قال الشاعر عبدالرحمن سكاب في قصيدة - المهد
بقلم الأستاذ: يبات على فايد - شاعر وكاتب وناقد
أيُّها السَّائل عنَّا إنَّنا عربُ المهدِ ومهدُ العربِ
نحن أطلقنا تباشير الضحى وأعدنا الدهر إيقاعاً صبي
غٍن يا أيلول لليوم الذي قلد الغبراء تاج الكوكبِ
لاح نجماً والدراري جنده دونه كل دراري الشهبِ
أترع الجوزاء من صهبائه فانتشى ركب الهوى والطربِ
ما أحيلاه كريماً غالياً ماحقاً ماضي الأسى والكُرَبِ
الأبيات من بحر الرمل، ذي التفعيلات فاعلاتن فاعلاتن فاعلن، وكساب شاعر مُفَلَّق، والمُفَلَّق هو الذي يأتي في شعره بالفلق، أي العجب، اتسم كل شعره المتاح بالقوة والجذالة، كما انفرد من بين جيله بقوة الطرح، وسلاسة الجرس الموسيقي، إضافة إلى تفرده بالأخذ من عميق اللغة العربية، وذلك لطول رشاه الذي يلامس بعيد اللغة ومكنونها. مما ينبي عن شاعر جد مطَّلع.
لا يرهق سكاب نفسه وإنما يغرف من بحر الشعر بكل سهولة ويسر في حالة يحسد عليها حقاً. اتسمت أبيات سكاب المختارة أعلاه بالقوة والفتوة، وربما استمدت هذه القوة من لهيب الثورة الإرترية، وتألقها في نفوس أبنائها آنذاك، إذ كانت هذه الجذوة في ريعان شبابها، وباكورة حرها، وكانت أشبه ما تكون بأمل الطفولة، وتطلع الصبا، وجرأة الشباب وحماسه. ولعلي ألقي الضوء على شيء من قوة هذه الأبيات متمثلة في محاورعدة فأبدأ بتفسير بعض المفردات والتراكيب:
- المهد: الفراش، ويعني به هنا الأرض
- أيلول، هو سبتمبر، وهو ما يوافق انطلاقة الثورة الإرترية الباسلة
- قلد: قلده الشئ وضعه عليه، أو ألبسه إياه.
- الغبراء: الأرض عامة.
- تاج الكوكب: أراد بها انطلاق الثورة الإرترية.
-لاح نجماً: ظهر، وبالنجم يعني القائد حامد إدريس عواتي، مفجر الثورة الإرترية المسلحة
- الدراري حوله: يعني رفاق عواتي من الرعيل الأول.
- الدَّرَارِي: دَرَارِيُ النجوم عظامها، والواحد دُرِّيٌّ نسبة إلى الدُّر.
- الجوزاء آخر بروج الربيع، وهو الداخل في الصيف، والجوزاء لغة هي الشاة يبيض وسطها، والجوزاء نجم يقال إنها تعترض السماء أي تتوسطها. فهو يصفهم مرة أخرى بالبياض والظهور.
- دونه: أي دون منزلته
- أترع الجوزاء من صهبائه : أي ملأها من خمره.
- انتشى: سكر
- ماحقاً: طارداً ومجلياً
مواضع قوة النص:
- صيغة النِّداء الدَّاعية إلى الالتفات والوقوف لسماع هذا النَّبأ.
- التشديد ا لمؤدي إلى الإدغام والذي تكرَّر أربع مرات في صدر البيت الأول.
- التكرار في قوله "عرب المهد ومهد العربِ، حيث لم يأت به للتكرار الفج، بحثاً عن القافية؛ وإنما أراد أن يثبت لممدوحه ورفاقه الأصالة في العروبة نسباً، ثم عطف بتأكيده أنهم أصالة يعيشون في أرض هي خاصة العرب.
- الفعل الماضي في قوله: " نحن أطلقنا، أعدنا"، والذي يعطي الفخامة في "نحن" والقوة والثقة والسلطان في ضمير جماعة المتكلمين "نا".
- فض ظلمة الليل بإطلاق تباشير الضُّحى - بروز الإيقاع في استخدامه لكلمة "إيقاع" ذاتها بما لها من دلالات حركية وسمعية، ووصفه هذا الإيقاع بالصبوة والفتوة والقوة، في توفيق رائع لهذه المناسبة التي كتبت فيها هذه القصيدة، ألا وهي انطلاق مارد الثورة، باسم "جبهة التحرير الإرترية."
- التنوين المفتوح في قوله: "كريماً غالياً ماحقاً" يترك أثراً فاعلاً، نتيجة الجرس الموسيقي للنون الساكنة ويوقظ النائم وينبه الغافل.
أخذت على الشاعر في هذه الأبيات وقوفه على "صبيْ" بالسكون، في آخر البيت الثاني مما يوحي ببعد هذه الصفة عن النصب، وهو حقها؛ لانتصاب موصوفها "إيقاعاً"، ويمكن الخروج من هذا المأخذ إذا اعتبرنا "صبي" مرفوعة بمبتدأ محذوف تقديره "هو" وإن كان التأويل بعيداً. ولا يظننَّ أو يتأولنَّ متأولٌ أنها حرفت من "إيقاع صبي" إلى "إيقاعاً صبي"، وذلك لمخالفة صيغة المضاف والمضاف إليه الرقيقة لهذه الصيغة القوية المجلجلة في كل الأبيات.