قصة أبو محمد وإدريساي ود همد

بقلم الأستاذ: عبدالعزيز إبراهيم العامري - كاتب وفنان تشكيلي

في قديم الزمان، عاش رجل في منطقة يأكارع يقال له ابو محمد (أب محمد)، كان ابو محمد شجاعاً

أبو محمد وإدريساي ود همد

سريع الانقضاض على الأكماءِ اذا حقَّ اللقاء.

ولكن الجبناء من أهل قريته، كانوا يغتابونه في ظهر الغيب فينعتونه بالشر قائلين (إناس لشرار)، إلا أن هذا الذم لم ينقص من سمعته قيد انملة.

توفي أبو محمد بعد أن تجاوز سن النبوة، فوصل نبأ وفاته إلى صديق له يدعى إدريساي ود همد، كان يسكن في منطقة (أف حوشي) "عنسبا". فجاء إدريساي ومعه خمسة رجال من أهل القرية، وكان قد أخذ معه بقرة من أبقاره ليذبحها في المأتم، فلما وصلوا أهل الميت، سلَ إدريساي سكيناً ليذبح البقرة، ولكن منعوهُ أن يذبحها، وقالوا له اترك سبيلها فإنَّا قد ذبحنا من الانعامِ ما يكفي الحضور ويشبع الطيور.

أخذوهُ والرجال الذين جاءوا معه إلى ظلِ شجرة، وقدموا لهم الطعام والشراب، ولكن إدريساي رفض الاكل قائلاً: ليس لي شهية للطعام، فذروني أنام. وبعد أن زورت الشمسُ الی المغيب، استيقظ من مرقدهِ فقال للقوم، يا قوم إني أريد أن أقول قولاً عن خليلي، فهل من آذانٍ صاغية؟، قالوا له قُل فكلنا آذانٌ صاغية. فأنشد هذه المرثية قائلاً:

سبا قَدَبوتات يوم آخرا تو
يوم يأكارِع فَقْرا نباشاتو
كبود طورو انت كامو ديبا قحاتو
رَفَعْ شَكيك انت أسك اطْماداتو
كُلن حِبَر رَفَعَنْ حَواتو وإماتو
وَرِح عسر رابعت لوهي أتبارَهاتو
طقاي أمانات انت حِروب قاشوتاتو
حاطِر أمانات انت إلأرئيو أرحاتو
أراقْ بَراقْ انت فاقِر سداساتو
ود حايوت انت فَرْهو من نهاراتو
ود حَرَمِدْ انت عاج إب نقْواتو
قوباي إت أراويت ميتو إب مِنْكاشو
دلام دَبَه انت هَطْفو ودهافاتو
بأسو إب مَرَوي دولا شِتافاتو
وبأسو إب أسَيِفْ قَياد لَحِراطاتو
لِئتفلي موت قلقلاي عِدِر وغَباتو
لئتفلي أبْ محمد حَتي دول إب بطارو

الكلمات الصعبة:

قَدَبوتات = المعارك
نَبَاشاتو = اشرارهُ
شَكيكْ = الديار
أطْماداتو = أوتاد (أوتاد الخيمة)
طَقاي = السخي
حِرُوب = مقری
قاشوتاتو = ضيوفه
اراق براق = الجمل
سداساتو = أسنانه
حايوت = جمع اسد
نهاراتو = زئيرهُ
قوباي إت اراويت = الافعی السامة
دَهافات = العواصف
قَلقَلاي = الصديق

الترجمة:

لَحِقَ المغوار، بمن سبقه من الابرار،
إلى دار القرار،

رحل الرجل الذي كنتم تتوجسون منه شراً، تاركاً لكم "يأكارِع" (الديار)، فلعَمري إنكم لسوف تذكرونه إذا العاديات أصبحت تجولُ بها الغزاة بين الدور والمضارب.

يا أبا محمد لقد كنت سنداً للجميع، ترفع أخواتك وأمهاتك وتخفض لهم جناح الذل من الرحمة، وليس هناك من يماري في سمعتك وحُسن أفعالك، فإنها كالقمر في ليلة البدر.. (يعرفها القاصي والداني).

لم يكن لك ندٌ في الكرم، إذ كنت تغدقُ على ضيفك بلا حساب.

كم كان عدوك يتمنى أن يرى راحة قدميك، ولكنك جعلت أمنياته سراباً.

كنت تهز صفوف الأعادي كالجمل العاصي وصوتك في ساحات الوغى كزئير القَسْوَر، يقرع قلوبهم قرعاً، فيجعلهم يتساقطون من على خيولهم كما تتساقط أوراق الشجر في يومٍ عاصف. وأما مضارب سيفك فكانت أسرع فتكاً من لدغة الأفعی السامة.

إذا كان العراك بالعصي (عصا)،
فهو الغالب،

وأما إذا اضطر لإشهار الصارم، فإنه يسله من غمدهِ بسرعة البرق الخاطف فيضرب الأعناق يمنةً ويسرة.

ما أمرَّ فراق الخليل ! تمنيت لو أن للموت دواء، ولكن الموت داءٌ لا دواء له.

ليت ابو محمد يعودُ ليری حزني، وليعلم الناس أنني لم أقُل فيه إلا مراءً ظاهرا.

الشجاعة والكرم من أجمل الصفات الحميدة.

Top
X

Right Click

No Right Click