حرب آبي والتغراي.. تساؤلات غريبة وحقائق واضحة

بقلم الأستاذ: هاشم محمود - كاتب وروائي ارتري   المصدر: صدى الأمة

استكمالا لما سبق من حديث عن الحرب بين أديس أبابا والتغراي التي أسقطت مئات القتلى

أبي أحمد علي

وشردت عشرات الألوف، أعود إليكم لنطل بقراءة جديدة على هذه المعركة الشرسة بتساؤلات غريبة وحقائق واضحة عنونت بها هذا المقال، ليعلم القاصي والداني أننا كمواطنون إريتريون لا يهمنا في المقام الأول سوى الإنسان الذي يدفع في هذه البقعة من الأرض ثمنا باهظا لقاء العيش، ويزج به في أتون صراعات سياسية لا تصب إلا في مصلحة من أشعلوها، وليعلم كذلك أبناء وطننا الغالي أن هذه حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل.

أبدأ حديثي، لأقرر حقيقة ربما غابت عن البعض في مقالي السابق الذي تحدثت فيه عن التغراي وما كان منهم في خق جبهة التحرير الإريترية، لأقول إن ما سردته كان للتذكرة بحقائق التاريخ وحكمته، وتأكيدا بأن الإريتريون وجبهتهم الوطنية كانت وستظل حتى تقوم الساعة لا يحملون إلا الوطن في قلوبهم ولا يتآمرون على أحد ولا يسعون إلا إلى هدف واحد: إريتريا الوطن الحر والشعب الذي يستحق حياة كريمة تعوضه ما عاناه من استعمار وقمع وتجريف، ولذلك فإن الحديث عن الخلفية التاريخية ليست إلا للسبب الذي ذكرته وأنا المشغول بالتاريخ قراءة وبحثا واستعادة لجملة ما ذكرته في مقالي السابق، ولم يكن أبدا للتشفي فيما يحدث للتغراي.

ماذا يحدث في إثيوبيا؟

هذا السؤال لا يبارح عقلي المشغول بما يحدث هناك وما تجره الحرب من خراب على الجميع في الداخل الإثيوبي، وحتما تطال ناره بلا شك بلادي وشعبها في الجوار، امتدادا إلى المنطقة بأسرها.

ووجدتني في الإجابة عن هذا السؤال، أعود إلى رئيس الوزاراء الأثيوبي آبي أحمد، لأجد في رقبته أعلى وسام يمنح في العالم باسم نوبل التي حازها - كما رأى مانحوه تلك الجائزة والعهدة عليهم - في السلام الذي كان الرجل الحمامة البيضاء التي أقرته في هذا الجزء الملتهب من القارة.

شكرا لمن جعلوا آبي أحمد أيقونة السلام، ولكن هل يتابعون ما يحدث في بلادها التي يتربع ععلى عرش حكومتها؟

هل يستمتعون بالقذائف وزخات الرصاص ودوي الطائرات والمدافع بينه وبين خصومه؟

وكيف يستقيمون مع أنفسهم وقوافل النازحين والمذعورين من الحرب تفر في شتات اللجوء وتلتمس أمن المخيمات خارج حدود البلد الذي يحكمه آبي السلام وحامل نوبل؟

ويقودني هذا السؤال إلى سؤال أكثر غرابة: أين المجتمع الدولي مما يحدث في إثيوبيا؟

أين مجلس الأمن، وحقوق الإنسان، ونغمة الانتصار للمقموعين وضحايا الحروب التي تتغنى بها دوما الأمم المتحدة وهيئاتها ورجالاتها؟.. إن هذا الصمت عار وخزي، والتاريخ يقف بالمرصاد لأصحاب المعايير المزدوجة تدوينا وفضحا وتعرية.. فمن يعتبر؟

هل يجرنا الصمت الدولي إلى استعادة مشاهد حرب جنوب السودان بين مشار وسلفاكير وهل يريد رواندا جديدة في القرن الإفريقي؟

ومن سؤال غريب إلى سؤال أكثر غرابة، أتساءل: أليس من العجب العجاب أن إثيوبيا التي تقف اليوم على صفيح ساخن وحرب شعواء تعيش بلا سلام في وقت تشارك فيه بجنودها في قوات حفظ السلام بالسودان والصومال، ويحمل رئيس وزرائها (زعيم حزب الازدهار!) جائزة نوبل للسلام؟.. ما هذه التناقضات الغريبة في بلد العجائب وعالم الغرائب الذي نعيش فيه؟!

لقد كشفت الحرب بين التغراي وحكومة آبي أحمد عن دموية هذا الرجل الذي يبدو أنه لن يتراجع ولن يستسلم قبل أن يحقق أهدافه بمزيد من الجثث والدمار والتشريد والخراب، وتجلى ذلك في رفضه كل الوساطات التي أردات أن تخاطب في الديكتاتور النهم للدماء السلام المزعوم الذي يحمل جائزته المزيفة.

أيها السادة، أحمل إليكم هذه التساؤلات لتفكروا في إجاباتها وتدققوا في ثناياها حتى تعلموا الحقيقة كاملة، وميف تدار اللعبة وإلام يهدف صناع الحروب وأعداء الإنسانية التي لا تجعلنا في هذا المقام نتشفى فيما يحدث للتغراي رغم ما يحمل التاريخ لها من خطايا ونكوص بحق إرتريا وشعبها.

ودعوني أستشرف لكم مستقبل إثيوبيا من وحي التاريخ وحكمته وعبره، وأخبركم أن إثيوبيا بلد موعود بصراعات من النوع الثقيل الشرس، وفي حال انتهت تلك المعركة بهزيمة التغراي، فإنهم سيتحولون بلا شك إلى تكتيك (حرب العصابات) وعندئذ لن يتمكن رجل السلام ! آبي أحمد ولا جنوده إلى السيطرة عليهم، ولن تجني المنطقة بأسرها إلا نسخة جديدة من الصراعات والدمار ممهورة بتوقيع حمامة السلام آبي أحمد.

وفي زاوية من المشهد المستقبلي لإثيوبيا، فإن بقية القوميات في الداخل الإثيوبي لن تأمن مكر عذا الرجل ولن تمنحه الثقة مطلقا، وبالكبع سيمنى بخسارة فادحة وسوف يطاح به في الانتخابات المقبلة.

أعود إلى وطني الذي لا يبارح قلبي ولا عقلي، وأتساءل ما لنا وما لهذه الحرب؟

الحقيقة أننا مشغولون بما نحن فيه، فإريتريا ينقصها الكثير لكي تنهض من كبوتها، لا شأن لها بما يجري على أرض بلد مجاور تكبدنا في سبيل أطماعه الاستعمارية الكثير والكثير، وابتعدنا في السنوات الأخيرة التي أعقبت التحرر من هذا الكابوس عن محيطنا العربي الذي يشكل جزء أصيلا من ثقافتنا وموروثنا.. فمن يقف وراء ذلك الابتعاد ويكرس لتعميقه وإقصائنا من محيطنا العربي؟

وعلى ذكر المحيط العربي، لا يسعني في هذا المقام إلا استعادة التاريخ المشرف للقاهرة عاصمة مصر أم الدنيا وريادتها وما كان لها من دور عظيم في تأسيس جبهة التحرير الإريترية في العام 1960، وأتمنى أن يكون مستقبل إريتربا يغرد خارج سرب الصراع المحتدم الذي يدور في القرن الإفريقي والمصير المظلم الذي ينتظر إثيوبيا والسلام المبتور الذي يمارسه آبي آحمد بالقتل الأعمى والتشريد.

وفي النهاية أكرر: ليس لي إلا وطني، ولا يعنيني إلا وطني، ولا أريد إلا المصلحة العليا لإريتريا وشعبها، تلك المصلحة التي تؤكد كل الحقائق التاريخية أنها ستتحقق بعيدا عن الدوران في الفلك الإثيوبي الملغوم.

قلبي على وطني.

Top
X

Right Click

No Right Click