هل ماتت الثورة الثورية في ارتريا ام قتلت عمداً وجففت منابعها؟ الحلقة الأولى
بقلم الإعلامي الأستاذ: إبراهيم حالي - صحفي وكاتب إرتري
الكل يتساءل اليوم ما هو سبب استمرار الظلم في ارتريا علي يد النظام الحاكم لاكثر من ثلاثة عقود؟
علي الرغم من علمنا بأنه بدأ ظلمه مبكراً منذ فجر التحرير، وكذلك محاولة انفراد الجبهة الشعبية بالحكم وتحديداً رئيسها كان واضح وجلي منذ البداية.
وهذا السؤال بدوره يقودنا الي عدة أسئلة متشابكة:-
١) لماذا لم يجني الشعب ثمرة نضالاته وتضحياته الجسام؟
٢) لماذا لم يثور مجدداً عندما لم تحقق أحلامه، وهو شعب ثائر مشهود له تاريخياً حيث واجهة أعتي امبراطورية ودكتاتورية وآلتها العسكرية الضخمة وهزمها؟
وهل كانت هنالك ثورة يتسق فكرها وفعلها مع الافكار الثورية والتحررية؟ ام كان هنالك إنفصال بينهما؟
في اعتقادي ان ما حدث ويحدث حتي اليوم ليست ممارسات وسلوك ولد بعد الانتصار بل اكاد اجزم ان له جزور ضاربة في عمق الثورة.
الاجابة علي هذه الاسئلة يتطلب القوص في عمق تاريخ الثورة وسبر اغواره وفك طلاسمه ومحاولة حل اللغز علنا نجد بعض الاجابات لما وصل اليه حالنا.
في هذا المقال الطويل سأحاول الوقوف في بعض محطات الثورة في محاولة لتفكيكها لفهم ما حدث لنا ولا يزال يحدث حتي الان وما الغرض الذي يُراد الوصول اليه.
أعرف تماماً بأني سأتعرض لانتقاد حاد وقيل هجوم عنيف من البعض، وسأحاول أن اتفهم دوافعهم ولن أغضب من ردودهم.
1. صناعة تنظيم غير وطني ومفرغ من مضامينه وافكاره الثورية بالرغم من انه يعمل بإسم الوطن وتحت راية الثورة.
بعد العشرية الاولي لانطلاقة شرارة الثورة الارترية والتي وبحكم حداثة التجربة شابها الكثير من الاخطاء،لذا الواجب الو طني يحتم علي كل مقاتل وحادب علي مصلحة الثورة يكون لزاماً عليه معالجة الاخطاء ومحاولة اصلاحها وليس شق التنظيم رأسيا والذي بدوره سيشتت آمال الشعب المعقودة علي ثورته ويبعثرها.
الطعنة الاولي في ظهر الثورة والثورية:
ظهور تنظيم الجبهة الشعبية في تلك الفترة اي بعد العشرية الاولي للثورة بشكل وسلوك مغاير تماًماً لما كانت علية جبهة تحرير ارتريا،حيث شرع منذ البداية في محاولة التحكم في اعضاءه بقوانين ثورية صارمة لا تسمح للمقاتل بشئ عدا الانصياع لاوامر قادته فقط، وتأتي الاوامر بشكل متسلسل من أعلي قائد الي آخر جندي مقاتل وما عليه الا التنفيذ فقط.
اما ابداء الاراء والنقاش حول سياسة التنظيم فهذا كان من المحرمات،وتلك الفترة هي ما شهدت تصفية بمن عرفوا ب "مجموعة المنكع".
لذا انصب جل عمل وهم قيادة التنظيم في صناعة عناصر مطيعة تنفذ ما تؤمر به دون اي جدال،لذا اسس جهاز "حلاوة ثورة" اي آمن الثورة تحديدا لتنفيذ هذا الغرض.
حيث نجح الجهاز في مهمته بإعتماد أساليب السجن والتعذيب والتنكيل علي كل من يخالف الاوامر او يحاول ابداء رأيه وليس هذا فحسب فكانت هنالك حالات تصل الي حد التصفية والاعدام حتي تكون عظة للاخريين، وبذلك قام الجهاز بتفيد عمله بنجاح وادخل المقاتل في صندوق الرعب الاسود وحوله الي روبوت آلي ليس له حق التفكير كبقية البشر.
وبذلك نجد ان التنظيم امتلك مقاتلين مفرغين من افكارهم ومضامينها الثورية وصودرت حقوقهم وحرياتهم حيث تم تحويرهم او تحويلهم الي مسوخ متشابهة تنفذ ما تؤمر به فقط، حتي مع مرور الوقت اصبح هذا السلوك طبيعي واسلوب حياة يومي،حيث اصبح بالمقابل التفكير الحر هو الشذوذ عن القاعدة.
وبالطبع من لا يمتلك تفكيراً حراً ليس بإنسان حر.
كما أن من لم يثور من اجل حريته ليس بثائر.
فالمقاتل المذكور أعلاه انتفت عنه صفتي الحر والثائر.
لذا من الطبيعي أن من فقد حريته لا يمكنه توفيرها لغيره، اي كما يقول المثل العربي "فاقد الشئ لا يعطيه".
وأستدل هنا فيما ذهبت اليه في تحليلي علي اجابة السفير الراحل ادحنوم هبتي ماريام في مقابلة اجرتها معه اذاعة D C الناطقة بلغة التجرنية في العام 2002 في رده عندما سألته المذيعة، ما هو تقيمك للمقاتل اثناء الثورة، وما هو تقيمك للجيش الارتري اليوم؟
فكان رده كالتالي: عندما كنا في الثورة وعلي الرغم من اننا كنا منزوعي الارادة والحريات وليس لنا اي حق في ابداء آرائنا في سياسة التنظيم الذي نؤمن به ونفديه بأروحنا فكل ما كان يسمح لنا به من حديث في هذا المجال هو "نعم للحرية" فقط، ولكن لاننا كنا نضع هدفنا امام اعيننا كنا نخوض المعارك نقود وننقاد ونحقق بطولات اسطورية.
اما عن الجيش الارتري اليوم واغلبهم من منتسبي الخدمة الوطنية جيئ بهم ليس بغرض تأسيس جيش مهني وطني، بل الغرض هو تحييدهم عن اي فعل مقاوم محتمل والتحكم فيهم بالقوانين العسكرية الصارمة، وان ظهرت بوادر اي حراك او مقاومة في اوساطهم يتم قتلها بعيداً عن اعين الناس.
وهنا يتضح لنا من الجزء الاول من حديث سعادة السفير يؤكد ما ذهبت اليه اليه في تحليلي عن ما هية نوع المقاتل،و في الجزء الثاني من الاجابة سنجد كيف ان العقل المدبر كان يجفف منابع بالثورة بنفس الاسلوب القديم، والذي سنأتي اليه لاحقاً دور المقاتل المبرمج "الروبوت".
الطعنة الثانية والقاتلة للثوار والثورة والثورية:
بعد العشرية الثانية لانطلاق الكفاح المسلح وبعد العشرية الاول لظهور تنظيم الجبهة الشعبية في الساحة، والتي تخللتها الكثيرة من الاحداث، لكن سأتناول ما هو ذات صلة بموضوع الثورة.
بعد أن قوية شوكت الجبهة الشعبية ورتبت صفوفها ولا سيما العسكرية منها تحالفت مع جبهة تحرير تقراي بغرض ضرب جبهة التحرير الارترية وإقصائها من الساحة، وهذا بالطبع يعيدنا الي الوراء قليلاً فعندما انشقت المجموعة عن التنظيم الام علي الرغم من امكانية اصلاح ومعالجة الاخطاء كما ذكرنا،لذا في الخطوة اللاحقة سيتضح لنا أن غرض انشقاقهم هو تصفية الجبهة وابعادها عن الساحة.
وهذا ما حدث بالفعل ووفق مخطط جهنمي مدروس ومتقن بحيث لا تعود بعدها البتة.
وبهذه الضربة القاصمة لظهر الثورة اصابت قيادة الجبهة الشعبية ثلاثة اهداف:-
١) أخراج الجبهة من الساحة نهائياً والانفراد بالساحة.
٢) اصابة الثورة الارترية في مقتل بإنهاء تنظيمها الوطني.
٣) التأكد تماماً من انها تمتلك مقاتل ممسوخ ومطيع يقتل رفيقه الثوري بدم بارد وكذلك يمكنها ان تدنس به اقدس مقدسات الشعب، وهذا ما سيحدث لاحقاً.
ولم يكتفي التنظم بذلك بل فحتي نهايات ثمانينات القرن الماضي كان كان في سعي بشكل محموم للتخلص من قيادات جبهة التحرير الارترية عبر الاغتيالات التي نفذها في الاراضي السودانية.
وفي رأي بعد كل تلك الاحداث اسدل اسياس الستار علي حقبة تاريخية ثورية وطنية بنجاح وتفوق باهر.
حتي الان رأينا كيف تسلسل قتل الثورة من داخلها حتي العام 1981.
اما ما استمر بعد ذلك الي يوم 24 مايو 1991 فلا اظن انه أستمرار لثورة تحررية بما تحمل هذه الجملة من معاني ومضامين فكرية ومواقف مبدئية، بل كان جسماً غريباً غير متجانس ولا متسق فكرياً ومبدئيا مع فكرة الحرية التي تحققت بالمقاتل الممسوخ المؤمن بالحرية والذي هو ذات نفسه كان اول ضحايا سياسة التنظيم، لذلك حتي هو لم ينعم بالحرية او لم يجدها من الاصل ليس لسبب ما غير انه تخلي عنها يوماً، حيث تحولت مهمته من قمع وقتل اخوته ورفاقه الي قمع وسجن وقتل المواطن الذي ثار يوماً ما لتحريره من بطش المستعمر.
تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة
للتواصل مع الكاتب:عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.