الذكرى الثلاثون لتحرير التراب الوطني الارتري
بقلم المناضل: علي محمد صالح شوم - دبلوماسي ارترى سابق، لندن
لعواتى والرعيل منا مليون تحية *** حملوا الروح على الكف وضحوا للقضية
في ادال بدأوا التاريخ حملوا البندقية *** حق شعب يتحدي يتمسك بالهوية
(الشاعر أحمد محمد داير)
يحتفل شعبنا الارتري في 24 مايو الجاري بالذكرى الثلاثين لتحرير ارضه من الاستعمار الاثيوبي الغاشم، والذي توج باعلان الاستقلال الوطني الناجز عبر استفتاء حر ديمقراطي وباشراف الامم المتحدة وبقية المنظمات والهيئات الاقليمية والقارية، لتصبح ارتريا عضوا اصيلا في الاسرة الدولية وتأخذ مكانها بين الامم وترفرف رايتها عالية خفاقة اسوة ببقية دول العالم.
ان تحرير التراب الارتري واعلان الاستقلال الناجز لم يكن هبة من أحد بل كان ثمرة نضال طويل سلما وحربا استمر لاكثر من خمسين عاما، تخللته الكثير من المعاناة واللجؤ والتشرد، والدمار وفوق هذا وذاك قوافل من الشهداء الابرار الذين قدموا ارواحهم قربان لهذا اليوم المجيد، فبعد ان فشلت كل الطرق السلمية منذ الاربعينيات ومرورا بحركة التحرير الارترية اعلن شعبنا البطل النضال المسلح ضد العدو الاثيوبي المغتصب، واطلق القائد البطل الشهيد حامد ادريس عواتى الطلقة الاولى في جبل ادال ايذانا ببدء الكفاح المسلح تحت راية جبهة التحرير الارترية في الفاتح من سبتمبر 1961م مع قلة من رفاقه الميامين والذين تسلحوا بعزبمة الايمان وان ارتريا لامحالة محررة على ايدي شعبها طال الزمن ام قصر. تسلح هؤلاء الفتية الاماجد ببنادق ايطالية عتيقة معتمدين على الله وشعبهم الذي كان نعم النصير والمدافع والداعم، ومن المفيد هنا ان نذكر ان اثيوبيا الامبراطور هيلى سلاسى كانت تمثل قوة لايستهان بها في المنطقة وافريقيا جنوب الصحراء ولهذا فان الدعم العسكرى والمادي واللوجستي الذي كانت تتلقاه كبيرا جدا ولهذا لا يوجد وجه مقارنة بين القوتين بين ثوار يعدوا باصابع اليد وبالكاد يمتلكون بنادق عتيقة في احسن الاحوال وبين جيش يمتلك كل اسباب القوة والانتصار، ولكن العزيمة القوية والارادة كانت اقوى من كل صنفوف الاسلحة الفتاكة التي كان يمتلك جيش المستعمر الاثيوبي واعوانه.
حققت جبهة التحرير الارترية وزراعها العسكري جيش التحرير البطل انتصارات كبيرة وخاضت معارك شرسة ارعبت العدو وكذا العمليات الفدائية في المدن الارترية ضد عملاء المستعمر الامر الذي ازعج الامبراطور وزبانيته فانتقل الى مرحلة ما اسماها بسياسة الارض المحروقة، والتاريخ يذكرنا بالمجازر والحرائق التي ارتكبها العدوا الاثيوبي في الريف الارتري بغرض تجفيف منابع دعم الثورة، لقناعته بان الثورة محمية بشعبها، وبالفعل كان الشعب الارتري في الريف الارتري هو الحامي والداعم الحقيقي للثورة، فقد كان مستودع اسرارها وممتلكاتها بل والممون الرئيسي لها والمخطط لتحركاتها ليحميها من عيون العدو الاثيوبي واعوانه من العملاء وضعاف النفوس.
ولأننا نوثق للتاريخ لابنائنا وأحفادنا ليعلموا ان الحرية اتت بتضحيات كبيرة دعونا نتناول بعض الجرائم الكبيرة التي ارتكبها العدوا الاثيوبي بحق شعبنا الاعزل ففي اقليمي القاش وبركا وحدهما احرق العدو 50 قرية نذكر منها عد ابرهيم، مقرايب، عد فكي، عد نصور، مسيام، قرست وعد جميل، وفي منطقة البحر الاحمر عدد 5 من القرى قمهوت وعاليت بالاضافة الى حرقيقو وغيرها، والامر في عنسبا ايضا كان فزيعا حيث احرق العدو100 قرية مثل باب جنقرين، حشيشاي ودندن، ملبسو وبكسديرا، ومنطقة اكلى قوزاى وسراى كانت القرى التي احرقها 80 قرية، وفي حماسين تم حرق وتدمير قرى عدي بديل و وكي دبا وعدي قبرو وفي الساحل الشرقي ارافلى وقرى جبل سويرا، كل ذلك كان في منتصف الستينات لاسكات صوت الثورة، ثم توالت الجرائم ففي العام 1970م كانت مذبحة عونا الشهيرة التي ابيد فيها سكان القرية عن بكرة ابيهم واحرقت المنازل على رؤس ساكنيها، وفي الساحل نتذكر شعب وكيف ان المستعمر البغيض دهس السكان بجنازير دباباته احياء، وفي منتصف السبعينات حادثة الاحد الاسود في مدينة اغردات التي راح ضحيتها ما يفوق ال300 مواطن اعزل في امسية واحدة.
كل ذلك لم يثنى الثورة الارترية والشعب الارتري من المضي قدما في تحقيق اهدافة، استمر النضال الاسطوري للثورة الارترية في ظل صمت دولي واقليمي للاسف الشديد، وبعزيمة الشعب سجل الثوار ملاحم بطولية نادرة في التاريخ البشري على الرغم من التفوق البشري والعسكري الاثيوبي، وفي تقديرنا ان الملاحم البطولية للمقاتل الارتري لا تقل عن الملاحم والبطولات التي قرأناها في التاريخ كملاحم الثورة الجزائرية والفيتنامية والكمبودية والكوبية وغيرها،، بل تفردت الثورة الارترية بالاعجاز في تقديم اروع الملاحم البطولية، وعلى الباحثين والكتاب الغوص في اعماق هذه التجربة الثرية لانها مدرسة متفردة في العطاء والتضحية، خاصة العمليات الفدائية الجريئة التي كانت تنفذ داخل المدن الارترية وحتي العاصمة اسمرا لم تسلم من تلك العمليات وامامنا حادثة سجن سمبل في داخل العاصمة اسمرا وسجن عدي خالا بالقرب من مندفراواطلاق سراح المعتقلين الارتريين في سجون الاحتلال الاثيوبي بجراة لم يسبقهم فيها أحد. كل ذلك يعتبر عمل بطولي نادر يحتاج منا الى توثيق وايصاله الى العالم من خلال الكتب والافلام الوثايقية وغيرها من الوسائل. كل ذلك كان ثمرته تحرير التراب الوطني الارتري واجراء الاستفتاء الذي كان عمل قانونيا مهما للانفكاك من ادعاء ان ارتريا مازالت مرتبطة باتحاد فدرالي باثيوبيا.
بعد التحرير جسمت على صدر شعبنا زمرة انعزالية متسلطة اذاقته مر العذاب، فارتريا التي حلم بها شعبها اصبحت اليوم طاردة له واصبحت الدولة معزولة من المجتمع الدولي والاقليمي، ثلاثون عاما من التحرير كان بالامكان ان ننجز الكثير في مجالات الحياة المختلفة خاصة الاقتصاد حيث تتمتع ارتريا بموارد مثل الذهب والثروة الزراعية والحيونية واحواض الملح والثروة السمكية والسياحة والمعادن في باطن الارض كالحديد والنحاس والنيكل والبترول وغيرها من الخيرات التي انعمنا بها الله، وعلى الرغم من ذلك ها هو شعبها هائم على وجهه خاصة فئة الشباب التي فضلت ترك البلد والبحث عن مستقبل خارجه مفضلة خوض غمار المخاطرة . والسؤال البديهي الذي يتبادر الى الزهن هو، شعب قدم كل هذه التضحيات الجسام يقبع تحت نير دكتاتورية بغيضة، ما هو سر استمرار الزمرة الانعزالية كل هذه السنوات؟
والجواب بكل بساطة هو عدم وحدتنا وتماسكنا كما كنا في مرحلة حرب التحرير، وان الزمرة الانعزالية لعبت على وتر التناقضات واستخدمت سياسة فرق تسد، وانا هنا اناشد كل القوى السياسية والمدنية ان ترتقي الى مستوى المسؤلية وتتوافق على برنامج انتقالي وتوحيد الطاقات لاقتلاع هذه الزمرة. و كافة قطعات الشعب الارتري البطل ان يكونوا على مستوى المسؤلية والعمل على انقاذ الوطن من هذا الكابوس.
وفي الختام سوف ننتصر باذن الله قريبا جدا بوحدتنا وارادتنا القوية للتغيير نحو وطن يسع الجميع.