مستقبل علاقة ارتريا مع إقليم تغراي - الجزء الخامس

بقلم الأستاذ: ياسين محمد عبدالله - باحث وكاتب صحفي

حرب تغراي - فظائع إنسانية وتحول جيوسياسي: لم تعد مشاركة وحدات من الجيش الإريتري في حرب تغراي

ملس زيناوي و أسياس أفورقي

أمرا مشكوك فيه فقد أكدتها أطراف تابعة لابي أحمد مثل حاكم الإقليم المعين، الأحزاب المعارضة للوياني في تغراي وجنرال في الجيش الفيدرالي الإثيوبي. وأكدت هذه المشاركة هذه القوات أيضاً جهات دولية؛ خصوصاً وزارة الخارجية الأمريكية التي طالبت بسحبها من تغراي.

لماذا أرسل أفورقي قوات إريترية للقتال في تغراي؟

قد يتبادر للذهن في البداية أن السبب هو الرغبة في الاستفادة من الظروف في الإقليم واسترداد منطقة بادمي التي كان قد حُكم بها لصالح إريتريا في أبريل 2002 ووافقت حكومة ابي أحمد على إعادتها بمقتضى ما سمي باتفاق السلام في 2018 لكن سيطرة الوياني على الإقليم كانت تمنعه من تنفيذ قرار الإعادة.

بدد أسياس هذا الاحتمال عندما قال في مقابلة تلفزيونية في فبراير الماضي، بعد مضي أكثر من 3 أشهر على هذا التدخل، أن إريتريا تعطي الأولوية للسلام في إثيوبيا على استرداد أرضها، كما أن هذه القوات توغلت إلى ما هو أبعد من منطقة بادمي ووصلت إلى مقلي عاصمة تغراي. لا يمكن تفسير التدخل العسكري الإريتري إلا بالسعي للقضاء على الوياني التي كان أسياس يرى فيها خطراً على وجوده في السلطة واستطاع لسنوات طويلة استخدام المرارات التاريخية وتعنت الوياني ومحاولاتهم الترويج لنظرياتهم في الحكم في إريتريا وغلف ذلك بغطاء وطني. قد يكون للتغراي مطامع في إريتريا لكن حرب 1998 بدأها أسياس في وقت لم يكن فيه هناك أي خطر وجودي على إريتريا من التغراي إنما خلافات حول الحدود وقضايا أخرى كان يمكن حلها من خلال التفاوض أو حتى التحكيم الدولي.

كان واضحاً من البداية الطابع العرقي للحرب في تغراي وإنه ستُرتكب فيها انتهاكات جسيمة بسبب إنها تخاض داخل المدن وتشترك فيها مليشيات دافعها الحقد العرقي ولا تلتزم بأية ضوابط. لم تتأخر التقارير عن الانتهاكات التي اُرتكبت على الرغم من الجدار العازل الذي فرضه ابي أحمد على الإقليم بقصد حجب المعلومات عما يجري عن العالم الخارجي. حُملت القوات الإريترية نصيب الأسد من هذه الانتهاكات والتي ارتكب بعضها ضد اللاجئين الإرتريين وبدأت أصوات تتعالى في المجتمع الدولي مطالبة بسحب هذه القوات من الإقليم ثم تلتها أصوات أحزاب من التغارو معارضة للوياني طالبت بخروجها وذهب بعضها أبعد فنادى بعودة الوياني لحكم الإقليم.

صار إقليم تغراي الآن كله موحدا ضد الوجود الإريتري وفي تحميل القوات الإريترية جزءاً كبيراً من الانتهاكات التي ارتُكبت ضد المدنيين. لم تدافع الحكومة الإثيوبية عن القوات الإريترية وفيما يوحي بمحاولة منها للنأي بنفسها عن الانتهاكات نفى الناطق باسم الخارجية الإثيوبية أن تكون بلاده قد تقدمت بطلب رسمي لتدخل إريتريا عسكرياً مما قد يمهد الطريق في المستقبل لتحميل المسؤولية عن تلك الانتهاكات لأسياس وتحميل قرار طلب التدخل - إذا اقتضت الضرورة - لابي أحمد والقول إنه فعل ذلك دون الحصول على موافقة المؤسسات الإثيوبية المعنية باتخاذ مثل هذه القرارات.

في ظل استمرار الوياني في المقاومة العسكرية، مطالبة أحزاب المعارضة في إقليم تغراي بعودة الجبهة الشعبية لتحرير تغراي لتحكم الإقليم باعتبارها جهة منتخبة وتزايد الضغوط الدولية لوقف الأعمال القتالية والمطالبة برفع كل أنواع الحظر على الإقليم، قد تضطر الحكومة الفيدرالية للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع قيادة الوياني بحثاً عن مخرج من هذه الأزمة. إذا تصالح المركز مع الوياني سيجد نظام أسياس نفسه مرة أخرى أمام الخطر ذاته الذي قاتل من أجل إنهائه وفي هذه المرة من تنظيم أكثر شراسة وراغب في الانتقام.

قرار التدخل العسكري في الصراع في إقليم تغراي وما تمخض عنه من اتهامات بارتكاب انتهاكات جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يضع نظام أسياس في مواجهة جديدة مع المجتمع الدولي لن يفلت من المحاسبة عليها إذ أكدت الاتهامات لجنة تحقيق مستقلة. أفلت نظام أسياس في 2016 بسبب الظروف الإقليمية والدولية من جرائم ضد الإنسانية أتهمته بارتكابها لجنة دولية مستقلة لكن هذه الظروف تغيرت الآن كما أن الجرائم الجديدة عابرة للحدود وممثلو الضحايا أكثر تنظيماً وتصميماً ونفوذاً مما كان عليه حال الإرتريين في 2016.

الأثر الأسوأ الذي ستتركه مشاركة النظام في حرب تغراي هو تعميق روح الانتقام والثأر بين شعبين هما في أمس الحاجة للتعاون والسلام. في حرب 1998 اتهمت إثيوبيا القوات الإرترية بالقيام بأعمال قتل، اغتصاب، نهب وتدمير للمناطق التي استولت عليها خلال الحرب واتهمت إريتريا بدورها إثيوبيا بالقيام بأعمال مماثلة عندما احتلت العديد من البلدات الإريترية. أثبتت لجنة تحكيم دولية الكثير من تلك التهم المتبادلة وحكمت على كل بلد أن يدفع للآخر تعويضاً وقد حكم على إريتريا بأن تدفع 10 مليون دولاراً أمريكياً أكثر من إثيوبيا ووافقت حكومتها على ذلك. يفترض أن حكم لجنة التحكيم الدولية أنهى الانتهاكات التي ارتكبت خلال حرب 2000/1998 لكن التدخل العسكري الإريتري في إريتريا أعاد مرة أخرى نفس النوع من الاتهامات وقد يتسبب في عمليات الانتقام.

التدخل العسكري الإريتري في تغراي تم في وقت تمر فيه علاقة إثيوبيا مع كل من السودان ومصر بتوتر خطير ودعم النظام الإريتري للحكومة الإثيوبية في إقليم تغراي سيجعل من إريتريا طرفاً في أي نزاع مسلح محتمل بين إثيوبيا والدولتين. كانت إريتريا بسبب موقعها الجيوسياسي وروابطها الثقافية والتاريخية تضع نفسها طيلة الـ 60 سنة الماضية في إطار الكتلة المتنازعة تاريخياً مع إثيوبيا حتى حدث التدخل العسكري في إقليم تغراي فجعلها حليفاً للدولة الإثيوبية بكل ما تمثله من عداء مستبطن للجيران وعقلية توسعية. وهذا لن يكون في مصلحة أمنها الاستراتيجي.

إذا لم تتم معالجة الأزمة في تغراي بشكل سلمي من قبل الحكومة الفيدرالية، سيستمر الوياني في النضال على الأقل من أجل الحكم الذاتي وسيتمتعون بتأييد نفس القوى الإقليمية التي كانت تاريخياً تقف بجانب إريتريا.

مهما طال الزمن ستنسحب القوات الإريترية من إقليم تغراي وسيتفق الإثيوبيون ومن أجل استمرارهم في العيش المشترك وقد يحملون الطرف الإريتري المسؤولية عن أغلب الانتهاكات ويبرؤون الدولة الإثيوبية من مسؤولية طلب التدخل الإريتري لأن هذا الطلب يضر بوحدتهم الوطنية وبصورة دولتهم التي يرونها عظيمة والأقوى في المنطقة.

تـابـعـونـا... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click