السمنار الخديعة وتفريق الشمل
بقلم الأستاذ: أبو بكر حامد كهّال - روائي وكاتب إرتري
من أراد أن يتبرأ من مبادرة ما بات يعرف بـ "وثيقة مبادرة جمع شمل أبناء المنخفضات" من الذين ساهموا فيها
وفي ظنهم أنهم يخدمون الوطن وقضيته فليفعل الآن وقبل فوات الأوان. ومن يشعر أنه قد تم تضليله و التغرير به و مخادعته لوضع توقيعه عليها فليتبرأ منها فوراً و أن لا ينتظر وقوع الفأس في الرأس. والذين جلسوا بدون أدنى خلفيات وبحسن النية تحت سقف تلك القاعة اللندنية وتوضح لهم إن ياقات قمصانهم البيضاء الناصعة قد تلوثت بوحل ما لم يكن في الحسبان. فالفرصة مواتية لينفضوا عنهم ما علق بهم من ملوثات.
فالمبادرة وحسب ما يتضح من بنودها لا تقيم وزنا للوطن الواحد الموحد بل وحتى لا يهمها أمر استمراره!!
قد يرى فيها البعض مجرد خطوة جهوية أخري لا تختلف ملامحها عن ملامح تلك التنظيمات والكيانات القبلية والإقليمية والطائفية الموجود على مسرح العمل السياسي. إلا إنها في الحقيقة تختلف عنها في الكثير من التفاصيل والمقاصد. فهي أقرب شبها بالمشروع البريطاني الذي كان يهدف لتفتيت الوطن وتوزيع جغرافيته وناسه وتاريخه بين أثيوبيا والسودان.
هل سيعضنا مشروع التقسيم؟
أن كل ما أرجوه هنا هو إن ينتبه الإخوة والأخوات أصحاب المبادرة لخطورة ما تمخض عنه سنمارهم، لأن المخاوف من المبادرة كثيرة. والتوجس من إفرازاتها السالبة على المجتمع أيضا كثيرة وبلا حدود. وان الدفاع عن الوثيقة وسلامة توجهاتها من قبل من بعثوا بها إلى الوجود سوف لن يقبل في رأي، وسيكون بلا معنى خاصة حين تتكلم "الوثيقة" وبمنتهى الصراحة والوضوح عن عدم اكتراثها بـ "بقاء الوطن ووحدته واستمراره".
نعم بهذه الصراحة الصادمة تتحدث الوثيقة. والسؤال: هل يحق لنا أن نتخذ من أفعال الديكتاتور ومنظومته الفاسدة والمستهترة مبررا للمغامرة بوحدة الوطن وإستمراريته؟
لا أعتقد انه يحق لأحد المساس بالمسلمات وبالثوابت الوطنية. ان الممارسة السياسية ينبغي لها أن تمارس تحت سقف السيادة، والوطن الموحد. لكن من الواضح ان الوثيقة تساوم على الوطن الواحد بل وتُزِيح سقفه بالمرة.
بالقطع سيتواجه المبادرة بمعارضة قوية أولاً لجهويتها الصارخة. وثانيا و على الرغم من تعشيبها بركام من الكلمات التي تخاطب عواطف وأحاسيس ومشاعر أبناء المنخفضات وتجيشهم لغرض اجتذابهم ليلتفوا حولها بيد ان ركام تلك العبارات ذات الطابع التحريضي (التقسيمي) لا يخفى خطورتها الماثلة التي ترسم بوضوح خارطة تقسيم إرتريا. ومن هنا بالضبط سينبع الصوت الرافض لها. ولنقرأ... (أن لا تخصم فاتورة بقاء الوطن ووحدته واستمراره من رصيد مجتمع المنخفضات بمفرده).
مثل هذه الفقرات بالضبط هي ما يجعلني أميل إلي ان البعض ممن ساقتهم الأقدر لأن يكون جزءا من المبادرة والتعاطي مع هكذا خطأ قد تم التغرير بهم وتضليلهم من حيث لا يدرون من قبل جهات إخطبوطيه وسنكشف عبر الأسطر اللاحقة عن ماهية تلك الجهات المحتملة ولنا في ذلك أسبابنا الموضوعية.
فللنظر ونتمعن في الفقرة الطويلة الموالية.. حيث ترغب الوثيقة في تغيير الحدود الموروثة عن الاستعمار والمعترف بها على مستوى العالم كله بهدف خلق واقعا جديدا ينسجم ويتطابق مع مشروع التقسيم ويؤيد مخرجاته وهي كافية للتدليل على نية التقسيم: (إن التدخل القسري للاستعمار الغربي في العالم الثالث بشكل عام والإيطالي في إرتريا بشكل خاص لم يعمل على إجهاض التطور الطبيعي لهذه المكونات الاجتماعية فحسب، بل تسبب في احتواء مكونات غير متجانسة في حدود دولة واحدة من ناحية، في حين فصل بعض المناطق عن امتداداتها الطبيعية عبر حدود دولية تفصلها من ناحية أخرى، الأمر الذي حال دون اكتمال بناء وحدات قومية متجانسة ثقافيا واجتماعيا ضمن إطار الدول الناشئة، مما أدى لحالة من عدم الانسجام وضعف عناصر التوحد التي تشكل ملامح الدولة الأمة ضمن الحدود الجغرافية للوطن المشترك).
إلي أن تقول:(لا يمكن إن يظل المجتمع "المنخفضات" أسيرا للتصورات المثالية بـ "تحمل مسؤولية حماية الوحدة الوطنية من جانب واحد، على حساب مصالحه وحقوقه) ومن حسن الحظ ان اليد العجولة والضائعة التي صاغت النقاط "بيت القصيد" تكشف عن نفسها ومراميها المفضوحة. ولتتمعن معي عزيزي القارئ حول السهم الذي رسمته تلك اليد عن إقليم دنكاليا وكيف أنه يشير على الإقليم أن يذهب ناحية أثيوبيا.
أقرأ... (كما أن المكون العفري الذي يعتبر أحد المكونات التاريخية الثلاث للمجتمع الإرتري، ومع كونه جزء من المنخفضات وتربطه بها أواصر الدين والثقافة والنضال المشترك ضد الهيمنة والإقصاء، إلا أنه يتميز بخصوصية من حيث القومية ونمط الإنتاج والإقليم الجغرافي، وله خياراته وقواه السياسية في إطار العمل الوطني، ولديه امتداداته عبر الحدود الإثيوبية والجيبوتية).
ألا يشير السهم بوضوح وجلاء إلى الاتجاه الذي يجب إن يتجه إليه إقليم دنكاليا العزيز على قلب كل إرتري؟ هل نحن أمام مؤامرة حقيقية تم فيها تقرير مصير إرتريا ونحن نيام؟
في رأي إن المرامي العميقة والحقيقية للمبادرة هو وحسب الفقرات التي استعرضناها وغيرها مما هو متناثر في المتن هدفها ضم المنخفضات إلى السودان وإلحاق دنكاليا بناسه وأحجاره ورماله وبحره وأسماكه ومرافئه بإثيوبيا. لأن في ظن الجهات التي وراء المبادرة إن الإقليم حين تنفصل عنه المنخفضات سوف لن يجد أمامه إلا الوقوع تحت القبضة الإثيوبية (القسمة التي جرى التفاهم بشأنها من وراء ظهرنا) وهذا بالضبط الخيط الأول للمؤامرة وهو ما يجب الإمساك به ومتابعته حتى نهايته.
أطراف المؤامرة:
أطراف المؤامرة كثير. ولا يمكن بالطبع حصرهم وتحديدهم بالدقة المطلوبة. ولكن يجب علينا وضع أثيوبيا التي لا أستبعد مشاركتها في هندسة المبادرة على رأس قائمة أطراف المؤامرة. ولن نجهد أنفسنا في العثور على النقاط التي تتقاطع فيها المبادرة مع الرغبات الإثيوبية المضمرة وغير المضمرة. فلنبدأ بملاحظة تلك الرغبة الإثيوبية اللحوحة التي بات يلاحظها جمع من ضمتهم متاهات أديس من المعارضة الوطنية وكيف سعت دائماً لخلق كيان خاص بالناطقين بالتقري (غالبيتهم يقطنون المنخفضات) يماثل الكيانات القبلية والإقليمية والطائفية التي رعتها وترعاها وتشجعها أثيوبيا. و كان الرد على من طرِحت عليهم فكرة إنشاء كيان "التقري" من أبناء التقري في تلك المتاهة التجاهل التام. ألا ينسجم ما تمخض عن سمنار لندن مع رغبة إثيوبيا القديمة المتجددة؟ ويجب أيضاً أن نتفطن جيدا أن الرغبات الإثيوبية كانت دائماً تجد الدعم والرعاية والتفهم من قبل القوة العظمي، خاصة حليفتها أمريكا. هل نضم أمريكا إلي هذه الأطراف على إعتبار أنه لا يحدث شيئاً في العالم كله دون إستشارتها وأحذ موافقتها؟
السودان شريك أثيوبيا في القسمة:
يا ترى أين تلتقي المبادرة مع ما أورده الصحفي السوداني أسحق فضل الله، بعموده في صحيفة الإنتباهة. بتاريخ 2014/3/27 وبمانشيت عريض على رأس الصفحة: (السودان يسعى لضم غرب إرتريا المسلم بعد أن فقد الجنوب) وأن تكلم السيد فضل الله عن مجموعة من إرتريا تنادي ب "السودان الكبير" إلا أن ما أمسك عن التصريح به لهو أكثر من هذا. وهو لم يطلق تلك الأسطر التي ضمنها المقالة عبثاً، بل تلك كانت القطرات الأولى الموجهة للرأي العام السوداني وهي تقول بوضوح: "نحن (السودان) وإن فقدنا درهما (الجنوب) فسنعوضه بدنانبر لا تحصى ولا تعد (منخفضات) إرتريا. وإذا ما عرفنا مكانة الرجل في خارطة السلطة السودانية ومدي قربه من صناع القرار ومكانته في حزب المؤتمر الحاكم وعلاقة القربى التي تجمعه مع الرئيس السوداني. فإنه يمكننا الجزم ان الطبخة (القسمة) كانت قد استوت من زمان. و أنه ما أورد تلك الأسطر إلا وفق توجهات وضرورات إعلامية دعائية تهدف للتمهيد على إعلان الأمر في منابر السودان السياسية في المستقبل القريب بغية مناقشته على المستوى الشعبي والرسمي. وان التسريب كان يهدف في الأساس إخبار كوادر الحزب الحاكم وأنصاره تحديداً بالخطوة (القسمة).
هناك أمور كثيرة يجب عدم إغفالها عند التحدث عن الأطراف ورغباتها المبيتة في استهداف الوطن ونحن وإن أغفلنا هنا عن ذكر الكثير مما لدينا حول التحركات التي باتت مكشوفة إنما نتركها لأمد سيأتي قريباً وسنتكلم بالتفصيل حول كل الأوراق المخفية.
قبل الختام: المؤامرة تستدعى إلي الذهن صورة أولئك الشباب والشابات على الحدود. وهم في طريقهم إلى الهرب من جحيم إسياس وزمرته حين يتخطفهم سماسرة الأعضاء البشرية. على اعتبار ان أجسادهم تمثل مناجم للذهب المباح. ألا تتشابه الصورتين ؟ هل إرتريا أضحت مباحة؟
أستدراك: لا زلت في اعتقادي الأول ان جميع الإخوة والأخوات الذين إرتبطت بهم المبادرة. قد خدعوا ودست لهم هذه البنود التي لا تشبههم وأنهم قد أخذوا من حيث لا يدرون. عليه أرى انه من الشجاعة، بل و من الوطنية إعلان قطع صلتهم بها. و قد علمت ان هناك من اتخذ مثل هذه الخطوة الرائعة بالفعل.
ختاما: حدثني مرة أحد كوادر حزب الهقدف، في لحظة مصارحة نادرة. أنه بات يخشى من الدول التي ظل أسياس يتآمر عليها ويعمل على زعزعة إستقرارها ان تعاملهم بالمثل. وأن يردوا لنا "الهقدف" الصاع.
هل تهدف مؤامرة (الشركاء) رد الصاع للديكتاتور ويكون الوطن إرتريا ضحيتها؟