مصوع حضارة واصاله

بقلم الأستاذ: عبداللطيف البلوى

مصوع او باضع في كتب التاريخ واللغة باضع هي الميناء الأول للقطر وأقدم مدنها على الإطلاق

والعاصمة الأولى له قديما ومهبط أول بعثة إسلامية إلى البلاد الخارجية التي دخل الدين الإسلامي على يدها لأول مرة، ولها ثلاث أسماء:-

• باضع ،
• باصع ،
• مصوع .

الأول: باضع بالضاد المعجمة وبه عرفت في كثير من كتب الحديث واللغة والتاريخ كما ذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام، والأسيوطي في جمع الجوامع، وحسام الدين الهندي في كنز العمال، ومجد الدين الشيرازي في القاموس المحيط، والزبيدي في تاج العروس، وابن منظور الأفريقي في لسان العرب، وأبو حسن المسعودي في مروج الذهب، وياقوت الحموي في معجم البلدان، والمقريزي في كتابه المواعظ والاعتبار، والقلقشندي في صبح الاعشى.

والثاني: باصع بالصاد المهملة وقد ذكرته كتب اللغة المتقدمة آنفا ومعروف ومستعمل لدى السكان الآن أكثر من سابقه.

والثالث: مسوّ بفتح الميم والسين والواو المشددة كما ذكره البستاني اللبناني في دائرة المعارف وكما في النطق الأفرنجي. وهى تسمية حدثت في أواخر القرن الثالث الهجري والقرن التاسع عشر الميلادي كما يشير إليه "دانتى أودرسو" في كتابه "تاريخ مصوع" تسمية باسم قاضيها الشهير السيد القاضي محمدالمساوي أو مسوّ نسبه لأل البيت النبوي وهو صاحب المسجد الأثري الموجود فيها إلى الآن، وكلمة مصوع بالصاد والعين تحريف عن مسوّ، وفي بعض الكتب ناصع بالنون وهو خطأ مطبعي فقط لا غير.

ظلت شواطئ إرتريا ومراسيها ومرافئها ومن بينها مصوع مطمعا للغزاة والمعتدين منذ أقدم العصور خاصة ملوك إثيوبيا الذين سعوا إلى احتلال والهيمنة ولم يتركوا في سبيل ذلك أية وسيلة إلا واستخدموها حتى وصل بهم الأمر إلى الاستعانة بالقوة الاستعمارية الأوروبية منذ ان بدأت حملاتها الاستعمارية في القرن الخامس عشر.

ففي صيف عام 1420م أغار الملك اساق داويت بجحافل قواته على الساحل الإرتري ودمرت هذه القوات قرى وحواضر زولا وحرقيقو ومصوع ونهبت المتاجر والأغنام والماشية وقد لجأ السكان إلى جزر شيخ سعيد ونورا ودهلك التي كان بها دار الحاكم في ذلك الوقت. وقد أندحر هذا الجيش الغازي بعد أسبوع تحت وطأة ضربات الشمس وقبائل المنطقة التي جمعت صفوفها لمواجهة المعتدين وكذلك الحر الشديد الذي أفنى عددا كبيرا من جنود قواته.

احتلت قوة بحرية برتغالية مصوع في 10 أبريل (نيسان) 1520م واضطهدوا السكان المحليين، واعتدوا على مقدساتهم، إذ حول الأب الفاريز مسجد مصوع إلى الكنيسة لمصلحة الجنود البرتغال. وقد تعرض الغزاة البرتغاليين إلى المضايقات المستمرة، فقد رفض الأهالي بيع المياه لهم، ومصوع لا مياه لها إلا ما يجلبه السقاة من ضواحيها.

وتعذر عليهم شراء اللحوم والألبان، فكانوا يأخذونها عنوة، وكانت المناوشات الطابع المميز لعلاقة هؤلاء الغزاة الجدد بأهالي مصوع، كما رفض أمير مصوع التعامل مع الغزاة البرتغاليين. ونظرا لما تعرضوا له السكان المحليين من تعسف البرتغاليين.

طلب أمير مصوع من الأتراك التدخل لتخليص مصوع والمنطقة من الاحتلال البرتغالي، فاستولى سنان باشا على مصوع في عام 1538م بعد أن هزم الأسطول البرتغالي وطرد البرتغاليين من المنطقة نهائياً وحلت السيادة العثمانية على طول شواطئ البحر الأحمر.

ومنح أمير مصوع الذي أطلق عليه "نائب" الصلاحية على مناطق واسعة كانت تمتد من البحر الأحمر إلى تجراي عرضا ومن باب المندب إلى سواكن طولاً. ليتصرف في شؤونها الداخلية وليشرف على جماركها وينظم أمور عشائرها وتحمي تركيا البلاد من الأخطار الخارجية.

في عام 1844م حاول الوالي التركي فرض نائب يفضله من أسرة النواب المحليين، لكن مسعاه قوبل برفض السكان أدى ذلك إلى قتال بعد أن زحف الوالي بقواته إلى القرى المجاورة لكنه اجبر على التقهقر حيث لجأت تركيا إلى الصلح وتعويض الأهالي.

وفي عام 1846م تجدد الخلاف مرة أخرى من جرءا تعسف الوالي وكثرة الضرائب حيث نتج عنه أن اعدم ثلاثة فدائيين الباشا التركي في قصره بطوالوت بعد أن وصلوا إليه سباحة.

واجه الوالي التركي الجديد إسماعيل حقي التمرد بقسوة حيث اعتقل الكثير من سكان مصوع واحرق القرى المحيطة بها ومن بينها حرقيقو عام 1872م عين خديوي مصر المستشرق السويسري منزينجر باشا حاكما عاما لمصوع، فقام ببعض الإصلاحات التي لم يسبقه إليها أحد من الحكام الأتراك أو المصريين، فربط جزيرة مصوع بجزيرة طوالوت عبر جسر باب عشرة كما ربط جزيرة طوالوت باليابسة عبر جسر سقالة قطان.

وعقب فجر التحرير حدثت متغيرات وتحولات جذرية، تم خلالها توسعة الميناء وبناء مرابط إضافية للسفن ومساحات جديدة للحاويات ومد شبكة كهرباء ونشر خط سكة الحديد وعمل بوابات (مداخل ومخارج) وتحديث جسر طوالوت - باب عشرة وطوالوت - سقالة قطان لاستيعاب حركة المركبات التي تزداد يوم بعد يوم.
عبر عملية فنقل البطولية 8-12 فبراير 1990م استطاع الجيش الشعبي تحرير لؤلؤة البحر الأحمر مصوع من قبضة الاحتلال الإثيوبي، ويقتلع جذور الغزاة المعتدين الذين سلبوا ونهبوا ما لغيرهم ظلماً وقهراً.

وعبر عملية فنقل انتزعت لؤلؤة البحر الأحمر مصوع من أفواه الذئاب لتبقى ملكاً أبدياً في يد الشعب الإرتري، ولاحت عقب ذلك مؤشرات الاستقلال في الأفق وانهيار نظام منقستو، بعد أن سددت الثورة الإرترية الضربات القاضية الواحدة تلو الأخرى لجيش العدو، ونجاح الجيش الشعبي في عملية تحرير مصوع وإغلاق طريق مصوع عصب البحري وقطع طريق مصوع - اسمرا البري.

حيث كانت مصوع بمثابة صمام الأمان للآلة البحرية الإثيوبية والشريان الذي كان يغذي جيشه بالمؤن والمعدات. إن تحرير مصوع التي هي ميناء إرتريا الأول عبر عملية فنقل التاريخية مس السيادة الإقليمية الإثيوبية وهدد مصالح نظام الدرق وأسياده السوفيت ومن كان يدور في فلكهم ليس في إرتريا فحسب بل وفي المنطقة بأكملها، فأضطر العقيد منغستو هيلي ماريام على الاعتراف مكرهاً بهزيمة جيشه في إرتريا.

Top
X

Right Click

No Right Click