الرابطة كالفكر المتميز والإبداع
بقلم الأستاذ: صالح عبدالله عجيل
في البدء التحية لجميع وفود قوى المقاومة الإريترية المدعوة للمشاركة في "ورشة عمل فرانكفورت" لبحث مصير ومستقبل إريتريا
المنعقدة خلال الفترة 13-14 نوفمبر2015م بإشراف السيد/ غونتر شرودر، مدير (معهد فيلسبيرغ) الألماني. ونتمنى لهم جميعاً التوفيق والنجاح للصالح العام.
والتحية أيضاً لمن وصف الوثيقة التاريخية للرابطة كالفكر المتميز والإبداع المتجدد لإنتزاع الحقوق. وهي خيار إستراتيجي لمنتسبي الرابطة، مع إحترامنا لخيارات الآخرين. بإعتبار أن قضية إريتريا الأولى بعد الإستقلال تكمن في محاربة "الهيمنة" المتمثلة في إنعدام "الحقوق" والعدل والمساواة. وهي بالتأكيد قضايا تستحق الأولوية القصوى من الإهتمام لإيجاد الحلول المناسبة لها بعيداً عن المراوغة بتكرار عبارة "الديمقراطية" الفضفاضة بشعارها المستهلك "شعب واحد على قلب رجل واحد" الذي يرفعه أنصار النظام المجرم. وبموجبه تطبق سياسة الهيمنة بحذافيرها لتغيير البيئة والتلاعب في أماني وطموحات الشعب ليتحدث لغة واحدة ولتفرض عليه ثقافة واحدة. وهذا عمل مدان ولا يتوافق مع نضال الشعب الإريتري العظيم. وأيضاً لا يمكن تكراره مطلقاً بعد معاناة حوالي 25 عاماً من الإستقلال. وهي المرحلة الأسوأ من المعاناة في تاريخ إريتريا في نظر الجميع بما فيهم الذين كانوا أعمدة النظام فى الفترات المتعاقبة.
عندما تتعقد الأمور، تعاني وتبكي وتتألم. وفي النهاية يجب عليك أن تنهض مرة أخرى بعزيمة وإصرار لهزيمة الظلم والظالمين للأبد. هذا الظلم ومعاناة الهجرة المتكررة علمتنا الجدية، كما رسخت فينا العزيمة لإنتزاع الحقوق وحمايتها. وهي نفس المعاناة التي تزيد الجدية لدى الأحرار للوقوف مع الحق قولاً وعملاً مهما بلغ نفوذ وجبروت الظالم. خصوصاً لتحديد طبيعة الصراع في الوطن المغتصب بشفافية والتأكيد بانه (هيمنة قومية) من مكون واحد على حساب مصالح كافة المكونات الأخرى. والحل كما هو معروف يكمن في تقاسم عادل للسلطة والثروة والوحدة في اطار التعدد.
وهذا ما تقوم به رابطة أبناء المنخفضات الإريترية ورسخته في كافة برامجها وفعالياتها منذ إعلان تأسيسها في 29 مارس 2014م. وقد أبرزته على وجه الخصوص بالصوت والصورة في مظاهرة نيويورك في 29 أكتوبر 2015م وقبلها في جنيف ولندن والسويد. حيث كان حضور ممثلي الرابطة وجمهورها ملحوظاً وكلماتهم وشعاراتهم في كل المناسبات مؤثرة ومتميزة. لابسين الزي الوطني ورافعين صور الزعماء التاريخيين للكفاح المسلح وأول رئيس مستقيل للبرلمان الإريتري المنتخب. مما أدى لإزدياد مؤيديها بشكل ملحوظ حول العالم مع مزيد من الدعم والإعجاب.
لقد أثبتت "الرابطة" في كل المحافل رغم حداثتها إنها إضافة قيمة للعمل المقاوم كجزء أصيل منه وليس خصماً عليه. ومن الظلم ترديد عبارة "التنظيمات المعارضة قد فشلت". في حين هذه التنظيمات والأفراد والجماعات الرافضة لنظام العصابة لازالت تقاوم وتزداد عدداً كل صباح. ومن الواجب تشجيعها للتفعيل والمحاسبة. كلنا يعرف طبيعة النظام العنصري الديكتاتوري وكيف جهز نفسه في وقت مبكر لمواجهة هذه المرحلة المأساوية التي نعيشها. مستفيداً من الخلافات الثانوية التي ظهرت خلال فترة الكفاح المسلح وكيف عمقها بخبث ليلعب سياسة (فرق تسد) بين الشعوب. وهي الخلافات التي تظهر عادة خلال العمل اليومي لأي مشروع عام وتتطور إن لم تجد حلولاً سريعة بإهتمام واعي. وللأسف قد أستثمرت هذه الخلافات لصالح المشروع الشيفوني بذكاء لغرض الهيمنة المطلقة. وتم تصفية من قاوم أو أبدى ملاحظاته عليها. وقد نجحت خطة "الهيمنة" للأسف ولكن فشل مهندسوها في إدارة إريتريا الحديثة الغنية بتنوعها الجميل بسبب أنانيتهم المفرطة وعدم قدرتهم للإستمرار بالمراوغة (لأن حبل الكذب قصير كما يقال.. ولن يتكرر بإذن الله تعالى). وكان الخاسر الأكبر الشعب الإريتري بكافة مكوناته.
لقد كان قراراً موفقاً إختيار الرابطة الإعتماد على الذات والعمل كمنظمة مجتمع مدني، خصيصاً لرفع ونشر كفاءة الوعي لمجتمعات المنخفضات ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وحقوقياً. بالإضافة لتعزيز قيم الوحدة الوطنية في الحقوق والواجبات وتنمية المفاهيم الأصيلة التي تجمع مجتمعات المنخفضات المضطهدة دوماً من قوى الإحتلال المتتالية عليها كرد فعل طبيعي لرفضهم الإستعمار الخارجي والهيمنة المحلية. ولتكون منارة للوعي والتفكير الجمعي. وداعم أساسي للوحدة الوطنية التي تتعرض حالياً للموت البطيء بسبب الإرهاب المنظم للعصابة وإنعدام الثقة بين المكونات التي حاربت معاً لعقود لإنهاء الإستعمار الإثيوبي. ولم تجد الإحترام ولا الحقوق المشروعة بعد الإستقلال.
وقد ركزت جهودها عند التأسيس على مجتمعات المنخفضات لأسباب متعددة وأهمها لكونهم الأكثر ظلماً وتشرد. ثم لرفع أداء وحقوق كل الوطن تدريجياً بالإشتراك والعمل مع المناضلين الأحرار من كافة المكونات الإريترية الأخرى، خاصة المهمشين منهم لبناء إريتريا الحديثة ومن خلالهم نهضة كل الوطن ليكون نموذجاً للسلام. وهي مبادرة حديثة وإبداع فكري لتفعيل بطء العمل المعارض لدى مجتمع المنخفضات الذي ظل يقدم التضحيات لكل الوطن وبدون تقدير.
كان الغرض الرئيسي من مبادرة "لم الشمل" للتغلب على ضعف الآداء ومضاعفة العمل النوعي للمقاومة ولنقله من حالة "السكون" و "مكانك راوح" إلى التفعيل والتأثير المباشر. والأهم من ذلك كله لهزيمة روح "الإنهزام النفسي" الذي عانينا منه طويلاً كمسلمين عامة ومجتمع المنخفضات خاصة. وتحديداً بعد الإستقلال في مايو 1991م الذي تحول فوراً للإستغلال الطائفي، بدون الإعتراف بالمظالم وبإنعدام الأمن والحقوق! وذلك من جراء بشاعة إستفزازات قوى "الهيمنة" والأنانية المفرطة التي أصابت العصابة بالغرور ومن أن الظلم المستمر يمكن أن ينفجر في أي لحظة إن لم تحل إشكالياته بحكمة. وكأننا من لا فطنة له ويمكن خداعه دائماً.
عانينا كثيراً وان الرد الطبيعي لإنتزاع الحقوق من عدو شرس كالعصابة الحاكمة ليس بمجرد كلام، بل يحتاج مشاركة فاعلة والتزام جاد من كافة المكونات المهمشة لتغيير الموازين تجاه هذا الوطن المغتصب وشعبه المسلوبة إرادته في حقه وخياراته ومصالحه العليا. وبما أن الرابطة ولدت من رحم المعاناة لوضع حد وهزيمة الظالمين، تستحق الدعم والمساندة الممكنة حتى يتسنى لها مواصلة العمل بإرادة حرة. حيث من لا يملك قٌوته لا يملك قراره. والإعتماد على الذات قدر المستطاع هو أحد أسباب النجاح. وقد حققت حتى الآن نجاحاً منقطع النظير في مجالي الدعم الإنساني والضغط السياسي مع نجاح كبير للشعار الرئيسي "لم الشمل" لمجتمعات المنخفضات. وهي التي فاجأت الكثيرون بطرحها الجريء فيما يتعلق بالحقوق وضرورة تبني السلطات القادمة عودة اللاجئين في مناطقهم الأصلية بدعم جاذب وإهتمام رسمي.
هذا التكرار قد ينفع لمن لم تكن لديهم خلفية عن الرابطة. أما أهدافها ونشأتها وبرامجها واضحة مثل وضوح الشمس في منتصف النهار. ومعلن عنها في موقعها الإعلامي (munkhafadat.com) باللغتين العربية والإنجليزية. بالإضافة لمشاركاتها البارزة في كافة الفعاليات الوطنية والمهرجانات والمظاهرات الكاشفة لجرائم نظام العصابة الحاكمة بقيادة المجرم أسياس أفورقي والمتعصبين من قومه الذين فشلوا فشلاً ذريعاً في إدارة الدولة وجلب السلام والإستقرار بشهادة العالم الحر.
الخلاصة: أن الإلتزام والوفاء بالتعهدات ليس مجرد كلمات وشعارات تكتب في الفيسبوك والتلغرام أو أغنية نرددها ونرقص على أنغامها فيكون الإنتماء. فالانتماء الحقيقي للوطن وإستعادة العزة والكرامة يتم بخدمة وحماية الوطن والوفاء للمواطن. وهذا ما تقوم به الرابطة بقوة والشواهد كثيرة، وفي مجالات متعددة سياسياً وإجتماعياً وإنسانياً. لأن حب الوطن هو شعور وجداني، وهو من أخلاق الأنبياء الذين أكدوا أن حب الوطن ودعم الحق من الإيمان. فسعادة الانسان من شموخ الوطن ومجد الوطن يبنيه اؤلئك الذين يرخصون الروح بالتضحيات حتى يبقى عزيزاً وهم الأوفياء.
إن الثروة الحقيقية لكل وطن هو المواطن، ولكن ليس كل مواطن هو ثروة للوطن فأغلى ما يمتلك الوطن هو المواطن الصالح الوفي الذي يجعل من انتمائه لوطنه وعلاقاته الراسخة مع ابناء وطنه جناحين يحلق بهما في سماء التقدم ويبني جسوراً قوية يدخل عبرها الى عصور الإزدهار. ان من يحاول أن يعرض أمن الوطن للفتنة ويعمل على تفكيك وحدته وتفتيت تلاحمه لا يمكن أن يكون الا في خندق اعداء الوطن. وهذا ما تقوم به عصابة النظام الطائفي العنصري بقيادة المجرم أسياس أفورقي.
وكما هو معروف أن تحقيق النجاح المنشود يتطلب تغيير وتحديث الوسائل والقيادات والإستفادة من التجارب. فمثلاً تجربة المؤسسات ذات المشاريع الإستثمارية الناجحة، تبرز ضرورة الوفاء بالإلتزامات والمحاسبة الفردية والجماعية. بالإضافة لخلق بدائل للهيكل التنظيمي المعتمد بإستمرار بعناصر مخلصة مدعومة بالكفاءات والخبرات اللازمة. وهذا ما تقوم به عملياً الرابطة من خلال العمل الدؤوب والدراسات الجادة في كافة المجالات: السياسية، الثقافية، الإجتماعية والإنسانية. خاصة عن التطور المطلوب وأسباب الإخفاقات التي أصابت المجتمع منذ الأربعينيات من القرن الماضي وحتى تاريخه. والرغبة لعدم تكرارها. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الوفاء والشفافية التي يتمتع بها فريق العمل لمنتسبي الرابطة (قيادة وقاعدة) مما أعطى المبادرة قوة وإنتشار سريع. وسمعة طيبة على الرغم من الهجوم غير المبرر الذي تعرضت له في الأشهر الأولى من إعلان التأسيس. وأيضاً بسبب قوة الوثيقة وشجاعة القيادة في التصدي للإمور بمنطق. مما زاد ثقة العضوية للدفاع بقوة عن المبادرة كخط أحمر لا يمكن تجاوزه.
وبالعزيمة المتجددة والإصرار سيتم إنتزاع الحقوق كاملة قريباً بإذن الله تعالى، تماماً كما تم إستقلال إريتريا من الإستعمار الإثيوبي بالتضحيات المتراكمة من كافة مكونات الشعب الإريتري المناضل. ولن يضيع حق وراءه مطالب.