الفنان المناضل ادريس محمد علي
بقلم الأستاذ: ود عد - كاتب وناشط سياسي إرتري
الفنان المناضل ادريس محمد علي هو ثامن وآخر العنقود {توأم} لوالديه ولد في منطقه (نارو) وبالتحديد حاضرتها (قامجيوا) عام
1955 تقريباً، في عمر7-10 سنوات ظهرت فيه بوادر عشقه للفن حيث كــان يردد بعض الاغاني الشعبية آنذاك بالاضافه الي ترنمه بأغاني يبتكرها دون ان يعي نظم القصيد أغاني تتعلق بمحيط الطبيعة والغنم والناس ...الخ
وكان أباه يعلق على ذلك حيث يردد دائماً عندما يسمع صوت ابنه الصغير يعلو بالغناء انه يتوقع انه سيكون مغنيا (حيلياي) وكان ينزعج قليلاً من ذلك كما هو شأن ذلك الوقت ونظرتهم للغناء والمغنين، لكن ادريس كان مقرباً لابيه (محمد) لذا كان يغض الطرف عنه.
نشأ الفنان ادريس محمد علي في بيئه ريفيه مئه بالمئه و في عمر "14" عام... نجح في الهروب من اهله في هذا العمر اليافع ليلحق بأخيه "علي" الذي يكبره مباشرة والذي دخل السودان واستقر بمدينه بورتسودان. ولم يكن هروبه هو الاول فقد سبق له في عمر الثانية عشر ان هرب مع قافلــــــــــه "جمال" قاصداً الميدان ولصغر سنه لحق به اخوه الاكبر "حامد" واعاده الي قريته.
استقر بمدينة بورتسودان مع اخيه لفترة وكان يعمل كبائع بدكان احد الهنود وفي هذه الفترة بدأ بتعليم نفسه بنفسه القراءة والكتابة وبعد حين توجه الي مدينه حلفا للعمل في المشاريع الزراعيه ثم توجه الي القضــــــــارف، حيث بدأت موهبته الفنيه تتبلور بشكل واضح. واصبح يغني في بعض الحفلات الخاصه في القضـــارف ـ بورتسودان إلي ان خطا خوةً حولت او لنقل حددت ملامحه الفنيه حيث توجه إلي عطبرة الى الفنـــان حسن خليفة العطبراوي العطبراوي واستطاع بلباقته ان يجعل العطبراوي يتحمس لتعليمه العزف على آله العود وبذلك يكون استاذه الذي تتلمذ على يديه هو الفنان العطبراوي.
وكان متلهفاً جداً وعاشقاً فنياً لذا اجاد العزف على العود سريعاً جداً بحيث ادهش استاذه العطبراوي والذي كان على اتصال به بعد ذلك.
وكانت هذه النقطه هي البدايه الحقيقيه لميزته الفنيه حيث بدأت اغانيه تنتشر مثل اغنية (ياحليل بنات بلدي) ومعدن لا قليلت..وهي من تأليفه الخاص وباكورة عشقه للوطن.
وبعد ان ذاع صيته بالاغنية الوطنية التي لامست شفاف قلوب الارترين استدعته جبهة التحرير الارترية عبــــر مكتبها في بورتسودان لإقامه حفلات هناك. وكان لغنائه اثراً عظيماً في نفوس الشباب مما كان يدفعهم للالتحاق بالميدان.
ثم عمل علي تكوين فرقه فنيه منهم محمد موسي (رحمه الله) والذي اشتهر بأغنيه (انا ابها... ايهيبا) وسعديه محمد سعيد وسميرة (تجرنية) ككورس... ادريس قرينت وآخرين وتوجه بفرقته الي الميدان وكان السبب الاقوي لإلتحاقه بالميدان هو استشهاد اخيه (عبد الرحمن) في عام 1974م فكان التحاقــــــــــــه عام 1975م او نهايات العام 1974م وهنا تفجرت قريحته بما اختزن فيها من عشقه للوطن والم استشهاد اخيه فجادت قريحته بأغاني كثيرة هادفه منها (ومسل حوي حيسني) وغيرها من الاغاني التي ادمعت قلوب الشـــــعب الارتري قبل عيونه وكان المصاب قريباً حينها.
وكانت اغانيه محركاً لإرتفاع المؤشر الوطني والثوري في نفوس المقاتلين بالميدان، وعندما كثرت المكايدات والصراعات في الميدان بين القيادات السياسيه والمناطقية والقبلية اظهر امتعاضه من بعض المواقف آنذاك، حتي اصبح البعض من القيادات يضيقون عليه، فقرر الخروج من الميدان (بليقات) والعودة الي السودان الا انه لم يستسيق حياة المدينه فالتحق بقوات التحرير الشعبيه في منطقه (حشنيت) وهنا ظهر خط جيد لتوجهه الفني خط وحدوي وكرس فنه للدعوة للتماسك الوطني والوحده وظهر ذلك في اغانيه المشهورة منها. افوتو افو اباي سحقا ديبنا وفتاينا ابينا و ابسببكم مسؤلين وحدت افيات إيأتيت والتي غناها بعد فشل محاولات الوحدة بين الفصائل وسجن بسببها... الا انهم اخرجوه من السجن بسبب ضغط الجنود الذين احبوه واحبوا اغانيه التي تترجم وتعبر عن احلامهم وامانيهم واغنية (كفو لبقل لسعر ودلام كفو تتكاري) وأغنيه اخري سجن بسببها مرة اخري يقول فيها (اجنيتكم تبلعو من طعما وحفسا - واجنيتا شهداء ابا سفرا تيابسا) لكنه لم يتنازل عن خطه الوحدوي والوقوف في وجه ومخططات الانقسام والتشرذم فأصبح ثروة وطنيه فنيه وانسانيه واصبح رمزاً للاستقلاليه و الحقيقية في زمن التحزبات السياسيه والقبليه.
وبعد ان تأكد من تململ المسؤلين منه ومحاولاتهم المستمرة لتكميم فمه وقتل فنه سواء كان في قوات التحرير الشعبيه بعد انفصالها عن الجبهة الشعبيه او بعد ذلك في اللجنه الثوريه... عندها تفرغ لفنه الوطني الثوري واستطاع ان يتربع علي قلوب الشعب الارتري بعد ان اصبح يترجم رغباتهم وامنياتهم في الوحده لاستغلال ومحاربه الممارسات المنافيه للنهج الثوري، ثم تمدد الي الوطن العربي ناقلاً امال وآلام شعبه الي الوطن العربي معرفاً بالقضيه الارتريه هذا بعد ان جدد اعضاء فرقته والتي اطلق عليها اسم (عشاق الوطن) منهم عازف الجيتار القدير مختار صالح وعازف الطرمبه كمال علي، والدراميشن (اربيشا)... وبعد التحرير دخل مع فرقته الي الوطن وكلهم امل ان يضعو رحالهم في كنف دولتهم ليؤدوا رسالتهم بصورة تتماشي وعصر الدوله والبناء.
وابدع في عطائه ونجح بفنه بالانتقال من طور الثورة الي طور الدولة في البناء والعطاء والمحبه بين ابناء الوطن الواحد واستمر في عطائه الفني دون توقف فحينما اعتقل كان البومه (كاسيت) الاخير الذي لم يرى النور جاهزا للانزال بالاسواق... الا ان مسيرته ايضاً لم تخلو من بعض المنغصات وكان البعض يشير عليه بالصمت وتلصص الطرق الا انه لم يكن يوما لا كفنان ولا كانسان مداهناً أومنافقاً بل كان رجل مواجهة شهد بشجاعته سجانوه انفسهم (وهذا حديث آخر لذا كان سجنه واختطافه متوقعاً وحدث ذلك في 2005/12 ولهذا ايضاً قصه اخري تتبعناها لاحقاً ليس اوانها للسرد.
لم يكن للفنان ادريس محمد علي اتجاهاً سياسياً او انتماءاً لقبيلة او مجموعه بل كان انساناً يعشق الوطن دون عنوان وهذا ماتشهد به اغنيته قبل الاخيرة (تمفاسكي ديما لهلي... وانا وانت ارتريا شامات بنا ايبلي).