العودة الي المربع الأول
بقلم الأستاذ: صالح كرار
ترى الي أين تسير إرتريا؟، تفاقمت الأوضاع وتعقدت المسائل وإختلطت الملفات، وبينما يحسبها الآخرون كمصالح وقضايا سياسية عادية يتوجس الإرتريون من الإهتزازات، والتمحور والنزاعات الإقليمية في أن تنعكس بالتحول المصيري لوطنهم الذي يقف علي المفترقات دائما، ولإنعدام الثقة في الزمرة الحاكمة في أنها يمكن أن تورد هذا الوطن كل الموارد والتي وضعت قراره بالأيدي الأجنبية التي يمكن أن تعصف به حسب مصالحها وأولوياتها فقد أصبحت إرتريا مجرد مؤسسة أو حتى شركة تلهوبها أصابع من قرروا مصيرها، ومكانتها عندهم في الحسابات الجارية وأهميتها ضمن أهمية الربح عندهم أو الخسارة فهي أهمية خاضعة دائما لمراجعة الحساب وربما إلغاء ملفاته من أولها.
هذه الشكوك والهواجس تصاحبنا منذو نيروبي في نهاية الثمانينات وأتلنتا الأميركية ولندن حيث لا أحد يعرف مادار فعلا وما أتفق عليه ولذلك لا نستطيع تكذيب ما يروج ونرتاب من المستقبل ونتسائل عن مآلات وطننا كيف ستكون ويتسائل الناس الآن عن سر ترويج مطالبة بعض الإثيوبيين والإرتريين بعودة إرتريا الي إثيوبيا الأمر كلما تقادم الزمن أصبح يقترب بمطالب تحييه من جديد كحقيقة يفصلنا عنها فارق زمني.
ومما يدلل أن الأمر جد الإذاعات الغربية الناطقة بلغتا البلدين الأمهرنية والتجرينية تروج بقوة منذو فترة لعودة إرتريا إلي إثيوبيا، والآن ذكر السيد برخت هبتي سلاسي هذه المطالب كأمنية بث باليوتيوب قائلا: ”نحن إثيوبين تاريخا وثقافة وأمنيتي في الحياة أن أرى البلدان قد توحدا“ ورغم أن الدكتورا نالها في ضرورة وحدة إرتريا وإثيوبيا في زمن هيلي سلاسي إلا أننا الآن لا نستطيع أن نشكك في وطنيته وليس رجل في قامته يسهل أن يقذف بالعمالة وقد كان رئيس مفوضية الدستور في 1997م ولكن يحتاج الأمر الي قراءة متروية، ونتسائل ما الذي يراه من وراء الحجب؟ هل إضطلع علي الملفات السرية للجهات التي تقرر مصير إرتريا وتأكدت له حقائق دامغة عن عودة إرتريا إلي حضن أمها كما يحلو للأندنت الوصف، وبالتالي قرر أن يسير مع التيار لأنه لا يملك معاكسته؟ أم أنه اليأس عن قدرة المسيحيين الأستمرار في الحكم والخوف من عودة الحروب والنزاعات الإرترية بأشكالها المختلفة؟.
لا شك أن له ما يبرر به كلامه ولو لنفسه وخاصته، ولكنا نذهب بعيدا حين نسمع مثل هذه التصريحات عن أمثاله لأسباب كثير منها:-
• أن الأوساط الإستعمارية لم ترضى يوما أن تستقل إرتريا وهي التي صادرت إرادة الشعب اإرتري في الخمسينات.
• لم يتم الجلاء الإثيوبي وإعلان دولة إرتريا إلا حين أصبحت ضمن شروط معينة معروفة للجميع.
• عند دخول الجبهة الشعبية منفردة عملت علي تصفية الثورة بكل السبل وطمس هوية الشعب تأكيدا علي المطالب الإستعمارية بالإضافة إلي سياسة الأرض المحروقة والإخلاف الديمغرافي وهي سياسات معروفة المصدر والأهداف عندنا.
• ضمانا لتنفيذ هذه السياسة حورب المناضلون الوطنيون مسيحيين ومسلمين الذين قادوا الثورة، فأصبحوا بين سجين وقتيل وهارب مطارد، وسلمت مقاليد الدولة منذو البداية إلي أولئك الذين كانوا موظفين مع حكومة منقستو - وأذكر في السنين الأولى بعد الإستقلال أن كتابات بعض الوطنيين كانت تتحدث عن سرقة الثورة، وجعلها مجرد ترلة ملحقة أو مقطورة علي نظام متكامل كان سائدا.
• والأدهى من ذلك التكتم الكامل علي المعاهدات التي تم بموجبها منح إرتريا حكم نفسها، ومن ثم التكتم الكامل علي الأسباب الحقيقية للحرب بين الدولتين، علي ماذا كان الإختلاف فبادمي وأسعار الميناء ليسا سببين مقبولين بين دولتين قائمتين علي قاعدة وأساس واحد.
• لماذا تعطلت قرارات لجنة حكم الحدود، وعلقت الي مجهول عملية الفصل في الحدود، هل نسلم بمبرر النظام الإرتري أن ذلك بتعطيل من الحكومة الإثيوبية أم أن ما وراء الأكمة ما ورائها، وأعني أن هناك شئ في المعاهدات إياها؟.
نعلم جيدا أن مشكلة إرتريا هي مشكلة شاطئها علي البحر الأحمر وميزات هذا الشاطئ بإمتداده الطويل وجزره الواسعة والمميزة، وموقع هذا الشاطئ بالنسبة الي الملاحة الدولية والإقليمية، وأهميته في إستراتيجية الأمن القومي العربي والإسرائيلي علي حد سواء، وأهميته بالنسبة الي إيران في هذا الوقت بالذات، ونعلم بأن النظام الإرتري يتاجر بأهمية هذا الموقع دون أن يلتفت الي ما يلحق بالشعب الإرتري وما يتعرض له الموطن ضمن منازعات هؤلاء الخصوم.
لقد بنت إيران قواعدها في عصب إضافة الي الوجود الإسرائيلي وكان لهذا الوجود الذي أكدت كل وسائل الإعلام حينها أنه يستهدف اليمن قد تأكدت مصداقيتها، بالحرب اليمنية وما يعيشه الشعب اليمني من حال الشتات والدمار، واليوم تبنى قاعدة أخرى في عصب بالتأكيد إضافة الي تلك القواعد السابقة وليس خلفا لها هذه القاعدة التي توصف بالتجارية موضوعة عليها علامات إستفهام كثيرة فهي كما يقول أحد العارفين: {بملكية وأموال إماراتية، وتقنية وخبرات إسرائيلية، وأيد عاملة وإدارة مصرية، ويضيف: الخوف حسب تعدد الجهات المشاركة أن تتعدد الأهداف، ورباما خوفا من ذلك رفض الإثيوبيون كل الإغراءات المالية والضمانات الأخرى في القبول بوجود هذه القاعدة} إنتهى.
إثيوبيا إذا في الخط من الذي يعطيها الحق؟ هل إدعاء منها تقرر مصير الشاطئ الإرتري ولها الكلمة النافذة فيه؟ أم هي المعاهدات إياها المخبوءة تعطيها الأحقية المدعاة؟ الأمر ليس محير فحسب بل هو يدلل علي أن كل ذلك يصب في قناة واحدة، وبالرغم من أن القيادة الإثيوبية أكدت مرارا بأنها ليست لها أية أطماع لا في الأرض ولافي إستقلال إرتريا وسيادتها علي قرارها، إلا أن المعارضة الإثيوبية وبعض الجهات التي تستظهرها إثيوبيا تدفع بقوة نحو عودة إرتريا وهو ما قد يشكل ضغطا وترغيبا للحكومة الإثيوبية لعدم الممانعة إذا تهيئة الظروف أو حتى في تهيئة الظروف.
الآن إثيوبيا دخلت في التكتلات العربية وأصبحت جزءا من العملية الحسابية وهذا التمركز الإثيوبي الجديد لا يمكن قراءته بالنسبة الي الإرتريين بشكل عابر، نعم لإثيوبيا ثقل سياسي في المنطقة وإفريقيا عامة ولها تأثير واسع وقد لا يخلوا الأمر من التحوط لخلافها المعروف مع مصر، لكنا يعنينا أن نتسائل عن دور إثيوبيا في الصراع اليمني ومدى تأثيرها وقدرتها للحضور في البحر الأحمر وشواطئه وبعبارة أوضح هل تريد إثيوبيا تأكيد وجودها في البحر الأحمر وشواطئه؟،
إذا كان نعم فهذا ما يؤكد أن عملية إسترجاع إرترية تسير علي قدم وساق، وكان علي برخت هبتي سلاسي ومن علي شاكلته أن يعرفوا الناس بالحقائق بدلا من صفارات الإنذار، ووضع الناس في أحاجي أو ضبابية محيرة. والسؤال أين موقع حكومة الجبهة الشعبية من ذلك؟.
إن التفسير المنطقي لمشروع عودة إرتريا الي الحظيرة الإثيوبية هو أن النظام الإرتري كان يراهن علي أن يمتلك زمام الأمر في إثيوبيا يوما ما وبشكل ما ولو بشكل تسيير نظام تابع له حسب ما أعتدنا من أنواع الغرور الأجوف، ولذلك حبالهم حبكت بنسج متين مع إثيوبيا ثقافة وتطابقا في المرجعيات كلها.
وسعت قيادة الجبهة الشعبية لتبرهن أنها الأجدر من القيادة الإثيوبية وإستخفت كثيرا بقيادة الثورة الإثيوبية لأنها كانت المهيمنة عليها عبر التنسيق المشترك وخاصة جبهة التقراي قبل التحرير، بينما القوى الإستعمارية الحريصة علي وحدة المنطقة تحت الهيمنة الإثيوبية كإستراتيجية لها لا تحيد عنها، إستخدمت النظام الإرتري من خلال برنامج التملية مثل المغفل النافع، وإستدرجته من حيث يعلم أو لا يعلم ليصل بإرتريا الي محطة يقتنع فيها الإرتريون أن الحرية والإستقلال أرزء وأنكى من الإرتباط بإثيوبيا، وأن الثوابت الوطنية التي ناضل من أجلها الإرتريون كانت صرحا من خيال فهوى، وسراب من سار في طلبه تاه وغوى، والبديل هو الرجوع الي ترسيخ الثوابت الوحدوية مع إثيوبيا.
فقد تم برهان فشل الدولة المستقلة من خلال تغييب دور الدولة الوطنية ومصادرتها من السلطة وإنعدامها كمؤسسات وطنية منذو البدئ فلا فرق بينها وبين مؤسسات الحزب الحاكم حكرا خاصا به وحجرا محجورا عليه.
أما برهان فشل النظام فقد تم من خلال عزله داخليا وخارجيا بسبب التخبط السياسي والأدوار المأجورة التي أدت الي هذا الوضع المأزوم ويتجسد أهمها في:-
• إلغاء البرنامج الوطني وتنفيذ مشروع هيمنة العشيرة.
• قمع كل محاولة للإصلاح من الداخل.
• سجن أو إغتيال أوتشريد الرموز الوطنية من مناضلي الثورة المخلصين بكافة إنتمائاتهم.
• ممارسة السياسات الإستعمارية ضد الشعب بكافة أشكالها وخاصة منع عودة اللاجئين الي ديارهم وسياسات الإخلاف الديمغرافي، وسياسة الإفقار والإرهاب السلطوي الي غير ذلك...
• إجبار الشباب علي الخدمة اللامتناهية والشيوخ وتعطيل مصادر الإنتاج والتطور في البلاد.
• سجلات حقوق الإنسان والإفلاس والعمالة مما برهن للعالم عدم جدواه كنظام للبلاد.
وعلي الصعيد الداخلي تبين هشاشة ضوابطه وأنظمته من خلال الفساد المستشري فيه، فضلا عن هروب الكادر الأساسي إستشراء التسيب وإتجار كبار منسوبيه بالممنوعات كتجارة البشر وما شاكلها، وإنفراد الدكتاتور بكل قرارات السلطة، وغياب المؤسسية والمحاسبية، جملة هذه السياسات برهنت علي فشل الدولة والسلطة وساقت البلد الي محطة خطيرة.
فكل خيارات النظام اليوم تقول إثيوبيا، لأن مواصفات إرتريا هي اليوم بحالها الذي يريده النظام هي مواصفات إقليم إثيوبي تامة تامة تامة، إن حكم فلإثيوبيا يمهد الشعب والأرض وإن إستسلم فلإثيوبيا، نعم قد لا يتم السينايوا بشكله التقليدي ولكنه حوله يدندن ويدور‘ هكذا هي العمالة عاقبتها الخسران حتى وإن ظن صاحبها أنه ربحان.
لقد أكد بعض الوطنيين من المسيحيين أن هوية الشعب الإرتري يجب أن تحدد بحرية تامة للشعب وبما يضمن وحدة هذا الشعب وسيادة وطنه وهو المحك والهدف الذي ناضل من أجله الشعب الإرتري عقودا وقدم التضحيات الجسام.
إذ لم تكن الثورة تمردا لأسباب إقتصادية فقد كان الشعب الإرتري أفضل حالا من الشعب الإثيوبي، كما لم تكن الثورة تمردا لأسباب سياسية فقد كانت إرتريا أفضل حالا من إثيوبيا بسلطاتها المتكاملة لقد كانت الأهداف الأساسية للثورة هي الهوية والمرجعيات الثقافية والتطلع الي تحقيق إرادة الشعب الإرتري في الحرية والتقدم الحضاري.
الآن بعد نصف قرن ونيف من النضال والتضحيات والصبر المتواصل علي اللواء والبأساء والضراء، نُسخ وأُنكر تاريخه و غُيبت إرادته وأصبحت رهن خيارات ”الإندنت“ بأشكالها الحاكمة والمعارضة، فهل سيعي هذا الشعب العنيد درس نصف قرن أم سيتمادى في عناده؟.
هل تهيئت الأسباب بالإكتمال داخلا وخارجا ”لنهتف بالشعار إثيوبيا وي موت“ أم نحتاج الي دروس إضافية؟. ذلك أمر لا يعرفه إلا العارفون.
والله أعلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.