هل ماتت الثورة الثورية في ارتريا ام قتلت عمداً وجففت منابعها؟ الحلقة الثانية
بقلم الإعلامي الأستاذ: إبراهيم حالي - صحفي وكاتب إرتري
تجفيف منابع الثورة وقتل الروح الثورية بنفس ادوات قتل الثورة.
بعد الانتصار علي الجيش الاثيوبي مباشرةً بدأت الجبهة الشعبية في تحريك آلتها القمعية ضد الشعب لممارسة اضطهادها وظلمها الذي اعتادت علي ممارسته في حق المقاتل، اما الان فالدور علي أعيان المجتمع من شيوخ وعلماء ومعلمين وتحديداً من المكون المسلم ليس لذنبٍ اقترفوه ولا لجرمً ارتكبوه بل فقط لانهم اصحاب علم وفكر ولهم كلمتهم المسموعة لدي مجتمعاتهم، فكان لابد من ازاحتهم عن المشهد حتي تسهل قيادة المجتمعات ويسهل التحكم فيها، ولانه يعلم تماماً دور الشيوخ في اندلاع الثورة ومساندتها لاستمرارها وثباتها، ونذكر هنا دور شيخ داود الذي كان له الباع الاكبر في اقناع عواتي وسنده لتفجير الثورة الارترية ،ولم يكتفي بذلك حيث تبرع بجل ماله ومات فقيراً في اللجوء.
وما هو معرف لم توجه الي المعتقلين تهم بعينها ولم يقدموا لمحاكمة، كل ما كان هنالك رواج اشاعات ارتباطهم بتنظيم الجهاد الارتري والتي سربها النظام الحاكم من خلال خلاياه المندسة وسط الشعب التي تعرف ب 03.
أما ابتداء الظلم بالمكون المسلم اعتقد انه كان ذو اغراض ونوايا خبيثة ،أولاً لتبرير فعلتهم نسبوهم الي تنظيم الجهاد وثانياً كان الغرض ارسال رسالة الي المكون الآخر حتي تنعدم الثقة وتتسع الهوة بين المكونين وبالتالي يكونوا قد ضمنوا عدم تعاطفهم وتوحدهم معهم.
وعندما لم تواجه الحكومة الارترية باي اعتراض لهذا السلوك والتصرف الغير قانوني استمرت وتوغلت في الاختطافات والاعتقالات ولنفس الشريحة حتي العام 1994 حيث شملت الاعتقالات كل معلمي المعاهد الدينة الاسلامية في البلاد.
وهكذا ادخلت شريحة واسعة من المجتمع الي صندوق الرعب الاسود الذي جلبوه معهم من الساحل.
معوقي حرب التحرير:
اما الخطوة الثانية والتي لم يخطط لها التنظيم، وقد حدثت بشكل عفوي، لكنهم تنبهوا لها وتعاملوا معها بكل قساوة حين قتلوا رفاقهم معوقي حرب التحرير بكل سادية ودم بارد ليس لشيئ عدا انهم طالبوا بتحسين اوضاعهم المعيشية، وعندما لم يجدوا اذن صاغية تنصت لمظالمهم، حركوا مسيرة سلمية نحو اسمرا، لتحقيق مطالبهم والتي تم قمعها بقوة السلاح وفي وضح النهار، وكانت رسالة واضحة للجميع بعدم سماح السلطة بممارسة اي سلوك ديمقراطي حضاري ولا استثناء في ذلك.
رفض عودة اللاجئين لا سيما من السودان الي ديارهم.
بعد اندحار الجيش الاثيوبي وتسلم الجبهة الشعبية للسلطة، كانوا اللاجئين وبالذات من كان منهم في معسكرات لجوء سيئة الاحوال في السودان كانو هؤلاء اللاجئين يتوقون للعودة الي الوطن الي مدنهم وقراهم التي غادروها مكرهين خوفاً من بطش المستعمر، وبالفعل تبنت الامم المتحدة مشروع العودة وتمويله وتأهيل العائدين، ولكن للاسف الحكومة الارترية ممثلة في رأس نظامها وقفت سداً منيعاً بين هاؤلاء اللاجئين وتحقيق احلامهم لتستمر معاناتهم الي يومنا هذا. حيث رفضت عودتهم بشكل قاطع ولا ادري ما هي الاسباب التي قدمتها لتبرير الرفض.
في اعتقادي لا يوجد سبب وجيه ومنطقي من عودة هؤلاء الي ديارهم غير انهم كانوا الحاضنة الطبيعية للثورة لاسيما جبهة التحرير الارترية التنظيم الذي تم القضاء عليه كما اشرنا في الحلقة السابقة، لذلك عودتهم قد تعني تهيئة الارضية لعودة التنظيم اذا استطاع لملمت ما تبقي من عناصره ونظم صفوفه، وهذا كان سيشكل تهديداً خطيراً لسلطة الجبهة الشعبية التي كانت تتأهب للانفراد بالسلطة في البلاد، وهذا يتضح جلياً في سماح رأس النظام لقيادات التنظيمات وافرادها بالعودة بصورة فردية دون تنظيماتهم، اي كما قالت الاستاذة أخيار ياسين في مقابلة اجراها معها الاستاذ احمد شريف في اذاعة ارينا بأنه تعامل معهم في تلك الدعوة كمجرمين وليس كمقاتلين، وكانت أشبه بالدعوة التي قدمها الامبراطور هيلي سلاسي لقادة الثورة بالعودة مقابل العفو وكان ذلك سنة 1966.
اذا نجد أن رأس النظام تعامل مع ملف اللاجئين بطريقة الباب الذي يأتيك منه الريح سده واستريح.
ساوا وتحييد الشباب في معسكرات السخرة:
كنا قد تطرقنا في الحلقة السابقة لموضوع منتسبي الخدمة الوطنية ضمن مقابلة السفير ادحنوم في اذاعة D C ولا أعتقد هنالك الكثير لاضافته لهذا الموضوع.
من المعروف أن الخدمة الوطنية محدودة السقف الزمني موجودة في كل الدول لكنها مقيدة بقوانين دستورية وفترتها محدودة.
لكن في ارتريا اصدر مرسومها من مكتب الرئيس دون الاستناد الي اي مرجعية قانونية، وهكذا كان حال كل المراسيم التي كانت تصدر من شخص واحد وبالتأكيد كان يصدرها وفق ما يتطابق مع مصلحته وليس بالضرورة ان تتطابق مصلحته مع مصالح البلاد العليا.
رقم أن فترة الخدمة الوطنية وفق المرسوم حددت فترتها بعام ونصف العام، الا أن لا الحكومة ولا الجيش تقيد بهذه الفترة بحجة البلاد كانت في حالة حرب، وبدليل أن هنالك من دخلوها في بدايتها 1994 ولازالوا في الجيش حتي يومنا هذا.
وبالعودة الي موضوع تجفيف منابع الثورة نجد ان السلطة استفادت من مشروع ساوا في التحكم في اهم شريحة في المجتمع في معسكرات اشبه بمعسكرات السخرة، وكذلك استطاعت التحكم في قادة الجيش بتقديمها لهم امتيازات من ضمنها عمالة مجانية او عبيد بالمعنى الادق كانوا يستخدمونهم في مشاريعهم الخاصة دون مقابل، ويفعلوا بهم ما شاؤا حتي القتل وما أسهله في الغابات والاحراش التي تخفي الكثير من الجرائم التي يندب لها جبين الانسانية.
وبهذه الطريقة ماتت كل المقاومات المحتملة في مهدها.
فلنتساءل هنا قليلا هل وضعية الجيش بتلك الكيفية أعلاه يأهله للذود عن الوطن والمواطن؟
وهل تعتبر مؤسسة الجيش بوضعها الحالي مؤسسة وطنية مهنية تعلي مصلحة الوطن وتحمي سيادته؟
وفي حال تم تسريح الجيش الذي اكمل زمن خدمته وهو ما يشكل النسبة الاكبر فمن تبقي هل يكفي لتماسك المؤسسة ويمكن للبلاد الاعتماد عليه.
لا أعتقد أن هنالك إجابة غير النفي علي هذه الاسئلة، الا لمن اراد أن يقول لنا عنزة وإن طارت.
اذاً فلنتساءل والاسئلة مشروعة، من المستفيد من عدم وجود مؤسسة عسكرية مهنية وطنية غير سياسية متماسكة في البلاد؟
في رأي المستفيد الاوحد هو من اراد لها ان تكون بهذا الشكل حتي يستطيع التحكم فيها ويأمن شرها.
وما دام هنالك مستفيد بالطبع هنالك طرفاً آخر خاسر.
فالبلاد وشعبها هم من يخسران من ضعف المؤسسة التي يتوجب عليها ان تحمي المصالح العليا للبلاد وسيادتها.
كل النقاط والمحطات التي توقفت عندها وجدت فيها فعل تجفيف لمنابع الثورة بشكل ممنهج ومدروس. وهذا وضح جلياً في كل الحراكات التي حدثت ضد الدكتاتور ولم تجد لا سنداً شعبياً ولا عسكرياً علي الرغم من أن الغالبية العظمي كانت تتمني لها النجاح.
ونذكر منها حركة مجموعة ال 15 وكذلك حركة الحرية الان مجموعة الفنان ادريس محمد علي والمناضل طه محمد نور ،وكذلك حركة فورتو بقيادة الشهيد ود علي، وأخيراً إنتفاضة مدرسة الضياء بقيادة الشيخ الجليل موسي محمد نور.
كل تلك الحركات قامت علي ارضية جففت فيها منابع الثورة والكل أُدخل فيها الي صندوق الرعب الاسود، وأصبح أقصي حد يصله الارتري من الثورة هو الهروب خارج البلاد والنفاد بجلده من قبضة كلاب السلطان، وهكذا تقزم فعلنا الثوري.
تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة
للتواصل مع الكاتب:عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.