البحر الأحمر بين ضوء ترمب الأخضر وإشارة بايدن الحمراء - الحلقة الثانية

بقلم الأستاذ: أحمد فايد - كاتب وناشط سياسي ارتري

استكمالاً لما قدمنا في الحلقة الأولى نبدأ في سرد بعض الأحداث التي ستعبر بنا إلى الواقع الجديد

ملس زيناوي و أسياس أفورقي

لمنطقة البحر الأحمر.

وبإطلالتنا على بعض التفاصيل اليومية سنجد أن عموم المنطقة تمر بمخاض عسير سينتج عنه مشروع تطويع وإعادة هيكلة شاملين بما يتماشى ومصالح الدول العظمى متضمناً التعديل الكامل لديموغرافيا وخرائط الجانب الغربي للبحر الأحمر.

الجانب الشرقي للبحر الأحمر:

بعد دخول دول الخليج الرئيسية إلى المشروع طوعاً على خلفية اللهث وراء شرعية انقلاب ولاية العهد، والذي تبعه بسرعة فائقة تنفيذ مهمة القيام بإعداد اليمن تمهيداً لتطويعه وإدخاله ضمن الكروت المضمونة.

وفي اليمن تبدوا بوادر انتهاء المشروع بفتح قنوات حميمة بين الولايات المتحدة والحوثيين وذلك بعد اكتمال تنفيذ المرحلة الأولى من هذه المهمة بفصل اليمن الجنوبي عمليّاً وضمان جاهزيته الكاملة للإنخراط في المشروع على خلفية الأمل بالقبول المبدئي بكيانه الإنفصالي. هذا يمكن إثباته بالعودة إلى تصريحات عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي صراحة حين قال بأن كيانه على استعداد للذهاب إلى أبعد من التطبيع مشيراً إلى المصالح التي يأمل كيانه أن يحققها من خلال ذلك.

بقي أن نذكر أن الخطة الأمريكية للمنطقة عبث الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب باللعب في وتيرتها المعهودة من خلال هرولته نحو تنفيذها بخطوات متسارعة حتى يُظهر ذاته بطلاً فوق النظام الأمريكي القائم فيسترق الانتخابات ويضمن دورة رئاسية ثانية.

وبما أن الرياح هبت عكس ما اشتهى ترمب فإنّ العمل عاد للسير بالأسلوب الرتيب والتقليدي بمجرد تسلم الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن مقاليد الحكم وخروج كوادر الهوى الترمبي من البيت الأبيض وطردهم خارج دوائر التأثير الأمريكي حول العالم. إلا أن هذا لم يدحض بعض التحركات غير المعتادة في المنطقة والتي أتت في إطار السعي وراء إعادة الأمر إلى نسقه الطبيعي.

الوياني:

بعد تولي بايدن وضبط سرعة الكيانات التي تسبب دونالد ترمب في هرولتها بعيداً عن النسق المعدّ سلفاً، تم إيقاف حرب التقراي على الفور بإجبار الجيش الفدرالي الإثيوبي على الخروج الفوري من تقراي وتم وضع خطة لها تخرج الجميع بأقل الخسائر مع الإستمرار في بناء الجانب الإيجابي منها، وإعادة كرامة التقراي التي تم مرمغتها في التراب أواخر العام الماضي.

وضمن هذا الجانب الإيجابي (لدى الملاك الجدد) المتضمن في المشروع يبدوا جلياً الإستمرار في نهج التقراي الذي قدم المسلمين قرابين لتأكيد تبنيهم للمشروع بقيامهم بإعدامات ميدانية لكل من يقع منهم في الأسر بحسب بعض التقارير. وضمن ذلك التصرف غير الطبيعي نشاهد التقراي يهاجمون إقليم العفر حتى العمق ويرتكبون فيه الفظائع في الوقت الذي تحتل فيه قوات إقليم الأمهرا ثلث أراضي إقليم تقراي (حسب الخريطة المعلنة للإقليم).

ومن ذلك نذكر مشهدين بارزين تراهما في مواجهة التقراي المزعومة للأمهرا يتمثل أحدهما في تبادل المواقع المستمر في مناطق رايا وألاماطا وقوبو بما يشبه تبادل كرة التنس. والمشهد الثاني هو المتمثل في الدعاية التي وضعوا لها رمزاً فتاة أمحراوية محجبة، مع العلم بأنّ الأمحرا معروفون بكونهم قلب الديانة الأورثودوكسية في إثيوبيا ولم يرمز لهم في أي وقت من الأوقات بالرمز الإسلامي.

هذا يأخذنا إلى دراما الطفلة الإرترية المختطفة نعمة التي تحولت (بقدرة قادر) عنصرا مخابراتيا خطيراً وأتت مرتدية حجاباً مع الزي العسكري الإرتري!! في مهمة أخرى للتقراي تحمل تبرير ما سيحدث في المستقبل القريب من تطهير عرقي واستئصال طائفي.

وكما أتي منصوصا عليه في بيان التقراي الذي أسموه رؤية استراتيجية توصل إليها سياسيون وعسكريون وأكاديميون تقراي متخصصون؛ فإن الخطر الداهم لديهم هو ما أسموه التمدد الإسلامي في إرتريا مما يجعله ضمنيا يسير في نسق دعاواهم التي أغرقوا بها الإعلام والقائلة بأن أصحاب الشلوخ هم "الغالبية العظمى في الجيش الإرتري" ومؤكدين على أن من يحاربهم هم سكان المنخفضات الإرترية بامتداداتهم الطبيعية الواصلة حتى العمق السوداني وان عليهم الثأر من هؤولاء الغزاة المجرمون!!

الهقدف - الشعبية:

إساياس أفورقي لم يختلف مع التقراي في هذه الجزئية حين تلقفت كوادره قضية الشلوخ وعملوا منها ترند على السوشيال ميديا مؤكدين على أن أصحاب الشلوخ قد قاموا بما قاموا به مضطرين لحماية وطنهم في إثبات لدعاوى التقراي من البوابة الخلفية. وفي هذا الصدد يمكن مراجعة الخطابات الإرترية الداعمة للتقراي والأخرى الداعمة للهقدف.

هنا تطل برأسها الأجندة التاريخية الموحدة للشعبية والوياني التي على أساسها قام كيانهم الموحد باستئصال الثورة الإرترية من الميدان. تلا ذلك تعثرهم في تحديث تفاصيلها بما يتوافق والمستجدات (التي اقترب ملس زيناوي كثيراً من تبنيها) فاضطروا للدخول في حرب الأغبياء (1998-2000) التي تذكرني بالشخص المتهور فاقد التركيز الذي يتعامل مع "خيط معقد بعض الشيء" فلا يتمكن من فكه نظراً لحالته العصبية الدائمة فيقوم بتقطيع الخيط ورميه في سلة المهملات.

وعليه فالمشكلة الوحيدة بين الطرفين التقراويين ليست إلا مجرد تفكيك ذاك الخيط!! وإلى هذا دلّهم سوط الرئيس الأمريكي جو بايدن فاضطر إساياس للتخلى عن أبي أحمد على الفور وعاد مهرولاً إلى أهله التقراي. وهي ذات الغضبة البايدنية التي أخرجت أبي أحمد من تقراي خلال 24 ساعة تاركا وراءه المعسكرت الجانبية لجيشه التي تلاعب بأفرادها التقراي ومثلوا بهم أبشع تمثيل.

عناق الأخوة الأعداء:

في اعتقادي أن طرفي التقراي في إرتريا وإثيوبيا قد أعلنا التوبة النصوح فعاد الإيقاع طبيعيا حيث بدأ السير في ذات إتجاه أجندتهم الأولى وهي تأسيس دولتهم العنصرية على أنقاض شعوب المنطقة. هذه الدولة المزعومة التي ترى نفسها إسرائيل إفريقيا كما تقول بذلك في جميع أحاديث النافذين فيها والمنظرين لها. وتحمل نظرياتهم تلك كافة مضامين الكيان الصهيوني بما في ذلك قتل وتهجير الشعوب قاطنة الأرض المستهدفة واحتلالها، مؤكدين على نظرية أن حدودهم تنتهي بانتهاء ذخيرتهم.

لا شك إذاً في أن ّ نظرية تأسيس الدولة اليهودية تجد لها مكاناً هنا ولن يتوقف ذلك في حدود استئصال الإرتريين من أرضهم. وأذكر هنا مثالاً لا حصراً ما قاله أحد منظري دولة تقراي الكبرى بأن كسلا أرض تقراوية مدعيا أن أصل التسمية يعود للّغة التقرنية وهو (ቀንጸላ)، هذا بالإضافة إلى ادعاءات أخرى بأن شعوب المنخفضات الإرترية وشرق السودان خطر داهم عليهم ومن ثم تقول الأجندة أن لا حياة لتلك الدولة المزعومة في وجود هذه الشعوب.

نواصل بإذن الله... في الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click