حسين محمد علي نموذج للفن الثوري الملتزم
بقلم الأستاذ: إدريس همد آدم ( أبو غسان ) لندن
تعج الساحة الفنية الارترية بالكثير من الفنانين الذين اشتهروا بادائهم الرائع وقدرتهم على التطريب،
فاصبحوا رموزا وطنية يخلدهم التاريخ، وبما ان الحالة الارترية فريدة من نوعها لطبيعة الظروف التي مرت بها ارتريا نفسها اخذ الغناء الثوري الحماسي الاولوية وتصدر المشهد الفني، فمنذ تشكل الكيان الارتري وتوقف الحرب الكونية الثانية لتبدأ مرحلة تصفية المشتعمرات لم تستقر ارتريا لتزدهر الفنون وتنمو في ظروف طبيعية، فمرحلة الاربعينيات من القرن الماضي كان الحراك بين مكوناته الاجتماعية والسياسية منصبا في ايجاد الكيان وتثبيته، وكان الفن حاضرا وجيل الاباء يتذكر الراحل اتوبرهان سقيد واغنيته المشهورة "اسلاماى كستاناى دقي قولا دقا نمخري ظلائي ايتهبو واقا".
وقد استمر الحال بعد ذلك حتى تفجر الكفاح المسلح في الفاتح من سبتمبر من العام 1961م بقيادة الشهيد حامد ادريس عواتى تحت راية جبهة التحرير الارترية التي كان قد سبق تأسيسها في العام 1960م بالقاهرة، ومن هنا يمكن ان نقول ان المزاج الارتري كله تحول الى الثورة ومتطلباتها والفن كان واحدا من هذه الادوات النضالية، ونقصد بالفن هنا كل انواع الفنون المعروفة للجميع واشهرها الشعر والغناء وهو مسار تناولنا في هذه العجالة.
ان النضال الثوري الذي انتظم الساحة الارترية كانت ادواته متعددة فاذا كان حمل السلاح في وجهة المحتل الاثيوبي اعلى درجاته فان الادوات الاخرى لم تكن اقل شأنا منه، ويمكننا الاستدلال بالريف الارتري الذ احتضن الثورة وحماها وقدم لها كل ما يملك من مأكل وملجأ بل كان عينا ساهرة لحماية المقاتلين الذين كانوا قليلو العدد والعدة انذاك، وعلى الرغم من ذلك كانت الفتيات في الريف يلهبن حماس الشباب بالاغاني الحماسية التراثية منها والثورية وكلنا يتذكراهازيج الفتيات في البادية "حليب ستى حقات دبط انا وعدردى..مأمور قل نوديقا كم ود هبتى" و "عبدالكريم مطأ سني فالو..ساتر ايأمرو اتكارارو" والفنان ود با عيسى الذي تغنى بالثورة مطالبا الشباب اللحاق بجيش التحرير "ردؤ ردؤ أباى هلا ديب عدنا ربي شرو لكلأنا" وفرقة اسمرا الفنية التي انتمى اليها المناضل حسين محمد علي مبكرا كانت هى الاخري تقدم الكثير من الاغاني ذات الطابع الثوري كالفنان الكبير الامين عبداللطيف وعثمان عبدالرحيم وبرخت منقستاب وغيرهم، والاستاذ حسين محمد علي تتلمذ على يد هؤلاء العمالقة والقامات الكبار في فرقة اسمرا الفنية وبدأ بتقليد بعض اعمال الكبار من الفنانين و وكذلك الاغاني التراثية مثل "قرساى ولي انقرنى جرادينو كلسا".
وفي تقديرنا ان الاستاذ حسين تأثر بنشأة الريف في قرية عدردى التي عاش فيها ردحا من الزمن مع عمته تلك القرية الوديعة التي لاتبعد عن حاضر المديرية الغربية أغردات كثيرا والتي ارتبطت بالعمل الوطني منذ اول حراك سياسي بالاضافة الى النشأة الدينية وتعلقه باناشيد المديح حيث ان سكان تلك البقعة صوفيو النزعة وخاصة الطريقة الختمية المنتشرة في كل من ارتريا والسودان.
عند التحاقه بجيش التحرير الارتري في منتصف السبعينات من القرن الماضي ساهم مع رفاقه المناضلين في تأسيس الفرقة الفنية للتعبئة والتراث وكانت بصماته واضحة حيث كان يقرض الشعر بلغة التقرايت وكانت انشودته الشهيرة "شعب ارتريا صبر ودى عوتى اقل تلبس تو عدك تأتى تاريخك ايبدى" وهى من تأليفه وتلحينه وادائه، وكانت ايضا "سمياويت منديرانا" بلغة التقرينية وكان تعاونه المميز مع الراحل رمضان قبرى الذي اثمر عن اول عمل بينهما انشده في الفاتح من سبتمبر1977م في مدينة اغردات المحررة "ارتريا سمعكومو فالا مدر ثورت قندل هلا ابطالا" ونظم له القائد الشهيد حامد محمود حامد احد ابرز القادة العسكرين لجيش التحرير انشودة "كورياينا وبعل نواينا امعل لمسل قسينا قومات سنيت قمينا".
وكانت اللغة العربية حاضرة في فن المناضل حسين محمد علي فابدع عندما شدى بانشودة للمناضل ابراهيم ادريس توتيل فك الله اسره انشودة "ثرنا من اجل مصلحة الملاين" وللراحل المقيم محمد عثمان كجراى جبهة الصمود "ارتفعي يا راية الكفاح بشارة التضامن الموروث بين العامل المبدع والفلاح" وللراحل المقيم عمر جابر عمر "صامدون ماركعنا يوما ولن نركع".
والتزاما بقضايا وهموم شعبه تفاعل مع رغباتهم فكانت الانشودة التي استهجنت الصراعات التي كانت بين قوى الثورة معتبرا ذلك من اجل السلطة فانشد يقول "سوبور لقبأ لكراسي ولا لاب كرسي لحلم سميتو انكرى شعبنا لظلم"، مازال المناضل حسين متفاعلا مع قضايا الوطن ويرى ان مايجري في ارتريا حاليا انتقاص من كرامة المواطنين الذين ضحوا بفلذات اكبادهم من اجل تحرير التراب ومازالوا يناضلون من اجل اتمام الشق الاخر من اهداف ثورته والمتمثل في تحرير الانسان ولهذا نجده منخرطا في النضال من اجل التغيير في ارتريا وبصماته واضحة في هذا الشأن، صدرت له عدة اعمال وكان اهمها عمله الذي صدر في شريط فيديو باسم (تم.. تم) ضم مجموعة من اعماله الفنية وتضمن الى جانب انشودة (تم) بكسر التاء بالتقرايت "مي رئكا تم.. مي سمعكا تم..من تتهاقى افوكا انلقم" والتي ترمز الى تكميم الافواه في ارتريا عملا اخر بالتقرينية يقول مطلعه "سقلا بلع ايتقلع" وها هو اليوم يتصدر عمله الجديد تحت عنوان (كلنا ادال) المواقع الاسفيرية ومنصات التواصل الاجتماعي الارترية.
ادال الجبل الشامخ في غرب البلاد الذي شهد ميلاد الكفاح المسلح رمزا وطنيا تتضاءل امامه كل العبارات والاوصاف، وفي تقديرنا اراد المناضل الوفي لمبادئه تذكير الاجيال بتضحيات الاباء وثمن الحرية الغالي الذي كان مهرا لها.
وتحضرني هنا ابيات من قصيدة كانت تترنم بها فرقة عواتى التابعة لفرع الاتحاد العام لطلبة ارتريا بسوريا للاخ والزميل أحمد محمد داير:
لعواتى والعرعيل منا مليون تحية
حملو الروح على الاكف وضحوا للقضية
في ادال بدأوا التاريخ
حملوا البندقية
حق شعب يتحدى يتمسك بالهوية
التحية للفنان الكبير حسين محمد علي لما قدمه ويقدمه من اجل شعبه ووطنه.