حوار مع الاستاذ امير بابكر عبدالله - معتقل سابق في سجون الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة
حاورته الأستاذة: قسمه محمد الحاج - أدال
امير بابكر عبدالله، صحفي و كاتب روائي سوداني، نشرت له رواية عرضحال مقدمة احمد الخال،
و رواية فقاعات زمن التصحر و رسالة مطولة لرئيس الحركة الشعبية و اغتيال السفير الامريكي في الخرطوم اضافة لكتاب (الغولاغ الارتري).
كتاب الغولاغ الارتري يحكي مشاهدات سوداني في معتقلات الجبهة الشعبية. يعتبر الكتاب شاهدا علي العصر و وثيقة إثبات حية من داخل المعتقلات الارترية، كما أنه من الكتب الاولي و النادرة جدا التي ذُكر فيها اسماء المعتقلات و رجالات العصابة الهقدفية بصورةٍ واضحة و ادوارهم القذرة في تعذيب المعتقلين.
من المعروف ان بواطن الارض تختزن المعادن الثمينة و لكن بعد قراءة الغولاغ الارتري، تبين لي بما لا يدع مجالا للشك ان الباطن الارتري يختزن خيرة أبناءه أحياء.
علي خط الثورة الملهمة فان الغولاغ و القلقلوت أنجبتا الاستاكوزا الشعبية التي تجعل الهقدف تتخبط ذات اليمين و ذات الشمال حتى ترمي بنفسها في البحر.
بدايةً استاذ امير ما المقصود بالغولاغ و من اين استوحيت اسم الكتاب؟
الغولاغ ماخوذة من معسكرات الاعتقال في الاتحاد السوفيتي سابقا، حيث كان المعارضون و المجرمون يُسجنون و يُعتقلون في منطقة سبيريا شرق روسيا و المعروفة بقسوة طبيعتها و و شدة بردها، في ظروف غاية في السوء.
ما هي الأسباب التي قادت بك الي معتقل الهقدف أدرساي؟
السبب الرئيسي هو نشاطي في مواجهة المجموعة التي قادت الانقسام في الحزب السياسى الذي أنتمي اليه، و هو التحالف الوطني السوداني، و كنت حينها امين الثقافة والاعلام. و لأن تلك المجموعة لم يكن في مقدورها ايقاف هذا النشاط الذي يفضح حجم المؤامرة التي تحيكها ضد رؤى و مبادئ الحزب و خيانة التضحيات و الدماء و العرق الذي بُذل، لجأت للجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة - التنظيم الحاكم - في ارتريا لإسكات صوتي و ذلك بإعتقالي.
بحسب معايشتك لنظام الجبهة الشعبية ما هو الهدف من اسلوب الإيهام الذي مارسته الاستخبارات الارترية عند البحث عنك؟
لم يكن هناك أسلوب ايهام، و لكن لطبيعة عملي فقد كنت اتواجد في عدة مواقع باسمرا، و كان عملي الأساسى بمقر أمانة الثقافة و الاعلام بطبيعة التكليف الحزبي، ثم كنت اعمل في مقر المكتب التنفيذي للتجمع الوطني الديمقراطي -مظلة المعارضة السودانية- كما كنت اتواجد في استراحة القيادة و احياناً في مقر منظمة أمل. فطبيعي ان يبحثوا عني في هذه المواقع. و صادف انني حين البحث عني لم أكن متواجدا في اي من تلك المواقع، فتركوا لي مذكرة بالحضور إلى مقر حرس الحدود لمقابلة الضابط "ودي مزقنا". و ذهبت إلى هناك بنفسي، ثم حدث ما حدث!
أشرتْ في كتابك الى أن الهقدف لعبوا دورا اساسياً في صناعة ازمة التحالف. ما طبيعة الدور الذي لعبوه في صناعة الأزمة؟
ملابسات هذا الأمر كثيرة و معقدة، و لها علاقة بإعلان الوحدة وقتها بين الحركة الشعبية لتحرير السودان و التحالف الوطني و الخلافات التي برزت حول التفاصيل داخل التحالف و ادت إلى ظهور أولى بوادر الانقسام داخله حينها، كما كانت لها ابعاد طموح ذاتي ايضا. المهم ان الجبهة الشعبية "للديمقراطية للعدالة" وقفت إلى حينها جانب المجموعة التي أعلنت انقسامها و انضمت للحركة الشعبية في النهاية، و دعمتها سياسيا و أمنيا و لوجستيا، و اعتقلت قيادات التحالف المتواجدة باسمرا و في الجبهة الشرقية. و كنت الوحيد الذي اعتقل و تم ترحيله إلى مركز اعتقال ارتري. و بعد ذلك تم ترحيل رفيقي مجدي سيد احمد إلى مقر قيادة قوات التحالف.
كيف تصف الاسلوب الاستخباراتي الارتري؟
هو بالتأكيد سليل الأنظمة الشمولية البوليسية، و طبيعة الاستخبارات في مثل هذه الأنظمة متشابهة في اسلوبها و طبيعتها. ذاتْ اللون و الطعم والرائحة، و هي تمثل اليد الباطشة للأنظمة القمعية.
في اولى صفحات الكتاب - الغولاغ الارتري - ذكرت ان الاستخبارات الارترية بحثت عنك بقيادة فرد من حرس الحدود يدعى "برهاني". هذا يقودني الي التساؤل حول الادارة الامنية الارترية و شكل الهيكل التنظيمي للجهات الامنية و نظام الادارة المتبع في الإعتقال.
لا استطيع الادعاء بمعرفتي بهذه التفاصيل، و لكن من طبيعة هذه الأجهزة المركزية و التراتبية و يسيطر عليها النظام الحاكم.
رحلتك من اسمرا الي سجن ادرساي مليئة بالاحداث و المحطات التي لا يمكن للذاكرة نسيانها. هل لكَ ان تطلعنا على عدد و اسماء و وصف المعتقلات التي مررت بها اثناء الرحلة.
طبعا لا يمكن للذاكرة ان تنساها، و لقد ذكرتها بالتفصيل في كتاب الغولاغ الارتري، بدءً من سجن تراكبي في ضاحية قوشيت باسمرا مرورا بهيكوتا و بورتو ساوا و ملوبير و انتهاءً بادارسار. و تفاصيل بعض المعتقلات و السجون سمعتها من المعتقلين الارتريين الذين رافقتهم أثناء رحلة اعتقالي، فأنا لم ادخل سجن نخرة في دهلك و لكن نقلت وصفه حسب روايات من دخلوه و بالذات الشخصية الأسطورية "مالطا"، و لكني عشت تفاصيل الاعتقال بكل تفاصيلها في سجن ادرساي.
لم يخل - الغولاغ الارتري - من سطور عن نصيب المرأة الارترية من الاعتقال و ما تعانيه بمعتقلات الهقدف. في رحلتك من نقطة البداية الي وصولك معتقل ادرساي، هل كان هناك من نساء رافقنك الرحلة ام قابلتهن في المعتقل و ماذا عن حياتهن في المعتقل؟
اولا احيِّ المرأة الارترية، و هي تمثل نموذجا للمرأة المناضلة في القارة الأفريقية، و لا تزال عالقة بذهنيّ صورتها المطبوعة منذ طفولتيّ بزيّها المميز و هي ترتدي الرداء الكاكي و تحمل سلاحها على كتفها و على خاصرتها الذخيرة، أو اللائيّ يكافحن في مدن شرق السودان، القضارف و كسلا و بورتسودان، و هي المدن التي تَفتَّح فيها ذهنيّ على القضية الارترية، و انا أراهنَّ بشعرهن الكث و قسماتهن الصارمة يعملن بالنهار و يذهبن إلى المدارس في المساء.
أما بخصوص سؤالك، فقد رافقت شابات ارتريات في المعتقل. اعتقلنَ و كن في طريقهنَّ للهرب عبر الحدود من ارتريا و لكن حظهنَّ العاثِر رمى بهنَّ في قبضة حرس الحدود.
وضع الرجال في المعتقلات الارترية وضع غريب و قاسي فما بالك بالمرأة. لا يبارح ذهني عندما استعيد الذاكرة منظرهن سائرات تحت حراسة رجال ببنادق مشهرة و هنَّ في طريقهن لقضاء الحاجة في الخلاء. هذا غير كل اصناف المعاناة التي يمكن أن يواجهنها بحكم طبيعتهن كنساء.
خلال فترة اعتقالك هل تعرفت على كيفية إصدار الأوامر و الجهة التي تحدد اساليب التعذيب في المعتقل الذي كنت فيه او المعتقلات الاخري بحسب روايات زملاءك في المعتقل؟
السلطة هناك للكل، فطالما انت معتقل يمكن أن تتعرض للتعذيب دون أن تدري من يصدر الأوامر. فيمكن أن يعذبك المحقق او الحارس او الضابط. الأمر لا يخضع للمعايير القانونية اصلا.
بالتقريب و بما انك كنت تعيش في ارتريا ما هي الفئة العمرية الاكثر تعرضا للاعتقال والتعذيب؟
لا اعتقد ان للعمر علاقة بالاعتقال، فقد صادفني من لم يتجاوز مرحلة الصبا بعد، و حتى الشيخ الستيني، لكن الأمر متعلق بطبيعة التهم الموجهة للمعتقلين و في معظمها الهروب عبر الحدود، فمن الطبيعي أن تكون الفئة الغالبة هي الشباب.
كيف تقرأ الواقع الارتري و القبضة الأمنية الآن؟
اتابع الوضع من خلال تواصلي مع كثير من الأصدقاء و من خلال التقارير الحقوقية الدولية، و لا أعتقد أن الأمر تغير كثيرا او قليلا، فما زال النظام هو النظام، و لا تزال موجات الهروب تتواصل.