عالميّة التشكيل واحتراف بالفطرة المعتز حمدان
بقلم الدكتور: محمد بدوي مصطفى المصدر: المدائن بوست
أول كلمة سجلها لي عندما اتصلت عليه: “يا أستاذ، أنا اليوم سعيد بمعرفتك وهذه فرصة جميلة.
أنا أصلا لا أحب الميديا ولا أميل للحديث عن نفسي بأي صورة من الصور.” تواضع وأدب جمّ أدهشني من أول وهلة!
قصة هذا الفنان المبدع مدهشة حقًّا، فالمعتز من مواليد عروس الرمال الأبيض، وأشرقت شمسه بها في عام ١٩٧٦، هو رب لأسرة وله أربع من الأبناء والبنات.
يحدثني بكل فخر قائلا: لم أدرس الفنون في جامعة أو كليّة علميّة لكنني تعلمت هذه الصنعة في بواكير طفولتي ومطلع شبابي على يد والدتي، فهي خريجة مدارس كمبوني. كنت وقتذاك أرسم بألوان الزيت على المفروشات التي تبدعها والدتي.
من بعد كان لي الشرف أن أتعلم على يديّ الأستاذة قريزلده، أستاذة الأدب الإنجليزي والعالمة الفذة والفنانة المرهفة، زوجة المرحوم البروفسير عبد الله الطيب بمنزلها العامر بالخرطوم.
فيما بعد أنشأ أخي الأصغر مصباح قالري في عام ٢٠٠٥ وأسماه شمس قالري، وهناك تتلمذت على أيدي كثير من الفنانين على سبيل المثال حسين ميرغني، عفيفي، منعم حمزة وأخرين لهم الفضل فيما وصلت إليه من حرفيّة واتقان لهذه الصنعة. اتخذت لي مرسما في صحن شمس قالري وبدأت أرسم إلى درجة الهذيان.
كنت أعشق اللون والمزج والروائح التي تنبثق منها وكأنه إكسير الحياة والروح التي تدفعني لدأب أكثر واجتهاد أعمق في كل ما يتعلق بفلسفة الابداع والخلق والنشأة لشيء في ذهني لم يخلق بعد.
جرّبت كل الخامات والقامات والهامات من الألوان والمواد: زيت، أكريليك، باستيل وكنت حينها قد احترفت صنعة الرسم سلفا. وسلكت طريقي لا ألوي على شيء إلا وأن أتعمق في هذا المجال، أجول أنحاء دنيايا البسيطة بين أزرق النيل أبيضه حاملا عروس الرمال في فؤادي لأجد الإلهام والوحي، في سانحة اللحظة ومجد المكان وأن أجد ما أبحث عنه من صور هي حقيقة مدونّة، مسجلة ومهضومة في قرارة نفسي لكنها تتجلى لي في ايحاءات تلك الأماكن المقدسة استعارة.
أقمت عدّة معارض في شمس، المركز الفرنسيّ، موجو، دبنقا، وكان لقالري دبنقا نصيب الأسد في إخراج الفنان التشكيليّ المعتز حمدان، حيث رعته مدام لينا حجار رعاية فائقة ساقته من عالم الوطن إلى مجرّات العالميّة.
شارك المعتز في معارض وورش فنيّة شتى بالسودان وأفريقيا منها على سبيل المثال نيجيريا في عام ٢٠١٩.
سيرة هذا الفنان المبدع تثير يا سادتي في وجداني العديد من الأمور، أولها عظمة رسالة التعليم التي تلقتها والدته بمدارس كمبوني والتي تخرج فيها العديد من أعلام السودان من السيدات والسادة ومن ثمّة أهمية هذه الرسالة المتعلقة بالبناء المعرفيّ للأجيال فضلا عن أهمية الاهتمام بالمواهب الواعدة، كما فعلت قريزلده، زوجة البروف عبد الطيب، تجاه هذه الموهبة.
وهانحنذا يا سادتي أمام فنان مبدع، خلوق وبارع بكل المقاييس؛ فلوحات المعتز تتحدث عن نفسها: جميلة الروح، تراثية البناء حتى الثمالة، عصرية المحتوى وبجدارة، سامية في اللون والسحنة والألق، سامقة في علياها تبحث عن مثيل.
المعتز حمدان فنان تشكيليّ وصل آفاق العالميّة بموهبته التي صقلتها عناصر البناء المعرفيّ وأولا وأخيرا دأبه واجتهاده المنقطع النظير الذي يبقى للأجيال القادمة مثالا يحتذى به. أتمنى له كل التوفيق والسداد في مسيرته المستقبلية.