الطبقية أو الفئوية في المجتمع المصوعي في القرن التاسع عشر - الحلقة الخامسة والأخيرة
بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث
بِسْمِ ٱللّٰهِ ٱلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الأشخاص الأكثر ثراء والمحدثين الثراء: في الوسط التجاري في مصوع، أن النجاح في جمع ثروة
كان يعتبر مسألة محورية أو حيوية في تحديد المركز الاجتماعي.
الثلث الأخير من القرن التاسع عشر شهد إنبثاق أو نشؤ طبقة من المقاولين أو المستثمرين في مصوع - في الأقلب كانوا من الحضارم ومن شبه الحزيرة العربية ومصر حيث أصبحوا أكثر ثراءاً أو رخاءاً من العائلات المحلية المصوعية.
أن التوسع التجاري حافظ على نمو وتطور ميناء مصوع، مما أعتبر تهيئة واستعداداً لمرحلة إنشاءات ضخمة شهدتها المدينة، وكانت مؤشرات فرص موعودة للمستثمرين في مجال تجارة العقار وغيره. في أواسط عام 1880م. ذكرت بعض المصادر بأن (عرب مصوع) سيطروا في تجارة الجلود والعاج وعرق اللؤلؤ وأمتلكوا منازل فخمة شيدت من الحجر المرجاني الأحمر المستخرج من أعماق البحار. وكانوا يتحكمون أو يسيطرون على حركة المواصلات من وإلى الميناء.
التجار والمقاولين الحضارم استقروا في مصوع - أحياناً من دون عائلاتهم - لمدة عقد أو عقدين وأصبحوا رأس ماليين من خلال شبكة اتصالاتهم المرنة ومستوى عالي من النشاط بين مواني البحر الأحمر (لحيّه، حُديدة، عدن، جدة وسواكن ...الخ) وما أبعد من ذلك الى المحيط الهندي.
الحضارم الذين تمكنوا من جمع ثروة ضخمة في مصوع بازرعة وباجنيد:
أفراداً من عائلات بازرعه وباجنيد في مصوع كانوا من ابرز الذين ركبوا موجه الإزدهار الاقتصادي في قطاع العقار بمصوع، على الأقل خلال عام 1860م. وبهذا أصبحوا مثالاً للعمل الجاد والدؤوب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وفقاً لما ذكر في سجلات المحكمة الإسلامية بأنهم جاءوا إلى مصوع من دون عائلاتهم (نسائهم وأطفالهم).
محمد عمر بازرعة كان واحداً من عدد من التجار في مصوع الذين جمعوا ثروة مقدرة ونشطوا على تصدير البضائع من ميناء مصوع إلى مواني أخرى. على سبيل المثال في 12 أكتوبر عام 1860م بان احدى مراكبه تعرضت للحجز والمصادرة من البحرية المصرية بالقرب من مرسي تكلاي بين مصوع وسواكن بسبب الشبهة أو التهمة التي ألصقت بها بالنظر إلى أنها كانت تنقل تموين إلى الثورة المهدية في جنوب سواكن (حيث كان ينشط الشيخ عثمان دقنه). أما حمولة القارب فكانت كالآتي:-
300 كيلو غرام من الأقمشة القطنية و 190 كيلو غرام من زعانق السمك و 200 كيلو غرام من مادة الراتينج RESIN (مادة صمغية تدخل في صناعة الأدوية وصناعات أخرى. و450 كيلو غرام من الرز و 450 كيلو غرام من التمر و 18 كيلو غرام من الصمغ الحبشي و 18 كيلو غرام من القفازات و 450 كيلو غرام من الدقيق و 213 كيلو غرام من الصمغ والبخور و 322 كيلو غرام من خشب السندل و 213 (تالر نقداً - التالر عملة المانية كانت تستعمل في العهد العثماني) مجموع قيمة الحمولة 3,766.25 ليرة (حوالي 890 تالر).
تاجر آخر بارز عبدالله عمر بن سعيد باجنيد مع ابنيه محمد بن عبدالله وعمر بن عبدالله وكذلك مع اثنان من أفراد العائلة يعتقد بأنهما كانا أبناء عم الشيخ عبدالله باجنيد وهما عمر بن احمد باجنيد وعلى بن أحمد باجنيد.
كانت أحد العائلات الحضرمية التي إنتشرت أو توزعت عبر المحيط الهندي في أوائل القرن التاسع عشر من جدة إلى سنغافورة وجاوي حيث كانت جزء من النخب العربية في المنطقة. أن عائلة باجنيد لم تكن من نخب السادة الحضارم وان بعض من أفرادها حققوا او أحرزوا مواقع التأثير في مصوع. على سبيل المثال عمر بن أبوبكر باجنيد الذي تلقى تعليمه في مكة المكرمة في أواخر القرن التاسع عشر وفي أوائل القرن العشرون. أن تاريخ تأسيسها في مصوع من الصعب معرفته بالنظر إلى أن المصادر المتوفرة لدينا قليلة، ولكن أن ما نعرفه بأنه في عام 1858م بأن على باجنيد أصبح وكيلاً للتاجر الهندي (فرح يسر) الذي كان معروفاً كأول تاجر في جدة الشيخ عبدالله باجنيد أشترى عقاراً بمبالغ كبيرة ما بين أواخر 1860م وعام 1880م في مصوع. عبدالله باجنيد وأقربائه اشتروا مباني ومحلات ورواشين بمشربيات وشبابيك خشبية مزخرفة على الطراز الشرقي كما اشترى مراكب لاستعمالها للملاحة وكان ذلك مابين 1868م و 1888م.
عائلة باجنيد قامت بإنشاء مباني ومحلات على الأراضي التي اشترتها أو استأجرتها من بعض المواطنين، كما اشترى بعض الممتلكات من العائلات التي فقدت عائلها أو كبيرها ثم قسمت التركة بين الورثة وأصبحت العائلات غير قادرة على الإحتفاظ بالممتلكات نظراً لحاجتهم على مواجهة متطلبات الحياة الضرورية. كما أن بعض الممتلكات بيعت على المزاد (في الحراج) بأسعار بخس أو زهيدة وكان ذلك بواسطة تجار من النخب المصوعية التقليدية أمثال: عدولاي، حمودة، منتاي، شنيتي، صايغ ومنصور وغيرهم.
في عام 1882م-1883م عبدالله باجنيد كان معروفاً لدى الإيطاليين كتاجر بارز ووجيه، كما عين مساعداً للقاضي في المحكمة المحلية في 1893م كما كان أبنه عمر عبدالله كان معروفاً كتاجر لاستيراد الأقمشة وتصدير البن والعاج. في عام 1898م صنفه حاكم مصوع السيد مارتيني MARTINI بالتاجر رقم اثنين في مصوع بعد السيد احمد أفندي الغول.
أن مسألة بازرعة وباجنيد كانت مثالاً للتجار الذين تمكنوا من جمع ثروة ضخمة في فترة النشاط التجاري وتوظيف أموالهم في مشاريع متنوعة. وأنهما كانا قادرين في تسوية وتنظيم نظام البحر الأحمر التجاري عصرياً أو متطوراً، وتحويل رؤوس أموالهم على توسيع الشبكات الحضرمية في كثير من مواني البحر الأحمر وما أبعد من ذلك.
كان هناك تجار آخرون تمكنوا من تحقيق ثروة خلال تلك الفترة. أن ثروة عائلات الغول ونهاري لم تكن أقل من تلك التي كانا يملكانها بازرعة وباجنيد.
في عام 1901م كانت هناك 255 مركب أو زورق مسجلين في مصوع ودهلك وحرقيقو. أبرز الملاك كانوا: الغول، عباسي، باجنيد، حمودة، شنيتي، باطوق، نهاري، باعلوى، هلال. وفي عام 1908م تقلص نصيب الملاك المحليين بحيث أصبح نصيب كل تاجر كما يلي:-
17 زورق للـــغـــــول، 8 زورق لصـــــافي، 5 زورق لباطوق، 4 قـــارب لنهـــــاري 2 زورق لعدولاي، 2 زورق لشنيتي، وواحد لكل من حيوتي وهلال وعباسي وباحمدون وآخرون.