مستقبل علاقة ارتريا مع إقليم تغراي - الجزء الاول
بقلم الأستاذ: ياسين محمد عبدالله - باحث وكاتب صحفي
خلفية تاريخية: علاقات الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا وجبهة تحرير شعب تغراي.
لعبت الثورة الإريترية دوراً مهما في إلهام شعوب إثيوبيا وفي مساعداتها على امتلاك أدوات العمل النضالي المادية والمعرفية لنيل حقوقها المشروعة في المساواة والعدالة. بعد الثورة التي أطاحت بالإمبراطورية وآخر أباطرتها هيلي سلاسي في 1974، لم تجد طلائع الشعوب الإثيوبية المضطهدة في الشعارات التي رفعها العسكر ما يلبي طموحتها القومية ورأت مجموعات سياسية أخرى في شعارات الدرغ انحرافاً عن ما اعتبرته النهج الثوري السليم.
لجأت طلائع هذه المجموعات إلى إريتريا وطلبت العون من فصيلي الثورة؛ جبهة التحرير الإريترية والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا. شملت تلك التنظيمات جبهة تحرير شعب تغراي، الحزب الثوري لشعوب إثيوبيا، جبهة تحرير تغراي، الاتحاد الديمقراطي الإثيوبي وغيرها من الفصائل الإثيوبية.
قدم فصيلا الثورة الإريترية مساعدات لكل الفصائل التي لجأت إليهما لكن العلاقات بين تلك الفصائل الإثيوبية كانت متوترة بسبب تباين برامجها السياسية وصراعها على النفوذ. وكانت علاقة بعض تلك الفصائل الإثيوبية متوترة أحياناً مع هذا أو ذاك من فصيلي الثورة الإريترية بسبب تبايناتها الداخلية وعدم وضوح مواقف بعضها من طبيعة النضال الإريتري أو تبني البعض الآخر لبرامج لم تكن مقبولة لفصيلي الثورة الإريترية مثل فكرة الانفصال عن إثيوبيا التي تبنتها الوياني في بدايتها ورفضها فصيلا الثورة الإريترية. لكن الخلاف الأهم في ذلك الوقت كان بين جبهة تحرير إريتريا وجبهة التغراي حول الحدود بين إريتريا وإثيوبيا.
انتهت الصراعات المسلحة بين الفصائل الإثيوبية بانتصار جبهة تحرير شعب تغراي وطردها للآخرين من ساحة العمل العسكري ضد الدرغ لكن التوتر بين هذا التنظيم وجبهة التحرير الإريترية تصاعد لأسباب موضوعية وذاتية وقد حدثت بسببه العديد من الصدامات المسلحة بينهما. كانت جبهة التحرير الإريترية تنشط عسكرياً في منطقة بادمي وما بعدها في إقليم تغراي ولأن العمليات العسكرية لجبهة تحرير إريتريا في بادمي وفي بعض مناطق إقليم تغراي كانت توفر حماية للوياني في بداية انطلاق نشاطها العسكري، لم تكن الأخيرة تبدئ أية تذمر حوله حتى قويت شوكتها فصارت تدعي أن منطقة بادمي تقع داخل حدود إقليمها وبدأ التنازع بينها وبين جبهة التحرير الإريترية حول هذه المنطقة.
في ذلك الوقت لم تكن الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا تنشط عسكرياً سوى في مناطق محددة في إريتريا ولم يكن لها تواجد يذكر في المناطق الحدودية مع إثيوبيا. بسبب خلافها الحدودي مع جبهة التحرير الإريترية وتقاربها لأسباب أخرى مع الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، استجابت الوياني لطلب الأخيرة للقتال بجانبها ضد جبهة التحرير الإريترية.
شن التنظيمان حملة عسكرية منسقة ضد جبهة التحرير الإريترية في 1980 استمرت عدة أشهر وانتهت بإخراج الجبهة من ساحة العمل العسكري في إريتريا في 1981. يقول أرقاوي برهي أحد مؤسسي جبهة تحرير شعب تغراي وأول رئيس لها والذي أبعد من التنظيم في الثمانيات في رسالته للدكتوراه أن مهمة تصفية جبهة تحرير إريتريا كانت ستكون مستحيلة على الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا لو لا دعم الوياني حيث شكل التنظيمات قوة مشتركة متساوية العدد للقيام بهذه المهمة.
خلت الساحة العسكرية في إريتريا للجبهة الشعبية لتحرير إريتريا وبقيت بادمي والمناطق الأخرى التي كانت تبعيتها محل خلاف بين الجبهة الإريترية والوياني تحت إدارة الأخيرة. لم يدم الاتفاق بين الوياني والشعبية لفترة طويلة حيث برزت إلى السطح خلافتهما القديمة إضافة لخلاف جديد حول الحدود بما في ذلك حول منطقة بادمي حتى انقطعت العلاقة بين التنظيمين تماماً في 1985. كانت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا قد عارضت الاتجاه الانفصالي لجبهة تحرير شعب تغراي حتى قامت الأخيرة بإلغائه من برنامجها، بينما اتهمت الأخيرة الجبهة الشعبية بأنها ليست ديمقراطية كونها لا تقر بحق القوميات الإرترية في حق تقرير المصير. اختلف التنظيمان أيضاً حول تقييم الاتحاد السوفيتي فبينما اعتبرته الجبهة الإريترية قائداً للمعسكر الاشتراكي قالت جبهة التغراي إنه إمبريالية سوفياتية.
سخر جون يونغ الذي عمل صحفيا في السودان وزار إقليم تغراي في الثمانيات وقام لاحقاً بالتدريس في جامعة أديس أببا، في دراسة أكاديمية عن علاقة الوياني والشعبية، سخر من خلاف قادة التنظيمين بخصوص المعسكر الاشتراكي، فقال إنهم كانوا يختلفون حول هذا المعسكر بينما كان هو ينهار وأن نقاشات تلك القيادات كان العالم قد تجاوزها في ثلاثينات القرن الماضي الأمر الذي يدلل على عزلة تلك القيادات. لكنني أعتقد أن عزلة تلك القيادات التي تشترك في الثقافة والإرث التاريخي كانت أعمق من أن تكون فقط بسبب العامل الجغرافي. هذه العزلة لها أسباب تاريخية ونفسية وثقافية وصارت مكونا رئيساً في أسلوب تفكير تلك القيادات كما يمكن أن نستدل من ممارساتها حتى بعد أن تسلم أي منها السلطة في بلده وصار متاح له التواصل مع العالم الخارجي دون أية حواجز جغرافية أو تقنية.
استأنف التنظيمان علاقتهما في 1988 دون أن يحسما خلافتهما النظرية والسياسية وتلك المتعلقة بالحدود، دفعتهما إلى ذلك حاجتهما العملية للتعاون ضد العدو المشترك. أدى تعاون التنظيمين في ثلاث سنوات إلى تحقيق الانتصار على الدرغ. دخلت الجبهة الشعبية لتحرير أسمرا في 25 مايو 1991 وتمكنت جبهة الوياني من دخول أديس أببا بعد ثلاث أيام في 28 مايو وبمساعدة من قوات من الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا التي دخلت معها المدينة وساعدت لعدة أشهر في المحافظة على استقرار السلطة في البلاد لصالح الوياني.
تـابـعـونـا... في الجزء القادم
التعليقات
نرجو ان تتحدث لنا ماهية الوياني بصورة اشمل وعلاقة قادتها باسياس افورقي