المناضل المخضرم: حُمد محمد سعيد كلو يتلو كتاب الثورة في الذكرى الـ (55) للثورة - الحلقة الخامسة
حاوره الإعلامي الأستاذ: جمال همــــد - عدوليس
أغردات، هذه المدينة التي بيني وبينها عشق أبدي، انها لاتفارق ذاكرتي وأحلامي، وأحلام يقظتي.
في اليقظة لاتفارقني أرى فيها المواقع والأمكنة كلقطات سينمائية أو تلفزيونية، تاتي متتابعة. مشهد شارع في حي، لقطات من مبنى المحافظة، ساحة جامع الارواح، الاسكودرية.. المسجد الجامع، شارع في حارة (حلة سودان) وأحياء أخرى، نهر بركا المنساب هوينا باتجاه (قار عوبل)، لقطات كثيرة لا تستوعبها هذه الصفحة. في هذه الحلقة نتاول عدد من عادات المدينة ويومياتها.
عاشوراء:
يوم العاشر من محرم المنصرم كان يوم عاشوراء، وقبل ان اتحدث عن عاشوراء هناك عادة متوارثة يمارسها النسوة والرجال، الكبار والصغار وهي عندما يهل الهلال الجديد، يتوجهون اليه بالقول:
(هييلل الآ ادي مانيتا والآ ادي قلبي)، وتعني وبالترجمة الحرفية هذه يدي اليمنى وهذه يدي اليسرى. يتبركون بها في الشهر الجديد.
عاشوراء هو اليوم الذي تبدأ طقوسه من نهاية العصريات، لا أعرف بالضبط لماذا تحتفي الناس بيوم عاشوراء؟
هل له علاقة بمقتل سيدنا الحسين بن سيدنا علي كرم الله وجهه؟.
أم تلك الطقوس تعمل لشيء آخر؟.
لكن كما قلت يبدأ هذا اليوم مع نهاية العصريات، يتجمع المسنات من النسوة مع الاصيل تحت التل الذي تتكئ عليه حارة (عد خمسين)، يتجمعن تحت هذا التل وكل واحدة منهن تحمل عدة (سعفات) متلاصقات وتُعرف بلغة أهالي أغردات بـ (شنكيباي)، وبعد إكتمال التجمع يبدأن في الصعود على ذاك التل وهن يناجين:
(ياربي عفو دينا سلمنا ونجينا).
وتعني يارب اعفنا وسلمنا ونجينا. كما يرددن:
(تاكو تكينا عد ربي اتينا)!.
وتعني بالعربية (نتقرب اليك ياالله بالصدقات).
وهكذا تبدأ طقوس يوم عاشوراء، وكما قلت تبدأ من بعد العصر وفي الدور (الحيشان) تقام أثافي جديدة من ثلاثة أحجار متوسطة ليوضع عليها القدر (الحلة) وفي الريف قدر من الفخار يعرف ب (الكلع)، ويغرس خلف احدى الاثافي غصن عريض أخضر وتربط عليه سعفة خضراء، ثم تشعل النار على الاثافي ويوضع القدر وعليها الذرة لتغلي او لتحمص، وبعض الاسر الميسورة تُخلط الذرة بحبات القمح ليغلي معا حتى ينضج، وقبل آذان المغرب بقليل تضرب النسوة الكبار الصفيح كل في دارها وذلك على شكل دقات متناغم تشابه ضربات الطبول.
تجدر الاشارة هنا أن الاثافيء الذي توضع فيها القدور نسميها ب(تاكو)، بعد ذلك تتم عملية غرف (البليلة) اي حبات الذرة التي نضجت في القدر في صحون أو(كواري) صغيرة وتبدأ عملية توزيعها في الحي.. كل يوزع على الكل، بعضهم يزيد السمن على البليلة، وهكذا يحتفى بعاشوراء كل عام، هل هذه الطقوس مازالت موجودة؟
هل تغير العالم في اغردات أم تغيرت أغردات في العالم لآ ادري؟.
كنت قد ذكرت في الحلقات السابقة بعض المسائل ذات الطابع الاجتماعي والثقافي والرياضي، وأود هنا أن اذكر هنا بعض الاناشيد التي كنا نترنم بها في المدرسة او مناسبات اخرى.
إحتفالات وأناشيد مدرسية.. وصور أخرى:
ففي نهاية العام الدراسي يقام حفل كبير ويُدعى اليه الآباء، او كان يُسمى بيوم الآباء تتم فيه توزيع الشهادات المدرسية وكان هذا الاحتفال يقام في ملعب كرة القدم بالقرب من محطة السكة حديد، وكان يتضمن عدد من الفقرات منها افتتاحية الحفل بتلاوة آيات من الذكر الحكيم وكان يتلوها الطالب محمد باحكيم ثم كلمة ناظر المدرسة، يلي ذلك النشاط الرياضي المسابقات المختلفة (العدو –و جر الحبل - القفز العالي) ألخ. ثم تمثيلية كوميدية ويختتم الحفل بتوزيع الشهادات، وهنا نود التنويه لشيء مهم وهو هناك نشيد للآباء يرحبون بهم وينشد مع بداية البرنامج (أهلا وسهلا مرحبا بقدومكم أهلا، شرفتمونا سادتي اهلا بكم).
وبمناسبة الاناشيد كان طلاب مدرسة أغردات في مناسبة مولد النبي (ص) كانوا ينشدون (طلع البدر علينا). و أذكر أيضا في مدرسة اغردات وقبل نهاية الدوام اليومي بدقائق تنشد كل الفصول نشيد:
(ربنا اياك ندعو ربنا اتنا النصر الذي اوعدتنا
اننا نبقي رضاك اننا مرتضين خير ماترضى لنا
العلا ان العلا...). ألخ.
في المجال الرياضي باغردات وفي الحلقة الماضية كنا قد ذكرنا اسماء الفرق ونشاطها ونسينا ان نذكر نشاط الملاكمة في المدينة، حيث كانت تقام مبارة للملاكمة في حلبة سينما أغردات، وكان هناك مدرب لهذه اللعبة يدعي (أريا ٌقبراى) وكان ايضا لاعب كرة في فريق النجم أو (استيلا) في اغردات، ونود ان أذكر مناسبات الاعراس في اغردات خاصة في عروض (الدلوكة السودانية) وكانت نجمات هذا الحفل (عشوشة أحمد وست النسا وعنبيرية محمد عنبر)، وفي حي (حلة سودان) كانت تقام حفلات الزار ويطلقون عليها بزار الطمبرة، ومعظم مرتادي هذه الحفلات كانت من النساء، و أهم شيخ الزار رجل اسمه عثمان أحمد، وحين تمر بقرب الدار الذي تقام فيه حفلة الزار تفوح منه رائحة العطور والبخور بمختلف أنواعه، وعند ذهابي الى السودان فيما بعد سمعت اغنية كانت تغني في مناسبات الزار تلك وهى (الله الليموني).
في الاحياء تقام في العصريات العاب خاصة بالصبية الصغار، واحدى هذه الالعاب تسمى (هاريني) واخرى يلعبونها جلوسا ويسمونها (اشكلي).
ونحن صغار كنا نسمع حكاوي من النسوة والرجال من الجدات والجدود عن البعض ويطلقون عليه الدراويش واخرين يسمونهم بالصالحين وكل يذكر لك كراماتهم واياك ان تغالط.!. كما أذكر ود قافوناي ضريح يقع على تلة بين المستشفى وشركة (شيشيتا) وعلى مسافة قريبة من نهر بركا وايضا على بعد خطوات من جنينة حسن محجوب، وكان مزارا النسوة الكبار.
حكاوي وأساطير اغورداتية والأضرحة:
لكل مدينة حكاياتها وأساطيرها الخاصة، ومدينتنا لاتختلف عن ذلك فلا بأس هنا ان نفرد مساحة لبعض هذه الحكايات التي كانت تلهب أذهاننا.
يحكى قبل ان يأتي (ديتا دبونتي) بفترة طويلة ويقيم مشروعه الزراعي، (ديتا ) تعني التاجر او رجل الاعمال باللغة الايطالية، في تلك الفترة كانت هناك غابة تحيط بمجرى نهر بركا وكان يقيم بها رجل سماه البعض ب (الدرويش) وأخرون قالوا عنه كان رجلا صالحا، يقال انه قد تم قتله من قبل الرعاة الذين كانوا في المنطقة، وجاء اخرون وابدوا استيائهم ودفنوه، وبعد يومين او ثلاثة حسب ما قيل حين جاء الرعاة ليسقوا ابقارهم في نهر بركا ابتلعهم النهر، الرعاة وابقارهم، ظهرت فقط ارجل الابقار، وبعد زمن طويل جاء (ديتا دبونتي) الى المنطقة وحكي له السكان عن قصة ذاك الدرويش او الصالح فقام الخواجة وأمر بتشييد القبر ليصبر ضريحا، بقى ان نعرف ان نعرف ان (ديتا دبونتي) اقام مشروعه الزراعي في المكان الذي يسمي (انقرني) وهي اسم محرف من اسم ذاك الدرويش او الصالح والاسم الحقيقي هو (اتقنري).
في الشمال الغربي لمدينة اغردات وعلى مسافة (7) كلم تقريبا توجد قرية الشيخ مصطفى ود حسن وفيها يوجد ضريحه، (الشيخ مصطفي ود حسن) هكذا يحب ان يناديه الأهالي مع ألقاب أخرى، وتعتبره أهالي أغردات وضواحيها وغالبية المسلمين شيخ كبير وولي من اولياء الله الصالحين، له كرامات كثيرة. ومن هذه الكرامات أو الحكايات:
(يحكى أنه وفي منتصف الثلاثينات من القرن الماضي جاء رجل من السعودية اسمه (طاهر) وحكى قصته، قال وانا صغير للغاية اختطفنى الرشايدة وباعوني في السعودية الى تاجر سعودي، ويبدو ان التاجر السعودي احسن استقباله وتربيته وحين كبر وبلغ سن الشباب بدأ يتساءل عن (من انا ومن أين جئت، أين اهلي واقاربي) الخ، ولم يجد افادات ترضيه، وهو في حيرته ذهب الى مكة وبعد الصلاة في الحرم بدأ يدعو ربه ليجلي كربته واثناء الدعاء كان يجلس امامه رجل كبير في السن ذو هيئة وقورة، التفت اليه وقال له انت تسأل ربك لتعرف من أنت ومكان أسرتك؟ قال نعم.
فقال له الشيخ الوقور: اذهب باذن الله الى بلد اسمه بركا وستجد اهلك، وهنا ولثواني احنى رأسه لتأمل حديث ذلك الرجل الكبير الوقور وحين رفع رأسه ليسأله مزيدا من الاسئلة لم يجد الرجل، وازدادت حيرة طاهر، وطفق يسأل كل من يجده حول الكعبة المشرفة من المعتمرين عسى يجد من يدله على بلد اسمه بركا، وفي هيامه هذا وجد رجل من اليمن والذي دله ان يذهب الى (مصوع) ويسأل عن بركا هناك، وبالفعل ذهب الرجل الى مصوع وقيل له هناك عليه ان يذهب الى مدينة أغردات، وحين وصل الى اغردات التقى بالبعض ونصحوه ان يذهب إلى (دقلل جيلاني) زعيم بركا والقاش انذاك، وبالفعل ذهب الرجل الى (دقلل جيلاني) وحكى له عن مأساته. بدوره أستدعى الناظر دقلل جيلاني أعيان القبائل والعمد والمشايخ لكي يستمعوا لقصة هذا الشاب وليساهموا في حل مشكلته، ولكن لا دليل ولا خيط يمكن ان يتبعوه ليصلوا إلى أهله وفي الأخير رأوا ان يذهب الشاب للشيخ مصطفى ود حسن عسى ان يجد ضالته.
تعاطف معه بعض المواطنين ورافقوه الى قرية الشيخ مصطفى ود حسن، وحين وصلوا الى القرية تقدموا به الى الشيخ مصطفى ود حسن ليعرفوه عن ماسأت طاهر وحين اقترب طاهر من الشيخ مصطفى ونظر الى وجهه تعجب وقال له الم تكن انت الذي رأيته امامي في الكعبة !! وقلت لي اهلك في بركا؟!!.
فقيل ان الشيخ مصطفى تبسم ورحب بهم واحسن استقبالهم وفي اليوم الثاني نودي على طاهر وجماعته واخبره الشيخ مصطفي ود حسن وقال له ان اسرتك موجودة بركا (لعال) اى في مرتفعات بركا في القرية الفلانية، وفي اليوم الثاني كما ذكرت عاد ومرافقيه الى اغردات، وفي اغردات احسن استقباله وبتكليف من دقلل جيلاني كلف افراد ومعهم كل زادهم ليرافقوا طاهر الى قريته، وبعض يومين وصلوا الى القرية وفي اليوم الاول احسنت القرية استقبالهم وفي اليوم الثاني اجتمع كبار القرية مع طاهر ومرافقيه وحكوا لهم مأسات طاهر، سأل كبار القرية من اسم ابيه؟ فقيل لهم انه لايعرف، فقال كبارهم: لانستطيع ان نجزم ان طاهر هو ابن فلان، لانه سبق وان اختطف الرشايدة الكثير من الأطفال من قريتنا وقرى أخرى مجاورة، كما ان من بين المختطفين أطفال كثر يحملون إسم طاهر.
في الاثناء جاءت امرأة ورجل وقالوا ان لهما طفل اختطف، وكان اسمه طاهر، لنا فيه علامة ان وجدت مطابقة لما نعرفه بالتأكيد سيكون هو طاهر إبننا.
أختلى الرجل والمرأة بطاهر في إحدى البيوت ووجدوا فيه اكثر من علامة يعرفانها. وزغردت المرأة والكل فرح بهذا الحدث وذبحت الذبائح بهذه المناسبة الاكثر من سعيدة).
هذه الحكاية هي ضمن عدد من الحكايات عن كرامات الشيخ مصطفى ولم تبارح ذهني طوالب السنوات الماضية.
أغردات والثورة الإريترية:
قبل انطلاقة الثورة الاريترية بفترة شهدت مدينة اغردات احداث قتل غامضة اثنان منها بعد حدث بعد إنطلاقة الثورة.
في منتصف الخمسينات وجد المواطن أرها ضرار وهو شقيق الشيخ المعروف حامد ضرار رحمهم الله مقتولا على الطرف الجنوبي لحارة التكارين أو (التكارير) كما يلفظها الأهالي، قديما كان يقال للذين يشتغلون بالتجارة البسيطة او ما يسمونها (البيع أو الشراء) وفي كرن يسمونهم (أقار) وهم فئة تذهب في الصباح الباكر لاستقبال القروين القادمين للمدينة من قراهم لبيع المواشي أو الذرة.. الخ ويسلموهم فإذا تم الاتفاق يقدم لصاحب الماشية أو السلعة مبلغا من المال تحت الحساب يسمى (عربون) ليأخذ باقي المبلغ في العصريات في الساحة التي يسمونها (جامع الارواح) واذا لم يتفقوا فصاحب الماشية بماشيته الى سوق المواشي واذا كان ذرة فيذهب الى سوق الذرة وهكذا.
(أرها) كان من الشباب النشط في مجال هذه التجارة البسيطة، وقد وجد مقتولا في الصباح الباكر وكالعادة كان ينتظر قدوم القرويين ليبايعهم، عملية القتل كانت غامضة ومن الاشياء المؤكدة ان الريفيين القادمين من قراهم لم يكونوا في المنطقة وصادف انهم في تلك الفترة قبل وبعد القتل لم يأتوا الى المدينة والاثر الذي وجد بقرب الجثة ان القتلة اكثر من اثنين.
والحكاية الأخرى ان شابا آخر من المدينة وجد مقتولا في ظروف وملابسات مشابهة وكان إسمه رحمه الله (ابمرير) ووجدت جثته خلف بلدية اغردات.
أما في منتصف الستينات وبعد غروب الشمس بقليل وبالقرب من منزله وجد (حامد بيد) مقتولا أيضا، يقول الذين شاهدوا الجثمان ان القتلة كانوا محترفين استخدموا السكين وادوات قتل اخري وبشكل سريع اجهزوا عليه ولم يعرف لهم اثر.
هذه الأحداث الثلاثة أحدثت رجة كبيرة في أواسط السكان لكون المدينة لا تعرف جرائم القتل، وكغيرها فقط تعرف المشاجرات العادية أما الحادث الرابع وهو الأكثر مأساوية وهو حادث يحمل طابعا سياسيا انتقاميا دون ادلة، فالعملية الفدائية التي تمت في المحافظة باغردات 1962/7/22م بعد هذا الحادث تم اعتقال المغفور له محمد الحسن حسنو ومعه المغفور له عبدالرحيم محمد موسى، ومن القرائن والادلة الثابتة ان الاثنين لا علاقة لهما بذلك التفجير لكن نظام الامبراطور هيلى سلاسى سجنهم لمدة اربع سنوات ثم تم اعدامهم في يوم 1966/4/24م، الاعدام تم في مدينة اغردات قرب منزل (عامر طلوق) وقبالة سوق المواشي.
اثيوبيا طيلة الاربع سنوات كانت تعلم علم اليقين ان محمد الحسن حسنو وعبدالرحيم محمد موسى لاعلاقة لهما من قريب او من بعيد بحادث النفجير أو بالعملية الفدائية التي نفذتها جبهة التحرير الإريترية والتي أستهدفت رجالات الإمبراطور هيلي سلاسي والسؤال هنا من كان يريد الامبراطور وزبانيته ان يرضي باعدام هذين الشخصين اللذين لا علاقة لهما بذاك الحدث؟ الكل يعلم في اريتريا علم اليقين ان هذين الشخصين ابرياء وهما ضحايا مؤامرة لا نعرف مصدرها. بعض من ذاكرة المدينة:
هناك شخصيات اصبحت جزء من ذاكرة مدينة اغردات وشكلت ذاكرة اجيال من الشهيد المرحوم محمد (جبال) والشهيد ادريس تلودي وود حجازي وسنيقالي وغيرهم، انه (بلمات) رحمه الله هذا الرجل لا يعرف أحد من أين اتى واين توجد قريته، أغردات أحبته فاحتضنته وهو أحبها، المعروف انه جاء الى اغردات من الشمال عابرا نهر بركا، كان يغطي ظهره بجلد ناعم يستخدم كالفرش وغطاء صيفا وشتاء يسمى محليا بـ (بلمات) ويستخدمه الرعاة أيضا كمظلة في وقت الأمطار. اتى الرجل لمدينة اغردات وهو يغطي ظهره ب (البلمات)، هو ليس مجنونا ولا مخبولا فقط هو شخصية طيبة أكثر من اللازم و ساذجة.
في البدء كانوا يمحاكونه ويجرون فينفعل ويجري خلفهم شاتما.. يشتم بحيث لا يجرح احد أويرميهم بالحجارة، لكن بحذر وحجارته لا تأذي أحد، في ذات يوم طلب منه السيد حسن محجوب وهو صاحب جنينة ويعمل ايضا ترزيا او خياطا في سوق اغردات ان يوصل له عجلا للجنينية، لكن العجل في الطريق عانده فذهب وهو يصرخ (ياعم حسن محجوب عجلك يعاندني) فالتقط الاولاد هذا الطلب في السوق بالتقرى(ابوى حسن محجوب للقاكه ابى اي) وبدأ الاولاد يحاكونه بطريقة هزلية فاستفزته هذه المحاكات وترك العجل وبدأ يجري وراءهم، وهكذا أصبح الرجل واحد من مخابيل المدينة تتوارث حكاياته جيل إثر آخر.
بلمات لم يكن متسولا ولا يمد يده لاحد،سوق المدينة تكفل به، المطاعم الموجودة امام جامع الارواح تطعمه والشاي من قهوة كرار قشاري والترزية يقدمون له الملابس، رحمه الله، أغردات حزنت لفراقة وشيعته كتكريم يليق به أما كثير من ابناء اغردات احتفظوا بصوره، حقا انه ذاكرة مدينة.
في منتصف العام 1966م كانت القيادة الثورية بالتنسيق مع المنطقة الاولى قد طرحت فكرة عقد اجتماع عام على شكل مؤتمر مصغر يمكن ان تشارك فيه قيادات الفروع في المدن الاريترية، وكانت فكرة تحت التداول وكان الهم الأكبر يتمثل في كيفية تأمين الإجتماع، واعتقد من خلال فهمي للاحاديث التي كانت دائرة هو ليس مؤتمرا لكنه يمكن ان يكون لقاءا موسعا فاذا نجحت التجربة في المرحلة اللاحقة يمكن ان يعقد المؤتمر في هذه الفترة صدر قرار من المجلس الاعلى يوضح ان هناك في اديس ابابا سيعقد مؤتمرا للدول الافريقية وسوف تحضره شخصيات عالمية، ولاشعار القيادات الافريقية والعالم اجمع ان نقوم بعمليات عسكربة نوعية من شأنها ان تؤكد وجود ثورة واصحاب قضية.
حتى ذاك الوقت كانت المناطق العسكرية اربعة، ولهذا وفي شهر اكتوبر 1966م شهدت بعض المدن الاريترية هجوما عسكريا ليلا بشكل متزامن، المنطقة الاولى بادرت بالهجوم ليلا على اغردات وتسني، كانت هناك خسائر في صفوف الجيش الاثيوبي، وكان شهيدان في اغردات هما (ابفروت ودنقير)، وفي المنطقة الثانية كان الهجوم على مدينة كرن، والمنطقة الرابعة ميناء مصوع، لا تسعفني الذاكرة ان كانت المنطقة الثالثة قد قامت باى هجوم.
هذا الهجوم سبب فزعا كبيرا للامبراطور ونظامه وبدلا من النظر اليه بموضوعية واجهه بغطرسة وعنف لامحدود، بدا نظام الامبراطرو باعطاء الصلاحيات الواسعة لعساكره واعلان حالة الطوارئ، وفي تلك الفترة كانت تشاهد وسط جيشهم الخبراء العسكرين الاجانب أذكر كانا اثنين من الضباط العسكرين الاسرائلين الكبار أحدهم يدعى (نسيم) والاخر (مردخاى).
اعلنت حالة الطوارئ من الساعة السادسة مساءا الى السادسة صباحا وشهدت القرى الاريترية ابادة بشرية وحرق القرى ونفقت المواشي ولجأ عدد كبير من الناس الى السودان. كان الامريكان ايامها قد بدأوا بتطبيق القرى الاستراتيجية في فيتنام أى تجميع القرى في اماكن محددة وتحرس او تطوق بالجيش اى نظرية اذا جففت الماء سيموت السمك، ونقلت اثيوبيا هذه التجربة لكنها فشلت في البلدين.
ومع اعطاء الصلاحيات الواسعة للعسكر لم يقفوا عند حرق القرى هناك اناس كثيرون من الريفيين يقتلون دون ان يعرف عنهم احد اين تختفي جثثهم، وفي المدن نفذت إعدامات فمثلا في اغردات تم اعدم المناضل الشهيد صالح محمد سعيد واخرين في المدن الاريترية وفي مدينة ام حجر وجدت جثث طافية على نهر سيتيت.