الرواية الأفريقية صراعات اللغة والهوية
بقلم الأستاذة: فاطمة موسى - شاعره وكاتبه ارترية المصدر: جريدة العربي الآن
"لغاتنا الأصيلة ثرية وخصبة، فيها تعابير و سرديات من صميم الروح للغات الأفريقية،
لا يمكن ان تجدها في لغات أخرى، وكلمة "ابيكو" كمثال بمعنى الولادة المتجددة و اللامتناهية، وهذا التعبير من لغة "الجيكويو" في كينيا". المقولة للأديب الدكتور و الروائي موكوما واثيونغو نجل الروائي الكيني نغوجي واثيونغو، الذي تم ترشيحه لجائزة نوبل عدة مرات و ناقش أطروحات لتصفية استعمار العقل من التبعية الثقافية.
تأثر موكوما بوالده وعمله في مقاومة الطمس الثقافي للشعوب الافريقية، فهذا الشبل من ذلك الأسد. لديه العديد من الروايات بأسلوب بوليسي مشوق باللغة الإنجليزية و يكتب الشعر كوالده بلغة قومه "الكيكويو" الذين يقدر عددهم بتسعة ملايين شخص و يشكلون نسبة ٢٢٪ من عدد سكان كينيا الإجمالي.
أصبحت اللغة آلة للسيطرة، عند الإمبريالية العالمية، حتى بعد الاستقلال، وحركات التحرر في ستينيات القرن الماضي، ومازالت تفرض الأنظمة و القوى المحلية و مؤسساتها التعليمية اللغات الأوربية كلغات للتعليم و الإدارة كالإنجليزية في كينا، تنزانيا و نيجريا، والفرنسية في بلدان شمال افريقيا و جنوب الصحراء، وتدير ظهرها للغات الشعوب الأصيلة. لذلك فإن اعتقاد و فرضية تساوي اللغات الرسمية و الوطنية غير حقيقي في المجتمعات الأفريقية.
صعود الرواية الأفريقية:
ماذا يعني أن لا يمتلك الجيل الحالي من الكتاب وعلماء الأدب الأفريقي وعيًا حقيقيا لتاريخ هذا الأدب الأصيل؟!
دأب الروائي الكيني الدكتور موكوما وانغوجي، المؤلف والباحث الأدبي في جامعه كورنيل (الولايات المتحدة الامريكيه)، والذي عرف بكتابه الجديد بعنوان "صعود الرواية الافريقيه"، الذي يتناول فيه علي وجه التحديد الأدب الأفريقي باللغات الأفريقية الاصيلة و الأم لشعوب القارة. حيث يرفض اختزال الدراسات الأدبية الأفريقية في ما هو معروف من مؤلفات و أعمال باللغة الإنجليزية أو الفرنسية فقط. ويؤكد في كتابه ان الآداب الأفريقية تفتقد إلى رؤية واضحة للرواية الأفريقية، حيث تفتقر من معرفة حيز مهم و هي الأعمال المكتوبة في الأصل باللغات الأفريقية قبل الخمسينيات. يسلط الضوء على النصوص التي نادرًا ما تتم مناقشتها، موضحًا أن تاريخ الرواية الأفريقية يتجاوز الأعمال المعروفة منذ خمسينيات القرن المنصرم في السرد، الشعر و الرواية. أرشيفه واسع النطاق، ويقرأ كل ما هو مختزل من المواد القديمة والجديدة.
يصب اهتمام موكوما في معرفة بداية التوثيق الأدبي لأفريقيا و مراحل و ملامح الفترة التاريخية التي سبقت دخول الاستعمار الأوروبي للقارة. كذلك محاولة الإجابة عن سبب بقاء الأدب الأفريقي و صعود الرواية الأفريقية ويعتبر هذا الكتاب، أول كتاب يقدم تعريفا منصفا عن الأدب الجنوب أفريقي واللغة الأفريقية في ثمانينيات القرن التاسع عشر حتى أربعينيات القرن العشرين كما قدم اشكالا من ادب الثورة ايام نهاية الاستعمار، الذي ظهر في منتصف القرن العشرين وأواخره، وأدب الكتاب المعاصرين. ويوضح كيف أن الأدب الأفريقي المكتوب و الموثق باللغات الأم الذي وجد في وقت مبكر، غني بالجماليات التصويرية و المفردات الشجية. أضف إلى ذلك أطروحات مراحل النضال للحرية و الإنعتاق للشعوب الأفريقية من هيمنة الاستعمار و مما يعزز قيمة الايمان بأهمية الاستقلال الفكري و التخلص من التبعية الثقافية.
يثير عنوان الكتاب الفضول لمعرفة المزيد خصوصا لمن لديه رغبة فهم الدراسات الأدبية الأفريقية و أسئلة حول طبيعة مسيرة الرواية و النقد الأدبي. أضافة قيمة و أساسية للمختصين والقراء عمومًا الذين يسعون إلى فهم أكبر لتاريخ إفريقيا الأدبي المتجذر والمتنوع.
جائزة و مبادرة لدعم الترجمة من السواحلية و تعزيز الأنتاج الأدبي:
وللترويج و دعم للأدب المتعلق باللغة السواحلية كون موكوما وانغوجي عام ٢٠١٤ جائزه أدبيه تشجيعية للرواية باللغة السواحلية. تعتبر السواحلية لغة لأكثر من ثمانين مليون نسمة بشرق افريقيا و بلدان السواحل حتى جزر القمر. تم تدوين الآداب و الأشعار و تطور الرواية و السردية باللغة السواحلية منذ القرن الثامن عشر ميلادي حيث كان هذا انتقال من الثقافة الشفوية للفلكلور، تناقل الحكايا و الأمثال و الأساطير و الأغاني إلى التدوين و التوثيق. هذا لا يعني ان السواحلية لم تكن مكتوبة قبل هذا التاريخ و الأحرف اللاتينية حيث كانت البلدان التي تتواجد فيها اللغة السواحلية فى افريقيا السواحلية تستخدم الحروف من اللغة العربية و كانت لغة تواصل و تعامل للتجارة. نظم السكان للجزر و السواحل الشعر بالقوانين العروضية و أوزان الخليل بن احمد الفراهيدي يظهر تأثيرها فى الجمل كما كانت اللغة و متأثرة بالدين الإسلامي و فيها تعاليم الحكمة والقرآن الكريم و السيرة النبوية.
تغير ذلك في القرن الثامن عشر الميلادي حيث تم تغيير الأبجدية العربية الى الحروف اللاتينية مع دخول مبشري الكنيسة الأوروبية و بعد ذلك تم دعمها من القوات المحتلة الأوروبية خاصة البريطانية. كذلك قام الألمان فى فترة معينة أرادوا للسواحلية ان تزدهر فترجموا الكتب اليها من الألمانية لنشر ثقافتهم فى افريقيا.
من اهم الكتاب بالسواحلية الكاتب من زنجبار التابعة لتنزانيا محمد زايد عبدالله ١٩٦١م و شعبان روبرت الذي يعد من مبدعي الشعر في الشرق الأفريقي وله العديد من الأعمال الشعرية والنثرية باللغة السواحيلية، في تنزانيا تم تطوير السواحلية فى المدارس و السياسة التعليمية لكنها للأسف مازالت تعاني تحت خط التهميش مقارنة بالإنجليزية.
أهمية التعرف على أصوات افريقية تكتب بلغاتها الأم:
"الأشياء تتداعي " للروائي النيجيري تشينوأتشيبي التي صدرت عام ١٩٦٢، يعتبرها النقاد بالعالم أول الأدب الأفريقي في الرواية الحديثة حيث بدأت تتخذ كمدرسة للرواية الافريقية في جميع انحاء افريقيا المتحدثة بالإنجليزية تحكي عن مجتمع الريف و قرية أتشيبي قبل الاستعمار. رغم كل ما نالته من ترجمة و اهتمام عالمي الا ان الكثيرون ما زالوا لا يعرفون الكثير عن لغة الأبيغو و الآداب الأخرى المدونة بها و هي اللغة الأم للروائي تشينو أتشيبي.
هنا تكمن مسؤولية المجتمعات الأفريقية و المثقفين بالعمل على تطوير اللغات الأم الأصيلة و تجنب الضغوط الخارجية. طريقة التفكير تفرض التبعية الثقافية و الاقتصادية و هذا نتيجة رغبة التحكم في شعوب القارة و نهب ثراواتها فكان الاستعمار يتفنن في إظهار شعوبها كشعوب متوحشة و همجية بلا ثقافات و حضارة. وهذا ما فعله العديد من الفلاسفة كالفيلسوف كنت و هيجل ظنوا ان الأفارقة بلا حضارة يرقصون حول النار.
افريقيا قارة متنوعة و ملهمة والكثير من الدراسات تشير الى ان اول اثر انساني موجود فيها و هناك تعود جذور الانسان ومنها بدأت الفنون بالظهور كفن النحت و المسرح و لديهم حضارات عتيقة، أشاد في أحد نداوته بحضارة "تمبكتو" بمالي حيث كانت مركز للعلم و التنوير في العصور الوسطى قبل الاحتلال الأوروبي للقارة. كذلك تأثر حضارة الأغريق الهيلينية أم الحضارة الأوروبية بالحضارت الأفريقية على النيل و الشرق و الشمال الأفريقي واضح. عرفت افريقيا فن الكتابة و كان فيها كحرف الجئز المكتوب من قبل الميلاد و اللغات الفرعونية الهيروغليفية و الملاحم و الآثار و الأشعار.
تشكل اطروحات موكاما مرجعا أدبيا و فكريا يركز على بناء الجسور بين شعوب العالم بما أن الحضارة الإنسانية تراكمية و خاصة من خلال الترجمة حيث لدى افريقيا فلاسفة و أدباء يقدمون تنوع أدبي أصيل يستحق الترجمة و الانتشار. كما قال ساراماغو"إن الأدباء يكتبون أدب أوطانهم،بينما العالم برمته يدين للمترجمين بالكثير،لأنهم كُتاب الأدب العالمي".
لا حضارة دون لغة ولا لغة دون حضارة
موكوما وانغوجي