شيء من التاريخ غير الموثق: قرية سيدنا مصطفي ود حسن ودورها في الحياة الدينية والسياسية - الحلقة الأولى
بقلم الأستاذ: الحسين علي كرار
غير بعيد في الشمال الغربي من مدينة أغردات تقع قرية أسسها الشيخ مصطفي ود حسن وتسمي باسمه (عد سيدنا مصطفي)
وقريته الأصلية ليست ببعيدة عنها وتسمي (إداديت) وتوجد قرى أخرى ليست ببعيدة عن هذه القرية بأسماء أبنائه (عد شيخ الأمين) (وعد شيخ محمد) و(عد شريف) وهذه بعيدة عن مركزهم، ولم نقرأ في كتب التاريخ التي كتبها المؤرخون الارتريون شيء عن دور هذه القرية ودور الشيخ مصطفى اللهم هناك تلميح له كشيخ في بركة وذلك في كتب التاريخ التي كتبها المرحوم المناضل عثمان صالح سبي و المرحوم المناضل محمد سعيد ناود أو الدكتور جلال الدين محمد صالح أطال الله في عمره، شيء يذكر إلا القليل، وكذلك لم يذكروا دور المشايخ والأسر الدينية التي ليس لها أصول وامتداد في الساحل مثل - الفايداب - الشلوفاب - فقه عمار - عد حماد - عد فقيه - وغيرهم من السبدرات والألقدين أصحاب الخلاوى، فهؤلاء هم من مشايخ الإقليمين عبر القرون في تحفيظ القرءان وعمل المحاكم الشرعية، وهذا القصور ناتج لعدم معرفتهم بتلك الأسر الدينية في بركة و القاش ونتيجة لعدم وجود تاريخ مكتوب أو مدونات يستقون منها المعلومات كمرجع لهم، أضف إلى ذلك ظروف البعد عن الواقع الذي عاشوه لأنهم كتبوا التاريخ بعيدين عن واقع الأرض حسب الظروف المضطربة.
في ذلك الزمن كان المسجد هو المدرسة الأولية والمتوسطة وهو دار العلوم الذي يتحصل منه الطالب الذي يبعثه والده لتطوير مداركه من حفظ القرءان الكريم وتفسيره وعلوم الفقه ومذاهبه وعلوم الحديث وإسناده وعلوم التوحيد من أسماء الله تعالى وصفاته والسيرة النبوية بغزواتها ومدائح الرسول عليه السلام وفي مقدمتها المولد النبوي الشريف ومدائح عبد الرحيم البرعي وغيرها من علوم الدين فكانت المساجد و الخلاوي هي المدرسة التي يتلقى منها طالب العلم هذه العلوم، فلذا كانت هذه المساجد عامرة، وكذلك كان السفر شاقا إليها وإلى مسجد الإمام مالك في حي الحلنقة بكسلا إذ كان بمثابة الجامعة التي تحضر فيها الماجستير والدكتوراه بمفهوم ذاك العصر.
وما سأكتبه هو موجز من معلومات شفوية استقيتها من الوالد كرار و الشيخ عبد الله قرجاج، والشيخ عمر احمد، يرحمهم الله، والشيخ إدريس مصطفى والشيخ احمد علي شبوت أطال الله في عمرهما وقد عاصر بعضهم مرحلة السيد مصطفى وبعضهم نقلها عن والده أو من غيره من المعارف ممن عاصروا تلك المرحلة.
تعتبر تلك المرحلة من ضمن أقوى المراحل السياسية والدينية في منطقة بركة القاش مثلها مثل بقية الأقاليم الارترية بسبب العمران وبناء المدن وإنشاء الإدارات والطرق والمشاريع الكبرى التي كانت تقوم ايطاليا بتشييدها وكانوا يسمون الإيطاليين (بيت علي) والراجح أنهم كانوا يعتقدون أن بلاد الطليان (الروم) تم فتحها على يد الإمام علي رضي الله عنه، ولهذا كانوا ينسبونهم إليه، وقد عاصر السيد مصطفى،دقلل الحسين رجل السلطة ذو الشخصية القوية و الأكثر شهرة.
بدأ السيد مصطفى حياته بحفظ القرءان الكريم في قرية (دقا عد إنسا) وما زالت تحمل نفس الاسم، وكانت تسكن في منطقة (مقراييب) منطقة (ساوا) وكان في القرية مشايخ لتحفيظ القرءان الكريم إذ حفظ القرءان الكريم على يد شيخ من (الألمدا)، وكان ساكن مع امرأة من معارفهم تدعى (خديجة محمد هجيني) وهي من الأرتيقا وكانت هذه القرية وحتى وقت قريب - لا أعلم اليوم في زمن التخبط السياسي - من أغنى القرى في ثروة الإبل،واسمها يدل علي ذلك، وكانت شبه مركز اقتصادي في الضرائب أو قل كانت العاصمة الاقتصادية للمنطقة، إذ كانت مركزا للسادة المراغنة، وفيها توفى السيد الحسن المرغنى الكبير (أبو جلابية) في منطقة مقرايب ثم تم نقل جثمانه من هذه القرية إلى الضريح في كسلا ويوجد حتى اليوم في مكان وفاته في منطقة مقرايب ضريح مبني بالبناء التقليدي يهتم به القرويون المحبون له، وتشير أدبيات الختمية في الخرطوم وكسلا بأن السيد الحسن أبو جلابية توفي في قرية دقا دون تحديد مكانها، وقد تم نقل هذه القرية إلى منطقة (دقسي) في بركة العال وتعرف المنطقة التي رحّلوا إليها باسم (مساكب دقا) بسبب خلاف بين القرية ودقلل الحسين، وبسبب التنافس الذي كان قائما بين عائلتين من الحكم، عائلة (عد كلب) التي ينتمي اليها دقلل الحسين وعائلة عد عمر التي تنتمي اليها عائلة الدقلل الحالية، فخشي دقلل الحسين والإيطاليون، أن تجتاز هذه القرية الحدود وقد يغتنمها الإنجليز بمساعدة عد عمر ويحرموهم من الضرائب الممتازة التي كانوا يجنونها، فبادروا بترحيلها، فانشق عن القرية أفراد وانضموا إلى قرية (عد فقيه) و آخرون رحلوا بجوار قرية سيدنا مصطفى وأسسوا قرية صغيرة جديدة باسم دقا، وعندما رحّل الايطاليون القرية إلى منطقة دقسي في بركة العال كان شروط القرية - أن لا ينسب اسم القرية إلى أي اسم من أفراد العائلة الحاكمة مثل (عد فلان)، وان يكون واجهة كل القبائل الموجودة في القرية شخص واحد وهو الشيخ محمد عافه وهو يمثل كل القبائل وهذا الشرط لم تتنازل عنه القرية حتى بعد ما تم انتخاب النظار البديل عن نظام الأسرة الحاكمة، وبهذا نجد أن هذه القرية التي درس فيها الشيخ مصطفي ود حسن كانت المركز الاقتصادي والديني للمنطقة بسبب وجود العائلات الدينية ونفوذها كالمراغنة وعد شيخ حامد والفايداب والشلوفاب، والعائلات السياسية كالنابتاب.
يقول الشيخ عبد الله قرجاج يرحمه الله أثناء الحرب العالمية الثانية كان شابا يرعى البقر وكان القاش بركة معظم أراضيه غابات وأشجار وكان عدد القرى قليلاً وليس بهذه الكثافة التي نراها اليوم وكانت اللغة السائدة هي البداويت.
عندما حفظ الشيخ مصطفى القرءان الكريم ونال بعض الفقه وهو شاب، (سخن كما يقولون أو دروش كثيرا) وأصبح يمتطي جواده ويتنقل بين القرى غير مستقر، وعند دخوله لأية قرية (أحيانا) كان يضرب حصانه بالسوط ويطوف جريا حولها، وهذا ما سبب له الكثير من المضايقات في بعض القرى، وأخيرا استقربه المقام في مكان بالقرب من قريته الأصلية (إداديت) وغير بعيد عن مدينة أغردات،فأسس القرية التي تسمي (عد سيدنا مصطفي) وهي قرية جديدة وأصبحت في زمن وجيز عامرة وعاصمة دينية تنافس الدقلل في أغردات أو قرية (دقا دامر) القريبة من أغردات، إذ ظهرت (كرامته أو حكمته) التي جذبت الكثيرين إليها فقصدها المحبون له والمريدون، والمرضي طالبوا العلاج، وطالبوا الصلح في الخلافات الزوجية والمالية، والحيران، فأصبحت عامرة وكبيرة ومن أشهر القرى بضيوفها القادمين والذين كانوا يسكنون في بيوت الضيوف الجاهزة من القطاطي هذا قادم وهذا مغادر، وكان الزائرون يأتون بكثير من الهدايا العينية والمالية، من الذرة والأغنام والأبقار وفي نفس اليوم كانت تذبح المواشي ويأكلها الضيوف وهم أعداد غفيرة فلم يكن في ذلك الزمن طواحين تطحن، فهذه الأعداد الكبيرة الوافدة يوميا كان غذائها البليلة من الذرة وملاحها السمن القادم ولحوم ذبائح هذه المواشي والمرق، وكانت بعض الهدايا يعطيها للمحتاجين الفقراء، وكان من يقوم بالطبخ هم الضيوف أنفسهم والحيران، فالحياة كانت بسيطة، فهذه القرية بهذا الحشد الكبير وبهذه الشهرة خلقت حراكا جديدا في المجتمع يتم النقاش فيها عن الدين والسياسة ماذا فعلت (بيت علي) العجيبة، والدين بالتصوف السائد والمسابيح المحمولة في الأيادي في حلقات الذكر الجماعية أو الفردية لقراءة القرءان والأوراد، ولم يختار السيد مصطفي طريقة خاصة به، ولكن اختيار الأوراد كان متروكا للأفراد، وغالبا ما كان علي الطريقة الختمية، وما أكسبه هذه الشهرة كان موفق في علاج المرضي والمجانين إذ بمجرد أن يصل إليه المجنون مربوط بالحبال يقول فكوا أسره، ويجلس المجنون أمامه دون حراك ولا ضرب ولا شتم وبعد ذلك يكمل علاجه حتى يكون طبيعي ويذهب قريته، ومن يكذب في مجلسه كان يقول له أنت كذبت، (يعني كشفه) فالجميع كان حريصا أن يتحدث بالحقيقة خشية الفضيحة، ومن حضر المجلس يذهب وهو راضِ عن المجلس، فهل هي كرامات؟ أم هي حكمة كما يقولون؟ وهذه الحكمة أو الكرامات قد ورثها عنه أبنائه، مثل الشيخ الأمين والشيخ داوود، لهذا كانت لهم الشهرة كوالدهم وإن كانت أقل، حكي لي الأخ/ عبد القادر عمر محمد يرحمه الله وهو كان طالب في القاهرة ثم في ليبيا ثم أصبح معلما هناك، أنه كان يشتم في القاهرة في مجالسه الخاصة مع العارفين بالمنطقة الشيخ/ شريف محمد إبراهيم وهو ابن بنت السيد مصطفي وهو (مؤسس قرية عد شريف) في بركا لعلاي بالقرب من قري (بيت بجل) وكان من المشايخ الكبار الذين كانت لهم مكانتهم، وكانت قريته مثل قرية جده تعج بالضيوف والحيران وطالبي العلاج و عندما أحرقت أثيوبية القرى عام 1967 خاف الجيش الأثيوبي من إحراق قريته وتركوها لأنهم كانوا يسمعون عن شيخها، وأحرقوا ما حولها، يقول عبد القادر عمر جئت إلى ارتريا في إجازة سنوية، وركبت الباص من تسني ونزلت في محطة (إبنت حرماد) وهي بين أغردات وبارنتو وأنا ذاهب لقريتي، وهي على مسافة بعيدة فذهبت إلى قرية عد شريف وهي في طريقي لأخذ الراحة ثم استأنف الرحلة، وعند ما علم شريف بقدومي أكرمني وذبحوا لي ذبيحة في مسجده العامر ووسط الحيران والمحبين له، وقبل سفري دعاني وقال لي يا ود سيدنا عمر أنت في القاهرة تلوك لحمي وسط أصدقائك ماذا فعلت لك؟ ماذا بيني وبينك؟ يقول اندهشت واضطربت، ثم تمالكت نفسي واعتذرت له وقلت له نحن صغار سن لا نعرف ما يعرفه أبائنا ولك ودي واحترامي، وسامحني في ما مضى ولا يتكرر في المستقبل.
وقبل شريف محمد إبراهيم كان أبناء السيد مصطفى، الشيخ الأمين والشيخ داوود والشيخ صالح لهم مكانتهم الدينية وأبنائهما كانت لهم مكانتهم الدينية والسياسية، فالشيخ محمد ود الشيخ داود الذي كان له الدور الكبير في تأسيس جبهة التحرير الارترية والتقي بالقائد حامد إدريس عواتي والقصة معروفة حيث قدم له الدعم والسلاح، مع الشيخ/ سليمان محمد، والشيخ محمد ود الشيخ الأمين الذي قتلته أثيوبيا في مجزرة أغردات وهو يحمي ضيوفه في منزله من القتل، أبناء كانوا أتقياء، وابنه الشيخ صالح مصطفي الذي توفي في حادث أغردات 1962م وكان من المتحمسين في الرابطة الإسلامية ومن قياداتها وكان له طموح في السياسة ويقال أن والده أشار أنه هناك يا صالح تحت ذلك الجبل ستتدفق الدماء، وهؤلاء الأبناء وأبناء الأبناء قد خصصوا لهم مشايخ وعلماء يحفظونهم القرءان وفي مقدمة مشايخهم الشيخ محمد طاهر الحسين شيخ قرية دقا.
وعندما أقامت إيطاليا المؤسسات الإدارية طلبت من دقلل الحسين، قضاة للمحاكم الشرعية الإسلامية، وكذلك مشرفين للمشاريع الزراعية في منطقة علي قدر،فأحال دقلل موضوع القضاة للسيد مصطفي، أما موضوع اختيار المشرفين الزراعيين فقام به بنفسه، وبعد رفض البني عامر للزراعة وهي ليست مهنتهم ولا يجيدونها، اختار الدقلل (البيت جوك) وهم مهرة في الزراعة وكانوا في أغردات وكذلك في قرية (بيت بجل) القريبة من أغردات، ومن مشاهير هذه القرية في أغردات كان الشيخ حامد تسفا تيدروس يرحمه الله، وبهذا الاختيار من البيت جوك أصبحوا في مراحل قادمة ملوك تلك المشاريع الزراعية وأخذوا ألقاب (البلاته) التي تعني المشرف بالإيطالية.
أما السيد مصطفى عندما أحال له الدقلل موضوع القضاة للمحاكم الشرعية قال بالبداويت (أمسا سدك يآبو أوقسر إنقد) (اليوم جاء الصدق ووقف الكذب)، وأنا لا أتحمل الاختيار غير الموفق، فقال الأسر الدينية في بركا والقاش كثيرة ولكن أشهرها هي: الفيداب، وعد شيخ حامد، والشلوفاب، والفقه عمار، أما الفايداب وعد شيخ حامد وهو من الفايداب نحن أناس أصحاب سجادة نقرأ القرءان ونحفظه ونعلمه ولكننا غير متفقهين في علوم الفقه والشريعة الإسلامية، فالاختيار للقضاة محصور بين الشلوفاب والفقيه عمار، فهم حفظت القرءان والمتفقهون وهم الآن من يحكمون بين الناس، بالشرع ويفصلون في الخصومات ويقسمون تركات الميراث، والشلوفاب أكثر فقها من الفقيه عمار، ولهذا يكون القضاة من الشلوفاب، وبهذا أخبر الدقلل وقد عينوا القضاة في بركة القاش كلهم من الشلوفاب ماعدا القاضي حسن كيلاي حيث عينه الدقلل، وعندما تأسست مدينة تسني وتم توزيع الأراضي فيها كان الأعيان فيها ثلاثة أشخاص، الشيخ أكد هرودة، والقاضي عثمان الأمين محمد وهو من بين المختارين من الشلوفاب وقد سميت حلة قاضي في تسني باسمه، وثالثهم كان اليمني السيد/ علي أحمد اليمني.
وقد نقل القاضي عثمان الأمين بعد ذلك إلي أسمرا في المحكمة الشرعية العليا مع المفتي ابراهيم المختار و كان يمثل المذهب المالكي في الستينات، وتم تعين بقية القضاة في المدن الأخرى وكان القاضي عبد الله همد بعد الحرب العالمية الثانية وهو من المختارين أيضا قد تم نقله كذلك من بارنتو إلي جندع ودرس علي يده هناك الكثيرون، وكل هؤلاء كانوا من المريدين له.
وإذا عدنا لدور قرية (سيدنا مصطفي) التوعوي والديني وما عكسته بعد وفاته فسنجد لها دورا كبيرا في الحياة السياسية، إذ كانت معظم القيادات والكوادر في الرابطة الإسلامية في مدينة أغردات وعموم بركة والقاش هم من كانوا تلامذة في خلوته وحيرانه ومحبيه ومريديه في تلك القرية التي أسسها، وكانوا يعملون مع الشيخ إبراهيم سلطان للقضاء علي نفوذ حكم العائلات ثم ظهروا بعد ذلك كنظار وعمد ومشايخ وأعضاء البرلمان في مسيرة تلك المرحلة اللاحقة، وكان الظاهر فيهم طابع التدين والتصوف، والاحترام المتبادل حتى بعد أن أقاموا النظارات بديلا عن سلطة الدقلل، استدعاهم الدقلل مباشرة بعد رجوعهم من منطقة كيرو التي رفضوا فيها سلطته وأقاموا النظارات والمشايخ والعمد، فقبلوا دعوته بالرغم من أنهم عزلوه، فاخبرهم بأنه لا يعترف بسلطتهم ولا بما قاموا به من عزله وقيام النظارات، فلم يجادلوه كثيرا فقط استمعوا إليه، وعندما كثر تعنيفه لهم يقول الشيخ عمر احمد رد عليه الشيخ الناظر داوود إدريس وحصل بينهم مشادات بسيطة، وانفض بعدها الاجتماع الذي كان من طرفهم كما يقولون لحفظ ماء الوجه للدقلل، ويقول الشيخ عمر أحمد - وهو كان من المتصوفيين ثم انتقل إلى المذهب السلفي - دقلل جيلان كان رجلا عصبيا ولهذا كان يعمل الشيخ إبراهيم سلطان لإثارته أمام الإنجليز الذين كان يكرههم، وكانوا يحسبونه علي الطليان.
ومن أثار هذا التدين الصوفي الذي اكتسبه هؤلاء فالشيخ والناظر عثمان عبد الرحمن شفراي كان له دور كبير في بناء المعهد الديني الإسلامي بأغردات - وسوف أتناول هذا المعهد في الحلقات القادمة - حيث أنه تبرع ببناء أحد فصول المعهد علي حسابه وكان يساهم في رواتب المعلمين، وكان قد تحمل تكلفة زواج أستاذ المعهد حامد محمد يرحمه الله، كما كان الدور الكبير للشيخ حامد فرج (كما يقول الشيخ أبو بكر إدريس أطال الله في عمره) بالمبالغ التي جمعت من أسمرا بالتبرعات من التجار لبناء المعهد حيث كان يرافق اللجنة بنفسه ليدعمها، غير الوقف الذي تبرع به للمسجد وكانت علاقتهم قوية بمؤسس المعهد الشيخ عبد الله أزوز، وبإمام المسجد الشيخ / الحسين إدريس عرطا، وعند وفاتهم بكاهم الشيخ عبد الله أزوز كثرا علي منبر الجامع الكبير في أغردات، ولا بد هنا أن نذكر الشيخ با حكيم في دعمه للمسجد والمعهد، وكان الناظر والشيخ عمر ادم (عمر ناشف) والناظر والشيخ ادم سليمان، من المتصوفة الذين كانت مسابيح التسبيح لا تفارق أيديهم بأورادها من معرفتي لهم، وكانوا من مريدي السيد مصطفي ومحبيه، ويقول أحد الأعيان أتحفظ علي اسمه وهو مسن أطال الله في عمره أن اختيار الشيخ/ حامد فرج لرئاسة البرلمان الارتري خلفا للشيخ إدريس محمد ادم، كان سببه الأساسي إجادته اللغة التجرنية بطلاقة بجانب اللغة العربية، ونذكر من متصوفين تلك الحقبة الميجر حسن محمد إدريس الذي كان في البوليس الارتري وكان متصوفا لدرجة الغرقان، وكثيرا ما كان يتحدث عن أهل الحضرة أصحاب الحصين البيض والعمائم البيضاء الذين يشاهدهم في أطراف الحماسين، حيث كان مسئول جهاز الاستخبارات في الشرطة الارترية في أسمرا، بعد أن نقل إليها من مدينة بارنتو، ولست متأكدا هل كان في قرية السيد مصطفي أم لا. ولكن ما أعرفه أنه كان من المحبين له، وأذكر هنا عرضا حيث يقول، كل الإدارات وأصحاب الشأن في الحكومة الارترية كانوا مجبرين علي التوقيع علي تسليم العهدة لحكومة الامبراطورهيلي سلاسي، وكان التوقيع فردي ولم يكن جماعي، وكان بأمر من تدلا عقبيت، ويقول حضروا في منزلي في أسمرا ليلا شخصان مسلحان بكاتم الصوت وكانت معهم قائمة للتوقيع عليها، يقول كان من ضمنها اسمه فرفض التوقيع عليها ولكنهم هددوه وقالوا له نحن نعلم أنت تربطك صلة قرابة بإبراهيم سلطان فخيارك صعب، فوقعت عليها، لتسليم العهدة الارترية التي كانت في مراكز الإستخبارات للحكومة الأثيوبية،خشية الموت لأن الأمر كان منتهي من قبل الأمم المتحدة والقوي العظمي.
ولا بد هنا أن نذكر الشيخ عمر حسنو، كناشط ومؤثر في الحياة السياسية معهم في أغردات، في تلك المرحلة فهؤلاء جميعا كان الشيخ إبراهيم سلطان من الذين يعتمد عليهم في الرابطة الإسلامية وهم امتداد لمدرسة السيد مصطفي ود حسن.
وهكذا نجد أن البيئة الحاضنة التي نشئوا فيها كانت بيئة التصوف والتدين في قرية الشيخ مصطفي وغيرها من القرى وهم في ريعان شبابهم فكان لها هذا الأثر الكبير في حياتهم وممارساتهم الفعلية فكانت مطالبهم الدينية قوية ودفاعهم عن اللغة العربية في البرلمان كان قويا ويقال أن القسيس ديمطروس قال للشيخ حامد فرج وكان رئيس البرلمان، لماذا لا تسجد للإمبراطورهيلي سلاسي وكان جادا في حديثه معه، فرد عليه أنا لم تحضرني والدتي من الزبالة في زمبيل، ويقول الأخ عثمان حامد فرج عند تخرجنا من جامعة سانت فاميليا في أسمرا كان الامبراطور هيلي سلاسي هو من يسلم الطلاب شهادات التخرج وكنا أبناء المسلمين أربعة زملاء هو وفاطمة إبراهيم المختار وآخران تحفظ عن اسميهما فاتفقوا هؤلاء الأربعة عند استلامهم للشهادات من الإمبراطور ألا ينحنوا أمامه، فالآخران اللذان لم يذكر اسميهما قال أخافتهم رهبة الموقف فانحنوا أمامه وبعدهما كان اسمه فاستلم شهادته دون انحناء بيده الواحدة ويقول لاحظت وجه أسراتا كاسا حاكم ارتريا مسودا يسوده الغضب، وكان واقفا خلف الإمبراطور، وبعدي كانت فاطمة إبراهيم المختار فاستلمت منه الشهادة بيدها الواحدة دون انحناء ولكن أحرجتني حيث وضعت يدها اليسرى خلف ظهرها، هكذا كان التسابق في إهانة الإمبراطور هيلي سلاسي وسط حاشيته وفي عاصمة ارتريا، وهكذا كانت تربية الأبناء في تلك المراحل السابقة فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، اللهم أغفر لهم وأرحمهم جميعا يا رب العالمين.
تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة
التعليقات
بسال عن قريتي مقراييب
كل التفاصيل عنه