حوار مع المعارض الأرتري الأستاذ صابر رباط: صراع الاصطفافات والمحاور تسبب في توتر بعلاقات الخرطوم وأسمرا
حاوره الإعلامي الأستاذ: خالدة ود المدني المصدر: صحيفة اليوم التالي
تستمر الحكومة الأرترية في مزاعمها باتهام السودان بدعم معارضيها بين فينة وأخرى، وحسب ما جاء في آخر بيان
لحكومة أسمرا فإن الخرطوم وأديس أبابا نسقتا لدعم المعارضة الأرترية، في الوقت الذي تقيم فيه ذات المعارضة ملتقياتها علناً من قبل أبرز قادتها في دول أخرى.
في الخصوص سعت (اليوم التالي) لتوضيح الصورة جلياً من خلال مقابلة لها مع أحد مؤسسي منبر الحوار الوطني الأرتري نوفمبر 2007، الناشط السياسي صابر رباط المقيم في برطانيا، وهو أبرز قيادات الحراك الشبابي الأرتري للتغيير الديمقراطي، وله نشاطات في الفعاليات الأرترية المعارضة، وآخرها كان منسقاً عاماً للجنة التحضيرية لملتقى الحوار الوطني الأرتري والذي عقد في العاصمة البريطانية لندن مطلع أبريل الماضي.
برزت تغييرات متسارعة في علاقات السودان وأرتريا مؤخراً، فبعد لهجة التهدئة من الجانب السوداني تجاه الجارة الشرقية عادت حالة التوتر، ماذا يحدث على صعيد علاقة البلدين ؟
التوتر الأخير في العلاقات هو غالبا ضمن تداعيات صراع الاصطفافات والمحاور التي تشكلت في المنطقة مؤخرا.. والنظام الأرتري ليس أكثر من كومبارس مدفوع الأجر تمرر عبره أجندات لدول أخرى تريد الضغط على السودان في ملفات بعينها من خلال افتعال أزمة في حدوده الشرقية وإن كان ذلك يروق للنظام الأرتري الذي يعتبر زعزعة أمن السودان هدفا استراتيجيا بالنسبة له إلا أنه في هذه المرة يصنع أزمة بالنيابة عن دول أخرى في المنطقة.. ولا أستبعد مزيدا من التوتر في علاقلات البلدين بذرائع مختلفة في المرحلة المقبلة.
كيف تقرأ اتهام النظام الأرتري للسودان بـ”إيواء معارضين إسلاميين من أتباع (المعارض الأرتري) الداعية محمد جمعة ”أبو رشيد“؟
ادعاءات باطلة ولا أساس لها من الصحة.. أولا الشيخ الداعية محمد جمعة أبو الرشيد وأنا أعرفه معرفة شخصية لا أتباع له وهو ليس إلا داعية إسلاميا ينشط ضمن الجاليات الأرترية هنا بالمملكة المتحدة وله إسهامات في الجانب الخيري في معسكرات اللاجئين الأرتريين خصوصا بشرق السودان وهو ناشط حقوقي أيضا يهتم بقضايا المعتقلين والمغيبين قسرا في أرتريا وربما أزعجت حملة يوم المعتقل الأرتري والتي خصصت الرابع عشر من أبريل من كل عام للتذكير بمعاناتهم وتحريك ملفهم الحقوقي ضمن المنظمات الحقوقية هنا في أوروبا، النظام، وبالتالي هو يريد تعطيل الحملة من خلال تلفيق التهم على القائمين عليها ومن ضمنهم الشيخ جمعه. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن النظام يبحث عن ذرائع لافتعال أزمات مع دول الجوار بين الحين والآخر يوجد بها مبررات لمزيد من القمع وحملات الاعتقال العشوائي بشعبنا في الداخل.. هذا كل مافي الأمر.
هل صحيح أن الحكومة الأرترية تلعب دور ”مخلب قط“ في المنطقة خصوصا بعد الوجود الأجنبي المكثف هناك ؟
بكل تأكيد.. فنحن هنا نتحدث عن نظام مرتزق لا يبني سياساته الخارجية وعلاقته مع جيرانه من منطلقات استرتيجية تعتمد حسن الجوار والمصالح المشتركة بل يعتمد بدرجة أساسية على تأجيج الصراعات في المنطقة وتوظيفها لزعزعة الاستقرار في المنطقة بما يضمن بقاءه في السلطة لأطول فترة ممكنة.. وبالتالي تجد أن مواقفه ليست مبدئية وتتقلب مع من يدفع أكثر.
هل صحيح أن السياسات الأرترية صارت مهددا لأمن البحر الأحمر ؟
ليس أمن البحر الأحمر فحسب بل المنطقة برمتها.. فهذا النظام متورط في عدة ملفات تخريبية في المنطقة.. في الصومال مثلاً ظل لسنوات يدعم ويسلح فصائل متناحرة وهذا موثق في تقارير لمجلس الأمن الدولي الذي بدوره فرض عليه عقوبات لازالت سارية وكذلك الصراعات في جنوب السودان, وهو يدعم ويؤوي فصائل إثيوبية مسلحة داخل الأراضي الأرترية.. وظل يدعم الحوثي ضد الشرعية في اليمن لسنوات والآن على النقيض ها هو يسمح ببناء قاعدة بحرية وجوية لدولة خليجية جوار ميناء عصب هذا عدا التواجد الإسرائيلي الكثيف في الجزر الأرترية.. كما أسلفت نحن أمام نظام لا يحترم سيادة البلاد وحولها لبؤرة صراعات تجمع كل تناقضات المنطقة.
كيف تفسر تنامي العلاقات الأرترية مع بعض دول الخليج ومصر ؟
في البداية أحب التنويه بأن الشعب الأرتري تربطه أواصر علاقات قوية بكل المنطقة وتاريخا زاخرا يشهد بذلك وهو شعب محب للسلام ومتطلع لعدم فصله عن هذا الإرث الطويل، ولكن ما يحدث هو المتاجرة بتلك العلاقة من قبل النظام الأرتري طبقا لأهواء فردية ومكاسب آنية لا تصب في المصالح العليا للشعب الأرتري ولا تحترم علاقاته بجيرانه وكما أوضحت في السابق إنها مسألة ارتزاق ليس إلا، والدليل تنقل علاقات القيادة الأرترية بجيرانها من النقيض إلى النقيض في أوقات جد متقاربة ولا تعتمد على أي رؤية مستقبلية وإنما تتسم بالمزاجية والانتهازية.
ما هو رأيك في الدعوة التي أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد أبي أحمد لفتح صفحة جديدة مع الجارة ؟
نتطلع إلى تسوية عادلة، تضمن فيها الحقوق الأرترية بما يحقق السلام والأمن بين البلدين حتى تتطور لتعاون حقيقي يَصب في مصلحة الشعبين.
حدثنا عن مخرجات ملتقى الحوار الوطني الأرتري الذي وافق يومي السابع والثامن من أبريل المنصرم بمدينة لندن، بصفتك المنسق العام للجنة التحضيرية ؟
توصل المشاركون في الملتقى إلى تقريب وجهات النظر في معظم القضايا التي طرحت للنقاش كما تم الاتفاق على ضرورة بذل المزيد من الجهود لتعزيز الثقة بين قوى المعارضة والدفع باتجاه تعضيد أسس العمل الوطني المشترك لدعم مسيرة النضال الديمقراطي في أرتريا مع التأمين على ضرورة إشراك كافة القوى السياسية في اللقاءات القادمة كما دعا الملتقى وسائل الإعلام التي تنشط ضمن معسكر المعارضة لأن تعطي الأولوية في نشاطها لما يعزز وحدة أرتريا وشعبها ويساعد على تقوية معسكر المعارضة وعدد من التوصيات يمكن الرجوع إليها في البيان الختامي للملتقى.
لماذا أقيم ملتقي الحوار الوطني الأرتري في لندن تحديدا ؟
لندن هي كغيرها من مدن الحريات الغربية تسمح ولا تعارض مثل هذه الفعاليات ولا تتدخل في شؤونها وبالتالي كانت أفضل الخيارات المتاحة.
جمع الملتقي عددا مقدرا من قيادات المعارضة الأرترية السياسية والمدنية، داعين إلى تفعيل الحراك الشعبي لمناهضة النظام، لإحلال بديل ديمقراطي، هل هذا يعني دعوة صريحة لثورة شعبية ؟
بالفعل هناك حراك شعبي يناهض النظام في أرتريا والحديث عن تفعيله يفترض وجوده بالأساس، والدعوة وإن كانت أحد محاور المناقشات الجادة داخل الملتقى ولكنها تحتاج إلى المزيد من الدارسة.
حسب التغييرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، أنتم تنادون بالتعاون من قبل الجميع للوقوف على وضع تلك التغييرات في سياقها الصحيح من خلال برامج العمل، سؤالي: هل تستطيعون إقناع الشعب الذي يعاني أنات الفقر والمرض، من على البعد كما يفعل معارضو الأنظمة عادة ؟
نعتقد أن الصِّلات معقودة بين داخل الوطن وخارجه ونعتقد كذلك أننا لا نحتاج إلى معجزة للوصول إلى المواطن الأرتري البسيط الذي نوقن أنه يترقب خطواتنا، فقط نحتاج مزيدا من التنسيق حتى يؤتي فعلنا ما نرجو.
أرتريا بلد تمتاز بقوة التيار القبلي، لذلك ربما يتعسر فيها التعايش السلمي وفق اختلاف العادات والتقاليد، بالتالي، أليس عليكم مراعاة ذلك لضمان الاستقرار حال سادت الديمقراطية في البلاد كما تزعمون ؟
نعم أرتريا دولة تمتاز بالتنوع العرقي والثقافي والديني ولكنها لم تشهد في تاريخها أي صراعات من منطلقات دينية أو عرقية وإن وجدت على قلتها فهي انعكاس أو تفاعلات لصراعات صدرت لنا من خارج الحدود.. التعايش والسلم المجتمعي من السمات الأرترية الخالصة وإن كنت أتفق معك في أن سياسات النظام الإقصائية ومنهجيته الشوفينية من استلاب ثقافي ونهب للأراضي وتوطين مجتمعات بعينها على حساب مجتمعات أخرى بل وتسليحها مؤخرا.. كل هذه العناصر مجتمعة تهدد السلم المجتمعي الأرتري ونحن نحاول أن نوجد صيغة وفهما وطنيا مشتركا للتعامل معها وربما ملتقى الحوار الوطني الذي عقد مؤخرا يصب في ذات الاتجاه.
بماذا تميز ملتقى الحوار الوطني في لندن عن ما سبقة من اجتماعات للمعارضة، حتى أحيط بكثير من التكتم والسرية ؟
لا أعتقد أننا هنا في موضع مفاضلة ما بين ملتقى الحوار الوطني بلندن وما سبقه من ملتقيات وطنية أخرى كما أننا في هذه المبادرة لم نأت بديلا ولا منافسين لأحد؛ نحن مجموعة من الشباب المثقل بالهم الوطني من خلفيات وتجارب سياسية متعددة ونعتبر أنفسنا جزءا من الكل ومبادرتنا هذه جاءت كجهد مكمل ومعزز لمسيرة المقاومة بمنظور شبابي وطني متجرد من أي هوى أو تحيز سياسي.. أما بالنسبة لما وصفته بالتكتم أثناء عملية التحضير فهو صحيح نوعا ما فنحن نعتقد أننا لسنا بحاجة لضجيج بلا طحين ولسنا بحاجة لأن نملأ الإسفير بصور ومنشورات لا تسمن ولا تغني من جوع ويكفينا ما أصاب شعبنا من خيبة أمل جراء العويل الذي رافق مناشط سطحية كثيرة في هذا الإسفير وتجنبنا كذلك استعراضات وسائل التواصل الاجتماعي التي لا طائل منها طالما أنها ستظل حبيسة الإسفير ولا تتنزل على أرض الواقع وركزنا جل جهودنا في التواصل مع الجهات المشاركة في الملتقى بشكل مباشر ليس لدعوتها فحسب بل للاستفادة من تجاربها وخبراتها لإنجاح الملتقى وربما هذا ما تميز به الملتقى، إنه كان أرتريا خالصاً فكرة وإعدادا وتمويلا.
ما هي أهم القضايا التي ركز عليها ملتقى الحوار الوطني الأرتري ؟
ركز الملتقى على ثلاثة محاور رئيسي هي:-
• تقييم التجارب السابقة للعمل الأرتري المشترك،
• تعزيز الثقة والعمل المشترك،
• ورؤية لحراك شعبي ديمقراطي.
تُتّهم المقاومة الأرترية بغياب فعاليتها ما هو تعليقك ؟
المقامة تحتاج إلى مزيد من التنظيم والتوجيه وتوحيد الجهود، ولكننا نؤمن أنها آتت أكلها في العديد من القضايا كالقضية الحقوقية التي تمضي بوتيرة تصاعدية وقد أدى الحراك الأرتري إلى تغذية جذوتها لتكون في قمة عناوين الملتقيات الأممية، بالإضافة إلى كسب فئات عديدة إلى صفوف المقاومة كالشباب وعناصر النظام الهاربة.
ما هي خططكم لنقل الشعب من خانة الانتظار والرجاء إلى خانة الفاعل والمتصدر لمجابهة التحديات حسب ما طُرح في ملتقي الحوار ؟
باتفاق معقول من أطياف قوى المعارضة والحراك الشعبي على الأهداف الاستراتيجية والمرحلية لمنهجية سبل تغيير النظام وأولوية القضايا الملحة للمعالجة.
هل تسعى قوى المعارضة للبحث عن أسباب الفشل في التجارب السابقة وفق تحليل علمي، بعبدا عن رمي مسببات الفشل لعوامل خارجية قرببة كانت أو بعيدة ؟
هذا الموضوع بالذات كان من أهم المحاور التي نوقشت باستفاضة في الملتقى عبر ورقة قدمها الأخ المناضل بشير إسحق رئيس المكتب السياسي للحركة الفيدرالية الديمقراطية الأرترية وبمشاركة عدد مقدر من رؤساء التنظيمات وقيادات متقدمة في قوى المعارضة السياسية والمدنية الأرترية وتم الاتفاق مبدئيا على عدة إجراءات ستساهم في تضييق الخلافات وتعزيز الثقة والعمل الوطني المشترك في ساحة المعارضة الأرترية.
أيضا دعا الملتقى لتأسيس ”مجلس شعبي أرتري للحريات يضم كافة الأرتريين بهدف إسقاط الاستبداد وتاسيس دولة الحريات“، هل وجدت دعوتكم قبولا ؟
هذا غير صحيح.. الملتقى لم يدع لذلك في بيانه الختامي.. ولكن الفكرة طرحت ضمن ورقة قدمها الدبلوماسي المنشق عن النظام سعادة السفير عبد الرازق محمد موسي وحظيت بإعجاب واهتمام الجميع وربما لضيق الزمن لم يكن هناك وقت كاف لتدارس كيفية إنزالها على الأرض على الأقل ضمن مخرجات هذا الملتقى.
ما هي المعوقات التي تعاني منها قوى المعارضة الوطنية الأرترية لقيام مثل هذه الملتقيات ؟
لا نستطيع أن نقول إنها معوقات، بقدر ما هي أزمة مفاهيم وخصوصا مفهوم الاعتماد على الذات في المقام الأول كما أنها تحتاج إلى تكثيف مزيد من الجهد في التحضير لأي ملتقى والمحاولة الجادة والصادقة من قبل المحضرين لملء الفجوات قبل عقد أي ملتقى بفترة ليست قصيرة لضمان مستويات كبيرة من نجاحه وفعالية مخرجاته.
يُقال إنكم لم تقدموا للشعب الأرتري سوى مثل هذه الملتقيات ؟
وماذا قدم النظام بالمقابل سوى القمع والتنكيل بهذا الشعب المغلوب على أمره ؟.. هذه ادعاءات يروج لها النظام عبر أعوانه وما يسمى بالذباب الإلكتروني لتثبيط الهمم وعزل المقاومة الوطنية عن جماهيرها.. هذه الملتقيات تعزز الثقة واللحمة الوطنية بين مكونات هذا الوطن ونخبه وتصنع وعيا وطنيا مشتركا لمواجهة النظام والتصدي لأجنداته.
هل كانت قضية السجناء الذين لم يقدموا لمحاكمات عادلة ولا يعرف مصير معظمهم، منذ سنوات طويلة ضمن محاور ذات الملتقى ؟
نعم بكل تأكيد.. وتم تضمين ذلك في البيان الختامي هذا بالإضافة إلى مشاركة عدة منظمات حقوقية تعنى بقضايا المعتقلين في الملتقى.
تصفون النظام الحاكم بالديكتاتوري، هل كان ذلك سبباً رئيساً في ممارسة نشاطاتكم من الخارج ؟
نعم.
أخيرا.. إلى ماذا توصل المشاركون في ملتقى الحوار الوطني الأرتري ؟
أهمية استمرار الحوار بين قوى المعارضة الأرترية بما يعمق الفهم المشترك للقضايا الوطنية الرئيسية ويعزز سبل التعاون والتنسيق في سبيل خلق أرضية صلبة لعمل وطني مشترك يعجل بإسقاط النظام وبناء دولة العدالة والحريات في أرتريا والعمل على إيجاد جهات مستقلة عن التنظيمات السياسية (منظمات مدنية) كعنصر مراقب للمؤتمرات واللقاءات السياسية بين قوى المعارضة وتتابع عملية إنزال مخرجاتها إلى الجماهير بحيادية لضمان تضييق فرص الخلاف وتعزيز الثقة.