الوصاية علي فناني أرتريا مرفوض
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد الحاج - كاتب وناشط اعلامي - ملبورن، أستراليا
لا يمكن فهم ما يتعرض له الفنانين الارتريين الكبيرين أحمد ود الشيخ وإبراهيم محمد علي قورت من هجوم وألفاظ نابية
إلا في إطار الوصاية علي الغير وشطب إرادة الفرد وجعلها تتماهي مع الجموع الذي يعتقد أنه يملك الحقيقة.
مجتمعنا موبوء بالوصاية حتي النخاع الأخ علي شقيقته والزوج علي الزوجة والوالد علي الأبناء وصولا الي الهرم السلطوي الذي يمثله إسياس أفورقي، فأحد أخطاء افورقي القاتلة أنه يريد من الجميع أن يفكر مثله وأن هوي الشعب يجب أن يتماشي مع هواه وأن مايراه هو الصحيح المطلق بالجملة وما عداه إعوجاجا وضلالا.. إذن نحن في مجتمع أبوي بإمتياز لا مجال للتفكير خارج منظومته.
علي الاطار الوطني ايضا أصبنا بناس عندهم "حمية زائدة" يتفاعلون مع الأحداث بصورة يعتقدوا فيها أنهم الأصح وأنهم المناضلون الحقيقيون يشكون كثيرا ويلقون الاتهامات جزافا، ينتابهم الشك دائما ويحركهم هذا الهاجس، يتهمون الآخرين بنقص إيمانهم الوطني وأنهم ضعفاء وعملاء ومزروعين وما الي ذلك من مفردات حتي بعضهم لا يفهم معناها.
يعتقدون أنهم أنقياء السياسة والفكر وأن رؤيتهم للناس والوطن متكاملة، أحادي الرأي متمركزون علي الذات ومن لم يأت اليهم فهو لا شك في ضلال مبين وبعضهم يعتقد جازما أنه الذي ألقي الحجر في بحر المعارضة الراكد وأن الساحة كان معشعش فيها الفساد والخمول قبل مجيئه، كتاباته الوحيدة التي تنبض بالحياة وتناقش الكليات وما عداها سفافس الأمور وترهاتها.
في جو كهذا أعتقد البعض أنه ابرم صفقة مع الفنانين الكبيرين ليكونا في المكان الذي يحدده لهم هو لا غيره آخذا جزء واحدا من الصورة وواضعا معيارا ضيقا لمفهوم الوطنية من حاد عنه له الويل والصبور وعزائم الأمور.
ظهور (قورت) في بورسودان يشطب تأريخه الفني لأربعين عاما ونضال ود الشيخ أيضا في مهب الريح لمجرد ظهوره في حفل هقدف، لم يشفع للأول حتي سجنه لأكثر من عام إثر حركة "فورتو" وهي مرحلة لم يصلها مناضلي الكيبورد وغير مستعدين لها ولا أغانيه الداخلية المليئة بالتورية السياسية والآخر كان يمكن أن يكون شهيدا وهو الذي خرج للثورة منذ نعومة أظافره.
تذكرت الفنان المرحوم الأمين عبداللطيف حين أتي الي ملبورن وتظاهرنا ضد المهرجان الهقدفي الذي غنا فيه وقابلناه في اليوم التالي في جلسة خاصة بهدف إقناعه للبقاء بأستراليا وأن غناءه مع النظام غير صائب لكن لم نكمل، فقد وجدنا أنفسنا أمام رجل راجع من أمريكا ومشبع بحب ارتريا مناضل قديم من ايام الحركة والثورة طورد من الاستعمار وهام في أكثر من وطن تواضعنا عد ذلك أمامه.
ناقشنا بهدوء وبروح من الدعابة ولا حظنا بوجود فهم مشترك، بمرور الوقت أكتشفنا انه خطف الموضوع وأنقسمنا حول مفهوم الخيانة والعمالة والانبطاح الذي أصبح هذه الأيام مجانا، ومن وقتها وكنا عام 2003 حيد متظاهرو ملبورن الفنانين الذي يأتون مع الوفد السياسي من أسمرا، يتظاهرون ليلا ويلتقون بالفنانين نهارا لا تخوين ولا بذاءات أو شتائم، ساعدوا الكثيرون منهم عندما تخلوا عن النظام وودعوا بعضهم بكل أدب وإحترام حين قالوا راجعين الي أسمرا ومن أشهرهم الفنان ود الشيخ الذي رفض لمرات متتالية البقاء في أستراليا.
دعوا فنانينا يتحركون كما يشاءوا، أحترموا رغباتهم وتطلعاتهم، يكفيهم جزاءا أنهم خرجوا من الوطن الذي أحبوه وغنوا من أجله، نعرف الكثير منهم كابد داخل البلاد لم يكن قريبا من السلطة ولا صاحب حظوة فيه.. لم يمتشق مسدس كما يفعل الفنان إياه ولم يغير سيارات فارهه كما يفعل الآخر (أتحفظ علي ذكر الاسم).
ود الشيخ وقورت وابرار وحسين محمدعلي وعثمان عبدالرحيم وآخرين إنهم يتعذبون عن فراق الوطن أكثر من اي مواطن آخر، فقدوا الأرض الملهمة والجمهور المتفاعل وساحة العطاء والتطوير فلا نزيد من جراحاتهم.
ماذا فعلنا لهم حتي نحاسبهم ؟ أحد أكثر الأسئلة أهمية طرحها في الصفحات الزرقاء أكثرمن صديق ؟ عودوا الي الوراء وراجعوا أنفسكم كم باع الفنان حسين محمدعلي من سيدهاته الأخيرة ؟ ألم يصب بخيبة أمل كبيرة حين عاد من ملبورن بنسخه التي أتي بها.. ألم نظلمهم حين نقوم بنسخ أقراصهم بدلا من شراء الأصل.. كم منا سأل عن الفنان ودقورت عندما قام مؤخرا بفحوصات عديدة في الخرطوم من جراء مرض ملازمه لفترة طويلة ؟ هل قرأتم عن مبادرات لدعم الفنانين الارتريين أو السؤال عن أحوالهم ؟ كم من وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بما فيها الفيس أهتم بتأريخ فنان ووثق لمشواره ؟ هل ينبغي علينا الانتظار حتي يرحلوا أو يسجنوا ومن ثم يبدأ البكاء والعويل.
الي فنانينا دون إستثناء أفعلوا ما يحلوا لكم، لسنا أوصياء عليكم، علمنا بعضكم أبجديات النضال، غنيتم للوطن وناضلتم وصدح بعضكم بالحق داخل الوطن بينما كان البعض يلهو ويلعب، لسنا مستعدين لخلط الأوراق وخسارتكم فما تبقي لنا قليل وأنتم أحده وأقولها صادقا ليتكم لم تخرجوا من الوطن فما نراه من زيادة هو النقصان الذي سببه فراقكم للبلد !
كونوا بخير ولا تعبأوا وإن كان أحدا نادما علي مساعدتكم فأنا أناشد محبيكم لتأسيس صندوق قومي تجمع فيه الأموال وتعاد الي هذا النادم البئيس الذي ظن أنه اشتري قدركم.
الصورة "ملطوشة" من صفحة أحد الأصدقاء !
التعليقات
معاناة فناني بلادي لا تخفى على أحد خاصة من هم بالداخل، يعانون الأمرين بين اهمال الحكومة وقلة ذات اليد.
أمل صادقا أن يتم تكوين صندوق خيري لإعانة من كانوا أيقونة الثورة الإرترية دون النظر لخلفياتهم السياسية أو انتماءاتهم الحزبية كان نضالهم عبر الكلمة والموسيقى من أجل ارتريا وكفى.
عليه يرجى التكاتف والتعاون بمد يد العون عبر تأسيس جمعية خيرية تعنى بالفنانين دون من أو أذى كخطوة أولى لرد الجميل لمن أطرب وألهب حماس الشباب للزود عن حياض الوطن.