أصول وأنساب المجتمع الساحلي الحضري
بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث
إن هوية مؤسسي مصوع وأصول العائلات القديمة لمدينة مصوع محل تساؤلات يشعر بها المرء ظاهرياً
عند إجراء المقابلات والمحادثات مع أهالي مصوع في الوقت الحاضر، في بيئة متعددة الثقافات استوعبت منذ نشأتها باستمرار كل من الوافدين والأجانب، لذا تعتبر الهوية موضوعاً مهماً. إنها أيضاً الساحة التي تم فيها التنافس بين المفاهيم المختلفة للهوية المحلية الشمولية والحصرية، وتنازعها من خلال التعبير عن خطابات مختلفة عن الأصل والأولوية. إن الطبيعة الاجتماعية والثقافية لمصوع سؤال لطالما فكر فيه أهل مصوع أنفسهم.
وإن ندرة المصادر التاريخية والوظيفة الاجتماعية والثقافية للتقاليد الأصيلة تجعل من الصعب توضيح تأريخ المدن للاستيطان والتركيب السكاني (لحرقيقو ومصوع) في القرون السابقة. وبمرور الوقت تم استيطان إقامة هذين الموقعين الحضريين من قبل الشعوب القادمة بشكل متقطع أو بشكل تدريجي من كل ما يطلق عليه (الإثيو/إريتريا ومن السودان ومن الجزيرة العربية وشمال أفريقيا.
المناقشة التالية توضح لنا أهمية وتعقيد الإدعاءات المختلفة للأسبقية والأصول والأوضاع حيث يكون التهجين متأصلاً في التطور التأريخي للمجتمع. ربما الأهم من ذلك وبغض النظر عن الصعوبة الجوهرية في استخلاص استنتاجات واضحة في حلبة النقاش مثل مصوع، بحيث إن المناقشة تحدد كيف كانت تصورات كل من حرقيقو ومصوع متجذرة بعمق في بيئتهم الخاصة على الشواطيء الأفريقية للبحر الأحمر.
لقد استفادت المجموعات الناطقة بلغة الساهو، وهي في الأصل من سهل (زولا)، لقربها من المرتفاعات وكان لها دور في تأسيس بلدة حرقيقو. بعد ذلك، أصبحت القرية مقراً (لحكم النواب) الذين أقاموا سيطرتهم على الساحل في حوالي القرن الخامس عشر باعتبارها الميناء المهيمن حتى القرن التاسع عشر والمقر الرئيسي للنواب الأقوياء، فيما استوعبت حرقيقو باستمرار الوافدين الجدد من الخارج ومن الداخل الذين كانوا يفدون على الساحل وخدموا بشكل أساسي كوسطاء تجاريين أو وكلاء لتجار الخارج. يقول جوناثان ميران: لقد ذهبت (اطلعت) على قوائم العشائر والعائلات في القرن الحادي والعشرين نشرها السيد دانتي أودوريزي (حاكم مصوع ثم حاكم اريتريا) فيما بعد في عام 1910م، وكانت في (معظمها تتشابه تماماً وتعتمد بشكل واضح على الدراسة المسحية (لفولكي) في عام 1889م، والأخرى التي نشرها محمد عثمان أبوبكر في عام 1994م تعرض معلومات مفيدة وكاشفة عن اتجاهات هيكل السكان المتعدد الأعراق في (حرقيقو ومصوع).
حيث تم جمع القوائم العائلية من المصادر المحلية كما يجب أن تكون على دراية جيدة بالأبعاد الاستطرادية لهذا النوع المحدد من البيانات. وتخضع قوائم العائلات هذه أيضاً للتلاعب وربما استوعبت قائمة فولشي/أودوريزي وجهة نظر نخب مصوع، الذين أكدوا على أصولهم الخاصة من الخارج. ويجب أن تكون المسوحات الاستعمارية بما في ذلك مثل هذه التساؤلات حول الأصول قد بدأت في عملية تخمين أو اختراع أصول من الخيال.
في حين أن المهاجرين الجدد إلى مصوع يمكن أن يشيروا بوضوح إلى أماكنهم الأصلية، فقد طلب من عائلات مصوعية الأكبر سناً أو الأقدم التي قدم بعضها أيضاً من الخارج منذ قرون واختلطوا في المجتمع الساحلي والحضري - أن تأتي بأصولها بدقة.
ماذا يمكن أن يعني ذلك لشخص فقير من عام 1890م في حرقيقو أن يدعي بأن أصوله من البوسنة مثلاً، أو ماذا يعني أن يدعي شخص ثري ومؤثر في عائلة منتاي (هذه العائلة كانت تقيم في حطملو ومصوع وكانوا من الأثرياء) بأن أصوله من مناطق غرب أرتريا بينما يشكل جزءاً من النخبة الحضرية العربية والمعربة؟ من الواضح أن أسماء العائلة كانت حاسمة في عملية الكشف عن الأصول.
فيما يتعلق (بحرقيقو) تؤكد كلتا القائمتين الهيمنة العددية والاحتماعية - السياسية للعديد من مجموعات الأقارب المعروفين في القرية الساحلية، أمثال عائلات، بلو، وبيت الشيخ محمود وغيرها، كذلك الزبير المنحدرة من العشائر الناطقة بالساهو وبيت توكل وقد تمت إضافة مجموعة أخرى تتحدث التجري والعفر إلى هذه المجموعات. بما أن الناطقين بلغة التجري شكلوا الغالبية العظمى بين السكان الأمر الذي جعل لغة التجري طاغية على باقي اللغات.