زاجل تحاور البروفيسور الدكتور جلال الدين محمد صالح - الحلقة الثالثة
أجرى الحوار الأستاذ: باسم القروي المصدر: وكالة زاجل الإرترية للأنباء
لست من رابطة المنخفضات ومن غير الإنصاف اتهامها بأنها نسخة من مشروع استعماري قديم، أنا معجب ومتأثر بخاصية التجدد
عند د. الترابي وأنفي أن أكون نسخة منه، لا أجد مبررًا للعمائم الأرترية أن تختلف اختلاف تضاد بين مشرق ومغرب.
12. قال الأستاذ أبو محمد علي محمد محمود جوابا على سؤال وكالة زجل عن رابطة المنخفضات أواخر شهر أبريل عام 2014م: (في البدء أؤكد على حق كل شخص أو مجموعة في تبنى الفكرة أو المشروع الذي تراه مناسباً لتحقيق أهداف وطنية عامة أو شخصية، فلا حجر على أفكار أو مبادرات أي أحد ، ومن حق الآخر قبول أو رفض تلك المبادرات والمشروعات...). ولهذا رأت المقابلة سلبية في ميلاد حركة المنخفضات المناطقية باعتبار المآلات المتوقعة وضربت أمثلة من ا لماضي للاعتبار..
وأنت تغتنم فرصة المقابلة عن قصد دون أن يضطرك سؤال للتتهم طرفاً وتدافع عن رابطة المنخفضات.. لِمَ تَعيبُ على طرف سياسي حقه في تحليل ظواهر ماثلة وإبداء وجهة نظره وترميه بما لا يحتمل نص حديثه من احتكار الساحة لتنظيم واحد. ألم يعبْ نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم على نبي مثله موقفاً دون أن ينتقص منه: (يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا) خاصة أن المقابلة صرحت باحترامها خيار قيادة المنخفضات مع أنها طرحت بهدوء مقترح مراجعة فكرة المناطق لما فيها من محاذير تجزئة الوطن.
122. ما وجهته من نقد إلى مقولة الأخ أبي محمد علي محمد محمود حفظه الله ورعاه، اقتضاه السؤال المطروح من قبلكم، ويأتي في سياق التحاور السياسي، وليس في معرض تبادل الاتهامات، ونعم أن الأخ أبا محمد أقر بأحقية تبني الأطروحات السياسية، في الساحة الإرترية، وهذا متوقع من شخصية في مثل نضجه السياسي، لكن إلحاق المواقف السياسية (بالاستعمار) هو الذي عبته على الأخ أبي محمد؛ لأنه يعني في نظري سحب الشرعية الوطنية، والأخ أبو محمد لا يمثل شخصه، وإنما يمثل تنظيماً يتصدره، فهي قبل أن تكون رؤيته الخاصة به، هي رؤية للتنظيم الذي يتصدره، وهذه في نظري مشكلة كبرى، حين تصنف كيانًا ما، على أنه يعتنق فكرة استعمارية؛ لأن هذا الحكم يحول بينك وبين فتح الحوار معه، ما لم يتنازل عن فكرته الاستعمارية، في معاييرك، وليس في معاييره، وهو ما يباعد الشقة بين الأطراف المتباينة، والتي هي في حاجة إلى التلاقي والتحاور، نصرة للمستضعفين كافة، أنا هنا لا أدافع عن جهة بعينها، وإنما أدافع عن فكرة هي باختصار (عدم إصدار الأحكام مع الاحتفاظ بحق التخالف والتناقد).
الذي أفهمه أن رابطة منخفضات إرتريا مؤسسة مدنية، تشعر أن المنخفضات أضحت محل استيطان عنصر آخر، في غياب أهلها وإقصائهم في معسكرات اللاجئين، وأنها في حاجة إلى تكتيل ناسها لحمايتها من هذا الاستيطان، بحجة أن الأرض ملك الدولة، وما أظن هذا له صلة بالاستعمار، ولا بدوائر مراكز الدراسات التي تعمل لإعادة طرح مشروع استعماري، وأما أنها قد تستغله فنعم، ولكن ليس هو ما يستغل فقط، فكل المشاريع يمكن استغلالها، ومع ذلك من حق كل واحد منا أن يكون له تحفظ على مشروع ما، أيا كان هذا المشروع، سواء في الفكرة نفسها، أو في القائمين عليها، أو في الوقت الذي طرحت فيه، أو في الصيغة والصورة التي قدمت بها.
13. لاحظت أنك تتقمص شخصية د. حسن الترابي - رحمه الله - يظهر فيك بتصنع في لغته وحركاته و صوته وإشاراته التعبيرية ونبرات صوته وإثاراته الفكرية الشاغلة .. والقامة واللون والجسم وحتى الصلعة وخفة اللحية أمور تعزز من أوجه التشابه.. فهل انت مفتوح بالأموات ؟ أين شخصية البروف جلال الدين الخاصة ؟
133. ما كنت أظن أبدًا أن لي شبها بالشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي رحمه الله، لا شكلاً ولا تحريكاً، ولا ابتسامة، وما انتبهت لهذا إلا حين سمعت ذلك من الشيخ راشد الغنوشي حفظه الله، في أول لقاء قابلته فيه بـ(آخن) في ألمانيا، مركز (بلال بن رباح رضي الله عنه) الذي من خلاله ينشط الأستاذ عصام العطار متعه الله بالصحة والعافية، وختم لنا وله بالصالحات أعمالنا، في ندوة نظمها اتحاد العمال المسلمين بأوربا، تحت عنوان (أولويات العمل الإسلامي في أوروبا) وكانت لي في هذه الندوة ورقة قدمتها، وبعد فراغي من إلقائها ومناقشة المداخلات الواردة بشأنها، سألني الشيخ راشد الغنوشي: ما صلتك بالدكتور حسن الترابي، هل بينكما صلة قرابة ؟ فقلت له: كلا، فقال لي: فيك شبه به، شكلاً وحركة، وكلاماً. بعدها أصبحت أسمع هذا من كثيرين، في المؤتمرات الإسلامية التي حضرتها، وأنا لا أفعل ذلك تقصدًا، ولا تعمدًا، أو تقمصًا، ولكنها حركاتي الذاتية، تصدر مني عفوًا.
من الناحية الفكرية عندي الكثير الذي لا أوافق فيه الترابي رحمه الله، ومع ذلك لا أنفي أني قرأت عدداً من إنتاجه الفكري، واستمعت إلى الكثير من محاضراته، ولقاءاته السياسية، واستمتعت بها، وأعجبت بخاصية التجدد فيه، في الوسائل التي ينتهجها، وفي بعض الأفكار التي يطرحها، وكذلك أود أن أفعل، ما دامت هذه الأفكار ليست من قطعيات الدين، وإنما من ظنياته، وتأثري به لا يعني ذوبانًا فيه، وإنما هكذا الدنيا مؤثر ومتأثر، وما هذا بعيب في الإنسان، ما لم يكن إلى حد الفناء، وطمس الشخصية، ومع كل هذا لم أقابله إلا مرة واحدة بصحبة الشهيد أول خير مصطفى رحمه الله عام 1991م.
14. من عواصم العمل الجماعي من التمزق تاتي البيعة والعهود والمواثيق واللوائح التنظيمية الضابطة والأهداف الجامعة التي توجب الوفاء والسمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره حتى على الأثرة وأنتم علماء الشريعة والدين ومع ذلك ساقتكم الآراء والاجتهادات المتباينة إلى توزيع الأدلة فيما بينكم فكل الشظايا المعممة تزعم أنها أقرب إلى رضى الله من صاحبتها وتحشد من الأدلة ما يقنعها بعدم التلاقي مع أختها والشعب محتار.
كيف تقرأ هذه الصورة الشائنة للإسلاميين وأنت صاحب علم غزير، وعمر مديد، وتجارب ثرة ؟
144- أهم داء يفتك بالعمل الجماعي هو داء الانشطار والتشظي، والتدين في الفرد يبلى فيحتاج إلى التجدد، وكذلك هو في الحركات والجماعات الناشطة، يتقادم عليها الزمن، فيبلى فيها التدين، وساعتها تصاب بعلل التدين، من الشعور بالاصطفائية عند الله، كما كان الحال مع بني إسرائيل يوم قالوا: (نحن أبناء الله وأحباؤه) وزعموا (أن الله اصطفاهم وفضلهم على العالمين) و(أنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودا) وهذا النوع من الشعور هو الذي يولد التعادي والتنافر، وهو نهج طائفي مقيت، ومن أهم سبل معالجاته التجدد في الوسائل من الآليات، وفي الظنيات من الأفكار، وفي العقليات مقارنة بالنقليات.
155. كان مقبولاً أن يختلف العامة استجابة لمفاهيم قبلية أو إقليمية أو ربما انخداعاً ببريق نعمة قريبة أو خوف من بلاء نازل فهل تجد مبررات مقدرة تجعل العمائم تختلف وتتناطح ؟
155- لا أجد مبررًا للعمائم أن تختلف اختلاف تضاد، يشرق بينها ويغرب، ولكن لا تنسى أن العمائم إذا لم تتعهد ذاتها بالتجدد، تصاب كما قلت لك آنفا بداء التشظي، الاختلاف في حد ذاته ليس ممقوتا متى ما كان اختلاف تنوع، ومع اختلاف التنوع يكون التوالي، في حين غالباً ما يستصحب التعادي اختلافُ التضاد.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة