شبح تقسيم المنطقة سمنار أبناء المنخفضات نموذجاً
بقلم الأستاذ: عامر ضرار -أبو آمنة
بسم الله الرحمن الرحيم
أيعيد التاريخ نفسه الناظر للواقع فإن فكرة تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ الفكرة البريطانية القديمة
في السياسة الإستعمارية فرق تسد هي السائدة، والتي ترتب عليها فيما بعد تقسيم العالم العربي والإسلامي بعد الحرب العالمية الأولى فيما عرف بإتفاقية سايكس بيكو سازانوف عام 1916، والتي كانت تفاهمًا سريًا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية آنذاك على إقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الإمبراطورية العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة في الحرب العالمية الأولى.وتم الوصول إلى هذه الإتفاقية بين نوفمبر من عام 1915 ومايو من عام 1916 بمفاوضات سرية بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس. وهي كالطبع تقوم على إستثمار التناقضات الدينية والإثنية وغيرها في المجتمعات لتحقيق تفتيت الدول وتقسيم الشعوب وغياب الدولة الواحدة التي تحقق التكامل السياسي والإقتصادي والعسكري في مواجهة سياسات مابعد الإستعمار وبذلك يسهل التحكم والسيطرة وتتحول هذه المنظومات الجديدة المسماة دولا ً إلى أدوات وظيفية في خدمة الإحتلال الجديد في المنطقة.
ويبدو أن المنطقة مقبلة على مزيد من التقسيم وخاصة أن فكرة تقسيم السودان فكرة قديمة تتنزل في الواقع شيئا ً فشيئا فقد ذكر أحد الباحثين العرب في الشأن الإفريقي نقلاً عن مسؤول إثيوبي رفيع المستوى رفض الكشف عن إسمه قوله (أن تقسيم السودان إنتهى بالنسبة للغرب ولكن نحن في الأقليم نقاوم ذلك لأنه ليس من مصلحتنا ولكن لا نعرف كم نستطيع الصمود وتعطيل التقسيم) أ.هـ.
وعندما تأملت في التصريح للمسؤول الإثيوبي قلت في نفسي هل بالفعل إثيوبيا ضد التقسيم أم أنها تفكر في كيفية الإستفادة منه إذا تحول التقسيم واقعا ً لا يمكن مقاومته؟
وما هي خريطة هذا التقسيم؟
وهل هو خاص بالسودان؟
أم أن إعادة التشكيل هو للمنطقة بأكملها؟
وأين تقع المشاريع التي تطرح في الآونة الأخيرة في إرتريا مثل مشروع المنخفضات؟
هل هو جزء من المخطط أم أنه حالة خاصة لا صلة له بما سبق؟
قبل الشروع للإجابة على تلك الأسئلة نقف على المعطيات في الواقع والنظرة الإثيوبية على الملف الإرتري وفق ما صرح به الأستاذ إدريس علي سعيد أبوهمام رئيس المكتب السياسي للتحالف الديمقراطي الإرتري سابقاً حيث أكد في تعليقاته على صفحته على الفيس بوك بتاريخ 6 أبريل 2014 أن الحكومة الإثيوبية طلبت منذ وقت مبكر كلاً من السيد حسين خليفة و الشيخ ابو سهيل والشيخ حسن سلمان أن يرتبوا أوضاعهم بتكوين حزب تحت مسمى المنخفضات (كمتاحت) وكلهم لم يستجيبوا للطلب حسب قوله. ويبدو لي وجدت إثيوبيا ضالتها في أصحاب سيمنار لندن لتمرير مشروعها التقسيمي بمسمى المنخفضات، والحكومة الإثيوبية شكرالله سعيها لم تقصر في تكوين الكنتونات ورعايتها حيث كونت للجميع القوميات أحزاب عدد أعضائها لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحد فهي تعمل بإحتراف في كيفية تشتيت وتمزيق النسيج الإجتماعي والسياسي الإرتري ليسهل لها العبث بأمن وسلامة إرتريا.
الكاتب السوداني إسحاق فضل الله يتحدث على السناريو لسعي السودان لضم غرب إريتريا المسلم بعد أن فقد الجنوب وتزامن نشر المقال مع عقد سيمنار لندن لأبناء المنخفضات فهل ثمّة علاقة بالأمر أم أنها صدفة جمعت بين الحدثين؟
يفهم من ذلك أن السودان مهدد بخطر التقسيم والتمزيق على قرار جنوب السودان وربما يليه غرب السودان والحبل على الجرار. لذلك من غير مستبعد عندي بأن الحكومة السودانية تريد أن تستغوي بالعنصر المسلم في غرب إرتريا حيث تمازج الدين والثقافة واللون أيضاً بضمه إلى السودان وقد مهدت له مسبقاً بالتجنيس وسودنة الإرتريين في مناطق اللاجئين وقد تحدثت عن ذلك في مقال سابق في عام 2012 تحت عنوان (مصطلح مسلمي المرتفعات والمنخفضات بين الواقع المر والمستقبل المنشود (الجزء الاول) وبينت فيه كل القضايا لا أريد أن أكررها في هذا المقال. وربما بإتفاق مبرم بين الحكومة السودانية والنظام الإرتري بتوطين المسلمين الإرتريين في السودان ليصبح الوطن البديل وإبعادهم من إرتريا ليفقدوا بذلك حلم العودة إلى الوطن.
وإثيوبيا ايضاً مهددة بالتقسيم في أقليم بني شنقول المتاخم على الحدود السودانية لذلك تريد أن تشعل الفتن والحروب في مناطق بعيدة لكي تشغل العالم بأحداث أخرى حتى يتأخر تقسيم أراضيها وتكون هي من تدير المعارك خارج أراضيها لأنها من الدول الوظيفية في المنطقة. إذاَ خلاصة القول ربما الحكومة السودانية تسعى لزعزعة المنطقة الغربية الإرترية بضمها والمستفيد الوحيد فيها النظام الإرتري، وأيضاً الحكومة الإثيوبية تسعى على نفس الخطى لمصلحتها الجوالإستراتيجية حسب منظورها.
كلاً يدّعي وصل ليلى * وليلى لا تقر لهم بذاكا بخصوص سمنار لندن لأبناء المنخفضات أقول كما قال غيري إختلافي معهم في المبدأ والفكرة وليس في النتائج، إذاً ما بني على الباطل فهو باطل فلا يعقل أن تبرر بأن النتائج سوف تكون مرضية مع العلم التام أن الركائز والدوافع والمنطلقات غير سليمة. والبعض يدافع عن الأفراد وليس عن الفكرة قائلاً أن الأشخاص طيبون ونيتهم حسنة وأقول له وكم من مريدِ للخير لم يبلغه!! ومع الأسف الذين يبررون بهذه التبريرات فيهم بعض من ينتسبون إلى العمل الدعوي فكان حرياً بهم معرفة أن الرجال يُعرفون بالحق وليس الحق يُعرف بالرجال.
كما يؤكد الباحثون أن هناك ربط بين إنزيمات خاصة في الدماغ وبين قراءة النصوص، فإذا كان الكاتب محبوب يفرز الدماغ إنزيم عمى الحب لينضح به النص المراد قراءته بمادة عطرية عملها كالـمسكر فترى القبول والتسليم ومن بعدها المديح والإطراء لصاحب المقال حتى لو كان ما كتبه لا يتفق مع صحيح العقل.فأصبحنا كما قال القائل: (هل أنا إلا من غزية إن غوت * غويت، وإن ترشد غزية أرشد) يجب أن نتميز بشخصيتنا المسلمة الفذة شخصية لا تكون إمعة إن أحسن الناس أحسنت وإن أساء الناس أسأت.
ومازلت أكرر السؤال الذي تساءلت به في عام 2012 في مقال سابق تحت عنوان من يقف وراء مصطلح (مسلمي المرتفعات والمنخفضات)؟ من المستفيد من هذا السجال؟ وقلت حينها هناك طرفان مستفيدان من هذا السجال وهما النظام الإرتري والحكومة الإثيوبية. النظام الإرتري مستفيد بإنشغال قوى المعارضة الإرترية بنفسها في تصنيف بعضها بين المرتفعات والمنخفضات. والحكومة الإثيوبية مستفيدة في نجاحها في تشتيت وتفتيت قوى المعارضة وإشغالها في تصنيف بعضها وتشكيك البعض الآخر وبالتالي إضعافها أمام التحديات حتى تتمكن من إنشاء وتكوين كنتونات أخرى موازية للمعارضة وذلك بغية إضعاف قوى المعارضة الإرترية.
ومثل هذه الإصطفافات هي التي تتسبب في تقويض الأمن والسلم الأهلي وزعزعة تماسك البنية والنسيج الإجتماعي الإرتري.
المطلوب هو في هذه المرحلة ليست الإصطفافات الإقليمية والقبلية والمناطقية والدينية والعرقية والإثنية إنما المطلوب تضافر جميع الجهود في إزاحة هذا النظام الدكتاتوري وإرساء دعائم الديمقراطية والحكم الرشيد تكفل للجميع الحقوق والعيش بالكرامة الإنسانية دون إقصاء أو تهميش أحد بسبب عرقه أو إقليمه أو قبيلته والتمسك بوحدة التراب الإرتري. وإلا سوف نصبح الوجه الآخر للنظام حيث إننا اليوم في المعارضة نطالب بحقوقنا بسبب الإقصاء والتهميش الذي مورس علينا من قِبل النظام الذي نلعن فيه صباح مساء فهل نكرر نفس الأخطاء التي يمارسها النظام؟
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.