مستقبل علاقة ارتريا مع إقليم تغراي - الجزء السادس والأخير
بقلم الأستاذ: ياسين محمد عبدالله - باحث وكاتب صحفي
رؤية بديلة: بالتدخل العسكري للنظام الإريتري في حرب إقليم تغراي وصلت علاقة إريتريا
مع هذا الإقليم وسكانه إلى مرحلة غير مسبوقة من التوتر. لم تصل العلاقة إلى هذه المرحلة دون مقدمات فما حدث هو نتيجة لسلسلة من الأخطاء والرؤى السلبية المتخيلة من النخب المهيمنة على السلطة في الجانبين وعدم قدرتها على ضبط هذه العلاقة ومن ثم تغليب المصالح المشتركة ومعالجة الخلافات بالحوار لا بخطاب الكراهية المتبادل والعنف.
من أجل ألا تخلف هذه الحرب آثاراً عميقة مدمرة على علاقة إريتريا بإقليم تغراي وألا نفوت فرص الاستفادة من الإمكانيات التي يوفرها جوارهما وعلاقاتهما التاريخية علينا تبني رؤية بديلة لتلك العلاقة تستند إلى نقد التجربة الماضية بموضوعية بما في ذلك الحرب الأخيرة وما حدث فيها وأدى إليها واستخلاص الدروس من تلك التجربة ومن ثم توظيف العوامل الإيجابية فيها ومعالجة الآثار السلبية بما ينهي التوترات التي يعود بعضها لأكثر من قرن.
وقفت قوى المعارضة الإريترية الرئيسة موقفاً سليماً من حرب تغراي ومن تدخل نظام أسياس عندما رفضت هذه الحرب ورفضت تدخل النظام فيها. لكن من المهم أن يستند الموقف من الحرب في تغراي إلى مبادئ ثابتة وواضحة مثل التأكيد على أن رفض التدخل العسكري للنظام مبدئي ينطلق من رفض أي تدخل عسكري في بلد الآخر ورفض معالجة الخلافات مهما كانت بوسائل عنيفة. ويستند رفض الانتهاكات التي اُرتكبت بحق المدنيين في تغراي إلى الإيمان بقيم حقوق الإنسان وعدم تعريض المدنيين في أي بلد لمخاطر الحروب والانتهاكات.
وصفت الوياني الشعبية في الثمانينات بأنها غير ديمقراطية لأنها لا تؤمن بحق القوميات الإريترية في تقرير المصير بينما التعريف الحقيقي للديمقراطية لا ينطبق على أي من التنظيمين. الديمقراطية التي نناضل من أجلها هي التي تمكن الشعب من حكم نفسه ومحاسبة حكومته وتغييرها، تحترم فيها حقوق الإنسان ويسود فيها حكم القانون ويحترم فيها التعدد الاثني والثقافي والديني وتتم فيها معالجة المشكلات الداخلية كافة من خلال الحوار.
من المهم مطالبة الوياني أو أية قوى تدعي تمثيل إقليم تغراي وتتبنى رؤيتها بالكف عن محاولة اختراق المجتمع الإريتري من خلال تعميق الخلافات بين مكوناته. يجب ألا نكتفي بهذه المطالبة بل علينا العمل على إعادة تقييم مشاكل النسيج الاجتماعي الإريتري التي يعود بعضها لفترة ما قبل قيام الثورة الإريترية ثم تفاقمت أثناء الثورة ووصلت إلى أن تكون شرخاً عميقاً وبالغ الخطورة ما بعد الاستقلال بسبب سياسات النظام الخرقاء. سأورد هنا مثالاً عن مشكلات النسيج الاجتماعي الإريتري التي عملت الوياني على استغلالها لكنها لم تخلقها إنما كانت موجودة قبلها وهي مشكلة قطاعات واسعة بين قومية الكوناما.
عانى الكوناما من غارات التغراي في القرون الماضية والتي كانت تهدف إلى نهب مواشيهم وخطف الأشخاص من أجل استرقاقهم. وقد اتسعت تلك الغارات الوحشية في عهد الإمبراطور يوهنس الرابع وحاكمه للهضبة الإريترية راس الولا. نصت اتفاقية 1902 بين منيليك الثاني وكل من إيطاليا وبريطانيا في الفقرة الثالثة من المادة الأولى التي تناولت الحدود بين إريتريا وإثيوبيا في المنطقة الغربية أن يقوم مندوبون إيطاليون وإثيوبيون بتحديد خط الحدود بحيث تترك أراضي قبيلة الكوناما داخل إريتريا. كانت حجة إيطاليا في طلب أن تكون أراضي الكوناما داخل إريتريا هي حاجتهم للحماية من الرق الذي كان سائداً في إثيوبيا. من المفارقات أن يلجأ الكوناما لإثيوبيا ولاحقاً للتغراي من أجل الحماية هم الذين قُصد بالنص في اتفاقية 1902 أن تكون كل أراضيهم داخل إريتريا، حمايتهم من غارات التغراي والإثيوبيين الآخرين.
حسب الكاتب البريطاني باتريك غليكس لعبت مجموعات من الكوناما دوراً كبيراً في منع قوات من جبهة التحرير الإريترية والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا من تحرير بارنتو في 1977، وبعد تحرير الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا المدينة في 1984 قامت بأعمال انتقامية ضدهم. وعندما احتل الجيش الإثيوبي بارنتو في 2000، تعمدت قواته عدم التعرض لمنازل الكوناما واكتفت بتدمير منازل تعود لمواطنين من الهضبة. وقد رأيت في زيارتي لمعسكر شملبا للاجئين في 2008 قرية كاملة تتكون من أكثر من 3000 شخصاً من الكوناما تتخذ لها ركناً في المعسكر ملجأً. هذا نموذج لمشكلة عملت الوياني على استغلاله لعقود وقد حان الوقت لتكون هناك مقاربة وطنية إريترية جديدة لمعالجة هذه المشكلة وفي الوقت نفسه رفض محاولات الوياني استغلالها.
هناك مسألة أخرى مهمة وهي النزاع الحدودي بين البلدين. على الوياني الاعتراف صراحة بقرار مفوضية الحدود الصادر في أبريل 2002 وبكل القرارات الصادرة من أجل تسوية هذا النوع. جعل هذا الأمر معلقاً لن يخدم قيام علاقة إيجابية بن إريتريا وإقليم تغراي. الموقف الإريتري هنا يجب أن يكون صريحاً وواضحاً وثابتاً.
هناك فرق بين رفض الحرب في تغراي وتدخل النظام فيها وبين تأييد سياسات الوياني. يجب أن يزال أي التباس بين الوطنية الإريترية وتغراي. التيار الذي ينادي بشكل من الارتباط مع تغراي وسط الإرتريين تيار ضعيف جداً في السياسة الإريترية. الوطنية الإريترية متينة جداً ولا خوف عليها من ذلك التيار لكن تبني الوياني أو تشجيعهم لهذا التيار يعيق بناء الثقة بين شعبي إريتريا وتغراي. فشلت الوياني عندما كانت في سد السلطة في أديس أببا وعندما كان تحت تصرفها كل إمكانيات الدولية الإثيوبية أن تجعل من هذا التيار رقماً بين تيارات المعارضة الإريترية فكيف لها أن تنجح بعد أن فقدت السلطة والموارد؟
يمكن القول إن قضايا الخلاف الرئيسة بين إريتريا وتغراي هي تلك المتعلقة بالحدود، التوجهات السياسية للتغراي والتي تريد فرضها في إريتريا والانعكاسات النفسية للإرث التاريخي لعلاقة بعض أجزاء إريتريا مع تغراي والمنافسة الاقتصادية.
هناك مصالح مشتركة كثيرة بين إريتريا وإقليم تغراي:-
• خلق علاقة طيبة بين إريتريا وإقليم تغراي سيمكن السكان على جانبي الحدود من مزاولة حياتهم الاجتماعية والاقتصادية بشكل طبيعي مما سينعكس إيجاباً على استقرارهم وتطوير حياتهم، الدولة يفترض أن تضيف لحياة هؤلاء السكان لا أن تخصم منهم.
• يوفر الجوار بين إريتريا وإقليم تغراي فرصاً للتعاون الاقتصادي لصالح الشعبين مثل إمكانية استخدام إقليم تغراي وما جاوره من أقاليم إثيوبية لميناء مصوع الأقرب كثيراً لشمال إثيوبيا من ميناء جيبوتي وهذا سيمكن إريتريا من جني مليارات الدولارات سنوياً من رسوم استخدام مينائها وسيوفر فرص عمل للإرتريين وينشط التجارة الحدودية كما سيوفر مبالغاً طائلة لإقليم تغراي من فرق قيمة الشحن بسبب قرب المسافة إلى مصوع وسيجعل صادرات إقليم تغراي أقل سعراً وبالتي أكثر قدرة على المنافسة.
• علاقة طيبة بين الجانبين ستنعكس إيجاباً على أمن واستقرار إريتريا وإقليم تغراي.
يمكننا تجاوز حرب تغراي ونتائجها من خلال النظر لما جرى في الماضي ويجري الآن بمبدئية وبذهنية منفتحة تغلب المصالح المشتركة لا تستبطن ضغائن الماضي.
كما ذكرت في الجزء الأول من هذه السلسلة هي ليست عملاً بحثيا إنما مجرد إشارات تاريخية وتحليلية للأحداث بغرض توفير مادة تساعد على رؤية كل الزوايا وبالتالي اتخاذ المواقف التي تمليها علينا مبادئنا وتحقق مصلحتنا الوطنية.