لماذا يهاجر الشباب الإرتري إلى حيث المجهول؟

بقلم الأستاذ: حسين رمضان - كاتب ارتري

لا غرو إن الإنسان يحب موطنه مهما كان قاصياً عليه ومؤلماً لأن الوطن هو الملاذ والحاضن وبلسم الجراحات

حادثة غرق 1

فقصاوته لن تكن إبتداءاً منه بل هي مفتعلة من يسير دفته ويسيطر على مقدراته السياسية والإقتصادية والاجتماعية.. أياً كان هذا النظام.. حزبياً أو عسكرياً.. ليبرالياً أوشيوعياً.. دكتاتورياً أو شمولياً.. فليست العبرة في نوعية الحكم ولونه بقدر ما هي في كيف يحكم ويسوس هذا الوطن فللأسف الكثير من الأنظمة إن لم تكن كلها تضطهد شعبوها بوسائل عدة من أجل البقاء السرمدي في سدة الحكم فيضيقوا على شعوبهم سبل العيش الكريم حتى في أدنى مستوياته فضلاً عن فقد الأمن والأمان.. فلا هم يصلحون البلاد ولا هم تاركين مقاليد الحكم ليتولى دفاتها من يفوضه الشعب ويهتم بمعاناته.

فلا يغرنكم تقلبهم في البلاد، فالله يمهل ولا يهمل وقد يكون استدراجاً لهم حتى يأخذهم أخذ عزيز مقتدر وحينها ولات حين مناص... وكم من فاجعات دخلت بيوت المواطنين بسبب فقد فلذات اكبادهم من خلال رحلة الهروب من جحيم الأنظمة الجائرة إلى حيث المبتغى من الأمن والأمان والسلامة ورغد العيش في بلاد الأفرنج.

وتبدأ رحلة الحلم من مدن وقرى وهجر البلاد عبر طرق وعرة وغير مطروقة ووسطاء وسماسرة جشعين فهي محفوفة بالمخاطر، فإما ان يتعرضوا فيها لهوام الأرض فتأكلهم السباع والضباع.. أو يقعوا في أيدي عيون الأنظمة فيعودوا من حيث أتوا ثم يؤخذون إلى غياهب السجون أو معسكرات التدريب لصبحوا وقود حرب قادمة... أو يقعوا في أيدي قطاع الطرق فيبتزونهم في أموالهم وأعراضهم.. وقليل من يتجاوز هذا الرحلة بلا مخاطر.. فإن كان من الناجين يصل إلى الحدود السودانية.. ثم الدخول إلى القرى الحدودية ثم إلى مدينة كسلا.

وهنا قد يطول المقام بهذا المهاجر أو يقصر حسب ظروفه المادية فإن لم يجد من يأويه من معارفه يصبح مشرداً في الطرقات يهيم على وجهه لإنقطاع بوصلته.. وإن وجد من يؤويه يبدأ فاصل آخر من الرحلة إلى العاصمة الخرطوم ومنها عبر سماسرة ومهربي البشر إلى ليبيا عبر الصحراء الكبرى.. بطرق أكثر خطورة من ذي قبل والموت شبه محقق فيها وهنا إما أن تضل الطريق وسيلة قافلة المهربين أو تتعطل فيأتي الموت البطيء جوعاً وعطشاً ومرضاً أو تظفر بهم عصابات قطاع الطرق لتبدأ مرحلة جديدة من المعاناة اللا إنسانية واللا أخلاقية.. فمن يقع في أيديهم يطالبونه بفدية مادية لا يطيقونها لاطلاق سراحهم وذلك عبر التواصل مع ذويهم في السودان أو دول الخليج فإن لم يتحقق مطالبهم فالنتيجة تكون أن يباعوا إلى عصابات أخرى للإستفادة منهم كقطع غيار بشري فتؤخذ منهم الكلى والكبد وبعض الأجزاء من اعضائهم.. ويرمى ما تبقى من الجسد في النفايات ليقتات عليهم الكلاب والقطط وغيرها من الحيوانات.. وليت الأمر ينتهي إلى هذا المآل.. فمن يتجاوز المراحل السابقة واللاحقة ويصل إلى ليبيا أو المدن السواحلية فينتظره فيها مصير أسوأ من ذي قبل.

وكما أسلفت وفي ليبيا قمة الخطورة لأن البلاد تمر بانفلات أمني غير مسبوق وهي على صفيح ساخن ومفقود فيها كل وسائل السلامة ، نظراً للحروبات الطاحنة والاقتتال الدائر بين المليشيات المتناحرة فيها من اجل الظفر بحكم البلاد.. فإن نجا هذا المهاجر من المليشيات فلا ينجو من سماسرة الاتجار بالبشر.. حيث يعرضون على هؤلاء الشباب بضاعتهم الكاسدة الهجرة إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط لتكون أول محطة لهم إيطاليا ثم عبرها إلى بقية الدول الأوروبية.. فيدفعوا ثمن ذلك دم قلوبهم لتبدأ رحلة من أخطر الرحلات المحفوفة بالمخاطر.. حيث الوسيلة ليست وسيلة نقل آدمية بل هي عبارة عن دمية بلاستيكية - فنطاط هوائي - لا يصلح حتى أن تضعه في حوض سباحة ناهيك عن أن تقطع به عشرات بل مئات الكيلومترات عبر عباب البحر الأبيض المتوسط وفي الغالب أثناء الرحلة أما أن ينفجر أو يتلف لعدة عوامل فتقع الكارثة البشرية فيغرق الجميع وقليل من ينجو منهم ، وللأسف حتى خوافر السواحل في الجهة المقابلة في إيطاليا ينظرون إليهم وهم يغرقون ويستغيثون ولا يقدمون لهم وسائل الإنقاذ.. فمن مات يصبح طعاماً شهياً للحيتان والمخلوقات البحرية الأخرى.. والذي نجا يعيدونه من حيث أتى.. أو يؤخذ إلى السجن ثم رحلة العودة إلى بلاده التي فر منها.

بالرغم من نشر هذه المآسي في وسائل الإعلام والمرئية والمسموعة والمقروءة نجد أن الشباب الآخرين يستمروا في ذات السبيل ويعيدون الكرة تلو الكرة.. فيحسب كل واحد منهما أنه هو ذلك الناجي لا محالة ولا يضع أي اعتبارات أو احتمالات للموت... فهو يعيش على بصيص الأمل الذي يراه في نهاية النفق والوصول إلى سواحل دول أوروبا " جنة الدنيا" كما يسمونها.

والذي يحز في النفس أين المنظمات الأممية وهيئات حقوق الإنسان التي تعنى بحقوق هؤلاء الهاربين من ويلات وحروب بلادهم إلى الموت الأحمر.. فحالهم كحال المثل الذي يقول " كالمستجير من الرمضاء بالنار " يهرب من وضع سيء إلى أسوأ إن لم يكن مثله.. وعبر هذا المقال نرفع صوت استغاثة في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الاسفيرية المتعددة ولجميع منظمات الأممية لوضع حد لأسباب هجرية هؤلاء الشباب وانتهاكات حقوق الإنسان بمعاقبة الأنظمة المتسببة في تلك المآسي. ومن ثم ضمان العيش الكريم لهؤلاء المهاجرين حتى يستقروا في بلادهم. وينعمون بالأمن والأمان.

Top
X

Right Click

No Right Click