حوار مع المناضل محمد إدريس حُمداي - الجزء الثالث والأخير
حاوره الأستاذ: محمود عبدالله أبو كفاح - إعلامي وكاتب ارتري
• الطلاب والشباب الإرتريين هم من أسسوا الثورة الإرترية وقادوها حتى تحقق الهدف الذي ناضلت من أجله!!!
شكَّل الطلاب الإرتريين خلال مرحلة النضال التحرري الطلائع الاولى التي ساهمت في تأسيس الثورة الإرترية ومن ثم النضال فيما بعد في كنف تنظيماتها المختلفة، ولا نبالغ إذا قلنا بان الطلاب كانوا بمثابة العمود الفقري للثورة، حيث كانت مساهماتهم واضحة وجلية في كافة الأصعدة بما في ذلك المشاركة في الحملات التعبوية ورفع الوعي السياسي للجماهير، وعكس عدالة القضية الإرترية في المحافل الإقليمية والدولية وغيرها من الانشطة الوطنية، للتعرف على مساهمات الطلاب الإرتريين بشكل عام والدارسين في مصر على وجه الخصوص في بدايات النضال التحرري، كنا قد إلتقينا بالمناضل محمد إدريس حمداي الذي عاصر تلك الفترة الحساسة من تاريخ الشعب الإرتري وشارك في تفاصيلها طالباً ومناضلاً في الثورة، فإلى مضابط الحوار:
كما ذكرت في الجزء الثاني من هذا الحوار، مصر كان لها دور كبير في إيواء السياسيين الإرتريين وإتاحة فرص التعليم للطلاب القادمين من إرتريا، ياحبذا لو أطلعت القارئ الكريم على إذاعة الثورة الإرترية التي كانت تبث برامجها بالتقرنية من القاهرة وعلاقتكم كطلاب بتلك الإذاعة في تلك الآونة؟
من المعلوم إن الشهيدين الشيخ إبراهيم سلطان والشهيد الأب ولدآب ولدماريام كانا يتواجدان في القاهرة أثناء تأسيس حركة تحرير إرتريا وكانا ضمن عضوية الحركة، أما الشهيد إدريس محمد آدم الذي جاء هو ايضاً الى القاهرة قادماً من إرتريا وكذا أكثرية الطلاب الإرتريين في القاهرة كانت لهم رؤية مغايرة لرؤية الحركة حيث كانوا يطالبون بضرورة الشروع في الكفاح المسلح وقد سافر ادريس محمد آدم الى بورتسودان وإلتقى بقائد الحركة الشهيد محمد سعيد ناود لإقناعه بذلك، وحينها كان المصريون يدركون تلك الخلافات في الرؤي بين الثوار وظلوا يناشدونهم بضرورة الوحدة والتماسك لإنجاز المهمة التي يناضلون من أجلها، وقاموا بالفعل بفتح إذاعة للثورة الإرترية تدعو الى وحدة الصف الوطني وتبث برامجها بالتقرنية وقد كانت للطلاب مساهمات كبيرة في إعداد برامج الإذاعة التي كان لها صدى كبير في اوساط الإرتريين بالشرق الاوسط.
المناضل محمد ادريس حمداي كان الطلاب الإرتريين يقومون بتسجيل زيارات الى الميدان للإطلاع على أوضاع الثورة عن قرب، حدثنا عن تلك الزيارات الطلابية في بدايات تأسيس الثورة؟
بالفعل الطلا ب الإرتريين في بدايات الثورة كانت لهم زيارات للميدان بين الحين والآخر حتى العام 1970م سواء عبر السودان او اليمن خاصة في فترات الإجازة المدرسية للتعرف على العمل النضالي داخل أرض الوطن والقيام بمهمة التدريس وأتذكر عندما تأسس الإتحاد العام لطلبة إرتريا في العام 1969م أصدر ضمن قرارته إلزام كل خريج جامعي للإلتحاق بالثورة، ومن أوائل من لبوا هذا النداء وإلتحقوا بالثورة بعد التخرج مباشرة وإستشهدوا فيها الدكتور يحى جابر - خريج إحدي الجامعات الإيطالية، الدكتور فظوم هيلاسلاسي الذي تخرج من احدي جامعات يوغسلافيا وكذا الشهيد عثمان حمد الذي تخرج من جامعة بغداد وأرقاي هبتو الذي تخرج من إحدى الجامعات الألمانية ...الخ. وبشكل عام عقب تأسيس الإتحاد العام لطلبة إرتريا إنتعش النشاط الطلابي ووصل الى زروته حيث تم تكوين فروع لهذا الإتحاد في معظم دول الشرق الاوسط واوروبا وامريكا الشمالية واللاتينية التي كان يتواجد بها الطلاب الإرتريين، حيث كان هؤلاء الطلاب يقومون بشرح عدالة القضية الإرترية للشعوب التي يقطنون معها في المناسبات التي كانت تتاح لهم كما كانوا ينظمون المظاهرات الإحتجاجية في تلك الدول أمام مقار المنظمات الدولية والتي كان لها تأثير كبير في تشكيل الرأي العالمي المؤيد للقضية الإرترية.
كيف كانت علاقة الإتحاد العام لطلبة إرتريا مع الإتحادات المناظرة في العالم؟
علاقة الإتحاد العام لطلبة إرتريا بعد العام 1969 كانت جيدة للغاية مع الحركات الطلابية في العالم العربي خاصة في العراق ومصر وسوريا اليمن الجزائر المغرب والتي كانت تؤيد القضية الإرترية وتقوم بزيارات ولقاءات متبادلة مع الإتحاد العام لطلبة إرتريا. أضف الى ذلك كان للإتحاد العام لطلبة إرتريا مشاركات فاعلة في المؤتمرات الطلابية العالمية التي كان يتم دعوته للمشاركة فيها، كما ان هذه الإتحادات الطلابية كانت تشارك وتدعم المظاهرات التي كان ينظمها الطلاب الإرتريين بين الحين والآخر.
المناضل محمد إدريس حمداي شهد العالم في الفترة من الستينيات وحتى الثمانينيات إنتشار العديد من الإيدولوجيات السياسية، كيف كان تأثير تلك الأيدلوجيات على عضوية الإتحاد العام لطلبة إرتريا؟
بالفعل كانت الساحة في تلك الفترة مليئة بالأيدلوجيات التي كانت تحاول إستقطاب الطلاب إليها، منها الماركسية والحركات الإسلامية وحركة حزب البعث بشقيها السوري والعراقي..الخ وهنالك بعض الطلاب الإرتريين تم استقطابهم في هذه الإيدولوجيات، ومع ظهور الإنشقاقات في الثورة ظهرت التبانات بين الطلاب بصورة جلية وتعرضت الحركة الطلابية بكل أسف للتشظي بدلاً من أن تحافظ على وحدتها مما أثر ذلك سلباً على الدور الذي كان ينبغي ان تقوم به في الساحة الإرترية.
المناضل محمد إدريس حمداي رغم كل التحديات كان للطلاب والشباب الدور الكبير في إيصال الكفاح المسلح الى محطته الاخيرة، أي تحقيق الإستقلال وتحرير كامل التراب الوطني، كيف تصف تلك المشاركة بإعتبارك من الشباب الذين ساهموا في إنجاز هذه المهمة؟
بالفعل رغم كل التحديات كانت مساهمات الشباب و الطلاب الإرتريين في الكفاح المسلح كبيرة للغاية وأذكر ان بعضهم ترك مقاعد الدراسة بالجامعات وإلتحق بالثورة كالمناضل رمضان محمد نور ومحمد علي عمرو وعبدالكريم احمد من جامعة القاهرة، والمناضل إسياس أفورقي من جامعة أديس أبابا والمناضل إبرهلى كفلى من جامعة بهردار والمناضل قرزقهير تولدى من جامعة أديس أبابا وغيرهم. وبعضهم قاطع الدراسة لتلقى التدريب العسكري في الدول الصديقة وإنضم لاحقاً الى القوات المقاتلة في الجبهات الأمامية وهيئة التدريب، كما ان الشباب الذين كانوا يعملون في السعودية وليبيا وسوريا والعراق، ظلوا يدعمون الثورة مادياً وكانت لديهم علاقات وثيقة بالنضال التحرري، وبشكل عام إستطيع ان أقول بأن الطلاب والشباب في تلك الآونة كان لديهم حماس منقطع النظير وهذا هو السر وراء التضحيات الجسام التي كانوا يقدمونها من اجل الثورة، وبكل صراحة لولا مشاركة الطلاب والشباب في الكفاح المسلح لما إنتصرت الثورة وحققت الإستقلال.
كيف كانت علاقات الطلاب الإرتريين آنذاك بحركات المقاومة الأثيوبية التي كانت تقاوم الأنظمة الاثيوبية؟
بالفعل كانت هنالك العديد من حركات المقاومة الأثيوبية التي كانت تعارض نظام هيلى سلاسى آنذاك ومن بعده نظام منقستو هيلى ماريام، ومنها من كان يؤيد عدالة القضية الإرترية كجبهة تحرير اورومو وجبهة تحرير الصومال الغربي وجبهة تحرير تقراي التي تأسست في العام 1973م و ودعمتها جبهة التحرير الإرترية، حيث كانت علاقة الطلاب الإرتريين بهذه الحركات جيدة للغاية، كما كانت هنالك بعض التنظيمات التي كانت مواقفها غيرواضحة من القضية الإرترية وتعتقد ان إرتريا جزء لايتجزء من اثيوبيا كمنظمة بى أر بي، وجبهة ميسون (الجبهة الإشتراكية) اللتان كانتا لديهما مواقف سلبية من الثورة. ومع خروج الجبهة من الساحة إختفت جبهة تحرير تقراي ايضاً وبرزت في الساحة الأثيوبية الجبهة الشعبية لتحرير تقراي التي كانت تؤيد إستقلال إرتريا وتتلقى الدعم من الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا التي إستطاعت لاحقاً ان تدفع قوى المقاومة الإثيوبية لتكوين حلف بإسم الإيهوديق، ليتمكن هذا التحالف في العام 1991م بدعم مباشر من الجهة الشعبية، إستلام مقاليد الحكم في أثيوبيا.
نفذ بعض الطلاب والشباب الإرتريين في مرحلة النضال التحرري عدد مقدر من العمليات الفدائية ضد العدو الأثيوبي داخل إرتريا وخارجها، ياحبذا لو أطلعت القارئ الكريم على نماذج من تلك العمليات الفدائية؟
أستطيع أن اقول بأن معظم العمليات الفدائية التي نفذت داخل إرتريا كانت من تخطيط وتنفيذ الطلاب الإرتريين الذين كانوا يدرسون في الداخل، كما ان العمليات التي كانت تتم في الخارج لم يكن الطلاب بمنأى عنها حيث كان دورهم فيها كبيراً للغاية، ففي العام 1966م قام الطلاب الإرتريين في القاهرة بإحراق السفارة الأثيوبية، كما قاموا بتنظيم مظاهرة داخل مطار القاهرة لحظة قدوم الإمبراطور هيلى سلاسى الى القاهرة في زيارة رسمية لمصر حاملين اللافتات المكتوب فيها بالتقرينة والعربية عبارة (يسقط يسقط هيلى سلاسى)، وفي الثاني والعشرين من مايو 1963م أي أثناء أول مؤتمر لمنظمة الوحدة الافريقية في أديس أبابا إستطاع الشاب إبراهيم إدريس بليناي الدخول الى المؤتمر مع وفد جمهورية الصومال الذي مهد له ذلك، ومع بدء فعاليات المؤتمر قام بتوزيع منشورات على وفود الدول الإفرقية المشاركة في المؤتمر عن عدالة القضية الإرترية وضرورة منح الشعب الإرتري حق تقرير المصير.
المناضل محمد إدريس حمداي، معظم الشخصيات الطلابية التي ظللنا نذكرها طوال حلقات هذا الحوار كانت من الذكور. كيف كانت مشاركة الطالبات في النشاط الطلابي بشكل خاص وفي العمل النضالي بشكل عام في بدأيات النضال التحرري؟
الطالبات الإرتريات في القاهرة كان لهن دور مؤثر في النشاط الطلابي رغم قلة عددهن بما في ذلك التعبئة السياسية والمشاركة في السمنارات والندوات الخاصة لشرح عدالة القضية الإرترية فضلاً عن مشاركتهن الفاعلة في الكفاح المسلح وأذكر منهن على سبيل المثال لا الحصر المناضلات زهرة ملكين، وزهرة جابر وخديجة حامد، أما في الداخل فقد كان دورهن لايقل شأناً عن الذكور حيث شاركن في الخلايا السرية وفي العمليات الفدائية وكذا العمل الجماهيري داخل السودان كالفدائية سعدية تسفو ونسريت كرار وأخبرت برجوا، وأمتى ظين هداد، وستنا سعد وغيرهن.
المناضل محمد إدريس حمداى، الفن بأشكاله المختلفة وخاصة الشعر والغناء يلعب دور كبير في إسناد النضال التحرري. كيف كانت مساهمة الطلاب الإرتريين في هذا المجال؟
بالفعل ظلت الفنون تلعب دورا كبيرا جداً في إلهاب حماس الجماهير وربطها بالنضال التحرري، وقد كان للطلاب الإرتريين مساهمات مقدرة في هذا المجال عبر كتاباتهم المختلفة في الصحف وأشعارهم الحماسية التي كانوا يلقونها في السمنارت والندوات المختلفة وأذكر منهم الشاعر أحمد سعد الذي وافته المنية في ريعان شبابه بليبيا، وكذا الشاعر عبدالرحمن سكاب وغيرهم.
المناضل محمد إدريس حمداي، كلمة أخيرة تود أن تقولها في نهاية هذا اللقاء؟
الطلا ب والشباب الإرتريين هم من أسسوا الثورة الإرترية وقادوها حتى تصل الى الهدف الذي ناضلت من أجله أي تحقيق الحرية والاستقلال، والطلاب والشباب هم من حموا السيادة الوطنية إبان غزو زمرة الويانى وساهموا في تحقيق السلام. لذا أود ان اقول للطلاب والشباب بأنكم العمود الفقري لهذا الوطن ويجب ان تعملوا بتفاني وإخلاص من أجل بناءه وإزدهاره.