فرانكفورت ونيروبى حدثين فى الساحة يوجع

بقلم الأستاذة: حنان علي مران - شاعرة وكاتبة صحفية  المصدر: عركوكباي

كان شهرا حافلا بالأحداث السياسية، ما إن إنتهى حدث "فرانكفورت" حتى ألحقونا "نيروبى"،

ونحن كمعتادون على الركود السياسي - كل خمس سنوات مؤتمر - ومتواكلون على لحظة القدر المثالية - موت الرئيس - أصبنا بصدمة "حدثين فى الساحة يوجع"، ومدرخين فى الشهر يدوخ ويبعثر أحلام الفتى النائم قفا على أن المجلس الوطنى قام ككيان ومظلة جامعة يحفظ له المقام وإحترامه وعدم تخطيه واجب على أقل تقدير لأنه لازال قائما بنفس المهام التى بنى عليها وليس فى عرف السياسة أن المحدثات من المنظمات تجب ما قبلها من كيان مجتمع عليه إلا أن يحل الكيان السابق الأمر الذى لم يحدث، وإن كانت هناك إرهاصات ومؤشرات غياب نسبى للمجلس الوطني فى الساحة فإن الأحداث الأخيرة هي محاولة إخراج شهادة موت سريرى للمجلس الوطنى للتغيير.

وكعادة التعتيم والتكتم "الإرترى" خرجت أخبار ورشة فرانكفورت ثم نيروبى عبر منافذها فقط سواء فى الإعلان عنها قبل عقدها بأيام قليلة أو مداولاتها ومخرجاتها بعد الإنتهاء، وهى ثغرة ضعف تؤخذ دوما على كل تجمع سياسيى أو إجتماعى يخص البلاد والعباد يتم "دكاكيني" دون دعوة دكان محايد لصبغ المصداقية والحرفية على الحدث، مع إمداد الموالين من صناع الخبر فقط بما يراد له النشر بعد خراب مالطه.

ورشة فرانكفورت:

تناول العديد من الكتاب معظم تفاصيل ومخرجات هذا الحدث الذى جمع بين منظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية بأستثناء الإسلامية التوجه، و نظرا لصعوبة التسليم بكم المعلومات المتدفقة فى الساحة مابين فترة إنعقاد الحدثين وبعدها أرجأتُ كتابة المقال إلى حين إجراء متابعات وتساؤلات طرحتها هنا وهناك عن مدى أهمية ورشة فرانكفورت وما خرجت به علينا والبنود الموقع عليها،وكان الرأى المجمع عليه من المهتمين فى قلب الوسط أنه لايعد سوى ورشة تفاكر ليس إلا ومخرجاتها ليست بذاك التأثير المقلق حد القيام والقعود على جمر البنود، وأما أشد مافى الورشة إثارة فهو أمران، إستبعاد الإسلاميين، وبعض البنود المثيرة للقلقلة والدهشة وليس القلق، وأما القلقلة فللجرأة التى صيغت وخرجت بها بعض البنود التى تهز الهامش السياسى الإرترى وتهيجه، وأما الدهشة فهو إعتقاد البعض أنها ستمرر بسطا على هامات الشعب لمجرد توقيع كل الحضور، أو لمجرد توفر ظهر عاتي لبعض الموقعين، أولمجرد تغييب من كان بإمكانه تشكيل عقبة تمام التوقيعات، رغم أنه ليس أوتغرافاً للإعجاب ولا نوتة كشف حساب للتسجيل الجماعي، ورغم أن المستبعدون من الورشة ظنا أنهم سيكونوا عقبة ليسوا بذاك التطرف سياسياً ولا دينياً يقيناً بل ربما أبدعوا فى الخوض مع الخائضين و أكلوا الخبز مع الآكلين متعللين بأن للدين رب يحميه، وللغة لسان يغويها، لكن سبق معهد فليسبرغ العزل وعفى تلك التيارات مغبة الوقوع بين خيارين أحلاهما حلو، التوقيع ونيل الرضا أوالتوقيع و نيل الرضا.

وأما بنود القلقلة التى خرجت بها ورشة فرانكفورت فتمثلت فى بندي اللغة وفصل الدين عن الدولة، فبند اللغة مثلا رغم محاولة من صاغه الإحتيال بدهاء على اللغة العربية حين قرنها بالتقرينية كلغات تعامل ثم وضعها علي كف المساواة مع باقى اللغات للقوميات الأخرى، فقد كان خيرا أريد به شر، فاللغة العربية ثابتة كمطلب جماهيرى منذ القرن الماضى مع إدراج لغة التقرينيا كلغة تعاطف معها الإحتلال الإثيوبى كواحدة من تبعات تركته الثقافية التى لابد لها من وقت حتى تعود لطبيعتها وحجمها فى البلاد لولا أن تداركها نظام أفورقى وفرضها على الرقاب، فالثابت أن العربية إلى جانب التقرينية لا جديد فيه وإنما الجديد إعطاء بقية اللغات حق التساوى ما يحسب للغة العربية لتكن وحدها فى كفة كلغة سائدة فى المنطقة بأكملها داخل وخارج الحدود وليست لغة قومية بعينها، بينما تساوت التقرينية مع باقى اللغات المحلية فى الحقوق وهو ظفرأريد به الخسارة.

كذلك بند فصل الدين عن الدولة كان أحد المحاور الخمسة التى حرص المعهد الألمانى على فرضها على مائدة الحوار، فالمجتمع الدولى يريد الإطمئنان على مستقبل هذه الرقعة المهمة من القرن الإفريقي، وعلى كل فهو ليس بالأمر الذى تفرضه ورشة ولا حتى مؤتمر دولى، ولا الأمم المتحدة بأسرها،إنه شأن يقره الدستور فى حينه، ورغم محاولة نظام أفورقى صبغ المسيحية على كامل وجه الدولة وإقصاء ما عداها من الظهور اللائق لربع قرن من الزمان لم يقلق أحد!! ورغم كل المخاوف والتكهنات فإن أقصى ما تحتاجه الدولة القادمة هو قوة السيادة وفرضها أولا ثم ليقل الشعب كلمته ويفرضها تماما كما فعلت تركيا اليوم، فالدين مفصول عن الدولة ولكنه مفروض من خلال حكومتها التى إختارها الشعب ونصبها على رأس الدولة.

نأتى لما يخص "مدرخ" المنظمة اليافعة التى ما أن بدأت الحبو فى الساحة حتى ركضت نحو الهدف ولم تبلغ الفطام بعد مقارنة بالأحزاب التى شاخت وهى تتسكع فى طرقات النضال فبدأ الهمز واللمز فيما ورائها ومن ورائها دعما وترويضا وتلميعا، فالمنظمة ذات الخلفية الجبهة شعبية ستظل تحمل وزرها معها ما لم تتعرى كليا أمام الشعب ولا تظهر لها أي عورات، ثم لتعمل بعدها فلربما حسن عملها وبوركت، فأنا شخصيا لا ألوم على مدرخ تصدرها للعمل وإمساكها زمام المبادرات حتى لو كانت وليدة اليوم، وإنى لا أراها إطلاقا فى ضلال مبين كونها سخرت كل مقدراتها وما ملكت من دعم لأهدافها، فهذا كنه العمل السياسي الدؤب، وليس حكرا على أحد، وليس للولاءات الدينية أو المناطقية أية إعتبارات مقارنة بالولاء للوطن والأرض.

وبالمقابل فإن هناك أحزاب هرمت فى ساحات النضال وسخرت لها دول ذات توجهات بعينها دعمت خزاناتها وضخت فيها الأموال الطائلة لسنوات بل عقود، ومع ذلك لم تستفد منها على الوجه المطلوب ولو أنها فعلت لكان للمعارضة شأنا آخر اليوم ولفرضت كلمتها على المجتمع الدولى ولخرجت بالمعارضة لبر الأمان ولفاضت على روح الوطن طهارة، لكن همّتها كانت أقل ورؤيتها لم تتعد دعم كوادرها وترسيخ أركان ملكها فى الخارج وبعض المكاسب سريعة التبخر.

نيروبى:

أما حدث نيروبى طبقاً لم يرتق لفرانكفورت وخرج فى معظمه بما إتفق الناس عليه عند قيام المجلس الوطنى للتغيير فى أواسا 2011، فيعطيك الإنطباع إنه ليس إلا تنطع على قفا المجلس الوطنى،و رغم أن ظاهره الرحمة، إلا أن باطنه تشابه علىّ، ليس كتشابه البقر لكنه أقرب ما يكون، فإنه وإن كان يد الله مع الجماعة فالمجلس الوطنى كان جماعة أيضاً (!) بغض النظر عن خلافاته وإختلاف أعضاؤه فلا زال قائما، والتغاضى عنه وتهميشه ليس مسوغا طالما إجتمع عليه المجمعون " فى ساعة صفا " فلا يستطيعون الإنفلات عنه " فى ساعة ضيق"، إنه ليس سوقا لبيع الكراث ثم ما إن وجدت إغراءا بالبطاطس تهرع كما القرع وتمد لبرّه!.

وإن كانت مدرخ وراء إجتماع نيروبى وصاحبة الدعوة والفكرة، وهى خطوة مقبولة كونها إرترية إرترية دون تدخلات أجنبية،إلا أنه من الواضح أنها أقصت أيضا بعض الأطراف، حتي لو كان إرسال الدعوات قبيل فرانكفورت كما صرح لى بعض الاحزاب (!)، إلا أن تغاضى مدرخ عن دعوة رابطة أبناء المنخفضات التى ما دعاها معهد فليسبرغ إلا لأنها شكلت لديه ثقل ما، يفضى لطرح التساؤلات حول الأسباب، ويذهب البعض إلى أن بلاءا حسنا أبلته الرابطة فى مناقشات فرانكفورت وفرض رؤيتها وتمرير ورقتها وإبداء ضراوة فى المناقشات ربما كان سببا فى إبعادها عن نيروبى، كما أن تمرير رابطة المنخفضات لبنود ورشة فرانكفورت يعد دبلوماسية وحنكة سياسية تحسب للرابطة التى طرحت من خلال الورشة نفسها على الغرب وأبدت وسطية وإنسايبية فى طرحها السياسى لربما أقلق القائمون على نيروبى فقصدوا تفويت الفرصة عليها حتى لا يتم إبرازها أكثر.

جدير بالذكر أن إثيوبيا لم تكتم غيظها بشأن نيروبي فصعرت خدها لخمسة من الأحزاب المعارضة المقيمة على أراضيها والتى قبلت المشاركة فى نيروبى، ولفحتهم بنار "العين الحمرا" فما كان من تلك الأحزاب إلا الرضوخ لرغبة أديس الحانقة على تغير المسار لدولة إقليمية ربما أفقدها كروت تحذير صفراء ضد أسمرا.

جدير أيضا بالذكر أيضاً أن كلا الحدثين خلوا تماما من أى مشاركة أو تمثيل للشباب، بجميع فئات العمل المتواجدة بالساحة ولو من باب التمكين أو التغيير للوجوه ذاتها التى حفظناها ربع قرن من الزمان شخنا وما شاخت.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click