القرى والمدن الاٍرترية مابين الأمس واليوم مدينة كرن - الحلقة السادسة
اٍعـداد وتقـديم: همـد الخليـفة ادريـس آدم، محمـود كـرار حـاج محمـود، جابـر سـعيـد ـ أرض الهـرم
مهـام الأعـراف:
تتضـمن الأعـراف كافة العـادات والتقاليـد الخاصـة بالأفـراح والأتراح
مـن مهـور وصـداق واٍلتـزامـات الطـلاق وتبعاتهـا، ودفـن المـوتى وديـات القتـلى والتعـويضـات المالـية في مختــلف الأمور والأحـداث، بالإضافة إلى قضايـا الهبـات وملكـية الأراضي ومتعلقاتها، كمـا تنـظم كافة المعامـلات اليومـية ذات الصـلة بكيـفية التعامـل مـع الغـربـاء والوافـديـن وكافة الأمـور المتصـلة بحيـاة وتعامـلات المكـون البشـرى، أيضا تفصـل الأعـراف في القضايـا البـينية التي تنشـأ ما بـين المواطـنين فخـوذا وعشائر وبطونـا وقبائـل، كمـا تنظـم حـركة ممتلكاتهم مـن الأنعـام والأمكـنة والمسـاكن وقضايـا المـوارد والمـراعى وملحقاتهـا وما يتـرتب عليهـا مـن نتائـج.
• أول هـذه الأعـراف في المنـطقة هـو عـرف شـاشـت،، وهو عرف موحـد تجتمـع حـوله كافة قبائـل البلـين الطـرقى / سـنحـيت بمختـلف فـروعهـا بالإضافة إلى مـن يعيـش معهم مـن القبائـل القادمة مـن منـاطق أخرى، والجـديـر بالـذكـر أن هـذا العـرف يسـرى على كافة أبناء الطـرقى على مختـلف عقائـدهم باٍعتبـاره عـرف قبلي يجمـع كافة أبنـاء القبـيلة.
• عـرف قبائـل المنسـع المعـروف بـاٍسـم فتـح محـارى،، وهـذا يسـرى مفعوله على السـكان في منـطقة جبـال المنسـع بغـض النظـر ما إذا كانـوا مـن بـيت أبـرهي،، أو بـيت شـحقـن،، أو مـن مناطـق أخرى طالمـا يفضلـون العيـش في المنـطقة والاٍمتثـال لعـرفهـا الأهلي، كمـا تسـرى أحكامه على مسلمي ومسيحي أبناء منـطقة المنسع.
• عـرف بـيت طـوقي الذي جـاء بـديـلا لعـرف بقــوس / بـيت موسـي،، وهـذا يجمـع عليه كافة أبنـاء طـوقى جـان،، ومـن يعيـش معهم فـوق أرضهم، بمـا في ذلك سـكان منـطقة جنقـريـن،، على اعتبـارهـا أرضـا مملوكة لأبنـاء طـوقى جـان،، وبالـرغـم مـن أغلـبية سـكانهـا الـذيـن لا ينتمـون لأبنـاء طـوقى جـان،، بصـلات دم قـديـمة، ولـكن منـذ مطلـع الأربعينيـات توطـدت الصـلات الاٍجتماعـية بيـنهم نتـيجة للجـوار والمصـاهـرات الجـديـدة التي خلقـت أجيـالا متجانسـة تشـتـرك في اللسـان والعقيـدة والأهـداف المنشـودة، وهـذا يعـنى أن التجانـس الجـديـد قـد تجـاوز الجـوار واللسـان متجهـا نحـو ما هـو أبعـد عـن ذلك قـدرا ومسـافة، خصـوصـا وأن نصـوص العـرف والممارسـة الفعلـية يسـاويان ما بـين كافة السـكان في مجمـل الحقـوق الواردة والواجبـات المطلوب أداؤهـا ـ والأجيـال الجـديـدة اعتبرته ثوابـت قـومية تعـزز توجهاته الجـديـدة وتـدفعه إلى مـزيـد مـن العـلائـق الطـيبة داخـل وخـارج المـديـرية، ولـكن لابـد مـن الإشارة إلى الجـزء الخـاص بعـادات المـوارد المائية القـديـمة التي كان لهـا محاذيـرهـا وقوانينهـا وطقوسـهـا المتفـق حولهـا بيـنهم، وكان هنـاك حتى وقـت قـريب مـورد مـاء (بئـر) خـاص لـكل فـرع مـن فـروع أبنـاء طـوقى جـان،، وكانـت المـوارد تحمـل أسماء تـدل على الفـروع المعـنية ـ ولا يقتـرب منه الآخـر اٍلا بموافقة كبيـر القبـيلة أو مـن ينـوب عنه، وذلك باٍسـتثنـاء مـن يجاورهم مـن القبائـل التي تعيـش معهـم وتحـت ضيافتهم المؤقتة أو الـدائـمة، فهـذا مـورد عـد حـزبـاي،، والآخـر مـورد عـد طفـع،، والثالـث مملوك ل عـد قبشـا… الخ)، ورغـم هـذا التخصيـص كانـوا يتسـامحـون ويتسـاهلـون مـع مـن يـرده مـن الأهـالي وعابـري السـبيـل ما لـم يـأتي بصـفة اٍسـتفـزازية مقصـودة.
• عـرف جبـال الماريـا اٍصـول ونبـارى،، الذي تجتمـع حولـه ماريـا طـلام وقيـح والعقـر ومـن يعيـش معهم،، أيضا تنطـبق عليه نفـس الأحكـام والاٍلتـزامـات وبالتالي تتسـاوى فيه الحقـوق والواجبـات بـين سـائـر السـكان، هـذا العـرف يعـرف عـن نفسـه مـن خـلال معانـيه الواضـحة، ولعــل القصـد بكـلمة أصول يعنى بهـا قبائـل الماريـا عـرقـا ودمـا (طـلام + قيـح)، وكلـمة نبـارى يعنى بهـا السـاكن أي مـن سـكن يـسـكن سـاكنـا، وهـؤلاء هـم الـذيـن ارتضوا العيـش مـع إخوانهم مـن أبناء المـاريتـين، وبالتالي لـم يهملهم القانـون العرفي اٍسـمـا وروحـا، وكمـا قلنـا كان معـروفـا باٍسـم أصول ونبـارى،، ولـكن بعـد التنقـيح والمـراجعة طبـع ونشـر تحـت مسـمى عـرف الماريـتين.
• عـرف الـبيت جـوك وهـو الآخـر ينـظم حيـاة السـكان في المنـطقة سـواء كانـوا مـن عـد قبطـان،، أو عـد بـولا،، أو أشـنبـرا وبـيت عـوض،، أو مـن القبائـل الأخـرى، والعـرف يسـاوى مابـين الجميـع في الحقـوق والواجبات طالمـا حافظـوا على الاٍلتـزام بمـا جـاء فيـه مـن نصـوص وتوجيهـات تنظـم عـادات وتقاليـد سـكان المنـطقة وحثهم بضـرورة التكـاتـف والتعاضـد في السـراء والضـراء.
العـلاقـات البيـنية للمـكون البشـرى بالمـديـرية:
كل مـن هـذه التجمعـات الخمـس المـذكـورة أنفا تمـلك أرضـا ولسـانـا وعـادات وتقاليـد وتاريـخ قبلي وآخـر يجمعهـا ببعضهـا الآخـر، بالإضافة إلى المصـاهـرات الممتـدة التي تحـدث بينـهم دونمـا أية قيـود تحـد مـن مواصلتهـا المتنامـية بشـكل حميـد مسـتـمـر، وفى نهـاية المطـاف هنـاك الحصيـلة المشـتـركة مـن العـادات والتقاليـد والموجهـات التي تـدعـم توجههم الوطني وتسـاعـدهم على تحـقـيق الأهـداف التي تجمـع قـواهم وتوحـد رؤاهم وتـؤدى بـهم إلى سـاحة المهـام الوطـنية الأشمل والنهـوض بالعمـل الوطني الكبيـر ضـمن سـكان المـديـريات الأخرى.
في البـدء ينطـلق المـكون مـن الاٍحتـرام المتبـادل للعـادات والتقاليـد والأعـراف والاعتراف بحقـوق الآخـر في أرضـه ومورده ومـرعـاه، وثانيـا مـن العـادات الموحـدة والثـوابت الاٍجتماعية المتـفق عليهـا بـدءا باٍحترام الصغـار لـكافة الشـيوخ والواجهـات ومنـاداتهم بكلـمة يبــا،، وهـذا يعتبـر حجـر الـزاوية الذي بنـيـت عليـه العـلاقات البيـنية بينهم ممـا أدى ذلك إلى تأسـيس قـوي للثـقة المتبـادلة، أيضـا يجتمـع سـكان مـديـرية السـنحـيـت في جـل العـادات الخاصـة بالأفـراح والأتـراح، وعلى وجه الخصـوص سـكان القـرى الـذيـن يتميـزون بالسعي الحـثـيث لتحـقيق التكافـل والوقـوف معـا لمقابـلة أعبـاء الأفـراح والأتـراح، بالإضافة إلى التضـامن لمواجـهة المكاره والكـوارث الطـبيعية كالسيول والأمطـار والمجاعـات والأمـراض ومواجـهة الغـزاة، كمـا يتضـامنـون عنـد بنـاء الجسـور وبنـاء المنـازل وتسـهيـل تبـادل أدوات الحـرث والحصـاد والقيـام بحـراسـة المـزارع …الخ، وهـذا يـعنى أن العـادات آخـذة نحـو التقـارب والتشـابه بخـطى ثابـتة، والخصـوصـية تظـل تطـفــو دائمـا على السـطـح ولـو بشـكل نظـري، ولـكن المسـتـقبـل ينبئ بوحـدة العـادات والتقاليـد سـواء جـاء ذلك مـن خـلال توحيـد العـادات القـديـمة أو وحـدة التعامـل مـع العادات المكتـسـبة ـ لأن وحـدة المـزاج البشـرى والتاريـخ الموحـد خيـرا أو شـرا، والحاضـر المتـأزم والمسـتقبـل المنشـود، وكـذلك وحـدة الثقـافة والخصـم السياسي الداخلي والخارجي كلهـا تـدفـع المكـون باٍتجـاه واحـد ممـا سـيؤدى يومـا مـا إلى تشـكيـل نسـيج موحـد في معـظـم خصائـصه الهـامة.
أمـا العـاصـمة كـرن،، فهي المـديـنة الإرترية الأولى التي تـقف في مقـدمة كافة المـدن الوطـنية، فهي تتميـز بوحـدة العـادات والتقاليـد ومـرونة الحـركة وسـهـولة التعايـش السلمي بالـرغـم مـن جمعهـا لفسـيفسـاء المجتمـع الارتـرى، ففي مـديـنة كـرن يوجـد العفـرى / السـاهـاوى / التغـرينى / والبـازاوى / والباريـاوى / والتبـداويـيت وبطـبيعة الحـال البلينـاوى والتقـري، وكل هـؤلاء ولاءهم الأول هـو لمـديـنة كـرن ومـن ثـم يأتي تـرتـيب باقي الولاءات الأخـرى، فالـكل يتضـامـن مـع الـكل لمقابـلة كافة القضايـا والأحـداث وبصـرف النظـر عـن حجمهـا أو أهميتهـا، والـكل يتقـاضى لـدى شـيـخ سـوق المـديـنة بنفـوس رضـية وقلـوب مفتـوحة، حـيـث يتـم الفصـل في قضـايـا المعامـلات اليـومية في محكمة ألشـيخ كنتيبـاي هيـابـو حمبـرا، ويتـم حـل النـزاعـات الخـاصة بالأراضي السـكـنية أمـام الشـيخ حسـب الله حمـديـن الذي خـلف والـده في أداء هـذه المهـام، والجـديـر بالـذكـر الـرجـل يحـفظ الحـدود الفاصـلة مابـيـن أطـراف النـزاع دون اللجـوء إلى رسومات بيانـية أو خـرائـط توضـيحية ومشـهـود له بـذلك مـن كـافة سـكان المـديـنة. وفى الملمـات خيـرا كانـت أم شـر تعتمـد المـديـنة على ميكرفون الشـيـخ بخيتــاي،، الذي تعـود على القيـام بهـذه المهـام دون المطالـبة بمقابـل مالي نظيـر عمـله، والـكل ملتـزم بهـذا النـداء ولا يوجـد بـيـن سـكان المـدينة مـن يـدعى جهـله عـن موعـد حضـور الوليـمة أو المهـام .. ومـن نـوادر الشـيخ بخيتــاي،، ومبـادراته انه كان أول مـن يعلـن عـن الأفـراح والمكـاره، وكان أول مـن أعلـن اٍشـتعـال النـار في منـزل آل أمحـراي،، الـكائـن بحي الجبـل على اٍمتـداد حلـة عـد حبـاب،، والجـديـر بالـذكـر أن حـريق منـزل آل أمحـراي،، حـدث في عـام 1957م وكانـت تضـبط عليه عقـارب السـاعـات حـيث كان يبـدأ في السـاعة السـابعة وخمسـة وعشـرون دقيـقة (7.25) مـن مسـاء كل يـوم على مـدار أسبوع كامـل، ممـا اجبـر السـلطات لمنحهم قـطعة أرض مجانـية بجـوار حوش الشـيـخ سـيـد موسـى في وسـط المـدينة، وقـد تكفـل التجـار وأهـالي المـدينة بتغطـية مصـاريف البنـاء وتـرحيل الأسرة، وكان العبـد لله أحـد شـهـود العيـان الـذيـن شـاهـدوا ذلك الحـريق العجـيب.
اللغــــة:
اللغتـان السـائـدتان في مـديـرية سـنحـيت همـا البلـين والتقـري، ولـكن الغلـبة للتقـري باٍعتبارهـا لغـة الأغلـبية بالإضافة إلي سـهولتهـا وكثـرة مفـرداتهـا ذات الصـلة المباشـرة باللغـة العـربية، واللـغة العـربية تمـلأ كافة المسـاحات بما في ذلك الحيـز الموجـود مابـين البلـين والتقـري، وفى العهـد التـركي والإيطالي والبـريطاني كانـت اللغـة العـربية لغـة التواصـل والتخاطـب الـرسـمي مابـين الحكومة وكافة المسـلمـين الإرتريين، والحكومات الاسـتعمارية المتعاقبة كانـت تكـتب الإعلانات وتـورد الأوامـر وتخـاطـب المسـلمـين باللغـة العـربية لعلمهـا بـرغبتهم وميولهم إليها، والإدارة البـريطانية كانـت الأكثـر حـرصـا على تعليـم اللغـة العـربية مـن بـين الإدارات الاسـتعمارية الأخرى، وقـد أنشـأت أول مـدرسـة نظامـية بمـديـنة كـرن معتمـدة على ضـباط الاٍحتيـاط السـودانـيين، وفيمـا بعـد تـم تعميـم مناهـج بخـت الـرضـا السـودانية على كافة الطـلاب المسـلمـين في المـدارس الإرترية ممـا سـاعـد ذلك في الاٍرتقـاء باللغـة العـربية بـين الإرتريين المسـلمـين الـذيـن يتميـزون بأغلبية إرترية أرضـا وبشـرا.
الـزراعـــــة:
تمارس الـزراعة في المـديـرية بقصـد تغطـية احتياجـات أصحابهـا مثلمـا هـو الحـال في كافـة منـطقة المنخفضـات الإرترية التي تمارسـهـا لتحـقيق نفـس الغـرض وبذات الوسـائـل البـدائـية، حـيث لـم يتـم تحـديث الوسـائـل أو زيـادة رقـعة الأرض الـزراعـية أو اٍٍتبـاع الـدورات الـزراعـية العلمـية أو اٍسـتخـدام البـذور المحصـنة مـن ذوات الإنتاجية العالـية، وذلك لغيـاب ألذات الوطـنية في سـابق الأيـام، وفيمـا بعـد لغيـاب الـدولة الوطـنية القائـمة على العـدل والعازمة على الاٍرتقـاء بمواطنيهـا ومسـاواته بالعـالم المسـتقـر والمتحضـر والمكتفى على الأقـل بإنتاجه مـن الحبـوب والخضـر والفاكهة، والنتـيجة النهـائية تؤكـد أننـا جميعـا في طـور تعـلم الأبجـديات الأولية في اٍمتهـان الـزراعة، وسـنظل نجلـب الحبـوب مـن ما وراء الحـدود حتى نتعـلم الـزراعة وغيـرهـا مـن وسـائـل اٍسـتمـرار الحيـاة الإنسانية الكـريمة، وهـذا قطـع شـك لا يمـكن تحقـيقه ما لـم نتمـكن مـن إيجاد حكـومة وطـنية معافـاة تسـوس أمورنا وفـق القانـون والـدسـتور وتؤسـس دولتنـا الحـلم لتبلـغ بنـا مصافي الشـعوب المتحضـرة.
الثـروة الحيوانـية:
الثـروة الحيـوانية بشـكلهـا التقليـدي / البـدائي موجـودة بنسـبة عشـوائية غيـر مـرشـدة، حـيث ينقصـهـا المـرعى النمـوذجي المخـصص والـدواء والوقاية العـامة، ولكنهـا تتكاثـر بشـكل تلقـائي دون تـدخـل مـن وسـائـل التـرشـيـد، معظـم الثـروة الحيوانية بالمنـطقة هي الماعـز والضـان والقليـل مـن المواشي كمـا تنحصـر دواب الـركـوب والأحمـال في البغـال والحميـر وقلمـا تسـتخـدم الجمـال أو الحصـين، أمـا اٍغتنـاء الطيـور جـاء مؤخـرا حـيث تـم جلبه مـن المـرتفعـات الإرترية وقـد لا نجـده أبعـد مـن مـدينة كـرن التي يغتني بعـض سـكانهـا القليـل مـن الفـراخ البلـدي للاٍسـتفادة مـن بيضـه أكثـر مـن لحمه.
دور الأدب الشـعبى في مسـيـرة المـديـرية:
ينتـج جـل الأدب الشـعبي الارتـرى المؤدى بلغـة التقـري في المنـطقة الشـمالية الغـربية مـن سـمهـر / قنـدع / عـد شـومة وشـعب واٍمتـداداته، وفى المنـطقة الجنوبية الشـرقية مـن السـاحـل الشمالي (شـعب / عوبلـت / أفعـبت قـلامـت واٍمتـداداتهـا)، وعنـدمـا يصـل إلى مـدينة كرن وضـواحيهـا يتـم تسـييسـه وإسقاطه ضـمن الهـم الوطني، فقـد تغـنت المـديـرية للشـيوخ ود سـليمتـو / ود باشـغيـر كمـا تغــنت مـع إدريس ود أميـر / الأمـين عبـد اللطـيف / كماجنـا / وتغنـوا للكثيـر مـن الشـيوخ الـذيـن كانـوا يخفـون أسـماءهـم وهـوياتهم، وأخيـرا تغـنت المنـطقة مـع (أطـت حنـا) وغيـره، وكان شـباب المنـطقة يوحي لمعظم الفنانـين بأحـداث وشـخصـيات وطـنية نـكاية بالمسـتعمـر، وبالعـدم كانـوا يأولونهـا حتى تتمـاهي مـع الأحـداث.
مطـربـون وأغاني:
ومـن الأغاني التي رددهـا شـباب مـدينة كـرن مـع الشـيخ/ محمـد نـور كماجنـا بعـد التأويـل والتحويـر، يحضـرنـا المطلـع الآتي:
كماجنـا حـوكي كماجني ديبـو
يسـرت وبليـلا حبـر اٍنفتيـا
دكـان كماجنـا فـاروق أرتـريـا
كماجنـا حـوكي كماجني ديبـو
كماجنـا حـوكي اٍيتـركبــــا
هتـا تبـل نـوراي وأنـا اٍبـل سـعيـدة
قطـين كبوتايـا لويـا تـو لأمعيتـا
حقـوكي أفعـبت قسـنـا مـداقيتـا
كماجنـا حـوكي اٍيتـركبــــا
كلـمة (يسـرت) جـاءت لترمـز للـوطن الإرتري، وفى رواية أخرى للعـلم الإرتري، وجيء باٍسـم المـلك فـاروق رمـزا ودلالة للـزعيـم الـوطني إبراهيم سـلطان علي الذي كان ومازال مصـدر اٍحتـرام وإعـزاز للشـعب الإرتري وكـذلك مصـدر إلهامه في سـابقات الأيام.
أيضـا تغـنى المـرحـوم محمـد نـور كماجنـا متأثـرا بالهم الأسـري رغـم ما كان به مـن داء يصـنفه ضـمن سـلاطـين الشـارع العـام، ويظـل الـرجـل الـرقيـق مهتمـا بوالـدته التي كان يكفلهـا قبـل اٍلتحاقه بنـادي سـلاطـين الشـارع العـام، وفى هـذا المقطـع يخاطب شـقيقه الذي يـراه مهتمـا بملـذاته الخاصـة تاركـا والـدته العجـوز مـن دون معيـل خصـوصـا بعـد خـروج كماجنـا مـن دائـرة الاٍهتمـام بشـئون الأسـرة:
أنـت محمـد حـويي إنـت تمبـاك سـتي
وأنـا مـن اٍتعـين لاٍمنـا كفــو تــودى
كماجنـا حـوكي كماجني ديبـو
وبمـا أن هنـاك خلـط مابـين الواجهـات الـدينية والوطـنية، كان للسـيـد/ بكـرى المـرغني ومـن قبله السـيـد/ جعفـر المـرغني وكافة آل المـرغنى مكانة مـرموقة في نفـوس المجتمـع الكـرني والإرتري، مثلمـا كانـت نفـس المكانة لسـيـدنـا مصـطفى ود حسـن في المـديـرية الغـربية، والشـيخ الأمـين بـن الشـيخ عبـدالقـادر في مـدينة باضـع / مصـوع وضـواحيهـا، وللشـيخ محمـد بـن الشـيـخ عامـر والشـيـخ عبـد العـزيـز بـن الشـيخ محمـد في السـاحـل الشمالي، فقـد تغـنى المجتمـع الكـرني للسـادة المـراغـنة كمـا تغـنى أهلنـا في المـديـرية الغـربية والشـرقية والشـمالية لمشـائخهم الأجـلاء.
نأتي هنـا بمطلـع بعـض الأغاني التي قيلـت في مـدح السـادة المـراغنة، وهى كلمـات بسـيطة ولكنهـا تعبـر عـن مـدى حـب الجماهيـر الإرترية والكـرنية بصـفة خاصـة لأهـل البـيت بصـرف النظـر عـن مـدلولهـا وبعـد بعضهـا عـن العقيـدة، وهى غالبـا مـن كلمـات ولحـن وأداء النسـاء، وفى اٍمكاننا أن نطلـق عليهـا تسـمية (أغـاني البنـات):
مرحبابه نسـاري سـيـد أبـراهيم زيـارت
مـرحـب ود نـور البلـد
أو
عبـدالله المحجـوب يـرفـع البـلاّ
فـوق الشـكـرية اٍقلنـا نويـا
أو
سـتى علـوية حورت كـرديـا
حبابـا ووو الحـربية
سـتى كـم أبوتـا مـرود ديـب بسـوتـا
حبابـا ووو الحـربية
سـتى كم أبوتـا لنـور حيي ديـب بسـوتـا
حبابـا ووو الحـربية
وكانـت هنـاك اٍسـتخـدامات وطـنية أخرى للأدب الشـعبي في فتـرة حـرب التحـريـر، منهـا إرسال بـرقيـات ملحنة ومشـفـرة تحمـل معلومات أمـنية على الأثيـر بغـرض توجيههـا للمناضـليـن، (وفي يـوم مـن الأيـام أنقـذت إحدى الفتيـات مجمـوعة مـن الفدائـيين كانـوا في طـريقهم إلى مـدينة كـرن، بالإضافة إلى مجمـوعة أخرى كانـت متمـركـزة بالقـرب مـن مـدينة ـ حلحـل) ـ حـدث ذلك عنـدمـا كانـت تسـتقـل البـص العمـومي المتجه مـن حـلحـل إلى مـدينة كرن، وبمحض الصـدفة سـمعـت حـوارا أمنيـا دار ما بـين اثنـين مـن أفـراد اٍسـتخبارات الجيـش الإثيوبي، وهؤلاء كانـوا في طـريق عـودتهم إلى معسـكـراتهم في المـدينة بعـد أن رصـدوا مواقـع تواجـد وحـدات الجبهة بالمنـطقة الثانـية، فعلمـت الشـابة موعـد تحـرك قـوة كبيـرة مـن الجيـش الاثيـوبى إلى منـطقة ـ حلحـل ـ وضـواحيهـا وذلك مـن خـلال الحـديث الذي دار بيـنهم كما علمـت الطـرق التي سـيسـلكونهـا في مجيئهم للمنـطقة، حينئـذ تغـنت الفتـاة بصـوت مسـموع وأرسـلت المعلومة مـن خـلال كلمات غنائهـا ـ ظنـا منهـا أن البـص / العـربة قـد لا تخلـو مـن ركاب مناضلـين أو أحـد المـراسـلـين مـن أفـراد اللجـان الشـعبية، ولحسـن الحـظ صـدق حـدسـهـا فقـد تـرجـل شـابـا عـن العـربة مقـررا العـودة إلى (حلحـل) مشـيا على الأقـدام، ولكـنه لـم ينـس الـرد عليهـا بما يفيـد وصـول المعلـومة وحتمـية توظيفهـا لصـالح الثـورة وشـعبهـا، كمـا شـكـرهـا على حسـن صـنيعهـا وحسـهـا الـوطني الكبيـر، وهـكـذا تمكـنت الوحـدات مـن مفاجأة القـوة قبـل أن تصـل إلى هـدفهـا، الجـديـر بالـذكـر أن الشـابة تغـنت بلـغة (البـليـن)، أيضـا يؤكـد المناضـل (م. ا. ع) أن قسـم أجهـزة الاٍتصـال اللاسـلكي كان يسـتخـدم أحيانـا لغـات (البلـين) و (الحـدارب) في إرسال واٍسـتقبـال بعـض المعلومـات، وهكـذا كان ومازال لألسـنتنا المحلـية وللأدب الشـعبي فوائـد متعـددة واٍسـتخـدامات طـيبة كثيـرة تـم تطويعهـا لصـالح الـوطن والمواطـن، ولـكن قطعـا لا يعـنى ذلك أن تصـبح بـديـلا للسـاننـا الوطـني الخيـار.
ومـن أغـاني البنـات التي قيلـت في مناسـبات متفـرقة، نـذكـر الحـوار الذي دار مابـين الشـابات الوطنيـات و المناضـل السـابق (كفـل) الذي عـاد للعمـل ضـمن فلـول المسـتعمـر الإثيوبي بعـد أن كان عضـوا عامـلا تحـت لـواء جبهـة التحـريـر الإرترية ومقاتـلا في صـفوف جيـش التحـريـر الإرتري البطـل، ومـن خـلال هـذا الحـوار وصـفته كلمـات الأغـنية رديفـا للمـدعـو علي بخـيت الذي كان عينـا لأجهـزة النظـام الإثيوبي حتى يـوم إعدامه بواسـطة فـدائيي الثـورة.
البنـات:
(كفـل وري أروكـا، علي بخيط جنتـل
أوي تـوخ يوكـا)
ماذا حـدث لك يا كفـل هـل بلغـك أن علي بخـيت قـد بشـر بـدخـول الجنة.
كفـل:
(كفـل يسـتخـر أنخـا كـر، علـم سـبقطـو
أتي قاخـرمـا)
أنـا كفـل الذي عـاد بعـد أن سـأم...
البنـات:
(بلينـا مأخـو دي شـحـاي قـرا
يبنسـر سـررى سـوريـا تعليـم قـرا
اٍبتيـس كمانـدوسـا وريـخ حويـو
يونـا دوسـا)
لا غـرابة في سـلوكك هـذا، لأنـك غـريب عـن طبـع البـلـين، فيا خسـارة تعليمـك في سـوريـا يا سليل عـدى شـحاي، ويا خسـارتنـا على أبتيـس البلينـاوي الذي شـارك في إحراق منازل أمهـاته وخالاته.
وكلمـات أخرى قيلـت تثمينـا لمـوقف المناضـل/ تسـفاي تخـلى عبـد الـرحمـن عنـد اٍلتحاقه بالميدان، والجـديـر بالـذكـر أنه قاطـع الـدراسـة مـن أجـل الاٍلتحـاق بالنضـال الوطني:
(شـكا لينقـا كعلي روخ
كـوا دارات حسـيخ
نخـا وطـن فـريـخ)
ومـن كان طالبـا تـرك التعليـم وأختـار طـريق النضـال وتعميـر الـديـار.
دور المنـطقة في العمـل الوطني:
أمـا دور المنـطقة في العمـل الـوطني كان دورا رياديـا وطليعيـا لا ينكـره حتى الخصـوم والأعـداء، وكانـت مـدينة كـرن ملتقى للاٍجتماعـات والاٍحتفالات والحـوارات الـوطنـية، حـيث بـدأت معظـم الأحـزاب الإرترية الخمـسة نشـاطاتهـا السـياسـية والحـزبية هنـا في مـدينة كـرن سـنحـيت، حـزب الـرابـطة الإسلامية / التقسـيم وأخيـرا الكتـلة الاسـتقـلالية الموحـدة، وكان جـل قادتهـا مـن سـكان مـدينة كـرن، أيضا تـم لقـاء الجماهيـر الإرترية المسـلمة باللجـنة الخماسـية الـدولية في مـدينة كـرن، حـيث اجتمعت بالأكثـرية الإسلامية المطالبة بالاسـتقلال الناجـز في مـدينة كرن على اٍمتـداد (حوش السـيـد بكـري ودار الـرياضـة بالمـديـنة)، وبالأكثـرية التغـرينية المسـيحية المطالبة بالاٍنضمـام إلي إثيوبيا في العاصـمة أسـمـرا (بـيت قـرقيـس)، وأيضـا مـن هنـا بـدأ اٍنتشـار حـركة التحـريـر الإرترية، وهنـا كان يوجـد مجمـع الخـلايـا الوطـنية التي كانـت مسـئولة عـن اٍنتشـار وتنفيـذ العمـل الفدائي الموجه ضـد المسـئولـين الإثيوبيين المتواجـدين في مختـلف المـدن الإرترية، وهنـا سـقطـت الآلـة الحـربية الإثيوبية، وهنـا تكسـرت الإدارات الاٍستـعمارية والـدكتاتورية الأجـنبية، وان شـاء الله سـيبـدأ تـلاشـي جبـروت حكـومة الجـبهة الشـعبية مـن هنـا مـن سـنحـيت الصـمـود والنضـال، مـن هنـا مـن معقـل الـرجـال الصـناديـد الـذيـن سـيوحـدون الشـخوص والبـرامـج والمعـاول كمـا وحـدوا شـتاتنـا الاٍجتمـاعي وحفظـوا لنـا أنسـابنـا التاريخـية واٍمتـداداتهـا اللاحـقة، فللمـديـرية تحية عـرفـان على سـابق الأحـداث ولهـا أحـلى الكـلام وأنبـل المعاني، ولكـرن النضـال ألـف تحـية مقـرونة بالـدموع والـدمـاء، وألـف أمـل في حـراكهـا الـوطني الذي سـينسـينـا عـذابات الأيـام والسـنيـن، فهي كـرن الجميـع وسـتظـل هـكـذا حتى يـرث الله الأرض ومـن عليهـا إنسان كان أو نبـات وجمـاد.
نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة