اول حاكم لمديرية مصوع مفوض الملك الرائد تيوبلدو فولكي
ترجمة الأستاذ: عبدالفتاح محمد احمد دراسي - كاتب وباحث في التاريخ
حتى عام 1889، كانت المستعمرة عبارة عن وحدة ادارية واحدة.
فقط في العام 1890 تم تقسيم البلاد الي ثلاثة مناطق ادارية (مصوع، أسمرة، وكرن) بالإضافة إلى منطقة فرعية مستقلة وهي حرقيقو. في وقت لاحق، و استنادا إلى المادة 68 بتاريخ من 18 فبراير 1894، تم تشكيل المستعمرة من المناطق التي كانت تحت تصرف المفوض لمملكة سافويا الايطالية وهم المفوض الملكي في مصوع وفي أسمرة وكرن وعصب.
كانت مهمة المفوضين والمسئولين صعبة جدا ومرهقة وهي في تخصصات عدة يقول ماسيمو في هذا الصدد كان علي مفوض الشرطة ان يقوم بعدة ادوار الادارة المدنية وتنفيذ العقوبات علي المحكوم عليهم كان المفوضين الاربعة للملك يديرون ثلاثمئات الف شخص في الاقاليم الاربعة علاوة على ذلك، فإن المفوضين، باستثناء مصوع كان لديهم جميع الصلاحيات القضائية بما قي ذلك كقضاة صلح بين السكان الاوروبيين في المنطقة وكان عليهم توفير قضاة في الاماكن التي كان يفتقرون فيها الي شخص يقوم بدور القضاء مثل القضاة المحليين او القبيلة.
كان علي المفوض ايضا ان يقوم بدور المدعي العام ناهيك عن سلسلة طويلة من المهام يقوم فيها بادارة الاراضي المملوكة للدولة وفرض الضرائب علي المحاصيل الزراعية ومراقبة الغابات والمياه وكان المفوض علاوة علي ذلك يقوم بتقديم مقترحات للمفوض العام للملك، ناهيك عن سلسلة طويلة من المهام.
للتأكد من الأراضي المملوكة للدولة وإدارتها، وفرض ضرائب على الزراعة علاوة على ذلك، كان علي المفوض تقديم مقترحات بشأن الضرائب لكل سنة وتنفيذها ودفع المرتبات الي المتعاونين وتحديد المبلغ الشيكات اللازمة لتحديد المبالغ الواجب دفعها للسلطات الضريبية.
كانت تقع علي عاتقهم أيضًا مسؤولًية عن الخدمات البلدية للمدينة، والأمن العام، لهذا السبب خضعت مراكز الشرطة والمساكن لتعديلات مستمرة.
لذلك كان من الضروري تحديد المنطقة المشمولة في اختصاص مفوضية اقليم مصوع في نهاية العام 1889 لفهم تقارير الميجر تيوبالدي فولكي عن الادارة الاقليمية لمصوع يجب ان نمتلك بعض المعلومات عن المفوض نفسه والظروف التي ارتبطت بوجوده في المكان وهذا هوا الهدف من تخصيصنا لمساحة كبيرة كمدخل للكتاب حياته. نجد هناك في الصفحات المخصصة عن قضايا الادارة غنية بتفاصيل تاريخية.
مثلا نفهم من خلال كتاباته عن عمليةانتشار الاسلام في المنخفضات الشرقية ومنطقة الساحل الارتري وايضا الجانب الاقتصادي للبلد بما انه كان هدف للسلطات الاستعمارية معرفة هذا الجانب وايضا عبر ملاحظاته نستطيع ان نفهم كيف استطاع الاستعمار معرفة الشعوب التي تقطن في المنطقة وهي المعرفة التي سماها جياني دورو معرفة ادارة الشعوب او القدرة علي الاستعمار وسيكون هذا هوا قلب الموضوع.
في الجزء الاخير من الكتاب سنتحدث عن الاشخاص الذين كان لهم دور في ادارة المستعمرة منذ بداية الاستعمار حتي عام 1920 ميلادي. مفوضين ومواطنين او اداريين وهي عملية لتقييم النظام الاداري في المستعمرة.
السيرة الذاتية:
وقد قام بتاسيس حامية في المدينة التي كثيرا ما تعرضت لغارات المهديين. بقي فولكي في أغوردات حتى فبراير 1898 على رأس الكتيبة الرابعة، بعدها انتقل إلى المنطقة العسكرية في كرن.
في يونيو 1898، عهد مارتيني الحاكم للمستعمرة حينها إلى فولكي بمهمة انشاء مفوضية مصوع الإقليمية. في المدينة الساحلية بقي فولكي حوالي ستة أشهر. في 26 ديسمبر أنهى مهمته و قام بتسليم مركز الادارة المدنية للمحامي. جوزيبي مانتيا.
خلال هذه الفترة قام بجمع وكتابة تقارير عن المنطقة ستكون هي محتوي هذا الكتاب، عند عودته إلى كرن، كان لديه طموح كبير في الصعود الي رتبة اعلي في مركز الشرطة الإقليمي.
يعود ذلك لحقيقة انه بدا كجندي عادي وفي فترة وجيزة تسلق المناصب بجدارته، ولكن ككل العساكر في الاونة التي عم فيها السلام ككل العساكر لعدم وجود الحرب اصابه الملل ولانه ايضا اعتاد ان يربح ميدالياته من الحرب، ولد لديه ذلك حالة من الاستياء وخيبة الامل، لانه يبدو كان علي قناعة بانه قد توقفت به الترقية برتبة عقيد وقد اعتبر ذلك ظلما من ما تسبب له بحالة من الارق والاعياء النفسي تحول الي معاناة يومية يعيشها العقيد فولكي الذي كان يري امام اعينه ترقية اخرين اعتبرهم اقل منه كفاءة وحين طال به الارق.
في محاولة لتحفيز نفسه وطلب الترقية من مقره بعدي اوقري تقدم بطلب نقله لقوات العسكر وهي قوات خاصة بالارتريين والافارقة عادة ما تقوم بالغزوات تحت امرة قائد ايطالي، في امل الحصول عن ترقية اخري بعد ان انفصل عن القوات في عدي اوقري في عمل شبه انتقامي.
تم رفض طلبه نظرا لاهمية وجوده في عاصمة اقليم سراي ولعلاقاته المتميزة مع الحكام المحليين، وهذا كان يعني حرمانه من المشاركة في القتال على جبل مكرام وتكروف حيث كان متاكدا من انه كان سيحصل علي ميدالية واحدة علي الاقل كل التفسيرات لم تكن مقنعة بالنسبة للمقدم فولكي الذي كان علي قناعة بان هناك مؤامرة ضده لايقاف صعوده وكان يبدو واضحا وقد تفاقمت معاناته بعد وضعه برتبة مساعد بسبب تقدم سنه بعد ثلاثون عاما قضاها في الخدمة بشرف في مزكراته يختزل احساسه بالمرارة في اسطر قائلا، حين يتم عصر الليمون يتم رميه في مكب النفايات والوضع اسواء للسذج الذين يتطوعون للعب دور الليمون.
في 29 يونيو بعد الحاح تم نقل الميجر فولكي الي الادارة المدنية حيث صار المسئول عن مركز الشرطة في مدينة كرن في سبتمبر من نفس العام عاد فولكي إلى إيطاليا مضطرًا لترتيب بعض قضايا الاسرة العالقة منذ رحيله من أسمرة عبر برقية طلب منه أن يتأخير في العودة الي حين اشعار اخر لان معظم الموظفين غائبون في الاجازة، بسبب اصراره في العودة كاد ان يطيح بالحكومة في المستعمرة وهذا ما دفع بعزله وتهميشه وتم البحث عن بديل اخر له لمركز شرطة كرن تركت هذه الحادثة القليل من المرارة لفولكي ولكنه كان قد اعتاد علي ذلك، وحين احس بان بقائه في ايطاليا قد اصبح شبه ابدي كتب لمستشار حاكم المستعمرة الخاص، بيلو باشي يطلب نصحه وحين علم بوجود حاكم المستعمرة مارتيني في مدينة تورينو بايطاليا ذهب للقائه في يوم 1889/12 وحسب قول فولكي فقد طمئنه بانه سيقوم باعادته للمستعمرة فور عودته الي اسمراء بعد تسعة ايام قام فولكي بكتابة خطاب الي الحاكم الذي اعاد وطمئنه.
هذه المرة اتت الاخبار السيئة من روما لفولكي حيث تم رفض طلب ترقيته وظل لاشهر عديدة في حالة من الانتظار القلق والترغب للعودة الي البلاد التي امضي فيها عمره يهيم في قراها ويلتقي زعمائها سيدا ابيض يبجله الجميع ويهابه الكثيرون، تحطمت كبريائه كرجل عسكري حين كتب رسالة الي صديقه. بيكوري جيرالدي، عبّر فيها فولكي عن آلام تلك الأيام: التفكير في الايام التي قضيتها هناك صار يسبب له لعنة الأعصاب ويجعل كل الهدوء الذي أعتدته يسقط ! لا اكتب لك من اجل تغيير الاوضاع، بل لانه بقي لدي عزاء بسيط قد يواسيني وهي معرفة أن لدي اصدقاء يشاركونني احزاني
ظل يتساقط فولكي محطما كبريائه كضابط جيش في كل رسالة يرسلها لطلب العودة الي ارتريا حيث كان يعمل مديرا لادارة الشرطة بمدينة كرن، في مايو 1900 اضطر لإرسال رسائل جديدة لمارتيني ولكن، على عكس الأيام الأولى، لم يعد يهتم الحاكم مارتيني بالرد عليه مما اكد لديه بانه لا يرغب في عودته لمعرفة اسباب هذا الرفض كتب لاصدقائه في ارتريا وقد اتضح له تدريجيا السبب وراء كل هذا العمل وهوا القائم برئاسة مجلس الوزرا في المستعمرة لويجي ميركاتيلي والذي كان علي خلاف معه نسبة لرفض فولكي اطاعته وقد تاكد له لاحقا بان الاخير قد تسبب بمشاكل مع العديد من زملائه لذا وصل الي قناعة بانه ضحية تصفية حسابات.
وبعد أن عانى من سلسلة من الانتقام غير المبرر، تولد لدي فولكي احساس بالوعي والتضامن مع نفسه وادرك بانه قد عانا من عمل تعسفي من اشخاص حاقدين تصرفو معه بانانية وانتقتام غير مبرر وعلي الاقل من خلال العمل الذي سنعرضه في هذه الكتاب سيتاكد القارئ بان فولكي كان شخصا اعطي الكثير لخدمة بلاده والمملكة وكان له دور اساسي في تطوير الخدمة المدنية اثناء توليه القيادة في اغردات، كرن، مصوع وعدي اوقيرو اخيرا قرر الجؤ الي القضاء لرد اعتباره من هذا الظلم لولا نصيحة المحامي الذي كان مطلع علي قوانين المستعمرة وهي قوانين تردع من يشتكي او يستانف ضد قرارات الحاكم في المستعمرة وهي علي حسب اعتقادنا قوانين وضعت ضد المواطنين الارتريين وقد كانت المادة 48 من قانون المستعمر يجرم الاستئناف او الشكوي ضد الحكومة وهكذا انضم فولكي الي القائمة الطويلة من الضباط والعساكر الذين تمت اعادتهم الي ايطاليا دون اي تكريم او شرف بسبب عصيانهم او تمردهم او للانتقام.
ولكن فولكي الذي لم يكن من بين هؤلا بسبب عناده وكبريائه رفض الاستماع الي نصائح المحامي وقد اهانه ان ينتهي به المطاف من حاكم مخضرم في جيش المملكة الي مجرم بسبب تقلبات مزاج الحاكم مارتيني وحكومته وفي لحظة يئس وغضب قرر ان يكتب خطاب يناشد فيه وزارة الشؤون الخارجية و العدالة، "يقول في خطابه على الأقل اخبروني ما هو نوع الخطا الذي أرتكبته، انا ادرك الان بعد فوات الاوان بانني لم اعرف مع من كنت اتعامل".
لا توجد اي وثائق توضح نتائج المناشدة التي بعثها فولكي الي وزارة الخارجية. ومع ذلك، فإننا نعرف أن تيوبالدو فولكي لم يعد قط الي افريقيا لتنتهي تجريته الطويلة بطريقة مؤلمة.
والان يجب علينا ان نري ما الدوافع التي جعلت الحاكم فرديناندو مارتيني يتخلي عن احد معاونيه. في وقتا ما وصل مستشار الملك الي ارتريا بايعاز من ملك مملكة سافويا لتشكيل حكومة مدنية ذات كفائة ومن المخلصين للبلاط الملكي في ايطاليا. واثناء بحثهم عن اشخاص يصلحون للمهمة الجديدة كتب الحاكم مارتيني للجنة يقول فولكي جندي ممتاز وكان بهذا الوصف يوحي اللجنة بانه يبحث عن شخص اخر شخص مخلص في اداء واجبه دون ان اسالة لكنه غير موهوب وغير متميز.
كان لمارتيني راي سلبي حول قوات جيش المستعمرة والذي يختصر بالايطالية RCTC
ومع انه من جانب كان في صالح فولكي معرفته الجيدة بالمستعمرة ولكن من جانب اخر تحولت هذه المعرفة سبب لشقائه بسبب ثقته الكبيرة في نفسه واعتداده بنفسه مثل كل الضباط في تلك الفترة قبل ان يخسر الجيش معركة عدوة التي تسببت في فضيحة للمملكة ولسمعة ضباط الجيش في المستعمرة فاراد الحاكم اعادة تنظيم الجيش من جديد وقد احس كل الجنود القدامي برياح التغيير وقد تمت هيكلة كل القوات وتم دفع الجيش للاعتراف بعدم كفائته وجاهزيته اثناء الحرب وتحمل اخطائه وقد مهد هذا الاعتراف لتغيير جزري في قوات جيش المستعمرة مما دفع ببعض الضباط من المجموعات التي اسست المستعمرة يغادرون الجيش رافضين بالتغيير الذي حدث. اما فولكي فقد قيم العملية تقييم سلبي وقال بانها خطاء فادح يقودنا لنفقد وبشكل تدريجي القوات الضباط الاكثر خبرة ومهارة، اما الشباب الجدد حتي ولو كانو بارعين فانهم بحوجة لوقت طويل قبل ان يتمكنو من معرفة تعقيدات البلاد وخفاياها.
وهذا الوضع حتم علي فولكي ان يدافع ويمثل وجهة نظر المحاربين القدامي وقد قام بكتابة خطاب للجنرال في جيش المستعمرة جيرالدي دي بيكورا والذي بدوره كان قد استعد مغادرة المستعمرة. وجودك الان مهم جدا والا فمن سيتبقي ممن يعرفون الرجال والاشياء مثلك مع كل هؤلا الاشخاص الجدد وعديمي الخبرة وحتي لو كانت نيتهم طيبة من سيقود المركب الي المرسي.
ستتراكم الاخطاء فوق اخطاء مثل عدة مرات في الماضي بينما نحن الان نمر بازمة لتجاوزها نحتاج لاشخاص لديهم المقدرة والخبرة والمعرفة بالاخص للبيئة. في تلك الاونة كان الاحساس العام للجنود القدامي ممن لديهم خبرة طويلة بانهم علي حق في كل شي ولكن مارتيني اول حاكم مدني للمستعمرة لم يكن ليسمح لاحد بان يتسلقه وخاصة هؤلا المحاربين المسنين الذين كان يحتفظ لهم بخبرتهم ويعيب افتقادهم للبراعة والاحساس بالتوازن.
كان مارتيني يصدر كل القرارات من وجهة نظر سياسي متعالي علي العسكر ولم يتردد في قول ان الباب مفتوح للعودة الي ايطاليا لكل من لم يستطيع ان يواكب التغيير. مارتيني كتب في مزكراته يقول لدي قناعة تامة بانه وبجيش من المسنين والرجال الذين تحت امرتي في الوظائف المهمة بما في ذلك الامن العام لن استطيع ان احكم المستعمرة. كلهم مسنين افريقيا كل واحد فيهم يعتقد بانه يعرف كل شئ لوحده ونصيحته هي الصح فقط.
كانت معاناة مارتيني كبيرة مع هؤلا العسكر وقد قرر الحاكم الجديد ان وجودهم في ايطاليا سيكون افضل من وجودهم بقربه وقد كتب يقول في زمن الحرب ربما نقوم باعادتهم ولكن في وقت السلام من الافضل ان يبقو في ايطاليا لانهم هنا بسبب ادائهم لواجبهم بطريقة متفردة ومساهماتهم في بناء المستعمرة، او بسبب تواجدهم الطويل يعتقدون ان بامكانهم القيام بكلما يخطر ببالهم دون قيود في وقت نحتاج فيه الي التنظيم.
كان مارتيني يقصد في معركته ضد العسكر كبار الضباط وفولكي كان احدهم. في مذكراته يكتب مارتيني عن فولكي ليبرر سبب خيبته قائلا ذات مرة بعث لي الرائد فولكي بتلغراقف من كرن حيث كان يعمل كمفوض كتب يقترح ان نقوم بعمل عصابة متحركة موازية للعصابات التي لم تستطيع مقارعتهم الكارابينيري وهي شرطة الجيش وفي هذا تقليل واضح من قدرات الجيش حسب مارتيني.
وقد اقترح ان يكون علي راس هذه العصابة المكونة من عشرون فرد واحد اسمه فتوراري ايني. وهو شخص قد خدم مع جيش المستعمرة لوزباشي سابقا وقد اقام في عدوا بعد ان تم طرده من احد القادة الذين خلفوني في الوحدة. وقام فولكي بالتواصل مع قائد عرزا ليساله عن ايني فقال بانه شخص فاشل ولا يعرف اي شي عن المنطقة واثناء الحرب قام بادخالنا الي دفاعات العدو في عدوا بينما كنا نعتقدا بانه مازالنا في اكلي قوزاي.
حينما كان فولكي مسئولا عن اقليم كرن زار مرتيني المدينة مرتين في العام 1898 في ومايو وفي مارس في العام التالي وفي المناسبتين استطاع مارتيني ان يراقب فولكي من قريب وكتب عنه قائلا. اغادر المدينة وانا علي قناعة بان اول شي يجب القيام به هوا ان ابعده من كرن. هوا من الضباط الاكفاء وقد شارك في كل معاركنا في افريقيا من عسكري بسيط وصل الي درجة مفوض. ولكنه شخص متسلط ومتطفل لا يتقبل اي راي الاخرين ويبالغ في افعاله وردة فعله.
ليس هذا فقط وصل الرد سلبا من وزارة الحرب في روما علي طلب الترقية وذلك بسبب السن. يقول سوف اقترح عليه وظيفة مفوض لمصوع واذا رفض سنقوم بذلك من دونه. كان هناك مشكلة لا تساعد فولكي في الترشح للعب دور في الاادرات المدنية وهي الوظائف التي كان يشجع عليها مارتيني كبار السن في الجيش غير ان فولكي كان في سن لا تسمح له بالمنافسة مع هؤلا. كان المرشح المثالي لمثل هذه الوظائف الشباب برابة نقيب نشط وذكي ولديه احترام للرتب الاعلي منه.
هذه الصفات للعجوز المتمرد كانت هي العدو الاول امام مارتيني وقد ظهر ذلك واضحا في عدم حماسه حين تم اختياره لفترة ضمن المقربين وهذا الفتور وخيبة الامل لدي فولكي كان له تاثير سلبي علي بحوثه. والتقييم الذي قام به مارتيني لم يكن منصفا اذا ما راينا الدراسات والبحوث التي كان يجريها هذا الضابط العجوز.
وقد تناسي مارتيني وهوا يصف فولكي بالمتطفل والمتسلط ان هذا الضابط بالاضافة الي اعماله الادارية مثل كل الضباط كانت له دراسات وبحوث يقوم بها بشغف ولم يكن هذا عمل هواة ولكن بحوثه كانت وفق نظام عمل احترافي لجمع المعلومات حول العادات والتقاليد في ارتريا ولم يكنعمل مصادفة ولكنه عمل خطط له جيد ويتبع نظام جمع معلومات تاكدنا من مصداقيتها لتقف اليوم اعماله تدافع عنه وتتحدث عن حقوقه في الترقية وفي العودة ويظهر جليا ان عدم عودته اثر بطريقة مباشرة علي بحثه حول قبائل الباريا والبازا الذي لم يستطع اكماله.
وقد توقف بحثه ايضا حول مفوضية كرن التي عمل فيها مفوض. المعروف ان الكثير من الجنود المسنين الذين عادو لوطنهم امضو ايامهم الاخيرة في عزلتهم يكتبون مزكراتهم الا ان فولكي كان قد امضي وقته يسارع للعودة حتي حتي فبراير في العام 1899 اعترف بانه قد فقد الرغبة ولم يعد يهمه شي. ويبقي هذه خسار كبيرة كان سيحدثنا فيها فولكي عن الايام التي امضاها مفوضا لمصوع ومن ثم لكرن او تلك التي امضاها بين قبائل البازا والكناما.
الاستعمار والمعرفة:
تعني المعرفة وكل عملية استعمار تفرض عليك عمل معرفي. ايطاليا اتتا الي افريقيا بفكرة خلق حكومة محلية مباشرة، باعتقاد ان ذلك سيسهل عليها الحكم من ثم نقل السلطات المحلية اليها عبر الاداراة الاستعمارية. المصاعب التي واجههتهم جعلت السلطات الاستعمارية من ما اضطرها ان تستبدل فكرة نقل السلطات اليها الي فكرة التعاون حتي ولو اننا نعرف بان ذلك كان باشراف المستعمر.
وبهذه الطريقة تحول تحول السلطات المحلية والسكان الي اداة استعمارية سماها الجنرال ايرما تاديا عملية ممارسة التعاون المستحث. المنطق لهذه العملية يقول يجب علي المستعمر عدم الدخول في اي صراع مع السكان وجعلهم يعتقدون بانهم يحكمون بلادهم وجعل فكرة المقاومة سخيفة وغير مقبولة من السكان.
تمت عملية التحول بطريقة سريعة ولكنها لم تكن سهلة لان عملية اختيار القادة والزعماء عملية معقدة تستوجب البحث عن توازنات قبلية ومراعاة اهلية الشخص وايضا افكاره السياسية وما اذا كانت مناهضة للاستعمار ام لا وايضا انتمائته القبلية. في المفهوم السياسي الايطالي عملية الحكم المحلي لم تعني ان يكون للمجتمعات المحلية الاستقلالية السياسية ولكن تعني عمل دقيق لاختيار زعماء للقبائل ودراسة امكانية توجيههم لمصلحة الاهداف الاستعمارية، من هنا برزت الحوجة لفهم المجتمع المحلي ودراسة الاشخاص الذين سيتم ترشيحهم للعب دور في المستعمرة وايضا فهم التركيبة العرقية والثقافية للسكان.
وفقط بعد هذه ادرسة يمكنهم فرز واختيار قادة محليين موثوق بهم، ولهذا ان العملية التي يتم بها اختيار الممثل سبقتها دراسة الموظفين الايطاليين لنسب زعماء وقادة القبائل وايضا دراسة انساب القبائل وقد تحولو الممثل للاستعماري الي ما وصفه عالم الانثربولوجا حينها جياني دورو الي موظف دراسة الانساب وكان يقوم بعمل شجرة الانساب ليعرف التداخل ولفهم القبائل التي تقطن في المنطقة والقبائل التي يسميها قبائل ذات نسب عريقة ولكن حتي عملية دراسة النسب لم تكن عملية نزيهة ودراسة محايدة.
فالموظف الذي يقوم بدراسة الانساب كان عليه ان يتعامل مع القصص المتداخلة للقبائل التي ترغب في التوسع وفي اراضي الاخرين تروي قصص عن الماضي وتاريخ لنفسها لايطابق الواقع. وهنا يقول جان دورو اثنا لقائته بالقبائل، كان زعماء القبائل يصنعون وقتهم وتاريخهم الذي يناسب متطلباتهم وطموحاتهم التوسعية في اراضي الغير.
ولهذا نجد حتي في عمل فولكي هناك مجهود جبار لفهم التداخلات في الانساب وعدم الوقوع في فخ البطولات، وقد تم ترشيح بعض الشخصيات في المنخفضات قبل دراساتها من ثم تم التطرق لماضيها وذلك بغرض عدم ربط الانساب بالمناصب التي سيتولونها. ولهذا فان الغرض الاساسي كان فهم الانساب وليس تطوير الانساب كما فهمها البعض وقد اتضح جليا ان هناك في حالات كثيرة بان القبائل المحلية تستند الي وقائع تاريخية متشابهة او قد يستعين البعض بمخيلته ولهذا نجد في عمل فولكي اعادة تصحيح كثيرة لوقائع وانساب قامت القبائل بتصحيها بنفسها بعد نقاشات وحوارات عديدة مع ممثلي الادارات المختلفة.
لهذا كان لامتلاك سيادة البلاد كان يتوجب معرفتها معرفة دقيقة. وقد بدات القوي الاستعمارية في تاسيس نفوذها في الاراضي الارترية ما يعني الانثروبولجيا التطبيقية.
الخطوة الاولة كانت تحتوي علي تعريف وتحديد الاراضي التي تتكون منها المحليات والمديريات من خلال رسم الحدود الوطنية للبلاد وبعدها تبدا عملية تصنيف السكان والموارد المتاحة في المناطق المستهدف من المشروع الاستعماري.
عملية تبدو محايدة خارجيا ولكنها كانت تفرض اعادة هيكلة المجتمعات المحلية وتقوم فرض نوع جديد من التعامل بين افراد هذه المجتمعات. وقد كان الموظف يشارك في تاسيس وتشكيل منطقته الادارية التي سيقوم بادارتها والذي كان في الغالب يواجه متاعب عدة نسبة لتداخل الحدود القبلية.
ومعرفة التركيبة السكانية تبقي معرفة الاراضي التي تتبع لها وكانت في الغالبة تتوقف علي شخص الموظف وهي عملية يجب ان تتناسق مع محيطها من ظروف و يقوم الموظف بضم بعض اراضي او ازالة بعضها من المناطق الواقعة تحت ادارته واضعا في الاعتبارعدة عوامل منها الاحتياجات الادارية والظروف المحيطة وبذلك تكتمل عملية دراسات السكان لغرض واحد هوا التمكن من اعادة تعريف وتوزيع المستعمرة من اجل السيطرة عليها وقد تم هذا ارتكازا علي الحكم غير المباشر اي عبر الادارة التقليدية والتي غالبا ما تم تقديمها كهيكل صلب وقوي يستطيع مواجهة اي تغيرات فالقبلة هي نتاج متغيييرات عدة ولم تكن تاريخها وارتباطها بالمكان يصمد حين نضعه في الميزان ولم تكن لتفوت هذه النقطة الحاكم الايطالي لانه غالبا ما كان يقوم بنفسه بتغييرودمج شجرة الانساب لبعض القبائل.
في العام 1896 قررت الحكومة جمع القعسو مع عسا لوفيشاء فرع موسي ابقو. في التالي تم جمع بيت فقيه في قبيلة واحدة.
في العام 1897 سمحت السلطات لبيت اداء باقمة قبيلة مستقلة وبزعامة خاصة بها بعد ان كانت تمثل جزء من ليلش وفي العام 1900 قامت عوائل الدبريميلا المسيحية بطلب للسلطات لاقامة قبيلة خاصة بهم وقد تمت الموافقة علي الطلب وقامو بالتوافد ولاجتماع في مكو كما يكتب الدو براندينو في مذكراته. في العام 1910 كان الرفض سلبيا بالنسبة لطلب كتابوت ابوسا كي تشكل قبيلتها الخاصة.
كل هذا العمل يوضح لنا كيف ان دراسة المناطق تحولت الي عمل لاعادة هيكلة يكون فيها للحاكم الاداري هامش كبير لاختراع تقاليد وثقافة للمجتمعات، عملية كان يبحث ويدرس التقاليد الموجودة ليجد نفسه امام فرصة اعادة تشكيل المجموعات والتدخل بكل المستويات بحيث يشكل مجموعات تستمد شرعيتها من الاستعمار وبدوره يستفيد من اخلاصها في الحقيقة في هذه المرحلة كان للحاكم الاداري دور اشبه بدور اعادة تشكيل المجتمعات وهيكلتها بحيث يتم من خلالها اختيار الافراد الذين سيخدمون المصالح الاستعمارية، في نفس الوقت تمت مراعات وفهم الاعراف بطريقة دقيقة جدا وذلك بغرض استخدامها لتبرير التعديلات التي سيقوم بها الحاكم. لتقوية سلطته الاستعمارية واستبدال الطرق التقليدية في الحكم اي حكم زعماء القبائل واستبدالهم بمواسسات حديثة. وللقيام بهذا العمل تمت الاستعانة بالهياكل التاسيسية للنظام العرفي لكل قبيلة وتحليل البيانات التي تم جمعها.