تقوربا معركة الإنذار والإشهار والكرامة
بقلم الأستاذ: أحمد نافع - إعلامي وكاتب محتوى
في مثل هذا اليوم المجيد 15 مارس 1964؛ ونتيجةً للمعاناة التي بسببها أعلن شعبنا الكفاح المسلح
وبذل الدماء والدموع والعرق من أجل غايات التحرّر الوطني والكرامة الوطنية ضد النظام الإثيوبي المغتصب؛ فقد قام في مثل هذا اليوم أبطالنا الأشاوس وسطّروا ببسالة منقطعة النّظير مقالهم على الأرض في معركة "تُقُوروبا" الخالدة ضد النظام الفاشيستي الإثيوبي الذي مارس الغطرسة السياسية والعسكرية في المنطقة بدعمٍ سخيٍ من قوى الاستكبار العظمى الشرقية منها والغربية؛ وأعتقد جازماً هنا، إن المفردات والقواميس تكون عاجزة عن احتواء ووصف ذلك اليوم التاريخي الرّاسخ في ذاكرة شعبنا الإريتري المجيد.
لقد ظن المستعمر الغاشم خطوة السطو علي جيرانه هي رحلة سياحية قصيرة حينما فكّر في ضم إريتريا لإثيوبيا بدعم من القرار الأممي الفاجر القاضى بربط إريتريا بإثيوبيا فيدرالياً دون وجه حق مشروع، وتلى ذلك القرار المخزي أن قام المجرم إمبراطور الشّر الملقّب بـ"هيلي سياسي" وصاحب إسم (تيفيرا) قام بخطوة تاريخية كانت قاصمة الظهر لأمتنا الإريترية حين أعلنها صراحةً صَلفاً وغروراً وعدواناً غير مسبوق وضم إريتريا لإثيوبيا بالقوة والقهر ضارباً السفح للتآمر الدولي علي حق شعبنا وأمتنا؛ وكان هذا الحدث الأليم الذي يمكن وصفه "بزواج الإكراه" بداية المعاناة المريرة؛ تلك المُعاناة التي دفع شعبنا الإريتري ثمنها غاليا طيلة عقود من الزمان وخاض من أجل الحرية الويلات تلو الويلات.
ولما أن الإمبريالية العالمية هي عنوان الشّر وأم المكائد هاهو السيد/ جون فوستر دالاس وزیر خارجية أمريكا أمام مجلس الأمن القومي الأمريكي في عام 1952م يعلّق علي قرار ضم إريتريا بإثيوبيا قهراً علي خلاف إرادة الشعب الإريتري حين قال: «من وجهة نظر العدالة كان يجب أخذ آراء الشعب الإريترى بعين الإعتبار، إلا أن المصلحة الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في حوض البحر الأحمر، وإعتبارات الأمن والسلام العالمي جعلت من الضروري ربط ذلك البلد بحليفتنا إثيوبيا».
لكن؛ ورغم ضآلة الإمكانات لقوات ثورتنا المسلحة، وتدفّق الدعم اللامحدود للعدو الغاشم حيث أمد القطبان الدوليان آنذاك إثيوبيا بأقذر أسلحة الدمار وأشدها فتكا ليمارس البطش والتنكيل علي شعبنا الأعزل؛ لكنهما عجزا عن إمدادها بسلاح يمتلكه الشعب الإريتري، ألآ وهو سلاح الإيمان وحب التضحيات واليقين بحتمية الإنتصار؛ ورغم كل ذلك انتفضت طليعة من رجالات وأبطال الثورة الإريترية والشعب الإريتري المغوار معلنين الكفاح المسلح وفق مبدأ تقرير المصير بالقوة؛ وكان أبطال الثّورة الإريترية بالمرصاد ضد كافة مخطّطات الهيمنة العالمية التي لا تعرف إلا مصالحها وكذلك جشع الأباطرة الإثيوبيين التوسّعيين؛ ... لتعلن شرارة الكفاح المسلّح في معارك متتالية ضرب فيها أبطال الثّورة أروع النماذج في التضحية والفداء... وهذا اليوم هو ذكرى ذلك التاريخ المُر من ناحية، نتيجةً للظلم الذي وقع علي شعبنا، وما تركه من ندوب لا يمكن محوها مع مر الأزمان؛ وفي الوقت ذاته هو يوم الكرامة الذي ينعش ذاكرتنا ببطولات الأماجد من أبطال الثورة الإريترية.
أما أجيال اليوم من أبطال الفيس بوك... فليتهم لم يٌولَدو!! لأنهم يمثّلون أسواء شاهد علي العصر الإريتري؛ فبينما يتبوّل الطغاة والأقزام في وجوههم تجدهم في معارك وهمية في الفيس بوك يلتفّون حول أمور وقضايا صارفة وليتها تصرفهم عن هموم الوطن فحسب؛ ولكنها للأسف أمور تصرفهم عن واجبهم تجاه الوطن وتصرفهم كذلك نحو تمزيق النسيج المجتمعي الإريتري علي مستوى المناطقية والقبلية وخلق حالة من التشرذم الاجتماعي.
إن جيل "تُقُوروبا" لم يفكر يوماً في الهجرة وتقديم أوراق اللجوء إلي أوروبا، ولم يعبُر الصحراء طلباً للنجاة، ولم يكن غاية حلمه أن يعبُر الحدود - وبالرغم من تقديرنا لمعاناة شعبنا الحالية ودوافعه - إلا أن التغيير الحقيقي للظلم يتطلب إجراءاً علي الأرض عبر البرنامج السياسي والبرنامج العسكري والبرنامج التنظيمي- مع التوكيد بأن هذه ليست دعوة للإقتتال بين الأشقّاء وشركاء الوطن الواحد بقدر ما هي دعوة للتخطيط السليم وللنّظر للمصالح العليا للوطن الإريتري والبحث عن وسائل استرداد الحقوق بالوسائل السلمية والمشروعة لتحقيق العيش المشترك تحت مظلّلة جامعة مانعة للفرقة والاختلاف - وما عداه من البرامج الفيسبوكية لن تُجدي شيئاً ولن تغيّر من الواقع قيد أنْملة وستزداد المعاناة جيلا بعد جيل ما لم تتصدى طليعة مشرّفة "مثل طلائع الثورة الإريترية الأماجد" وتضحّى بكل إمكاناتها لأجل الحرية والكرامة والاستقرار.
فمتى يفيق الشّرفاء؟.. وكما قال الزعيم جمال عبد الناصر "ما أُخِذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة" والقوّة هنا ليست بالضرورة بالسلاح والاقتتال بل هي بتوظيف الموارد والمقدرات توظيفاً سليماً عبر نهج متكامل من التخطيط العملي المنهجي السليم مدعوماً بقوة العلم والمال والفكر ويأتي السلاح والاحتراب الداخلي كآخر خيار استراتيجي أمامه مئات من الضوابط المحاذير... وكفي عاراً أن يعيش الشعب الإريتري المسكين في معظمه "لاجئاً شريداً طريداً مهزوزاً كسيراً" في بقاع العالم تتقاذفه المشكلات والحسرات ويلتحف الهموم والأنين والألم، ويعاني الأمرَّين نتيجة غياب الوعي تارةً وغياب التفكير الإستراتيجي للتغيير نحو الأفضل تارةً أخرى وتفعيل ذلك على أرض الواقع.
عاش الشعب الإريتري.
عاشت ثورة الشعب المجيدة.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
واللعنة تلو اللعنة على أباطرة إثيوبيا الأنذال.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.