أغردات عراقة الماضي وأصالة الحاضر - الجزء الثاني والأخير
حاوره الأستاذ: محمود عبدالله أبو كفاح - إعلامي وكاتب ارتري
هل توجد هنالك آثار في اغردات تعود للإستعمار الإيطالي؟
نعم، تتواجد في اغردات العديد من الآثار التي يعود تاريخها للإستعمار الإيطالي حيث ان هنالك مايعرف بقبر طليان في قمة فورتو، وهو قبر القائد الإيطالي الذي حارب الدراويش،وتذكر الروايات بأن احد الدراويش يدعى عبدالله ودأحمد صعد الى قمة التلة بفرسه وقتل القائد الإيطالي بالسيف بعد ان استعصى عليهم صد القذائف التي كان يمطرهم بها من مدفعه المرتكز في التلة، ولايزال هذا القبر حتى هذه اللحظة يحكي عن المعارك الضارية التي كانت تدور رحاها في تلك الآونة بين الدراويش والطليان، اضف الى ذلك يوجد في التلال المحيطة باغردات ايضاً مايسمى ب "دفاعات الطليان في جبل ولت أب برق" وهو الحصن الذي بناه الطليان للدفاع عن المدينة في تلك الفترة.
وماذا عن السياحة الدينية في مديرية أغردات؟
تمتلك مديرية أغردات إرثاً دينياً وزخماً روحيا لايستهان به فهي تحتضن قرية عد سيدنا مصطفى التي تحظى بإحترام وتقدير عامة الشعب لإحتضانها عدد من المشايخ، حيث تقام بها حولية سنوياً ويحرص الناس على حضورها من داخل الوطن كمصوع واسمرا وغيرها فضلاً عن الخارج، فهي بالإضافة الى اهميتها الدينية،تعتبر مناسبة سياحية يجتمع فيها الناس من كل الأصقاع للزيارة والتبرك والإستمتاع بالطقوس التي تصاحبها، كالمدائح النبوية وغيرها.
وماذا عن المرافق الخدمية العريقة في المدينة؟
هنالك العديد من المرافق الخدمية العريقة التي شيدت في مدينة اغردات كمدرسة بركة التي توجد بالقرب من المسجد الكبير والمبنية في العام 1936م، حيث كان السيد حروي تدلا بايرو اول مديرلها، كما ان هنالك بقايا طريق السكة حديد المؤدي الى بيشا والذي بدأ العمل فيه في العهد الإيطالي ولكنه قبل ان يكتمل توقف فيه العمل بمجيئ البريطانيين الذين نهبوا كل معداته.
أضف الى ذلك يوجد مبنى قديم للمحكمة الإيطالية التي أنشأها الطليان إبان حكمهم لأغردات وهو مبنى فريد متصل بنفق يؤدي الى تلة فورتو حيث كان يتم إدخال المتهمين الى تلك المحكمة عبر هذا النفق بعيدأ عن أنظار الناس ومن ثم إعادتهم بذات النفق الى المعتقل بعد إنهاء جلسة المحاكمة، ويحتضن هذا المبنى الآن المحكمة الاهلية لأغردات، وبخصوص المصانع التي كانت تزخر بها المدينة في الماضي مصنع شيشيتا لصناعة الأزرار من ثمار شجرة الدوم الذي أسسه احد اليهود حيث كان يستخدم الغلاف الخارجي لثمرة الدوم في صناعة العلف الحيواني واستغلال الجزء الداخلي في صناعة الازرار وبعد أحداث 1948 في فلسطين غادر المدينة وباعه لأحد الطليان ليستمر المصنع في الإنتاج حتى الستينيات، ومع إعلان الكفاح المسلح وإزدياد عمليات الثورة تم نقلها الى كرن لتواصل إنتاجها بإستجلاب ثمار الدوم من منطقة أغردات وضواحيها، اما شركة إنجابا التي كانت تستخدم أوارق الدوم بعد طحنها في صناعة الوسادات والفرش فلا تزال آثارها باقية أيضاً حتى الآن حيث كانت تحتضن عدد كبير من العمال.
اضف الى ذلك فإن المنطقة التي توجد قبالة مقاهي البن كانت في الماضي مكاناً يربط فيها جنود المستعمر خيولهم عند دخول سوق المدينة، كما ان المنطقة التي تباع فيها الهتش والأكسوسرات حاليا والمعروفة ب "الإسقودريا " كانت مكاناً يبيع فيه التجار السعوديين القادمين من الحجاز بضائعهم المتمثلة في أنواع البخور والعقد وغيرها من التوابل.
اما جامع أغردات العتيق فقد تم بناءه للمرة الأولى في عام 1911م بتبرعات سكّان المدينة والمناطق المحيطة بها، وعندما زار إمبراطور أثيوبيا مدينة أغردات في العاشر من يناير 1956م، تقدم ممثلي سكّان المدينة بطلب إلى الإمبراطور هيلي سلاسي للتبرّع من اجل إعادة بناء المسجد وإنشاء مدرسة ومستشفى بالمدينة، وافق الإمبراطور على الطلب بهدف كسب ود السكان وتم هدم الجامع والبدء في إعادة بنائه في أكتوبر 1956م، ليتم افتتاحه رسميا في صباح يوم الجمعة الموافق الفاتح من أغسطس 1957م و تُعتبر منارة جامع أغردات الأطول من نوعها في إرتريا حيث يبلغ ارتفاعها 40 مترا، وهي مبنية على شكل هندسي غاية في الإبداع،اضف الى ذلك كانت في اغردات عدد لابأس بها من الخلاوي من بينها خلوة عد سيدي وحلة غصب وغيرها وهنالك عدد كبير من طلابها ممن استطاعوا ان يواصلوا تعليمهم في الازهر الشريف بالقاهرة متحملين اعباء السفر الشاقة في تلك الفترة، كما كان هنالك عدد من المداحين ذائعي الصيت في اغردات من ضمنهم السيد عبدالرحمن شفراي وعمر ناشف وغيرهم، ليس هذا فحسب فمدينة اغرادات كان بها عدد من الفنانين في الستينيات من ضمنهم رمضان حاج الذي كان يطرب معجبيه بآلة العود في الأفراح، اما الغناء الشعبي فقد كان سائداً في معظم ارجاءها لاسيما في المناسبات الإجتماعية.
وبخصوص مستشفى اغردات فقد تأسس في العام 1958م ويعتبر من المؤسسات العريقة في مدينة اغردات.
ايضا يوجد على بعد قرابة 7 كلم من مدينة اغردات جسر أثري قديم له حكاية مثيرة للغاية، فقد أوكلت مهمة بناءه في العام 1936 لمهندس إيطالي، وقد اجتهد هذا المهندس كثيراً في تصميمه وبناءه بشكل جيد، وبعد الإكتمال تقرر انتظار فيضانات الخريف لكي يتم تجريبه والتاكد من قوته ومنعته ومن ثم إعطاءه الأجر، ولسوء حظ المهندس إنهار الجسر، وفور حدوث ذلك انتحر المهندس تعبيراً عن حزنه لفشل المشروع، ليعاد بناءه مرة اخرى بواسطة مهندس آخر اسمه فيريرو.
وماذا عن الغطاء الشجري والحياة البرية في مديرية أغردات؟
أشجار الدوم هي الأكثر إنتشاراً في مديرية أغردات لاسيما على ضفاف نهر بركة والدوم شجرة إقتصادية يهتم بها الجميع بالرغم من انها تضررت من عمليات القطع في فترة الكفاح المسلح لبناء الدفاعات وغيرها من الاغراض الأخرى، فكل جزء من اجزاء هذه الشجرة له فائدته المعروفة بدءاً بالثمرة وحتى الاوراق والسيقان والأفرع، وفيما يتعلق بالحيوانات البرية فالمديرية تزخر بالعديد منها كالقرود ودجاج الوادي وحتى الأسود ببساتين منطقة قرعوبل فضلاً عن الغزلان والقنافذ ...الخ.
صف لنا التطور الذي شهدته مدينة اغردات بعد التحرير؟
توسعت مدينة اغردات من حيث عدد السكان والبناء العمراني، فقد كان يبلغ عدد سكانها في بداية التحرير الفين وخمسمئة مواطن وقد وصل الآن الى أكثر من عشرين الف نسمة يعيشون مع بعضهم البعض في إنسجام منقطع النظير، وفيما يتعلق بالتطور العمراني فقد إنطلق عقب التحرير بوتيرة جيدة في المدينة بدءاً بتشييد وافتتتاح البنك وبناء العديد من المحال التجارية في السوق بما في ذلك الفنادق والمطاعم، فضلاً عن مباني المؤسسات الخديمة المختلفة ومكاتب الإدارات والطرق، فضلاً عن المباني الحديثة التي شيدتها شركة سقن والتي اكسبت المدينة رونقاً وجمالاً، وهنالك امل في ان تتطور اكثر في الفترة القادمة من خلال التنسيق التام بين الجهود الشعبية والحكومية.