التعايش بين المسلمين والنصارى في إرتريا
بقلم الأستاذ: محمد سعد
عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة وجد في المدينة مزيجاً اجتماعياً وإنسانياً متنوعاً في تركيبته
السكانية من حيث الدين والعقيدة، ومن حيث الانتماء القبلي والعشائري، ومن حيث النمط المعيشي، المهاجرون من قريش والمسلمون
من الأوس والخزرج، والوثنيون من الأوس والخزرج، واليهود من الأوس والخزرج وقبائل اليهود الثلاثة بني قينقاع وبني النظير وبني قريظة والأعراب الذين كانوا يسكنون في المدينة المنورة وغيرهم.
وحينما استقر صلى الله عليه وسلم في المدينة أسس نظاماً عاماً أساسه التعايش السلمي، وبالمصطلح الحديث المواطنة للحفاظ على السلم الأهلي، ونحن اليوم في بلادنا مع الثنائية الإثنية والعرقية في أشد الحاجة إلى هذا المفهوم، مفهوم أن نعيش مع الآخر، مفهوم المواطنة، مفهوم السلم الأهلي، مفهوم قبول الآخر.
وما دعاني أن أكتب في التعايش بين المسلمين والنصارى في إرتريا، لاحظت في الأيام القليلة الماضية انتشار فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي لشخص يتحدث بالتقرينية في عدة قضايا أهم ما لفت نظري فيها هي طرد المسلمين من إرتريا وتوطين مجتمع آخر بدلاً عنهم. والكثير من المثقفين ورواد وسائل التواصل الإجتماعي استهجنوا تلك اللغة التي استخدمها الشخص صاحب الفيديو. وفي ظني هذا الشخص لا يخرج من اثنين، إما أنه شخص جاهل بالمجتمع الإرتري، لا يعرف أواصر الترابط الاجتماعي والثقافي التي تجمعه، أو شخص مشاكس ويعاني من انفصام في الشخصية، ويبحث عن الشهرة حتى بمحاولات تأجيج الفتن في المجتمع، وما علم أن مجتمعنا بشقيه المسلم والنصراني يتعايشان في وطنهم بدون الإقصاء والتهميش.
والهدف من طرق هذا الموضوع هو التقييم والتعرف على السلم الأهلي والمجتمعي تاريخياً في مجتمعنا الإرتري، ومقارنتها بالواقع المعاش. وهل ما نراه اليوم من التشرذم بين الطرفين لها إرث تاريخي مجتمعي أم أنها صنيعة السياسيين من الطرفين؟
في تقديري المتواضع تاريخياً لا يوجد عداء مستحكم بين المسلمين والنصارى في إرتريا في أوساط مكوناته الاجتماعية ولم تسجل حروب أو منازعات على أساس ديني!!
الهواجس التي تعيشها الأطراف، وخاصة الطرف النصراني من فوبيا الإسلام هي مخاوف مصطنعة من قبل بعض السياسيين النصارى، من أجل توظيف تلك المخاوف في التيكتيكات السياسية؛ لكي يتم حشد النصارى في الصراع السياسي، وليس موقفاً من المجتمع النصراني إذا أخذناها بالمفهوم كمنظومة مجتمعية. وما يدلل على ذلك ان المجموعات السياسية النصرانية التي تحاول أن تخلق بعض الأزمات مع المسلمين بمختلف توجهاتهم نجدهم بعيدين كل البعد عن المفاهيم النصرانية في السلوك والمعاملات والاعتقاد، بل هم ضد تعاليم الكنيسة.
وهنا تجدر الإشارة أننا كمسلمين بصورة غير مباشرة نشارك في الأزمات التي تحدث هنا أو هناك، وربما بردود الأفعال على بعض التجاوزات من بعض المنتسبين إلى النصارى بدون أن نعرف أو أن نحسب المآلات لتصرفاتنا.
وحسب متابعاتي المتواضعة تتلخص العوامل التي ساهمنا بها في نقطتين:
الأولى قلة المعرفة بالتاريخ الإسلامي الناصع وأن دولة المدينة التي أسسها رسول الله صلى عليه وسلم هي أول دولة التعايش في التاريخ البشري. وعدم التعامل مع هذه القضية كمبدأ وثوابت ضعف من موقف المسلمين. مع العلم البعض من أبناء المسلمين الذين يرون بضرورة التعامل مع تصرفات النصارى بالمثل وإبعادهم من المشهد السياسي نجد علاقتهم بالإسلام ليست قوية، ولم أجد من الإسلاميين من يقول بالاستئصال أو طرد النصارى من إرتريا.
النقطة الثانية: انحسار تعاملنا مع بعض السياسيين من النصارى واتخاذ مواقفنا على ضوء مواقف تلك الشخصيات مع الغياب التام في التعامل المباشر مع مجتمع النصارى وتبديد مخاوفه بشرح سماحة الإسلام وإزالة الشوائب التي تشار اليهم من قبل السياسيين من النصارى زوراً وبهتاناً أيضاً يعكس ضعفنا في التعاطي والتواصل مع المجتمع النصراني.
فعليه المطلوب القيام بمبادرة جريئة والتعامل المباشر مع مجتمع النصارى من رجال الدين أو الأعيان أو منظمات المجتمع المدني لبلورة الفكرة، وتمهيد أرضية مشتركة للتعايش والخروج من بوتقة صندوق السياسيين من النصارى الذين لا هم لهم سوى الاصطياد في الماء العكر.
إنّ الناس في حاجة إلى بث ثقافة التعايش السلمي الذي هو من أهداف نشر الإسلام بين الشعوب والأُمم، وهذه هي فلسفة الإسلام في التعايش لأنّه أوصل الإنسان إلى العيش في ظلال مبادئ عظيمة منها التعايش السلمي بين بني البشر، حيث إنّ الله سبحانه وتعالى ميز الإنسان بالعقل، وجعل من مبادئ حياته أن يرحم القوي الضعيف بكل ما تحمله هاتان الكلمتان من معنى، وهنا تظهر قيمة التعايش السلمي بين كل طبقات المجتمع، وتتحقق ثمار الرحمة بعد بسط ثقافة «الراحمون يرحمهم الله». ولا شك في أنه إذا شاعت ثقافة الرحمة بين القوي والضعيف، وبين الأفراد والأُمم فإنّ البشرية ستشهد مراحل عظيمة من البناء النفسي والإيماني، ستظهر نتائجه على الأُمم في صورة تعايش حميد.
إنّ التعايش أواصره كثيرة وسبله وفيرة والعاقل من أدرك أنّ الحياة تسع الجميع، وأنّ الأفكار قابلة للنقاش، وأنّ العمر لا ينبغي أن يضيع في ظلال الخلاف والتنافر والتناحر، وأنّ الإسلام بعث الله به الأنبياء، وألف به بين شعوب الأرض، وأصلح به السلوك، فمنه وإليه المحتكم، وبه تصلح النفوس لتتقبل التعايش مع الآخر على ضوء ضوابطه ومقرراته وسعة رحمته واتساع معالجاته.
يجوز في الشريعة الإسلامية الزواج بالنصرانية والعيش معها في غرفة مساحتها لا تتجاوز(4x4)، وما يترتب عليه من الإنجاب والألفة، فهل يسع العيش في الغرفة ويضيق العيش معاً في الوطن الكبير ؟ بيد أن التعايش لا يعني الحب والود والذوبان، وإنما هو البحث عن المشتركات مع من يختلف معك، ووضع آلية في إدارة التنوع الأثني والعرقي.
يجب أن نتعامل مع النصارى وغيرهم وفق الأسس والتعاليم الشرعية، وليس بردود الأفعال على تصرفات بعض الأشخاص المنفلتين من تلك المجتمعات. والبحث عن آفاق الرؤية المستقبلية في التعاييش بين المسلمين والنصارى وتعزيزها.
والله من وراء القصد...
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.