قصة الفارس هباش ود مندَر

بقلم الأستاذ: عبدالعزيز إبراهيم العامري - كاتب وفنان تشكيلي

أجدادي هزموا الأعادي وسجلوا تاريخاً يُدَرس إلى يوم التنادِ.

هباش ود مندَر

كان هباش ود مندَر رجلاً شجاعاً مهاباً لا يهابُ المنايا ٬ يشق صفوف العدَی بصارمهِ كما يشق البرق السحابة. جاء غزاة ذات يوم يرغبون في الإغارة على ديار هباش ود مندر٬ وسمع أهل الديار بقدوم الغزاة فاستصرخوا هباشاً٬ فاعترض هباش وجيشه دون الغزاة الطريق٬ والتقی الجمعان فطلب قائد الغزاة من جيش هباش قائلا: اخرجوا الي قائدكم فأنا لا أقاتل كهول الحرب إلا شيوخها يقصد قادة الفرسان. خرج عليه هباش ود مندر شاهراً سيفه فقال له: انزل من علی فرسك إن كنت تريد مبارزتي.

رد رئيس الغزاة قائلا: اقتلك دون أن أكلف نفسي بالنزول من علی فرسي. فقال هباش بكل ثقة: لا ضمان لمضارب السيوف ولا نعلم ممنا سيُقتل في هذه المبارزة لذا انزل ونازلني. لكن أبی الرجل ان يفعل. اشتعلت نار المبارزة وما أن ازداد وهجها حتی وثب اللص من علی فرسه لينتقم من هباش في بضع ثوانٍ٬ ولكنه لم يفلح إذ ضربه ود مندر ضربةً بتر بها فخذيهِ فوقع منكباً على وجههِ. ولم يكتفِ هباش بقتله حيث قطَّع الفرس إرْباً إرْباً على رأسه.

ولما رأى اللصوص أن قائدهم قد اختلط لحمه بلحم فرسه٬ نزلت بهم قارعةٌ من خوفٍ فولوا مدبرين (لاذوا بالفرار). وقد كان في جيش هباش ود مندر شاعراً ينشدُ اشعارا حماسية لكي يزداد الفرسان قوةً علی قوتهم.

فقال في هذه المعركة:-

إقْل إيئسكي قَيْد بئتشي وسِناي٬

إت قلاقِل إقل إيئسكيي حساي انا وطِراي٬

إت دَبْر إقل إيئسكي حريم أنا وبْقاي٬

كِمْسَل هِرْبْ ود عجيل كما إناس لأفلنداي٬

وكما سلأس كَرَديت ولادا إناس لأسفداي٬

إمْبَل هباش ود مندر من تو بَلْسا لَعْواي.

شرح الأبيات:

{ إقل يْإسكي قَيْد بئتشي وسناي }

يقول في البيت الأول من القصيدة: أنا ثابت القدمين في العراك إذا تعارك الوری وأن الخوف يبعدُ عني كبُعدِ الثريا عن الثرى.

{ إت قَلاقِل إقل يْإسكي حساي أنا وطراي }

في هذا البيت قال مخاطباً للصوص: أنا لستُ فتیً خواراً لكي افر بالبطحاء هرباً من مواجهتكم لأني أمهرُ منكم في القتال ولقد هزمت احزاباً أكثركم عدداً وأدری منكم بخوضِ الحروب.

{ إت دبر إق يْإسكي حريم انا وبْقاي }

كلمةُ حريم هي صفةٌ تطلقُ علی الإبل٬

لانها رحيمة جدا وأن الناقة إذا مات فصيلها (صغيرها) تنزل دموعها صبابةً علی شدقيها كالمرأة.

وكلمة (بْقاي) صفةٌ ايضا٬ تطلقُ علی الثور السمين أو البقر عموماً. يقول الشاعر في هذا البيت: إني لن اعتصمَ منكم بجبل لئلا ترهقوا أنفسكم صعودا٬ لأني كالعُشَراء (النوق الحوامل) والابقار السمينة التي لا تستطيع الصعود علی قمم الرواسي الشامخات.

{ كمسل هِرِبْ ود عجيل كما إناس لأفلنداي }

ذكر للصوص إسم الفارس هِرِب ود عجيل لأنهم يعرفونه ويعرفون قوته وشجاعته. فقال لهم٬ إني سأفعل بكم كما كان يفعل بكم هِرب ود عجيل فعليكم بالثبات في ساحة القتال.

{ كما سلأس كَرَديت ولادا إناس لأسفداي }

كان لهذا الرجل ثلاثة أبناء أشبه بالاسود الضارية .فشبهَ الشاعر نفسه بأبناء هذا الرجل الأسفداوي لشجاعتهم وسرعة انقضاضهم على صفوف العدَی.

{ إمْبَل هباش ود مَنْدَر من تو بَلْسا لَعِواي }

قال: من ذا الذي يشتت شمل الغُزاةِ إلا هباش ود مندر !! ما خاض هباشُ معركةً إلا وعادَ منتصراً غانما. ذكر الشاعر هذا البيت توبيخاً للصوص.

الله يرحمهما رحمةً واسعة...

Top
X

Right Click

No Right Click