كيف حمى جمال عبدالناصر مصر من قيام سد النهضة بدعمه للثورة الارترية

بقلم الأستاذ: جعفر إبراهيم وسكة - ناشط سياسي وحقوقي إرتري

سد النهضة وخطر الوجود للمصريين، كيف حمى عبدالناصر مصر من قيام سد النهضة بدعمه للثورة الارترية؟

جمال عبدالناصر

وكيف سيتصرف السيسي لحماية مصر حاضرا ومستقبلا.

كانت القاهرة الناصرية مهد الثورة الارترية وميلادها.. ساعد في ذلك شخصية عبدالناصر مدرس علم الاستراتيجية في الكلية الحربية المصرية حيث كان عبدالناصر بطبيعته الأمنية يعرف حدود الأمن القومي لمصر وتقاطعات الجغرافية واهتمام ناصر بالقضية الإرترية كان ينبع من فكرتين أساسيتين فكرة التحرر من الإستعمار باعتباره زعيما بارزا أشتهر بدعمه لكل حركات التحرر في العالم وخاصة في أفريقيا لذلك كان يرى أنه من باب أولى أن يدعم الشعب الإرتري الذي تربطه معه روابط قوية ومتأصلة كرابط الدين والجغرافية والدم.

كان عبدالناصر قد التقى صدفة بزعيم الفدائيين الإرتريين وأحد مؤسسي جبهة التحرير الإرترية الشهيد سعيد حسين في جبهات القتال مدافعا عن مصر العروبة والاسلام في الحرب الثلاثية التي شنتها فرنسا و بريطانيا واسرائيل ضد مصر بسبب اتخاذها قرار تأميم قناة السويس لأجل بناء السد العالي..

ومن سخريات القدر أن يكون السد الذي بناه ناصر وقامت لأجله الحرب مهدد الآن بخطر وجود سد النهضة الأثيوبي المدعوم من البنك الدولي وكل الدول الرأسمالية والاشتراكية تخيلو أن إثيوبيا التي لاتملك مثقال ذرة مماتملكه مصر تهدد أمن مصر الوجودي سأل الزعيم عبدالناصر سعيد حسين عن أهل أسوان ظانا أنه من أسوان لتشابه السحنات بيننا واهلنا النوبيين الفضلاء أجابه سعيد حسين لست من أسوان ياسيادة الرئيس أنا من إرتريا..

أشاد عبدالناصر بهذا المقاتل الذي جاء من إرتريا ليحارب متطوعا في مصر من أجل حماية الأمة من خطر العدوان الثلاثي أدرك عبدالناصر أن هذا الشعب شعبه وأن هنالك واجبا أخلاقيا يتوجب عليه القيام به اتجاه هذا الشعب ومن ثم أمر أن يعامل الإرتريين معاملة المصريين في التعليم بناء على رغبة الفدائي سعيد حسين.

الفكرة الثانية التي كان يراها عبدالناصر ويؤمن بها أن من أوجب واجبات الدولة المصرية دعم استقلال الشعب الإرتري وتحرره من الإحتلال الأثيوبي ففي ذلك حماية لمصر من خطر إثيوبيا الدولة التي يحاول العدو من خلالها تهديد أمن مصر المائي..

مات عبدالناصر دون أن يرى استقلال إرتريا الذي كان يدرك تحقيق حتميته في النهاية .. هذا الحلم الذي التف حوله أعداء الشعب الإرتري من أنصار إسرائيل و إثيوبيا الكبرى التي يجب أن تملك أكبر ساحل وتتحكم في أكبر نهر حسب مزاعمهم يتزعم هؤلاء الناس أسياس أفورقي الأثيوبي الذي يحكم الشعب الإرتري بمعاونة إسرائيل وامريكا و المخابرات المصرية تعلم يقيناً أن أول زيارة قام بها أسياس أفورقي بعد توليه لسدة الحكم في أسمرا كانت لتلأبيب وأن أفورقي هو أحد أكبر المنفذين لسد النهضة والساعي لحمايته بكل الطرق الممكنة.

ثم جاء السادات صديق ناصر الذي اتخذ قرارات صبيانية أضرت بمصر كثيرا كان ذلك في سبيل أن يثبت لنفسه أنه بات متحررا الآن من كل أفكار عبدالناصر التي كانت تلاحقه حتى في المنام فالسادات هو الذي كتب ياولدي هذا عمك جمال ايمانا بناصر لاتوددا له لكنه بعد أن جلس في الكرسي أراد أن يكون زعيما جديدا له فكر ورؤى مختلفة عن ناصر وكان من ضمن ما اتخذه السادات من القرارات الخاطئة الانغلاق على الذات والابتعاد عن أفريقيا ثم الرضوخ لإسرائيل بابرامه لمعاهدة السلام الشهيرة (كام ديفيد) تعامل السادات مع مصر كأنها دولة محمية من أي خطر يهدد وجودها طالما أنها متصالحة مع إسرائيل وصديقة لإمريكا ناسيا ومتجاهلا في الآن ذاته استراتيجية إسرائيل المعلنة والمعلومة بالضرورة للعوام من الناس فمابالكم برئيس دولة عظيمة كمصر (السيطرة من النيل للفرات) هذه الاستراتيجية التي تتعارض مع وجود مصر قوية غير راضخة لإرادة إسرائيل.

انتهت مرحلة السادات باغتياله لتبقى دولة السادات من بعده تتحكم في مصير دولة عظيمة كمصر والتي إن سقطت أو اسقطت لاسمح الله لن تقوم لهذه الامة قائمة.

ثار الشعب المصري في ثورة مباركة أزال فيها حكم مبارك الذي كاد أن يضيع مصر لولا حفظ الله وفطانة المؤسسة العسكرية التي رفضت أن تكون ضد إرادة شعبها وأجبرت مبارك على التنحي.

بسقوط نظام مبارك بدأ العهد الساداتي في التلاشي وكانت مؤشرات ذلك أن شهدت القاهرة في ظل حكومة المشير طنطاوي حراكا ثوريا إرتريا أعاد للأذهان ثورة الضباط الأحرار ووقوفها مع الثورة الارترية انزعجت عصابة أسمرا من ذلك الحراك الذي تبنته حركة 24 مايو الإرترية وحاولت ايقافه بكل الطرق حتى أنها احتجزت صيادين مصريين للمقايضة بوقف نشاط حركة 24 مايو الإرترية في القاهرة تلك الحركة التي ولدت مع الميلاد الجديد لمصر المتجهة نحو أفريقيا مصر التي أدركت الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه حين تخلت عن أفريقيا التي لم تقف سابقا إلا مع مصر ظالمة ومظلومة بسبب سياسات عبدالناصر الرشيدة لتصبح اليوم كل أفريقيا ضدها برغم محاولات مصر الأخيرة وسعيها دبلومسيا لضبط البوصلة وإعادة الأمور لما كانت عليه.. لكن حصاد أربعون عاما من الغباء السياسي لن تغيره سنوات قليلة.

في ظل الظروف المشابهة التي يعيشها الشعبين المصري والارتري والتي تشبه ظروف الخمسينيات إلى حد التطابق بدأت القاهرة السيساوية تشهد حراكا إرتريا غير مألوف مما أعاد للأذهان مشاعر التاريخ وامكانية إعادة تكراره لحماية الشعبين المصري والارتري من خطر دولة الإحتلال الأثيوبي التي يقودها كل من أبي أحمد في أديس أببا و أسياس أفورقي في أسمرا..

فهل يتخذ السيسي قرار الوقوف مع الشعب الإرتري كما فعل عبدالناصر مستندا على مرجعية اخلاقية ونظرة أمنية وهو الذي لايخفى عليه اعلان إثيوبيا باقامتها لقاعدة عسكرية في البحر الاحمر الإرتري بالتفاهم مع ضابط المخابرات الأثيوبي أسياس أفورقي رئيس الأمر الواقع الذي يحكم إرتريا ويخنق العرب والمسلمين وخاصة مصر.. أم أن للسيسي رأي آخر.

Top
X

Right Click

No Right Click