حوار مع المناضل محمد إدريس حُمداي - الجزء الثاني
حاوره الأستاذ: محمود عبدالله أبو كفاح - إعلامي وكاتب ارتري
• انطلاق الكفاح المسلح شكَّل حافزاً قوياً للطلاب الإرترين في مضاعفة نضالاتهم الوطنية.
• كانت مصر الدولة التي فتحت أبوابها للسياسين الإرتريين منذ نهاية الخمسينيات واستقبلت في مدارسها وجامعاتها الطلاب الإرتريين بلا مقابل.
شكَّل الطلاب الإرتريين خلال مرحلة النضال التحرري الطلائع الاولى التي ساهمت في تأسيس الثورة الإرترية ومن ثم النضال فيما بعد في كنف تنظيماتها المختلفة، ولا نبالغ إذا قلنا بان الطلاب كانوا بمثابة العمود الفقري للثورة، حيث كانت مساهماتهم واضحة وجلية في كافة الأصعدة بما في ذلك المشاركة في الحملات التعبوية ورفع الوعي السياسي للجماهير، وعكس عدالة القضية الإرترية في المحافل الإقليمية والدولية وغيرها من الانشطة الوطنية، للتعرف على مساهمات الطلاب الإرتريين بشكل عام والدارسين في مصر على وجه الخصوص في بدايات النضال التحرري، كنا قد إلتقينا بالمناضل محمد إدريس حمداي الذي عاصر تلك الفترة الحساسة من تاريخ الشعب الإرتري وشارك في تفاصيلها طالباً ومناضلاً في الثورة، فإلى مضابط الحوار:
تشير المعلومات الى أن تأسيس جبهة التحرير الإرترية في القاهرة سبق إنطلاق الكفاح المسلح بقيادة الشهيد حامد إدريس عواتي في العام 1961م، هل كان هنالك تنسيق بين قيادة الجبهة في القاهرة وعواتي ورفاقه؟
بالفعل تأسست جبهة التحرير الإرترية بالقاهرة في يوم 1960/6/17م وبدأت نشاطها بالعمل على تأطير العمال الإرتريين في السعودية والسودان ضمن الجبهة ودفعهم لتصعيد النضال التحرري، ومن المعلوم إن إمكانيات الجبهة في بداياتها كانت متواضعة ولم تكن تملك القدرة على إعلان الكفاح المسلح، ولكن السيد محمد داؤود إبن الشيخ سيدنا مصطفي في أغردات الذي كان يعبئ الجماهير في بركة للمطالبة بحقها في الحرية والاستقلال كانت لديه اتصالات مع الشهيد حامد ادريس عواتى وكذا رئيس الجبهة آنذاك الشهيد إدريس محمد آدم عن طريق بعض الاخوة الذين كانوا يتواجدون في مدينة كسلا السودانية، ويذكر انه ذات يوم عقدت حركة تحرير إرتريا إجتماعاً في مدينة اغردات بقيادة الاستاذ محمود محمد صالح، حيث تلى في الإجتماع رسالة حركة تحرير إرتريا التي تؤكد فيها رغبة الحركة لتسليح الثوار ومقارعة العدو باللغة التي يفهمها، وطلب من عواتي الذي كان حضوراً في ذلك الإجتماع بإعتباره عضواً في الحركة ان يجهز الثوار ويحدد أماكن آمنة لتخزين السلاح وحفظه، فقال له عواتى الثوار جاهزون لحمل السلاح وانتم وعدتم بإحضار السلاح اكثر من مرة ولم توفوا بوعدكم، كما اوضح له ان الأماكن المناسبة لوضع السلاح وتخزينه موجودة وجاهزة، ومن المعلوم ان حركة تحرير إرتريا كانت لها خلايا نشطة في اغردات وكرن ومصوع واسمرا وهذه التحركات كانت مرصودة من قبل العدو الاثيوبي الذي كان يتوقع بروز حركة مسلحة ضده بدعم من جبهة التحرير الإرترية او حركة تحرير إرتريا في اي لحظة، خاصة مع ظهور عواتي في اغردات وبالتالي أصدر الأوامر لمسؤول البوليس الاثيوبي في تسني بترقب عواتي وإعتقاله، وعند سماع كيدانى هداد (إرتري الجنسية) مسؤول الإستخبارت الذي كان يعمل مع قائد البوليس في تسني وعضو جبهة التحرير الإرترية في الخفاء بتلك الأوامر، أرسل شخص موثوق به ليخبر عواتى عن نية العدو لإعتقاله، ومنذ تلك اللحظة بدأ عواتى في أخد الحيطة والحذر وتجميع رفاقه حيث كان يبيت في الليل خارج بيته في الخلاء ويقضي نهاره في البيت، وبالفعل جاء البوليس ذات يوم الى منزله في قرست ولكنهم لم يجدوه وهكذا نجى عواتى من الإعتقال ولكنهم إعتقلو اخيه عبدالله وزوجته وبنته وأمه واخذوهم الى اغردات، كما إستولوا على ممتلكات عواتي من الأبقار والأغنام، وهكذا إستمر العدو في ملاحقة عواتي ورفاقه وذات يوم وبينما كان عواتي ورفاقه الثوار يتمترسون في جبل آدال مرت بهم دورية عسكرية أثيوبية فما كان من عواتي إلا ان أطلق عليهم الرصاصة الاولى من بندقيته العتيقة معلناً بذلك إنطلاق الكفاح المسلح للشعب الإرتري.
وبعد علم الجبهة بهذه التطورات بدأت في دعم الثوار وتبنيهم كما ان الإرتريين المجندين في الجيش السوداني تركوا الخدمة في الجيش السوداني وبدأوا يلتحقون بعواتى ورفاقه، وأذكر في تلك الأثناء الدور الكبير الذي لعبه كل من السيد آدم محمد ملكين والسيد سيد احمد محمد هاشم في تأطير الجماهير الإرترية بأسمرا وتبشيرها بإعلان الكفاح المسلح، ليس هذا فحسب ففي داخل أثيوبيا كان يتواجد السيد دراقون هيلى ملكوت الموظف في الخطوط الجوية الأثيوبية والسيد فيتوراري مانا الذي كان يملك فندق ومؤسسات تجارية اخرى في اديس أبابا حيث كان هذين الشخصين يشتريان الأسلحة ويقومان بإرسالها الى إرتريا عبر الخطوط الجوية الاثيوبية، ليستلمها المناضل آدم ملكين ويرسلها في نهاية المطاف الى الثوار. أضف الى ذلك كان الإرتريين في الداخل يقومون بتجميع الأسلحة من بقايا الاستعمار الإيطالي والإنجليزي ويقومون بتسليمها لعواتي كما إن الإرتريين ممن كانوا يخدمون في الجيش السوداني ظلوا يرسلون السلاح لعواتي من اجل ضمان تقوية الثورة واستمراريتها في الوجود.
كيف كان تفاعل الطلاب الإرتريين في القاهرة مع لحظة سماع إنطلاق الكفاح المسلح للشعب الإرتري بقيادة الشهيد حامد إدريس عواتى؟
فرح الجميع بإنطلاق مسيرة الكفاح المسلح للشعب الإرتري لاسيما وان هذه كانت امنية الشعب الإرتري منذ سنوات، وتضاعفت انشطتنا المختلفة كالمواصلة في إصدار جريدة الثورة بالعربية والتقرنية وتجويدها، وتوزيع البيانات والمنشورات على السفارات الاجنبية في القاهرة لتعريفهم بالثورة الإرترية وعدالتها، ولايسعني هنا إلا ان أشكر الاخوة المصريين الذين كانوا يساعدوننا في طباعة جريد الثورة بمطبعة جريدة الأخبار المصرية وكذا عملية التوزيع، ليس هذا فحسب فقد أحرق الطلاب الإرتريين في العام 1962م السفارة الإثيوبية حيث تناولت هذا الخبر وكالات الانباء العالمية التي أشارت الى ان هنالك قضية شعب مظلوم ينشد الحرية والإنعتاق، أضف الى ذلك كان الطلاب الإرتريين يقومون بتنظيم زيارات ميدانية الى معسكرات اللاجئين في السودان ويزورون احياناً معاقل الثورة داخل إرتريا للإطمئنان على مسيرة الثورة غير آبهين بالصعاب التي كانت تواجههم فضلاً عن مقاطعة البعض لدراسته والإنخراط في القتال ضد قوات العدو.
مصر كانت قِبلة لحركات التحرر الأفريقية في عهد جمال عبدالناصر، كيف تقيم تفاعل المصريين مع الثورة الإرترية ودعمهم لها؟
حقيقة مصر هي الدولة التي فتحت أبوابها للسياسين الإرتريين منذ نهاية الخمسينيات واستقبلت في مدارسها وجامعاتها الطلاب الإرتريين بلا مقابل، ليس هذا فحسب فقد كانت مصر تقدم الدعم المادي للطلاب الإرتريين وتحرص كل الحرص على مواصلتهم للدراسة وتلقي التعليم الجامعي، واتذكر ان الزعيم جمال عبد الناصر كان نصيراً للحركات التحررية في افريقيا بما في ذلك القضية الإرترية. وقد منحت مصر مقر للإتحاد العام لطلبة إرتريا الذي كان يشكل الزراع الأهم في الثورة الإرترية، وإستضافت اول مكتب للثورة الإرترية في الخارج عقب إعلان الكفاح المسلح في سبتمبر من العام 1961م، كما ان القادة السياسين للثورة الإرترية كانوا على اتصال دائم بالقيادة في مصر حيث ان الزعيم جمال عبدالناصر كان يقول للثوار الإرتريين (يا أبناء إرتريا إتحدوا وناضلوا لان الوحدة تساعد في التعجيل بتحرير بلادكم) لأن كلا من حركة تحرير إرتريا وجبهة التحرير الإرترية كانتا تمتلكان مكاتب في القاهرة، أضف الى ذلك كانت مصر تنظم الندوات والسمنارات والدورات التأهيلية للحركات التحررية حتى تنجز مهامها كما ينبغي. ولايسعني هنا إلا ان اتقدم بخالص شكري لمصر لوقوفها مع الشعب الإرتري منذ بدايات إنطلاق نضاله التحرري وحتى تحرير كامل ترابه الوطني.
نواصل... في الجزء القادم