آفاق تلتقي بالسيد/ آدم ملكين.. في القاهرة

حاوره الأستاذ: عبدالله الشريف - عبدالله الشريف - إعلامي إريتري ديمقراطي، يؤمن بالحرية للجميع

في محاولةٍ لفهمِ ما كان يجري في بلادنا تلك الأيام "1997م" وهاجس الهيمنة والخوف يسيطر على الأذهان مما هو قادم

آدم محمد علي ملكين

في المستقبل، كان لابد لنا أن نتوقف مع التاريخ قليلا، علنا نجد تفسيرا لذلك السلوك والتوجه الغير مريح الذي كان يسلكه النظام في أسمرا في ذلك الوقت المبكر من عمرِ الدولة الوطنية، ضمن هذه المحاولاتِ للفهمِ كان لآفاق هذا اللقاء في القاهرة مع المناضل السيد/ آدم ملكين سكرتير "حركة تحرير إرتريا" في الداخل، ومناضل من الرعيل الأول وعضو مكتب سياسي في "جبهة تحرير إرتريا" وأخيرا "التنظيم الموحد" أصدر كتابا بعنوان "التحدي.. مذكرات ثائر إرتري".

السيد آدم ملكين أهلا بك: حدثنا إذا أمكن عن البداياتِ كيف كانت وكيف تطورت ؟

هكذا بدأ المناضل/ آدم ملكين حديثه: بدأتُ كموظف بوزارة المعارف في سنة 1946م "التعليم يعني.. إبتسامة خفيفة مني" نعم التعليم كانت تسمى "ب وزارة المعارف" في ذلك الوقت، وبعدها عملتُ بالقضاء ومن خلال عملي هناك عايشتُ تلك الفترة بنضجٍ ووعيٍ عميقين، بدأتُ أدرك بأن هنالك مخطط إستعماري للأسف الشديد شاركت فيه أيدي إرترية تحركها مراكز قوى في الحكومة الفيدرالية، عناصر تخدم مصالحها الشخصية في بعض الحالات، وحالات أخرى يمكن أن نقول عنها "مصالح إقليمية" !!!. بدأتُ أمارس عملا يمكن أن نسميه مجازا عمل سياسي لا يتجاوز المستوى الشخصي لكن عمقه كان وطنيا خالصا، تعرضتُ إلى بعض المضايقات وأيضا العقوبات، لم يضايقني هذا الأمر لأنني كنت أطمح إلى عمل أكبر، وأخيرا قابلتُ الزميل المناضل/ صالح إياي وتحدثتُ معه كمثقف يعيش هموم الوطن، أخبرني بتفاصيل برنامج الحركة.. السياسي، إلتحقتُ بالحركة، وكلفتُ بسكرتاريتها في الداخلِ، لهذا يمكن أن أقول البداية كانت من خلال "حركة تحرير إرتري"..والحركة هي البداية الحقيقية للعمل السياسي الإرتري..على كل حال.

حركة تحرير إرتريا في إعتقادينا كانت نتاج طبيعي لوعي المثقف الإرتري بالقضية الوطنية، وساهمت بشكلٍ فعالٍ في تأطيرِ الجماهيرِ، وبرنامجها السياسي كان يبدو متكامل إلى حدٍ ما، ويتسم بالبعد الوطني القومي، ورغم هذا لم تذكر بالقدر الكافي في أدبيات الثورة، بل تعرضت بقصدٍ أو بغيره إلى تعتيم إلم أكن مخطئا، وكأن التعتيم لما هو قبل ثقافة إرتريه.. ماذا أنتم قائلون ؟

بالفعل الحركة كان وعيها بالقضية الوطنية عالي جدا، وكان لها برنامج سياسي يمكن أن نقول عليه جيد، وأنا شخصيا أعتبر الحركة هي البداية الحقيقية للعمل السياسي الإرتري وما قبلها نستطيع أن نتفق أو نختلف في تسميته، أقول ذلك لأن الحركة نظمت العمل السياسي وأطرت الجماهير الذي وصل عددهم في العاصمة أسمرا فقط إلى أربعة آلاف عضو منظم تحت لواء "الحركة"، لكن المسألة في رأيي متعلقة ببرنامجها الذي كان يركز فقط في الحل السياسي وهذا ليس سيئ في ذاته، لكن أنا شخصيا كان رأيي واضحا في الإجتماع الأخير بأن العمل السياسي وحده لا يكفي ولا بد من العمل العسكري.

أما عدم ذكرها في أدبيات الثورة، وأحيانا الإشتباك معها كان ناتج من عدم إيمان الإرتريين بالإختلاف الذي أصبح سمة ملازمة للثورة، وحتى في عهد الدولة نراه يمارس هنا وهناك، وأنا أنتهز هذه الفرصة وأقول لكم أنتم أيها الشباب الصاعد.. الواعد "على فكرة.. كنا شباب في ذلك الوقت!!" أن تتعلموا من أخطاء الماضي، وأن تتعلموا أيضا ثقافة الإختلاف وقبول الآخر.. وأنا متفائل جدا!!!

يقول البعض أن قرار إعلان الكفاح المسلح كان في الواقع قرار غير مدروس، وأنه جاء في وقت كان فكر الحركة قد تبلور بالفعل وأخذ شكلا سياسيا واضحا ومحددا "الخيار السلمي"، وبالنتيجة كان "الكفاح المسلح" أداة تعطيل أكثر منه داعم لعمل الحركة الذي كان بإمكانه أن يحسم القضية في فترة قصيرة جدا "منتصف الستينات كما كان متوقعا.. هكذا يقولون" ما هو تعليقكم ؟

عفوا.. عفوا.. عفوا يقولها ثلاثة مرات أستاذنا ويواصل الحديث قائلا: قرار إعلان الكفاح المسلح كان قرارا مدروسا وكان خيارا استراتيجيا في ذلك الوقت لأن المخطط كان أكبر من أن يواجه سياسيا، ولم يكن على الإطلاق معطلا بالعكس كان إمتدادا لعمل الحركة في شكلٍ جديدٍ مختلفٍ "عسكري"، لكن للأسف الشديد ولضيق أفق البُعد الوطني عند بعض الزعماء السياسين، ولعدم وضوح السياسية الخارجية في الستينات، ولأسباب أخرى تعطلت مسيرة الثورة وطالت الفترة النضالية لشعبنا، لكن أعود وأقول ما نحن فيه اليوم "الإستقلال..الدولة الوطنية" ما هو إلا نتاج ذلك الخيار الإستراتيجي "الكفاح المسلح".

تجربة المناطق في رأي البعض كانت خاطئة لأنها لم تضع في إعتبارها الخصوصية الإرترية، كما ساهمت بشكل أو بآخر على ظهور الخلافات.. القبلية.. الطائفية.. الإقليمية بشكلٍ أقوى وصلت في بعض المناطق إلى مواجهات عسكرية.. ماهو رأيكم ؟

أنا أتفق مع من يرى أن تجربة المناطق كانت تجربة خاطئة لأسباب عديدة، أولاً.. أنها لم تكن نتاج طبيعي لتطور واقع الثورة في ذلك الوقت، ثانيا في رأيي الشخصي كانت أقرب إلى حجة أكثر منها إستراتيجية من مراكز القوى في المكتب السياسي في القاهرة بالتحديد لتقسيم الأدوار بينهم حيث الخلافات القبلية بالخارج التي إنعكست بدورها في الداخل، وتبلورت تلك الخلافات "القبلية.. الإقليمية" بشكل واضح في تقسيم المناطق في شكل أقرب إلى التقسيم الإقليمي/ القبلي، وتقسيم الأدوار بين الأقطاب الثلاثة بما يحافظ على بقائهم واستمراريتهم على السلطة والزعامة، لكن أعود وأقول أنه من محاسن تلك التجربة أنها ساعدت على إنتشار وتعميم الثورة في كل أنحاء الوطن، وأنا رأيي أن هذه التجربة والمؤتمر الوطني الأول لجبهة تحرير إرتري يحتاجان إلى دراسة أعمق.. وهذا دوركم أنتم!!!

السيد ملكين هل يمكنكم أن تحدثونا عن تلك القوى الإصلاحية.. الديمقراطية التي ظهرت في نهاية الستينات بهدف إصلاح مسيرة الثورة ؟ وهل الثورة كانت في حاجة إلى إصلاح في ذلك الوقت ؟

نعم.. نتيجة لفشل تجربة المناطق ولأسباب أخرى ظهرت في تلك المرحلة أكثر مجموعة متعلمة واعية لها رؤية واضحة للمستقبل، تحدثتُ عنها بالتفصيل في كتابي "التحدي.. مذكرات ثائر إرتري"، لكن دعني أركز على مجموعة أسمها "حزب العمل" لأهمية ما سأقوله من وجهة نظري وهو "مجموعة حزب العمل" هي المجموعة التي وضعت أول برنامج سياسي متكامل للثورة الإرترية في المؤتمر الوطني الأول في أكتوبر 1971م، هذا المؤتمر وتفاصيله في غاية الأهمية لمن أراد أن يفهم الثورة الإرترية.. البدايات والتحديات!!

يقول البعض أن إنهيار جبهة التحرير الإرترية ودخولها إلى السودان بعد هزيمة من تنظيم الجبهة الشعبية كان سببه الأساسي تناقضاتها الداخلية، والبعض الآخر يقول أن المسألة أكبر من تناقضات داخلية ولها علاقة بالصراع الدولي في المنطقة حيث التوجه الإشتراكي وأيضا العربي لجبهة التحرير والتي عُرفتْ به تاريخيا.. هل هذا صحيح ؟

التناقضات بالفعل كانت موجودة..تلك حقيقة، لكنها لم تكن هي الأسباب الرئيسية لتلك الفضيحة، المسألة فعلا لها علاقة بالصراع الدولي، لأنه وكما ذكرت في السؤال السابق أن البرنامج السياسي لجبهة تحرير إرتريا هو البرنامج الذي وضعه "حزب العمل" في المؤتمر الوطني الأول يعني البرنامج ذو طابع وتوجه إشتراكي هذا جزء من الأسباب، الجزء الآخر له علاقة بالصراعات التاريخية التقليدية في التنظيم ذاته، فضلا على أن هناك عناصر داخل التنظيم مسؤولة بشكل مباشر عن تلك الفضيحة، واقول فضيحة لأنها كانت خسارة وعمل مخجل من طرفي الصراع، إستحت منه الشهداء في قبورهم.

السيد آدم ملكين بما أنكم زرتم البلاد قريبا هل يمكنكم أن تحدثونا عن الدولة، بمعنى الضريبة التي دفعها شعبنا من شهداء وتشرد وتسول وتعذيب في السجون ...الخ، هل الدولة تستحق كل هذا؟ وهل الدولة الوطنية الحالية أنصفت شعبها خاصة الرعيل الأول الذي تكبد عناء البدايات في الثورة الإرترية ؟

أولاً يجب أن نعلم أن الدولة وسيادتها والحفاظ على إستقلال البلاد والمنجزات التاريخية يستحق كل هذا وأكثر، لكن النظام الحالي المتمثل في تنظيم الجبهة الشعبية لم يكن بالمستوى الذي كنا نحلم به وناضلنا من أجله، وأنه مازال ينطلق من أطروحاته القديمة التي لا تتنساب مع مرحلة الدولة في رأيي. أما عن الرعيل الأول أنا أتساءل لمصلحة من.. لمصلحة من !! أقول هذا لأنني من خلال زيارتي الأخيرة تحدثت مع بعض الزملاء من الرعيل، وأيضا شاهدة بعضهم وهم يتسولون وغيرهم يتمتع بخيرات البلاد، غيرهم يمجد بإعتباره ابو الوطنية وهم مهملون..لمصلحة من نقتطع جزءا من تاريخنا ؟

أخيرا وليس آخرا كيف ترون الصراعات الحالية بين السلطة الحاكمة ومن هم خارج السلطة في الوقت الحالي ؟

تقصد من هم خارج السلطة.. التناظيم الإرترية السابقة ؟ إذا هو كذلك، للأسف الشديد هو نفس الصراع التقليدي القديم، صراع من أجل السلطة وليس من أجل الشعب والبلاد، وفي بعضه هو صراعات تاريخية قديمة مرتبطة بمرحلة الثورة، وأحيان يكون صراع قبلي إقليمي للأسف الشديد، يبدو أننا لم ننتقل بعد، وعلى فكرة..إذا كنا نآخذ على نظام الشعبية على أنه لم يتجاوز الماضي، فمن هم خارج النظام لم يأتوا بجديد.. بعد.

Top
X

Right Click

No Right Click