقوق بجامعة القاهرة والطالب سيد احمد محمد هاشم وكان بكلية التجارة في نفس الجامعة والذي تأثر بكتابات الدكتور عبدالملك عودة والمعروف باهتماته بحركة التحرر الوطني الافريقي من الكولونيالية منذ بداية الخمسينات وجبهة التحرير الوطني الجزائرية التي كان لانتصاراتها صدا كبير في نفوس أولئك الشباب المتحمس من اجل تحرير بلادهم.
لقد تم تكليف المذكور اعلاه بوضع لائحة لاقامة تجمع باسم جبهة التحرير الارترية الاسم الذي اقترحه الطالب سيد احمد محمد هاشم.
بعد الانتهاء من وضع اللائحة التنظيمية اعلن الشهيد سعيد حسين ان له خلية سرية في القاهرة وكانوا من نفس المجموعة التي ورد ذكرها وكانت قد جمعت مبلغا بسيطا من المال، اعلنت الخلية حل نفسها وتبرعت بالمبلغ لصالح التنظيم الجديد.
الخلاف مع حركة تحرير ارتريا : قبل مغادرتي القاهرة متوجها الي ارتريا بعد التخرج بفترة قصيرة وانا أتهيئ للسفر وصل طاهر فداب الي القاهرة وبدا اتصالاته بالطلبة وتجنيد البعض منهم , كما كان يبحث عن وسيلة لطبع كتب صغيرة كان قد احضر مسودته معه، كان من بين من اتصل بهم الشيخ محمد ادريس شيخ رواق الجبرتا والطالب ادريس عثمان قلايدوس وابلغنا الاخير باسباب مجيئ طاهر فداب والنشاط الذي بدا يقوم به في اوساط الطلاب فكلف تنظيم الجبهة الوليد ادريس قلايدوس باستفسار طاهر فداب عن قيادة الحركة وأبلاغها بان التنظيم الوليد علي اتم الاستعداد علي حل نفسه فيما لو عرف يقيادة الحركة لانه لا يستقيم عقلا ان نقاد باناس لا نعرفهم او علي الاقل نعرف اسماءهم.
نقل طاهر فداب رأينا برسالة الي قيادته فردت عليه برسالة مفادها بان ادريس محمد ادم سبق ان تم تجنيده في الحركة فاذا كان مصرا علي معرفة القيادة فاتركه وشأنه وراكب السرجين وقاع كما يقول المثل السوداني.
اما بالنسبة للطلاب فاستقطب منهم ما امكن لك لانهم مجرد طلاب اكاديميين لا يرقي وعيهم الي مستوي يؤهلهم لمثل هذا المطلب لم يكن امام طاهر فداب سوي تبليغ ما امرته به قيادته، بهذا انتهي الحوار وشق كل طريقه، غير ان تنظيم الجبهة الوليد ساعد رغم رد الحركة السلبي علي الاسئلة المشروعة التي طرحها التنظيم الوليد، قام بمساعدة طاهر فداب في طباعة مسودة كتيبه الآنف الذكر.
كان طه محمد نور متجها في ذلك الوقت الي روما لمواصلة دراسته هنالك فكلف بمهمة توسيع قاعدة الجبهة في ايطاليا وكلفت انا بذات المهمة في داخل ارتريا.
النشاط في داخل ارتريا: كان اول عمل يجب ان اقوم به هو ان يتم توظيفي في داخل ارتريا لان اي طالب ارتري يعود بعد التخرج الي بلده كان يبعث الي اثيوبيا وكان يتم توظيفه هناك لانه ما لم يتم توظيفي في ارتريا سوف لن يكون بمقدوري اداء المهمة الوطنية التي التزمت بها، لهذا قابلت الشيخ حامد فرج رئيس الجمعية التمثيلية (البرلمان) الارترية بواسطة السيد ادم ملكين وقد حول السيد الشيخ/ حامد فرج بدوره طلبي الي السيد اسفها ولد ميكائيل رئيس الحكومة الارترية انذاك فوافق علي تعييني في اسمرا في قسم الحسابات بوزارة المالية، نقلت منه بعد ستة اشهر الي مكتب المراجع العام.
عندما بدأت اتصالاتي بالمواطنين لدعوتهم للانضمام الي تنظيم الجبهة وجدت ان الحركة قد سبقتني اليهم، فقد ضمت الي صفوفها اعداد كبيرة، كان يسين عقدا مسيطرا سيطرة تامة علي اسمرا وكان صالح احمد اياي متفرغا لنشاط الحركة في ارتريا وهو كما عرفت فيما بعد احد المؤسسين للحركة ورغم هذا المناخ الذي تسيطر فيه الحركة استطعت استقطاب ثلاثة اشخاص في مدينة اسمرا وهم: ادم محمد علي ملكين وموسي محمد نور شقيق طه طه محمد نور احد مؤسسي الجبهة ومحمود عمر ابراهيم وكان كل من ادم ملكين وموسي محمد نور اعضاء بالحركة ولكنهما كانا قد اختلفا معها، بعد فترة قصيرة سمعنا باعلان حامد ادريس عواتي ثورته علي النظام الاثيوبي، وبعد مضي فترة قصيرة علي هذا الحدث وصل الي اسمرا الشهيد محمد ادريس حاج وقدم لنا مبلغ الف دولار اثيوبي وبلغنا رسالة السيد ادريس محمد ادم بالبحث عن مصادر للسلاح من الداخل والجبهة ستقوم بتوفير الاموال اللازمة لان في ذلك اسهل من الحصول علي اسلحة في الخارج، بعد شهر واحد فقط عاد الينا محمد ادريس حاج وطلب منا المبلغ لانهم وجدوا بنادق ايطالية، بعد ذلك بفترة قصيرة وصل عمر ازاز الي اسمرا وابدي استعداده للذهاب الي اديس ابابا للقيام بمهمة شراء الاسلحة من هناك، فالاسلحة في اثيوبيا كانت متوفرة وتباع في المتاجر وبدون رقابة، فتم اقناعه بالعودة الي رفاقه الذين هم اكثر حوجة اليه، بعد ذلك عرض محمود عمر ابراهيم ان يقوم هو بهذه المهمة، فخشينا عليه من طبعه المتسم بعدم الحذر واليقظة وتم الاتفاق علي اناطة هذه المهمة بادم ملكين وذهب ادم واجري اتصالات واسعة بالارتريين هناك وكان من بين هؤلاء اثني عشر مواطنا مسيحيا حضرو الي اسمرا ومع كل منهم رشاشا وخرجو بها الي منطقة حماسين ولسوء الحظ القي القبض عليهم جميعا كما اتصل ادم ملكين بتاجر سلاح ارتري يدعي محمد برهان الذي ابدي استعداده لمد الثورة بالاسلحة والذخائر وقدم كدفعة اولي رشاشا وبندقية ابو تمانية (سميت هكذا لان خزنتها لم تكن تستوعب اكثر من ثمانية طلقات) وعدد من القنابل تم نقلها في سيارة شحنة مثل اي بضاعة وتم استلامها في السوق الشعبي، ثم نقلت الي كرن واودعت منزل علي كرار وكانت معبأة في صناديق وهناك قام سعيد حسين وبعض زملائه بتركيبها وحملها الي الميدان عن طريق حشيشاي.
استمرت عملية الاستقطاب وتنظيم الخلايا في بعض المدن الارترية كاسمرا وكرن واغردات وقد ساعد علي ذلك موقف الحركة المعارض لخروج حامد عواتي، كانت هناك عناصر نشطة تتحرك من موقع الي اخر توصل الرسائل نذكر منهم الحسن ابراهيم عيسي، من خلال الاتصالات والنقاشات التي دارت بعد خروج حامد ادريس عواتي. حول كيفية تطوير العمل ولدت فكرة القيام بعمل فدائي داخل المدن كعمل داعم للكفاح المسلح في الميدان ولكسر هيبة اجهزة القمع التي ارعبت المواطنين في المدن، فكانت اول عملية فدائية وهي تلك التي ارعبت المواطنين في المدن تلك التي تمت في مدينة اغردات بتاريخ 12/7/1962 والتي اودت بحياة عشرة اشخاص وجرح 74 شخص كان العددد المقرر من القنابل لتنفيذ تلك العملية اثني عشر قنبلة يحملها اثني عشرة رجال يقومون برميها في نفس الوقت الا ان ما رمي منها اثنتين فقط وانفجرت واحدة وحسب شاهد عيان انه لو أنفجرت الثانية لاودت بحياة كل من (غبي أبيي و اسفها ولد ميكائيل والقس د مطروس) ولو مات المذكورين لقام الجيش الاثيوبي بمجزرة ربما لم تكن قد تركت شخصا واحدا من جموع الحاضرين وهو ما قام به في عام 1970 في منطقة عيلا برعد في طريقه الي كرن حين تم قتل قائد الفرقة الثانية وهو برتبة جنرال كان يقود الجيش المتمركز في أرتريا.
كان المناضل الشهيد محمود محمد صالح ممن كان لهم دورا كبيرا في تنظيم هذه العملية وان لم يكن احد منفذيها. كان الهدف من تلك العملية ابطال مفعول الغاية السياسية التي قصدها حامد فرج وهي اظهار ولاء اهل بركا للحكومة الاثيوبية واعلاء مكانته لدي السلطات الاثيوبية، بالرغم من ان التي انفجرت قنبلة واحدة الا انها اوفت بالغاية منها. اما العملية الثانية فقد كانت محاولة اغتيال القس ديمطروس.
تم وضع خطة تنفيذ هذه العملية في اجتماع ضم كل من سيد احمد محمد هاشم ومنغستو بايرو وفيتوراي منابايرو وتخلي اسفها ومحمود عمر ابراهيم وآدم ملكين في هذا الاجتماع تم اختيار... ويوهنس وشخصين اخرين بالنسبة لمكان تنفيذ العملية ثم البداية اختيار كنيسة كداني محرت في غزا باندا طليان، الا انه صرف النظر عنها لما قد يسبب ذلك من احداث خسائر في ارواح الابرياء ممن قدمو للصلاة في الكنيسة وتم الاتفاق ان يتم تنفيذ العملية اثناء خروج القس ديمطروس من منزله ووضعت الترتيبات علي هذا الاساس بان احتل الشهيد جبرموهن موقعه قرابة فندق كرن (ايطاليا) سابقا وبيده قنبلة يدوية في حين قام يوهنس بسد الطريق الجانبي المؤدي الي شارع آنزي ماتيزو وتوزع الاثنين الاخريين في الشوارع الجانبية المجاورة لمنزل القس ديمطروس وعندما وصلت سيارة القس ديمطروس الفندق رمي الشهيد رمانته وقد لاحظ السائق ذلك وزاد من سرعة السيارة، هكذا انفجرت القنبلة ولكن بعد ان تجاوزت السيارة منطقة الخطر، وفي هذا الاثناء سارع رجال الامن وحوطو المكان وطوقو الشهيد قبر عد هيلو فنزع صمام الامان من الرمانة الثانية التي كانت بحوذته ورمي بها لتنفجر وتقتل اربعة من رجال الشرطة وتصيبه بجراح في احد جانبيه لتخرج احشاءه علي الارض لكنه اسعف واجريت له عملية جراحية واصر القس ديمطروس علي استجوابه رغم اصابته البالغة لكنه غافل الممرضين والممرضات فنزع الخيوط عن الجرح فنزف واستشهد وقد اصيب زميله يوهانس برصاصة اطلقها الحرس في منزل القس فوصل الي منزله وهو ينزف دما، فطلب من زوجته ان تطلب له طبيبا يقوم باسعافه، فاذا رفض عليها ان تبلغ الشرطة ففعلت وقامت الشرطة بنقله الي المستشفي حيث امكن اسعافه وقدم الي المحاكمة ليصدر عليه حكما بالسجن لمدة عشرة سنوات. تمت هذه العملية عام 1962، اما العملية التالية فكانت عملية المطار التي قام بها سعيد حسين واحمدين شبا وشخصين اخرين لا يحضراني اسماءهما , كان الاتفاق ان يرمي كل منهم قنبلة مولوتوف علي طائرة من الطائرات الحربية التي كانت تربض علي ارض المطار وتم تحضير القنابل واخذ كل منهم قنبلته واتجهو الي المطار وتم توزعوا في اتجاهات مختلفة ولكن قبل ان يبدأو في تنفيذ العملية احس بهم الحرس لان المطار لم يكن مضاء وقال بصوت عالي قوي قف , وفي تلك اللحظة رمي كل من سعيد حسين واحمد الدين قنبلته في طائرة من الطائرات فاحترقت الطائرتين واطلق الحرس النار من رشاش فانسحب الجميع الي مكان آمن.
ثمة عملية اخري في اسمرا نفذها سعيد حسين ومحمود هارون ضد مركز فرقة المشاة الثانية في حوالي الساعة السادسة والنصف صباحا بالقائهما قنبلتين يدويتين علي مقر القيادة لكنها لم تسفر عن خسائر كبيرة وان اهالت الهلع علي نفوس السلطات الاثيوبية التي كانت تعتبر مثل هذه الاماكن محصنة لذلك لا يتجرأ احد علي الاقتراب منها وانسحب الفدائيان دون ان يلحظهما احد محتميان باشجار مشتل خلف المركز ووصلا الي مقر اقامتهما في اباشاول وقد كان واحد من مقرات الاقامة المخصصة لها وهي ثلاثة احدها في اكريا والثاني في غزابرهانو والثالث في اباشاول تمت هذه العملية في نهاية عام 1962، بعد فترة قصيرة من هذه العملية وصل الي اسمرا الفدائيان سعيد حسين ومحمود هارون بعد ان كانا قد غادرها وجاء معهما محمد عثمان الم بعد وصولهما بعد عدة ايام وصلنا (سبة خضار) بها حزم ملوخية وثلاث قنابل يدوية عن طريق باص ستاي الذي كان محمود انصرا يعمل به كمفتش للتذاكر ويعمل ضابط اتصال بين تسني واسمرا وكان قد التحق بالجبهة وهو الذي حمل سبة خضار الملوخية ذلك او بالاحري سبة القنابل لقد استقطبت الجبهة عناصر كثيرة في تلك الفترة ويمكن ذكر عثمان علي بخيت وسليمان مرير وعلي كرار الصائغ ومحمود امان وادم حدوق هذا في كرن وصالح محمد سعيد ومحمود محمد صالح في اغردات وكان احمد عقرقر رغم شكوك اجهزة الامن فيه من اكثر العناصر نشاطا في اسمرا.
تسلمت (سبة الخضار) من احمد عقرقر وذهبت به الي منزلي وكنا زوجتي وانا ما نزال في شهر العسل ولم تكن تعرف شيئا عن نشاطي السياسي فاعطيتها سبة الخضار وقلت لها انه هدية من والدها به بعض الخضروات من مزرعته بمنطقة نمرة (10) وكنت قد افرغته من شحنة السلاح التي كانت بداخله وكانت ثلاث قنابل يدوية.
لم تكن هناك رقابة علي الفدائيين الثلاثة فكانو يتحركون بحرية بين منزل موسي محمد نور ومنزلي ومنزل محمد نور كيكيا يستضيف محمد عثمان الم الذي كان من انشط عناصر التنظيم وكان هو ومصطفي مكلفين بتجنيد اعضاء جدد من الوسط الطلابي، كنا قد قررنا في هذه المرة ان تتم تفجيرات في اماكن هامة في وسط المدينة من بينها مكتب ممثل الامبراطور في ارتريا ومركز شرطة اسمرا ورئاسة الشرطة.
قبل تنفيذ الخطة ذهب محمود هارون الي المدينة لقضاء حاجة فاذا به يلتقي صدفة باحد ابناء قريته ورفيق صباه وكان مجند بقوات الكماندوس التي تم انشائها في عام 1964 خصيصا لمحاربة الثورة الارترية وتم تدريبها علي يد خبراء اسرائليين واقنعه بالتعاون بان يكشف لهم اليوم والساعة التي ستكون فيها نوبة حراسته ليقوموا بالهجوم علي المعسكر وكان في سنبل ويستولو علي موجوداته من الاسلحة، فقبل المهمة واوعده بان يلتقيا في اليوم التالي في مكان محدد وافترقا وذهب محمود هارون الي مقر اقامته واتجه صاحبه الي مركز الشرطة وفتح بلاغا فأتت الشرطة في المكان والساعة المحددة والقت القبض علي محمود هارون وحققت معه وقامت بتعذيبه وعندما تاخر محمود هارون عن سعيد حسين الذي كان في انتظاره ثار القلق في نفسه فاخذ مسدسه وذهب الي منزل موسي محمد نور مخليا مكان اقامته وفي تلك الاثناء كان محمود هارون قد قدم اعترافا كاملا تحت تاثير التعذيب الشديد الذي تعرض له وكشف عن مقرات الاقامة واللقاءات ومن بينها منزل موسي محمد نور فجاءت مجموعة من الشرطة بقيادة الضابط يس اوشنبل يس كما كانو يطلقون عليه الي منزل موسي محمد نور واقتحمت الدار ودفع شنبل يس الباب برجليه فكسره وطلب من سعيد حسين الاستسلام فاستسلم وسلم القنبلتين والمسدس الذين كانو معه فالقي القبض عليه وعلي موسي محمد نور وسيقا الي مركز الشرطة بسمبل بالقرب من المطار وهناك حقق معهما وعذبا، وكان الجنرال تدلا عقبيت هو الذي كان يشرف علي عملية التعذيب واعترف سعيد تحت تاثير التعذيب بعملية المطار كما اعترف محمود هارون بدوري في النشاط الفدائي من الناحية التنظيمية وبعد ذلك باسبوع تم اعتقالي.