قراءة في ارتريا ومسئوليات ما بعد الاستقلال رؤية مستقبلية - الحلقة الرابعة
بقلم الأستاذ: منصور أبو سما - كاتب وروائي ارتري تأليف القائد المناضل: عبدالله إدريس
رؤية مستقبلية نحو البناء والتعمير:
البناء والتعمير:
إن التنمية الاقتصادية في بلادنا لا يمكن أن تتحقق بدون حرية سياسية
وبالمقابل لايمكن الحديث عن الحرية السياسية بدون حرية اقتصادية. فالمسائل السيادية متداخلة ومترابطة مع بعضها البعض ومن الصعب الفصل بينها.
أن تركيز الجبهة الشعبية لتكريس سلطة حكومتها المؤقتة على البلاد من خلال انفرادها والتلميح بأن مسألة السلطة في إرتريا حسمت لصالحها دون غيرها لأنها تمكنت من أضعاف الفصائل الوطنية الأخرى بل ومن هزيمتها فإن هذا التفكير يعتبر تفكير خاطئ بل وخطير جدا في بلد مثل إرتريا متنوع الثقافات والديانات، وهي محاولة لدفع الساحة الارترية إلى صراعات ونزاعات جديدة والتي نريدها أن تكون مرحلة وفاق واتفاق وأمن واستقرار وتكاتف من أجل البناء.
هذه رؤيتنا المستقبلية لبلادنا نطرحها لكل أبناء إرتريا وكافة الفعاليات الوطنية ونرجو أن يجدوا فيها الشيء المفيد لمصلحة البلاد وأهلها.
السياسة المقترحة للمجال الاجتماعي والاقتصادي والثقافي:-
• ان المجال الاجتماعي يتسع ليشمل كافة النشاطات الإنسانية والخدمات الاجتماعية وعلى رأسها وفي مقدمتها التعليم للكبار والصغار معا والرعاية الصحية ورعاية أسر الشهداء وجرحى حرب التحرير ومناضلي الثورة الارترية الذين يعتبرون النواة الأساسية للقوات المسلحة الارترية.
بالإضافة إلى الاهتمام بمشكلة اللاجئين الاريتريين والمهاجرين في كل أنحاء العالم من الدول العربية إلى أوربا وأمريكا وكندا وأستراليا، وكل هؤلاء يشكلون ثروة وطنية هامة يجب الاهتمام بها ورعايتها والعمل على اشراكها في مسيرة البناء والتعمير ومن بينهم أصحاب فكر وعلم وتجارب وإمكانيات مادية يستطيعون استثمارها في وطنهم الأصلي إرتريا.
• كل ذلك يتطلب رسم سياسات سليمة واستراتيجية واضحة لمستقبل البلاد وذلك نظرا لأن الإنسان هو الغاية والوسيلة في المسيرة التاريخية للبشرية عامة نحو تقدمها إلى الأمام في سلم الرقي الإنساني الذي يستهدف تحقيق السعادة والرفاهية.
• إن شعبنا الذي ناضل وضحى من أجل نيل حريته واستقلاله والذي تمكن من إعلان قيام دولته المستقلة لم يكن هدفه رفع علم الدولة فحسب بل كان هدفه خلق الظروف الملائمة لبناء الدولة على أسس سليمة ترتكز على التعددية السياسية والديمقراطية وإقرار العدالة الاجتماعية وإقامة مؤسساتها الدستورية والقضائية والتشريعية والتنفيذية واختيار ممثليه في إدارة البلاد وممارسة حياته الديمقراطية بحرية تامة بدون خوف وملاحقة. وان تعمل الدولة الارترية على فتح أبواب الرقي والتقدم وتوفير كافة الخدمات الاجتماعية للارتريين جميعا وكل من يعيش على أرضها المناضلة الطيبة من غير الاريتريين.
وتأتي مهمة التعليم في الاسبقبات الملحة ومن ثم الخدمات الصحية وغيرها من الضروريات في حياة الناس جميعا ولأن الإنسان المتعلم والمعافى سيكون بلا شك أكثر عطاء واقدر على البذل والمساهمة الفعالة في بناء الدولة نحو التقدم والرفاهية التي يتطلع إليها الإنسان الارتري تعويضا عن معناته خلال حرب التحرير الطويلة.
اولا - الترببة والتعليم:
من المفيد في هذا المجال تقديم هذا المقترح وهو انشاء:
• مجلس قومي (وطني) لشؤون التربية والتعليم.
من المختصين والخبراء في التربية والتعليم على أن يعطي هذا المجلس صلاحيات واسعة لوضع الاستراتيجية التعليمية ورسم السياسات والخطط الملائمة لاوضاع بلادنا ومتطلباتها وان نترك الدراسة والتقييم وإعداد الاستراتيجية والسياسات للمختصيين في هذا المجال، مع تحديد الأولويات وكيفية الاستفادة من المنح الدراسية لأبنائنا في الدول الشقيقة والصديقة لتأمين الحاجة الضرورية من الشباب المتعلم والمدرك لمسئوليته الوطنية كما يجب على هذا المجلس تشجيع البحث العلمي والإبداع والابتكار لاساليب تربوية حديثة مبنية على ترسيخ بناء بلادنا والحفاظ على مكتسبات شعبنا وانتصارات ثورته.
على أن تبنى سياسة تعليمية يقوم برسمها التربويون من أبناء إرتريا المختصصين في هذا الحقل الحيوي الهام ومن الضرورة بمكان أن ترتكز هذه السياسة على تراثنا النضالي والحضاري والثقافي والاجتماعي مع أهمية الاستفادة من الخبرات الوطنية الارترية اولا ومن ثم الاستعانة بخبرات أشقائنا واصدقائنا وذلك بما لديهم من خبرات واسعة وإمكانيات مادية.
من أجل توفير فرص تعليم لكل المواطنين من الصغار والكبار وبلغتهم الوطنية وهما (العربية - التجيرنينية)، بالإضافة إلى اعتماد اللغة الإنجليزية لكونها من اللغات الأساسية الحية في معظم دول العالم. وهذا يتطلب بطبيعة الحال إعداد المعلمين والكوادر في كافة المجالات والمراحل بما فيها التدريب المهني لأهميته المباشرة في البناء والتعمير. كما يجب الاهتمام بالتعليم الاهلي وتشجيعه لتعم الفائدة بحيث يكون متوفرا في كل المناطق والأقاليم بما في ذلك مرافق الدولة وأجهزتها المتخصصة. كما لا يجب أن لا ننسى الاعتناء بالمناطق التي تضررت وتحملت أعباء الثورة خلال فترة التحرير والتي تعرضت مقدراتها إلى الأضرار الكبيرة لهذا يجب على الحكومة إدراكها بشكل واعي ومنصف.
ثانيا - الخدمات الصحية:
إن مسألة تقديم الخدمات للمواطنين ليست من المسائل السهلة بل تتطلب جهدا كبيرا من إعداد ورسم الخطط وتأهيل الكادر الذي تناط به هذه المهمة الوطنية والإنسانية في آن واحد، خاصة في الأقاليم التي تحملت أعباء الثورة منذ بدايتها الأولى. كما يجب أن تعمل الحكومة في تأكيد بأن هناك فرقا كبيرا بين الاستعمار والسيادة المسلوبة والاستقلال والسيادة الوطنية الكاملة وذلك من خلال ممارسة الديمقراطية وصيانة حقوق الإنسان الارتري، اقول هذا نظرا للالتباس الذي يحدث لبعض المواطنين الذين لم يتمكنوا من تحديد الفرق بين الحالة الراهنة من فترة التحرير وسيطرة حكومة الجبهة الشعبية المؤقتة وحتى الحكومة الانتقالية الجديدة التي لم تظهر أي ممارسة تؤكد الفرق بين الحالة السابقة قبل الاستقلال نظرا للممارسات الديكتاتورية والغموض في سياسات الشعبية المشابهة لسياسات النظام الإثيوبي المندحر.
ولاهمية تطوير الخدمات الصحية نقترح:
تشكيل هيئة متخصصة في هذا المجال لتقوم بوضع دراسات وسياسات وخطط لتحقيق الاستفادة من كل الخبرات الوطنية وفي مقدمتها حشد كافة الإمكانيات البشرية من الأطباء والبيطريين والصيادلة والاجتماعيين بما في ذلك أجهزة وزارة الصحة التي يجب عليها المساهمة في رسم السياسات المستقبلية في إطار هذه الهيئة المتخصصة التي تتولى الإعداد والتأهيل والتوعية للمواطنين في كافة المراكز والأقاليم، وهنا تأتي حاجتنا الماسة وحقنا في طلب العون من أشقائنا واصدقائنا ليساعدونا بامكانياتهم وخبراتهم لنتغلب على مشاكلنا وظروفنا الحالية انطلاقا من روح التضامن والتعاون والمصالح المشتركة بيننا في إطار نشر الوعي لدى المواطنين حول الخدمات العلاجية والوقائية للجميع مثل تعميم التطعيم للمواطنين والجيش وأجهزة الدولة والعائدين من اللاجئين مع بذل الجهود في محاربة الأمراض الفتاكة والأوبئة المستوطنة، بالإضافة إلى توفير الخدمات البيطرية لحماية الثروة الحيوانية.
وفي هذا المجال يمكن تشجيع الهيئات الأهلية مثل الهلال الأحمر والصليب الأحمر وغيرهما من من الجمعيات الخيرية التي تعمل في مجال الخدمات الإنسانية. وتوفير الخدمات الصحية للمناطق النائية للرعويين الرحل والعمل على تجميعهم في مناطق حضرية جديدة وفاء من الدولة لمبادئ الثورة.
واننا ندعو الحكومة الانتقالية من منطلق الحرص الوطني في التفكير على أوضاع كافة الأقاليم الارترية وان تضع سياسات مدروسة وواضحة تتميز بالعدالة الاجتماعية والمساواة بين أبناء الوطن الواحد. كما يجب عليها تحديد الأولويات مع الاهتمام والتركيز على الأقاليم التي تضررت أكثر من غيرها في مرحلة التحرير الوطني. أما حشد الإمكانيات بمدينة اسمرا وحدها ونظافتها فإننا نعتبره اجحافا.
كسرة:
اضعناك فضعنا الشهيد البطل عبدالله ادريس محمد رحمة الله عليك ورفاقك الميامين.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة