حوار مع محمود دبروم حديث الذكريات والفن والنضال
حاوره الأستاذ: صالح عبدالله عجيل - كاتب وناشط سياسي إرتري المصدر: مجلة الناقوس الثقافية
يسعد هيئة تحرير ”مجلة الناقوس“ الثقافية أن تلتقي بالفنان التشكيلي العالمي المبدع
والمناضل الوطني الغيور الأستاذ/ محمود جابر دبروم، الذي يجمع في كافة أعماله وأنشطته بين موهبته الفنية الراقية وعزيمته الراسخة للدفاع عن قضايا شعبه والتفاعل المستمر معها بغية الوصول إلى وطن تسود فيه قيم التسامح والعدل والمساواة.
ويعتبر الأستاذ دبروم، أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية، من فئة رجالات الرعيل الأول الجادين والمخلصين للوطن وشعبه والمشهود لهم بحسن الخلق والبصيرة. تجده حاضراً في كل المحافل الوطنية، داعماً ومشاركاً في النضال لإعلاء القيم السامية التي تنبض بها لوحاته الجميلة والمؤثرة.
فأهلاً ومرحباً بالفنان الإنسان الخلوق ليحدثنا عن تجربته الغنية وحياته العامرة وإبداعاته المقدرة في الفن التشكيلي والحراك السياسي. وعن كيفية اكتشاف موهبته الفنية وتأثير ذلك لاحقاً على مجمل شؤون حياته ومساهماته في الشأن العام لإبراز قضايا شعبه الأبي الذي فجر ثورته المباركة بحزم ووعي متقدم لانتزاع حقوقه المشروعة بالكفاح المسلح في عام 1961م بقيادة خالد الذكر الشهيد البطل حامد إدريس عواتى بعد أن استنفد كل الحراك والمحاولات الجادة السلمية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم.
ويمكن القول بفخر، لقد كان الأستاذ دبروم موفقاً ومتقدماً على عصره، مثل معظم رجالات جيله المكافح، عندما ربط منذ البداية إبداعه الفني بالتعريف عن هوية وطنه المتعدد الثقافات والأعراق والأديان واختلاف خصائص مكوناته الاجتماعية والإقرار بها لدعم الثورة الوليدة وإبقاء جذوتها متقدة لمواجهة التحديّات بالوقائع الفنية والثقافية والتاريخية.
وبفضل من الله عز وجل، والتضحيات الكبرى السياسية والعسكرية للشعب الإرتري الأبي تحققت الأماني ونال الوطن استقلاله في عام 1991م ولكن المسيرة لا تزال مستمرة حتى هزيمة الطاغية وتحقيق العدالة وبناء المؤسسات الدستورية ليستقر الشعب ويسود السلام الحقيقي.
لم يعد الفن، وتحديداً الفن التشكيلي، مجرد لوحات جميلة تعبر عن إبداع الفنان كما نشاهدها في معارض الفنون التشكيلية والصالونات الفخمة لجذب عشاق الفن، وإنما للفن التشكيلي رسالة قوية ومؤثرة تحث وتعزز قبول تعدد الثقافات ونشر روح التعاون والسلام والاحترام المتبادل. وهي قضايا وأمور لا تغيب عن مخيلة الفنانين المبدعين والملتزمين بقضايا شعوبهم، والأستاذ محمود دبروم - حفظه الله - في مقدمتهم. فإلى مضابط الحوار:-
• الأستاذ محمود دبروم، ماذا تسجل لنا ولجمهورك ومحبيك في بطاقتك التعريفية ؟
في البداية أشكركم على اللقاء والحوار الذي اعتز به وأتمنى أن أكون عند حسن الظن بي.
الاسم الكامل هو كما ذكرتم. ولدت في مدينة قندع عام 1940م، في بيئة مؤمنة؛ محبة للخير ومتعاونة فيما بينها. وكما هو معروف قندع يحيط بها الجمال في إنسانها وطبيعتها. وهو الأمر الذي كان يميز معظم مدن وقرى إرتريا تقريباً. والبيئة التي أقصدها هنا هي: تاريخياً كانت قندع منتجة وراعية للفن بمختلف أنواعه وللشعراء والمغنين بصفة خاصة. في هذه المدينة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها الثلاثة آلاف مواطن تقريبا والكائنة ما بين أسمرا ومصوع، ونشأت وترعرعت بها مع والدي وأهلي، وبدأت الرسم وأنا لازلت طفلاً صغيراً.
حدثنا عن البدايات مع موهبة الرسم لديك والأدوات التي استخدمتها لصقل موهبتك.
أولاً أشكر الله عز وجل الذي حباني بالموهبة والخبرة اللازمة لأقوم بما قمت به في عالم الفن التشكيلي. ومما ساعدني على ذلك هو تشجيع الأسرة والبيئة والمدرسة التي احتضنتني وتعاونت معي بلا حدود منذ وقت مبكر.
أما الأدوات والوسائل، فكانت "الإصرار الشخصي" لتنفيذ تخيلاتي بالإمكانيات المتوفرة. وأستطيع القول كانت لدي المقدرة في رسم الوجوه الشخصية لأصدقائي، وكذلك أشكال الحيوانات والطبيعة كالأشجار والجبال والمزارع، الخ. فتميزت وسط أصحابي بالرسم.
وفي المرحلة بين سن السابعة والثامنة بدأت استخدام قلم الرصاص لأرسم الخطوط والأشكال الهندسية ذات الأبعاد الثنائية.
ولم أقف عند ذلك الحد، بل واصلت جهدي في تعلم المزيد بالممارسات العملية وبدأت في تظليل الأشكال الهندسية لإعطائها أبعادا ثلاثية. وكل هذه الرسوم كانت بقلم الرصاص، حيث لم أكن أمتلك الأقلام الملونة. ولكني تغلبت على هذه المعضلة باستخدام ما جادت به البيئة من حولي. فعندما أرسم الأشجار مثلاً كنت أقوم بطحن أوراق الأشجار لأحصل على ألوان خضراء لأشجاري وللخلفيات الطبيعية للمنتجات.
وعندما بلغت الصف الرابع، اكتشفت عالم الألوان المائية وألوان الباستيل التي كانت تحضرها لي، منى - زميلتي في الفصل، كانت منى - رحمها الله - صديقة ابنة السيد داف، مبعوث الكنيسة الإنجيلية. وكان منزل منى وسط حقل الذرة الشامية المجاور لمنزل السيد داف.
• ثم ماذا بعد هذه المرحلة ؟
انتقلت إلى العاصمة أسمرا بعد وفاة والدتي، وكان قد سبقها إلى الدار الآخرة والدي - تغمدهما الله بواسع رحمته.. وذلك للعيش مع شقيقتي الكبرى التي أحسنت رعايتي مع أطفالها الصغار - جزاها الله خيراً وتغمدها بواسع رحمته. وفي أسمرا التحقت فورا بالمدرسة الإسلامية الخيرية المتوسطة. وكان عمري حينها 13 عاماً.
• بأي لغة كانت الدراسة في تلك المرحلة ؟
كان التدريس في تلك المدرسة باللغة الإنجليزية بالإضافة مادة واحدة إضافية وهي "اللغة الأمهرية"
• هل كان لإنتقالك من مدينتك الصغيرة "قندع" إلى العاصمة أسمرا أثره على تفاعلك مع فنك التشكيلي ؟
لقد زادت البيئة الجديدة محبتي وتعلقي بالفن التشكيلي بعد مشاهدتي للوحات زيتية لفنانين إيطاليين معروضة في محلات بيع الهدايا. ولكن لم يكن باستطاعتي شراء الألوان المائية والزيتية حتى أشبع رغباتي وهوايتي وأرسم لوحات جميلة مثل لوحات الرسامين الإيطاليين. والانتقال إلى العواصم دائماً فيه العديد من المزايا التي تزيد من الفرص المتاحة لتطوير الذات. وأسمرا كانت حينها من العواصم الجميلة والنظيفة التي يئمها السياح ويقيم فيها بسلام المواطنين من شتى الأعراق. والعديد من الجاليات الأجنبية والعربية بشكل دائم.
• ولكنك لم تمكث في أسمرا طويلاً ؟
نعم لقد غادرت إرتريا لأول مرة إلى المملكة العربية السعودية في عام 1957م للإلتحاق بشقيقي الأكبر، رحمه الله وجعل البركة في ذريته. وكان عمري وقتها 17 عاماً. وبعد ذلك بفترة وجيزة من وصولي المملكة إلتحقت بمعهد ليلي لتقوية لغتي الإنجليزية لتطوير نفسي ومركزي الوظيفي.
• هل هجرتك المبكرة من إرتريا إلى المملكة كانت خصم على موهبتك وحياتك الخاصة؟ أم إضافة عليهما ؟
هجرتي الأولى أو (اغترابي) إلى المملكة كانت إضافة جميلة في حياتي. لأنها كانت مفيدة لي ولأهلي. وإزدادت فيها ثقتي بنفسي. وتعلمت فيها الكثير حيث تميزت حياتي بالجدية والعمل والحيوية. مما اكسبني العديد من الخبرات والمهارات الإدارية التي دعمت تطويري الوظيفي لاحقاً مع تقدير مدرائي في العمل. بالإضافة لتطوير موهبتي الفنية.
ورغم انشغالي الدائم كنت أحب وأحرص على التواصل مع الاخوة والأصدقاء لأنسى مرارة الغربة التي لازمتني لبعض الوقت. ربما لصغر سني.
فالوطن والأهل لا يعوضان إلا بالاستقرار في أرض الآباء وجوارهم ! وخلال الفترة ما بين 1957-1976م قلت ممارستي للرسم وانصب اهتمامي في قراءة الكتب.
• هذه فترة طويلة من الانقطاع بالنسبة لشخص يجري الفن في عروقه كما هو واضح من أعمالك. فهل كانت زيادة الاهتمام بالقراءة هي السبب الوحيد، أم كانت هناك أسباب أخرى ؟ وأي نوع من الكتب كنت تقرأ ؟
نعم الزيادة الكبيرة للقراءة هي السبب في إنقطاعي عن ممارسة هوايتي الفن التشكيلي. أما تعلقي وحبي للأدب والأدباء قديم. خاصة الأدباء العرب. ربما بسبب الثقافة العربية التي تجري في دمي. واستمر تعلقي بالقراءة والمقارنة للروايات والقصص الإجتماعية، بعد تحويلها إلى أفلام سينمائية. منها روايات أحسنت السينما في تناولها، والبعض الآخر أساءت السينما في عرضها. أما أبرز الكتاب والروائيين الذين قرأت لهم بإعجاب كبير وتابعتهم باهتمام وتقدير هم:-
■ إحسان عبد القدوس، التي تحولت أغلب قصصه إلى أفلام سينمائية بإعتبارها نقلة نوعية في الرواية العربية.
■ نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل في الآداب عام 1988م.
■ يوسف السباعي، الذي أبدع في رواية رد قلبي، التي كانت تحكي قصة حب قامت بين ابن الجنايني وبنت الأمير. وبسبب الفوارق الاجتماعية لم يحدث الزواج بينهما والرواية تحولت إلى فيلم يحمل نفس الاسم ونالت تقدير جماهيري كبير.
■ يوسف إدريس، صاحب الروايات والقصص القصيرة. منها "حياة عمال التراحيل" ومدى الظلم الذي تتعرض لهُ هذه الفئة المهمشة من المجتمع.
■ والعديد من روائع العمالقة: طه حسين وتوفيق الحكيم وعباس العقاد.. الخ.
ثم عدت لمواصلة هواية الفن التشكيلي في عام 1977م عندما كنت أعمل في شركة (لوكهيد للطائرات) والسبب يرجع (لإحدى الزميلات العاملات معي في الشركة. وهي أمريكية الجنسية) حيث لفت انتباهها رسم لي على قطعة ورق في المكتب ثم أخذت الرسمة وعرضتها على الزملاء قائلة: بيننا فنان تشكيلي. وفوراً ذهبت إلى "محل بيع مستلزمات الرسم" واشتريت جميع احتياجاتي وكل المواد الفنية اللازمة.
• هذه بكل تأكيد كانت نقطة تحول مهمة في مسيرتك. ماذا حدث بعدها ؟
بعدها التحقت بجمعية الفنون الجميلة في جدة لتعزيز الموهبة وكان معظم أعضائها من المغتربين من الأمريكان والفرنسين والإيطاليين والبريطانيين والعرب. واشتركت في جميع المعارض التي أقامتها الجمعية. وبدأت في قراءة المجلات الفصلية المتخصصة في الفنون مثل (ذي أميريكان آرتيست)، ومجلة (ذي آرتيست) البريطانية، استعدادا لمزيد من العمل المفيد. وبدأت في تعلم الأساليب والتقنيات المختلفة لتعزيز الثقة بالنفس لأن الانقطاع كان طويلاً. والحمد لله كانت الخطوات موفقة. وبهذا أؤكد للشباب وراغبي الفن التشكيلي بأنني لم أتلقى أي تدريب فني متخصص بإشراف معلم بل كانت الإرادة والجهد الذاتي المستمر خلف تعزيز موهبتي.
• نستطيع أن نقول إن هذه ربما كانت أهم فترة صقلت فيها موهبتك الكامنة. فهل تأثرت بفنانين ممن كانوا حولك وغيرهم أو بمدارس فنية بعينها ؟
كما أسلفت الجهد الشخصي الذي بذلته للتطوير كان من أهم الأسباب التي صقلت موهبتي. ولكنني تأثرت كثيراً بالمدرسة السريالية من خلال تأثري بأعمال الفنان العالمي سلفادور دالي - Salvador Dali وهو فنان أسباني وأحد أعلام السريالية المعروف بلوحاته المشهورة.
• لم تنته رحلة الغربة بالمملكة، بل تبعتها هجرة إلى بريطانيا حيث مساحة الحرية أكبر والعلم أوسع. ماذا تقول عنها ؟
تقصد لجوئي إلى بريطانيا (لأن سفري الأول الى السعودية كان اغتراب لغرض العمل لتأمين مستقبلي. وهذه المرة لجوء اجباري لحماية نفسي وأسرتي من حالة عدم الإستقرار الذي نعاني منه كشعب). وقد اندمجوا اولادي مع المجتمع المحلي واستفادوا من الفرص المتاحة بالعلم والعمل. كما استفدت أنا أيضاً بصقل موهبتي الفنية، حيث مساحة الحرية والمعرفة أوسع وأكبر، كما ذكرتم. وأن القوانين البريطانية التي ترعى وتحمي حقوق المواطن واللاجيء من أفضل القوانين العالمية ومطابقة لمعايير حقوق الإنسان المتفق عليها.
• كان فوز لوحتك "حنين الوطن" شرف لكل إرتري غيور. لماذا اخترت "حنين الوطن" للاشتراك في المسابقة رغم وجود عشرات بل مئات اللوحات الجميلة لديك ؟
فازت لوحة ”حنين الوطن” بالمرتبة الثالثة لجائزة العرب العالمية للفنون. وقد جرت وقائع التتويج يوم 19 أغسطس 2016م، بالعاصمة البريطانية لندن. وقد حضر معي حفل التتويج عدد كبير من جماهير لندن الأوفياء.. وبعض الإخوة حضروا من مدن مختلفة في بريطانيا خصيصاً لمشاركتي الفرح والسرور بهذا الحدث التاريخي.
وهنا أكرر شكري مع عظيم الامتنان لكل الذين دعموا ترشيحي وجعلوني في المقدمة حيث التنافس كان حاداً وصعباً والمشاركة في حد ذاتها كانت من التحديات. ولكن إصراري والدعم اللامحدود من الجماهير هو الذي أدى إلى انتزاع الفوز من بين عشرات المشاركين العرب. وأهدي الجائزة للوطنيين الأحرار في كل مكان.
أما بالنسبة لاختياري "حنين الوطن" للمسابقة، رسمت وقرأت العديد من المواضيع المختلفة التي تخص جميع مناحي الحياة، وهذا الوقت من أجمل الأوقات التي قضيتها في حياتي. أنسى نفسي وأنسى من أكون عندما تمضي الساعات الطويلة، ولكن لن أنسى تلك الأوقات الرائعة لولادة منتجاتي ! ومن الصعب الفرز ما بين لوحاتي التي قضيت فيها أجمل ساعات حياتي ! وهذا السؤال بالنسبة لي شبيه بالسؤال من تفضل من أبناءك وبناتك ؟! إن لوحة "حنين الوطن" فرضت نفسها ربما لكون اختزلت فيها الأرض والانسان والطبيعة.
• ما هي اللوحة التي يقال عنها نالت دهشة واعجاب رئيس جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا؟ وأين كان ذلك ؟
اسم اللوحة "عروس البحر" أو لؤلؤة البحر. وهي من أجمل لوحاتي موجودة في متحف عبدالرؤوف خليل بجدة الذي سجل له الرئيس مانديلا زيارة خاصة أثناء زيارته الرسمية للمملكة في شهر نوفمبر 2001م. وقد أسعدني نيل لوحتي المذكورة إعجاب وتقدير المناضل الكبير الرئيس مانديلا. وكذلك توقفه طويلا أمام اللوحة للاستفسار.
• ماذا اضافت لك محطة لندن وفوز "حنين الوطن" ؟
محطة لندن رسخت قناعتي، إذا أتيحت للإنسان فرصة يمكن أن يبدع ويرفع من شأنه ومن شأن شعبه ووطنه. ومشاركة لوحة "حنين الوطن" ابنة الثلاثون ربيعا مضمار المنافسة مع لوحات لفنانين عالميين وحصولها على الجائزة كان مصدر فخر وسعادة لي ولكل الإرتريين.
• هل هناك لوحة تمنيت أن ترسمها ولم تفعل وما زلت تفكر بإخراجها إلى حيز ؟
نعم تمنيت أن أرسم ولو لوحة واحدة وانا في ربوع وطني.. أعبر فيها الجمال والطبيعة وانسان الأرض، من واقع الأرض، وليس من الخيال في أرض الغربةّ والمنفى !
• ما هي المعارض والمتاحف التي زرتها أو شاركت فيها ؟
خلال رحلاتي المختلفة زرت المتاحف والمعارض الفنية في كل من إيطاليا، ألمانيا، مصر والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. وقد تعرفت خلالها على الكثير من أعمال الرسامين المعاصرين وعمالقة هذا الفن في التأريخ. وكلها كانت مثمرة ومفيدة.
وقد شاركت فيما لا يقل عن 25 معرضا بشكل جماعي أو فردي في جدة ويمكنني أن أوفر تفاصيلها لنشرها في ذيل هذا الحوار إذا رأيتم ذلك مناسبا.
• وماذا عن الجوائز وشهادات التقدير التي نلتها ؟
حازت أعمالي على الجائزة الأولى لمسابقة الخطوط الجوية السعودية الفنية عامي 1993م و1994م. وقد تم نشر بعض من لوحاتي في التقويم السنوي ضمن 12 عملا من أفضل الأعمال المختارة وذلك من مجموع 350 لوحة اشتركت في المسابقة. تقدم بها 240 فنانا من مختلف الجنسيات. كما نلت شهادات تقدير من إدارة التموين في الخطوط السعودية (1992م) واتحاد الشباب والطلبة بالجالية الإرترية (عام 2003م) ومنظمة رجال الأعمال الإرتريين والإثيوبيين في بريطانيا (عام 2009م).
• وهل لديك أعمال مودعة لدى أفراد أو معارض ؟
أكثر من 100 لوحة من لوحاتي تم اقتناؤها من قبل أشهر المعارض الفنية في جدة وهو معرض عبد الرؤوف خليل. والعديد من لوحاتي التي تعبر عن الثقافة الإرترية بمختلف مكوناتها الاجتماعية منتشرة أيضاً في إرتريا والشرق الأوسط وأروبا والولايات المتحدة منذ عام 1980م.
• ماذا يشد انتباهك في الفنان ؟
أولاً خيالات الفنانين ليست بموحدة. كأي عمل آخر ! فأنا مثلاً، أرسم أنماط مختلفة مثل السريالية والتكعيبية وتشد انتباهي المباني القديمة والكثير من الصور الثقافية. والإنسان بالنسبة لي يعني الكثير بغض النظر عن عرقه ولونه أو عقيدته. وهذا الخليط هو أجمل ما في كوكبنا، بالضبط مثل أية لوحة فنية، إن لم تتقاطع فيها لمسات الفرشاة والألوان، فإنها لا تعطي أي إحساس بالجمال. فأنا وأنت وكل هؤلاء الناس نمثل العنصر الأكثر جمالا في عالمنا.
ومن عملي في الفن التشكيلي تعلمت بأن الفن ليس مجرد قطعة قماش ملونة، أو قصيدة شعر على الورق، أو شخوص تتحرك على المسرح، أو كتب على الرفوف، بل هي خليط من المشاعر والعواطف داخل الفنان وداخل كل فرد فينا كإنسان.
• كيف شارك دبروم الفنان والمناضل في انطلاقة الكفاح المسلح وتأسيس جبهة التحرير الارترية ؟
مشاركتي في إنطلاقة الثورة الإرترية ممثلة في جبهة التحرير كانت مثل مشاركة أي مواطن غيور على شعبه ووطنه ورافض للاستعمار الأجنبي. وقد جاءت بعد ممارسة إثيوبيا القوة المفرطة لاسكات صوت الحق وفرض واقع جديد بالقتل والإرهاب والاعتقالات لنشطاء "حركة التحرير" التي انتشرت اعمالها السرية المناهضة بسرعة في نهاية الخمسينيات، مما إزداد القمع والإعتقالات في عموم إرتريا. وهو أيضاً السبب الذي جعل الثورة تبدء بالتحدي والشموخ من فئة قليلة العدد وكبيرة الإيمان والعزيمة للإستقلال بقيادة الشهيد البطل حامد عواتي ورفاقه الأبرار.
واقول بثقة كنت اعتبر نفسي، منذ البداية، واحداً من هؤلاء الرعيل الأول بكل مشاعري وجهدي رغم بعدي عن وطني وصغر سني. وذلك نظراً لأن التخطيط للعمل الثوري ودعمه بالمال في بداياته تم بتحركات الطلاب والعمال في خارج ارتريا. خاصة في القاهرة وجدة والسودان وبتوجيه مباشر من السياسيين الذين غادروا الوطن بعد ضمه الرسمي إلى إثيوبيا، مثل إدريس محمد أدم، رئيس أول برلمان إريتري وعثمان صالح سبي الذي كان نشطا وواسع الإطلاع.
وبعد شغلي لمهام سكرتير اللجنة الفرعية لأول فرع للجبهة بالرياض خلال الفترة (1962-1965م) كنت أقوم بالتواصل المباشر بالجمهور للحشد والدعم المالي. ونظرأ لطبيعة المهام تطورت علاقتي مع جميع المسؤولين.
أما مشاركاتي الفنية كانت في المهرجانات والذكرى السنوية لإنطلاقة الثورة واحياء معركة تقوربا لعكس الصمود والتضحيات. وهي المعركة الشرسة الهادفة لإنهاء الجبهة في وقت مبكر. وكانت في 15 مارس 1964م. إنتصر فيها جيش التحرير البطل بعزيمته رغم عدم التكافؤ في العدد والعتاد.
• شعورك نحو الوطن كمناضل وفنان وأحد الذين تركوا ارتريا منذ عقود ؟
شعوري سعيد وحزين ! سعيد الإستقلال تحقق بتراكمات العمل السياسي والعسكري وبالدماء الزكية للشهداء. وحزين لأن الشعب لم ينتصر ! ولن اكرر التفاصيل ! وهي معروفة لديكم ولدى مجلس الأمن الدولي الذي يعمل للأسف بعيداً عن العدالة في بعض القضايا التي تستحق العدل والحسم ! لقد عشت سنوات طويلة وأميال طويلة جدا بعيدا عن وطني الحبيب. وبعيدا عن الوجوه الطيبة البريئة من ابناء شعبي. وأجد متعة كبيرة عند تصوير حياتهم اليومية في لوحاتي. الشعب والثقافة الارترية هما نقش لذكرى مقدسة بداخل قلبي، هم ايقوناتي التي تزين لوحاتي. الفرح والبهجة يفقدان معنيهما إن لم يتم تحقيق الاماني.
• وماذا تقول للقراء وعشاق فنك في كلمة أخيرة ؟
في هذه المساحة الحرة أناشد الشعب الإرتري عامة، والشباب الواعي خاصة لمواصلة نضالهم من أجل إقامة "دولة المؤسسات الدستورية" بشتى الوسائل المدنية وإدارة نضالهم في هذا الإتجاه بحكمة.
وأتقدم بالشكر الجزيل ل "مجلة الناقوس" الثقافية التي تعمل بجهد في سبيل نشر الوعي وسط شعبنا الأبي حتى يتسنى له حماية نفسه ووطنه والدفاع عنهما من الأعداء والمتربصين، أياً كان نوعهم ومصدرهم. وقد كان هذا اللقاء بالنسبة لي مفيداً لأنه اسم على مسمى "حديث الذكريات والفن والنضال". وما أجمل اللقاءات التي تتجدد فيها الإخوة والعمل مع الذكريات. وللأمانة لقد عشت خلاله مع اللحظات الفعلية المحببة لدي التي كنت أجمع فيها العمل الوظيفي.. وأمارس الشأن العام وهوايتي الفنية، بحنان وأمل، في ربيع عمري المليء بالعطاء والحيوية والإنتاج ! تلك اللحظات التي زاد فيها نبض قلبي ليتكلم عبر الرسوم بلا صوت ! لن أنساها لأنها الّلحظات الحلوة الّتي جمعتني بالفن التشكيلي والعمل السياسي في وقت مبكر من حياتي.
الأستاذ الفنان الرائع/ محمود دبروم، بإسم "مجلة الناقوس" الثقافية، نقدم لكم شكرنا وتقديرنا لإتاحتكم لنا الفرصة من وقتكم القيم للتعرف عليكم عن قرب. ونتمنى لكم من القلب مزيداً من التوفيق، وللشعب الإرتري العظيم السلام الحقيقي والحرية.