دكتور جلال الدين و تساؤلات الصدمة

بقلم الأستاذ: سليمان أحمد

قرأتُ كغيري مقالاً للدكتور الفاضل جلال الدين نشر بتاريخ 2014/5/5م المقال جاء في سياق

دكتور جلال الدين و تساؤلات الصدمة لـ (المشروع الارتريّ في لندن - رابطة أبناء المنخفضات) ولست هنا بصدد الحديث عن الفكرة أو تقييمها سلباً أو إيجاباً، وإنما حديثي التالي حول مقال الدكتور... وهو ليس (تعقيباً أو رداً أو نقداً) فرحم الله امرءاً عرف قدر نفسه فالدكتور أكاديمي ذو باع طويل كنت ومازلت أتعلم وأقرأ في كتبه... لكني كشاب أحب هذا المجتمع وأنتمي إليه أتوقع بأنّ حق التساؤل مكفول لي، تماماً كحق (التعقيب أو الرد أو النقد) متى ماتوفرت أدواتها. كما عنونتُ هذا المنشور (تساؤلات الصدمة) لأنيَ فعلاً أُصبتُ بحالةٍ من الذهول والدهشة من (كيفية الصياغة ومحاولة الاقناع بالفكرة) إذاً لن يكون في حديثي سؤالٌ للدكتور لم أحب وناصر هذه الفكرة بل لماذا خاطب قرّاءه بهذا الأسلوب وبهذه الصياغة.!

أستاذي القدير... بدأتَ مقالك باقتباس للفيلسوف الماركسي الشهير حين وجه نداءً لطبقة العمال (يا عمال العالم اتحدوا) وحاكاه المعارض الإيرانيّ فقال (يا شيعة العالم استيقظوا). واقتبستَ عنوان مقالك منهما فخصصت العموم قائلاً (يا قبائل اللويوجيرقا... اتحدوا (.!! هنا) جائني أول تساؤل وهو لمَ لمْ تقل كالفيلسوف الماركسي أو الموسوي الإيراني) أيها الارتريون... اتحدوا (وأنت تعلم أكثر منّا كم هم في فرقة وشتات فكري ومكاني... لا أخفيك - أستاذي القدير - بأني لأول مرة أقرأ كتابة عصرية تعظّم من شأن القبيلة في مجتمع لا يشك عاقل بأن نظام التفكير القبلي وصل إلى حد التطرف ولستُ بحاجة لمزيد حديث حول القبيلة وكونها مكوّن اجتماعي ننتمي وننتسب له. ولكني أومنُ بأن الحاجة الأكبر في ترشيد الكثير من السلوكيات القبلية والمناطقية. أستاذي القدير ابن القبيلة إذا تسلح بالعلم والمعرفة، وامتلك أدوات السياسة، هل سينكر عليه أحد إن طلب حقه في ممارسة الحياة السياسية؟ لا أتصور ذلك. لأن ممارسته مرهونة بأدواته المعرفية ولا عبرة بأصله القبلي أو المناطقي.

وهو حينها (في ممارسته العملية) سيتحرر من كثير من تلك القيود. لا أخفيك سراً وأنا أقرأ المقال شعرتُ بأني أمام مجتمع قبلي، قوبل ربما بعنصرية على الشكل أو طبيعة الحياة... فقام أحدهم ليرد قائلاً... (نعم نحن قبليون و نفتخر بشلوخيتنا على خدودنا فماذا لديك؟) هذه اللغة في مدافعة العنصرية ليست جديدةً أو مفاجئة... وإنما المفاجأة في صدورها من أكاديمي عريق. كون الخطأ لا يعالج بالخطأ أو بالمنطق الضعيف على أقل تقدير لكني لن أشك ولو للحظة بأن لغة المقال المشحونة بالعاطفة المناطقية (ستدغدغ عاطفة الكثيرين بل ربما تذرف مدامعهم. أستاذي القدير لماذا لم يكن الطرح علمياً أكثير... وحتى أوضح لكم مقصدي فهو كالتالي:

الفكرة: إنشاء رابطة أبناء المنخفضات.

المبررات للإنشاء: 1 - 2 - 3 - 4

أسباب الرفض: 1 - 2 - 3 - 4

ولتترك بعدها عقل القارئ ووعيه ليحدد ويختار... أستاذي القدير حين تضع حقوق لارتريين في كفة ومحاولة النقد في كفة أخرى.! ألا يعدُّ هذا (إرهاباً فكرياً) غير مقبول في ميدان مناقشة الأفكار؟ أستاذي القدير كنتُ وغيري الكثير من الشباب الارتريّ نجتمع ونعمل ولا نعلمُ عن قبائل بعضنا شيئاً... ولا عن مناطقنا... كل ماعلينا أن نكون ارتريين نحمل أهدافاً مشتركةً) وهي تحسين وتطوير الأوضاع المتردية في البلاد بما هو متاح وممكن (أكثر ما كان يشعرني وغيري من الشباب أيضاً حين كان يلتقينا كبار السن من آبائنا وهم يشاهدون مانفعل فيهمسون لنا قائلين) أنتم الأمل... أنتم التغيير تجنبوا أخطاءً وقع فيها من سبقكم... وأنا هنا مضظر لأقول بأنهم متنوعون مناطقياُ وقبلياً بل وحتى سياسياً.! وجئتُ اليوم لأجد الدكتور القدير يصف هذا الشعور شعور المحبة للوحدة بتهكم لطيف واصافاً من يسعى له... بالساكر في حب ليلى وحين يفيق سيعلمُ بأن ليلى ليست له.!!

صدقاً أقول... ظللتُ في حالة حزن عميق من الوصف... وظللتُ أقول... كان أملي أن أجد من أحد (رموز النخبة) لدينا نفثةً في روح الأمل لأن نستمر في العمل متحدين... مجتمعين... متجاوزين للقبيلة والمنطقة... لكني وجدتُ وصفاً لهذه الحالة بمجنون ليلى... لستُ أدري لم عزيت نفسي حينها بقولي... (مجنون ليلى يذكره الناس إلى يومنا هذا بأنه أصدق العشاق وليلى ذاتها تعلم ذلك...) أستاذي القدير تعلم ويعلم الكثيرون بأن اللاجئ فـ دول الغرب يمكث من ثلاث إلى خمس سنواتٍ تقريباً ثم يصبح مواطناً، لا يهمهم بعد ذلك أصله، ولو لمزه أحد بذلك لعوقب بقانونهم...! لماذا لا نكون نحن مثلهم، طالما وجدنا شخصاً يحمل بطاقة ارترية ونترك السؤال أو الحديث عن الأصل، طالما كان الشخص مخلصاً للوطن الذي يحمل بطاقته.؟! ألا يوجد ارتري مسلم خائن وارتريّ مسيحي مخلص والعكس كذلك؟ لماذا تربط الخيانة بأصل وفصل؟ (وكلنا يعلم بأن إلصاق المساوئ بجنس أو عرق عنصرية مقيتة).

أستاذي القدير هل هو لائق بأن نتحدث بهذه اللغة المستعلية حين تقول مانصه: (يكفي للشك في إرتريتك تحدثك التجرنية، كل من يتحدث التجرنية مشكوك في إرتريته، حتى يثبت العكس، فقد تكون أكسوميا من تجراي). انتهى الاقتباس. اجعلني أكسومياً من تجراي... وما الضير في ذلك... طالما أني أحمل بطاقةً ارترية وطنية وأخدمها بكل إخلاص؟ أليس الارتري البريطاني والارتري الكندي والارتري الألماني ...الخ هو مواطن في تلك البلاد... ويخدمها من خلال انخراطه في الحياة هناك؟ أليست ازدواجية في التفكير حين نشيد بهم ف معاملتهم لمستوطن أرضهم ونشكك في (ابن أرضنا)؟ ثمّ اجعلني جبرتياً لغتي التي أعتزّ بها هي (التجرنيا) تُرى كيف سيكون وقع كلامك حين تقول "يكفي للشك في إرتريتك تحدثك التجرنية" أيعقل أن تكون لغتي مصدر شك في ارتريتي؟!

هل اللغة المنفعلة في المقال كانت السبب في إطلاق جملٍ خطيرة كهذه لها منزلقات خطيرة لو تشربتها عقول الشباب؟ سأعزيك كثيراً - أستاذي القدير - إن سمعتُ يوماً شاباً يهمس لشابٍ بأن فلاناً "مشكوك في ارتريته لأنه يتحدث التجرنيا"!! أستاذي القدير دعنا من أنصـار الحكومة الارترية ومؤيديها.... (مشروع المنخفضات) ماذا فعل بصفوف المعارضة الارترية؟ = ألم يزد صفوهم انشقاقاً إلى انشقاق؟ = هل العجز في (توحيد المفاهيم) مبرر كاف للهروب للمنطقة والقبيلة؟ كم هو حجم خيبة الأمل للشاب الارتري حين يرى = ارتريون يصدرون له من دول مدنية منتجاً مناطقيا ويرى أكاديمياً قديراً يذود عنهم ويصوب لاذع حروفه لكل من حاول نقدهم... لأجلهم).!

هذه الأفرازات الواضحة... ألم تستحق لغة أكثر هدوءاً وأكثر منطقية لا مناطقية لتكون أقرب لاستيعاب عقول الشباب؟ أستاذي القدير... لغة المناطقية كان عالية جداً، سؤالي الان لو كل مثقف ابن منطقةٍ ما تحدث بذات اللغة... ترى كيف سيكون المشهد الثقافي لمجتمع لاتزال العقلية المناطقية والقبائلية حاضرة فيه وبقوة؟ أستاذي القدير... قلت مانصه: (قبح الله الاستعمار الذي أخرجنا من رحم واقعنا، بولادة قيصرية، قبل اكتمال نمونا الطبيعي؛ لنعيش في هذه المنطقة النكدة هذه المأساة المؤلمة).

• الاستعمار أخرج من؟ هل هم (أبناء المنخفضات؟).

• وأخرجهم من ماذا؟ وإلى ماذا؟

• وماهي (المنطقة النكدة.... الخ) التي أخرجهم إليها؟ تساؤلات مشروعة أتمنى ألا أجد في الإجابات عنها مزيد صدمات... ختاماً أستاذي القدير... بحجم طول المقال كانت التساؤت... اختصرت الكثير منها... ولعلّ فيما طرح كفاية؟؟ وهنا لا بد من التأكيد على عدة نقاط أذكّر بها نفسي وإخواني الشباب:-

1. الدور الأول للمثقف هو التوعية للمجتمع وذلك لا يكون الا بالطرح العلمي المنطقي بعيداً عن السرد العاطفي الذي يغيب العقل والمنطق.

2. الانتماء للمنطقة والقبيلة انتماء فطري... وتضخم هذا الانتماء سيعيد المجتمعات خطوات إلى الوراء.

3. دور المفكرين في كل المجتمعات توليد أفكار وابتكار حلول وإلا لأصبحوا كغيرهم، وإعادة إنتاج الأفكار هو عجزٌ في توليد الجديد مالم يكن التوليد مصحوباً، بضوابط تجعل الفكرة القديمة متناسبة ومتسقة مع العصر الحالي والمستقبلي (وهنا يبرز دور الفكرين...)

4. أحد أهم أدوار المثقفين الارتقاء بالمجتمعات لتصبح منحازةً لحق الإنـسان أياً كان... وحين ينشغل المثقف بوضع أسس أو حماية أُطر ضيقة... يكون قد جانب الصواب...

5. د.جلال الدين أحد القامات الكبيرة في المجتمع الارتريّ له محبون ومناوؤن... وهذه طبيعة البشر... عن نفسي سيقى الدكتور أحد الذين أقرأ لهم وأتعلم منهم... وتساؤلاتي هنا تساؤلات مشروعة أتمنى أن تتسع لها صدور الجميع... والله من وراء القصد.

Top
X

Right Click

No Right Click